أمانة القيادة.. ومسؤولية العلماء -د. عبد الله الحريري
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
1434/03/16 - 2013/01/28 14:13PM
أمانة القيادة.. ومسؤولية العلماء
د. عبد الله الحريري
د. عبد الله الحريري
إن الناظر في الشأن السوري يرى حركة نشطة لأفراد ومنظمات علمانية، أو ليبرالية، أو لا دينية، وتتسلّم زعامة الحراك الثوري في الخارج، ومدعومة من جهاتٍ دولية من أجل قطف الثمرة وتسلم السلطة كما تعودت سابقاً في معظم الدول العربية!.
إلا أنّ فقدانها للزخم الثوري في الدخل، وفقرها للتمثيل الحقيقي لكتائب المقاومة، وكون معظم الفصائل المقاتلة إسلامية الصبغة والهوى والمحتوى، جعل القوى الغربية الداعمة لها تنظر إليها بعين الريبة في تحقيق ما تصبوا إليه- والحال كما ذكرت- فكان الدعم لها ضعيفاً مخلوطاً بكم هائلٍ من المماطلة ومواعيد عرقوب:
أضحتْ مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً وما مواعيدُ عرقوبٍ إلا الأباطيلُ
وبالمقابل نجد أن علماء الشام لم يقوموا بالمهمة المنوطة بهم كما قام أسلافهم، فتصدروا الأحداث، وتسلموا قيادة الأمة في النصح والإرشاد والتوجيه والإدارة، والقيادة الحقيقية للجهاد كما فعل ابن تيمية في تصديه للتتار، والعز بن عبد السلام في قيادة الإنكار على الملك الصالح إسماعيل في دمشق، ومن بعدُ في تصحيح أوضاع الأمراء في مصر، لقيادة جبهة الدفاع عن الوطن الكبير وتوحيد الجهود في التصدي لغزو التتار.
وبالرغم من إقامة الكثير منهم في دول الخليج ، ولبعضهم صلاة قوية مع أصحاب القرار فيهما، ولديهم حضور قوي عند محبيهم ومريديهم، وتوجهات كثير منهم سلفية بحتة، إلا أنهم رضوا من الغنيمة بالإياب أو بالإقامة المنعّمة الهادئة وذلك لأن:
- البعض منهم رضي بالحضور الإعلامي الكثيف، الذي كان له أثره في بداية الثورة، ثم فقد زخمه مع مرور الأحداث، وبعد أن أصبحت البرامج مكرورة، والأقوال معروفة، والسخريات التي لا تتناسب مع الدم الدفّاق في بلاد الشام، والفيديوهات المنتقاة التي تخدم شخصه، أصبح المشاهد يملّها، وهو يحسب أنه يحسن بذلك صنعاً.
ولو أنه خصص تلك المساحة من الزمن وتفرغ إلى التفكّر في كيفية توحيد الجهود، بين فصائل المقاتلين، وتقريب الرؤى بين قياداتهم في الداخل والخارج، والانفتاح على أقرانهم من العلماء، والتواصل معهم باستمرار، واستثمار العلاقات الطيبة بينهم وبين أصحاب القرار لكان خيراً لهم.
- وبعضهم رضي بتشكيل تكتلات هنا وهناك، واعتماد الولاء للشخص وللذوات، بدلاً من الانفتاح على الجميع، وتوظيف العلاقات الواسعة مع علماء الامة، في الحصول على دعم واسع ورديف لتعزيز جبهة صراع الحق مع الباطل، وخاصةً أن العالم أجمع قد رمانا عن قوسٍ واحدة.
- وآخرون دخلوا في إئتلاف ومجالس، لعلهم يعطون صورةً مقبولة للعالم الظالم عن تسامحهم، وقبولهم للآخر، يحضون من خلالها على الدعم المباشر وغير المباشر، لجميع أنواع الدعم في سبيل الخلاص من مجرمي بلاد الشام، وتحقيق الحرية والعدالة، وإنصاف الإنسان وجميع طوائف بني البشر، فباءوا منهم بوعود، ومواقف أقل ما يقال فيها أنه الخذلان!!.
ولو أن علماء الشام ودعاتهم جمعوا أمرهم، وفتحوا صدورهم لبعضهم البعض، وحرروا نياتهم، وأخلصوا أقوالهم وأفعالهم واتخذوا خطوات إجرائية، ومواقف عملية لجمع الكلمة، وتوحيد الصف، واستنهاض الهمم، وقيادة الكتائب الفاعلة على الأرض، وتوفير الدعم المطلوب من العرب الداعمين، والمسلمين المخلصين، والتوكل على رب العالمين، واستنهضوا همم دعاة وعلماء المسلمين، وتجارهم وأهل الخير فيهم، لكان خيراً لهم، ولأمتهم، ولبلدهم الشام وأخص بذلك سورية. ولربما كان الحسم أسرع، والتضحيات أقل، والنصر أقرب إلى المنال منه إلى الزوال.
يا علماء سورية.. هل تبلغكم كلماتي هذه، وتسمعوا لصوت النصيحة ولو كانت من أصغركم، وتتحرروا من أنانياتكم وذواتكم، وحب البعض منكم للجاه والظهور، والاحتفاظ بمكاسب خُلّبية، ولو كانت بعد ذلك عظائم الأمور!!
كتائب الثوار المجاهدة، متعطشة لقائد مخلص بعيد عن (الأنا)وعن تعبيد الناس لذواتهم، مُخدَّرين بإطراءات العامة لشخصياتهم، منفتح على إخوانه، عنده مساحة من الفكر والتأمل والمراجعة، غير مركزي ولا يشغل نفسه بسفاسف الأمور، ولا يقرّب لمراكز القرار من كان متهماً بدينه وأمانته وخلقه!!.
هذا الذي تتأمله كتائب الثوار ليحقق الله على يديه أو أيديهم الوحدة، والمنعة، والقوة، ويقودهم من نصر إلى نصر.. نصراً يعزُّ به أولياءه، وينصر عباده، “ويومئذٍ يفرح المؤمنونَ بنصر الله" [الروم: 4-5].