أمانة العمل في الإسلام

Sheikh Sayed2019
1445/10/19 - 2024/04/28 02:16AM

الحمد لله رب العالمين .. أمر الإنسان بالسعي في الأرض لطلب الرزق، وترك الكسل والخمول، فقال تعالى } هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(15) { ] الملك[  

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير. أمر بالعمل ورفع من قيمة العاملين ،فقال تعالى }وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (105){ ]التوبة[

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) سيد العاملين أوصي بالعمل ورفع من قيمة العمل ، فعن المقدام  بن عمرو كرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) :}ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ{[البخاري]

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .  

أما بعـد : فيا أيها المؤمنون ..

إن الإيمان الصادق ليس مجرد إدراك ذهني أو تصديق قلبي غير متبوع بأثر عملي في الحياة ، كلا! إنه اعتقاد وعمل وإخلاص.

ومهما اختلف علماء الكلام والجدل في العقائد حول مفهوم الإيمان وصلة العمل به: أهو جزء من مفهومه أو شرط له أم ثمرة من ثمراته، فإنهم متفقون على أن العمل جزء لا يتجزأ من الإيمان الكامل.

ومما أُثِر عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: "ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل".

وقد ذكر القرآن الكريم الإيمان مقروناً بالعمل في أكثر من سبعين آية من آياته، ولم يكتف بمجرد العمل ولكنه يطلب عمل "الصالحات" وهي كلمة جامعة من جوامع القرآن الكريم تشمل كل ما تصلح به الدنيا والدين، وما يصلح به الفرد والمجتمع، وما تصلح به الحياة الروحية والمادية معاً، والنجاح في الدنيا مرتبط  بالعمل،

ولا يذهب الظن أو الوهم بأحد، فيحسب أن ارتباط السعادة والفوز بالعمل مقصور على الآخرة وحدها، فإن قوانين الله في الجزاء واحدة، ورب الدنيا والآخرة واحد، فالله تعالى يقول: }إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا (30){  ]الكهف[

وقال تعالى:} فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ (74){  ]الزمر[

وقال تعالى:}فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ (7) وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ

(8){ ]الزلزلة[

وسنة الله التي أخبرنا القرآن الكريم أنها لا تتبدل ولا تتحول، ولا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد، أو يحقق ما يأمل، بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر، فمن عمل أُجر، ومن قعد حُرم، مهما كان دينه أو اعتقاده ، وبهذا يندفع المؤمن إلى العمل دائماً، حتى لا يُصادم سنن الله في الكون فتصدمه ؛ فيكون من الهالكين. لذلك كان حديثنا عن أمانة العمل في الإسلام وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..

1ـ نظرة الإسلام إلى العمل :

2ـ ذكر الصناعات في القرآن الكريم.

3ـ الهدف من العمل .

4ـ ضوابط العمل.

5ـ الخاتمة.                     

العنصر الأول: نظرة الإسلام للعمل :

1ـ  لقد اعتنى الإسلام بالعمل المهني وجعله نعمة تستحق الشكر قال تعالى:}لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ (35){ ] يس[

فالآية تشير أن ما يتغذى عليه الإنسان هو من كسبه وكده سواء كان بزراعة الأرض وهو ما أومأت إليه الآية : " من ثمره " أو بالتجارة المشروعة كما في قوله : " وما عملته أيديهم " وهذه القدرة التي منحها الله تعالى للإنسان والعلم الذي وهبه إياه لاستخراج ما في بطن الأرض من الخيرات والثمرات وإدارة موارد الطبيعة وحسن توظيفها هو نعمة عظيمة تستحق الشكر الجزيل والاعتراف بالجميل .

2ـ  اعتبر الإسلام العمل نوعا من الجهاد ينال به العامل درجة المجاهدين وشرف المرابطين ، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال :مرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ (ﷺ) من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ ! لو كان هذا في سبيلِ اللهِ }فقال رسولُ اللهِ (ﷺ) إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ{ ] المنذري في الترغيب والترهيب[

ولما لا يعد العمل جهادا ؟ وهو الذي يوفر الطعام والشراب والكساء والسلاح والمال للمرابطين في أرض المعركة ولولا العمال الكادحين والصناع المهرة ما قامت لنا قائمة ، وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه" سفيان بن مالك " ساعيا بالبصرة فمكث حينا ثم استأذنه في الجهاد فقال له عمر رضي الله عنه : أولست في جهاد ؟

3ـ  والعمل الجاد مكفر للذنوب ومطهر للآثام ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: }من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له{. ]أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الأوسط[

4ـ العمل مهما كان حجمه إذا نوى صاحبه إطعام الجائع وكساء العاري وشفاء المرض وإغناء الفقير كان له بذلك صدقة جارية وأجر غير ممنون ما انتفع الناس والحيوان بثمرة عمله ،وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك..

ـ فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): } من بنى بنيانًا في غيرِ ظلمٍ ولا اعتداءٍ أو غرسَ غرسًا في غيرِ ظلمٍ ولا اعتداءٍ كانَ له أجرٌ جارِ ما انتفعَ بِه من خلقِ اللهِ تبارَك وتعالى{ ] الطبراني والبيهقي[

ـ وعن أبي أيوب الأنصاري ، عن رسول الله (ﷺ) قال: }ما من رجل يغرس غرسا إلا أعطاه الله من الأجر بقدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس{ .] مسند الإمام أحمد[

ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }ما من مسلمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أو يَزْرَعُ زَرْعًا فيَأْكُلُ منه طيرٌ ولا إنسانٌ إلا كان له به صدقةً { ]البخاري ومسلم[

العنصر الثاني: ذكر الصناعات في القرآن الكريم:

ومما يؤكد على قيمة العمل أن القرآن الكريم أشار إلى كثير من الصناعات التي لا يستغني عنها الناس مثل...

1ـ صناعة الحديد : قال تعالى:}وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ (25){ ] الحديد[

2ـ صناعة الأكسية : قال تعالى :}وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ (80){ ] النحل[

3ـ الصناعات الحربية : قال تعالى }وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ (10) أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ (11){ ]سبأ[

4ـ صناعة الجلود : قال تعالى:} وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ (80){ ]النحل[

 5ـ صناعة الملابس : قال تعالى:}وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ (81){ ] النحل[" والسربال : القميص من أي شيء.

6ـ صناعة السفن والمراكب : قال تعالى:} فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا(27){ ] المؤمنون[

7ـ الصناعات السكنية : قال تعالى: }وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا

وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ (74) {

 ]الأعراف[

كما كان كثير من الأنبياء لهم حرف يرتزقون منها فآدم عليه السلام كان حراثا ، وداود عليه السلام كان صناعا للسرد والدروع ، وموسى عليه السلام كان راعيا للغنم، وكذا نبينا (ﷺ) اشتغل بالرعي .

فقد حث الإسلام المسلم على أن يكون ديدنه في حياته كلها العمل والعطاء وتعمير الأرض وبناء الحياة حتى يدركه الموت أو الساعة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}إنْ قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل{[أخرجه أحمد في المسنَد]

العنصر الثالث : الهدف من العمل ؟

1ـ إعفاف النفس:

 فالعمل مهما كان قدره ومهما كان ربحه وعائده فهو يمنع صاحبه من التبذل وسقوط ماء الوجه وضياع هيبته بالسؤال وبذلك ينال العامل توقير المجتمع واحترامه ويحيى عزيزا كريما ويموت جليلا حميدا واليد العليا خير من اليد السفلى ، ولقد ذم الإسلام الكسل والبطالة ،وحارب التسول ،فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):} لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ{ ] البخاري[

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : " إني لأكره الرجل فارغا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة "

2ـ تقدم الأمة  ومنعتها:

إن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المنعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها ، وقد رأينا يوم أن أصبحنا عالة على غيرنا في ما نأكل ونشرب ونلبس ونركب ونحن لا حول لنا ولا قوة نُهِبت أموالنا وصودرت أراضينا ومقدساتنا ؛ ولذا كان من مخطط الغرب لنا أن يبقينا شعوبا جاهلة متسولة لكل تقنية تعيش وتقتات على صناعات غيرها يقول أحد القساوسة الفرنسيين : " إن العالم الإسلامي يقعد اليوم على ثروة خيالية من الذهب الأسود والموارد الأولية الضرورية للصناعة الحديثة ؛ فلنعط هذا العالم ما يشاء ولنقو في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه عن مجاراة الغرب في الإنتاج فقد بؤنا بالإخفاق السريع وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطرا داهما يتعرض به التراث الغربي لكارثة تاريخية ينتهي بها

الغرب وتنتهي معه وظيفته القيادية "

لذا فإن العمل والإنتاج لسد حاجة المجتمع وتقوية بنيته ، وتحقيق تقدمه وريادته في شرعنا فرض تأثم الأمة كلها إذا لم يتحقق لها ذلك ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " لهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما كأبي حامد الغزالي ، وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم : إن هذه الصناعات فرض على الكفاية فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها "

العنصر الرابع: ضوابط العمل :

1 ـ أن يكون العمل صالحا ومشروعا :

أن لا يكون هذا العمل مما نصت الشريعة على حرمته وبان ضرره وعظم خبثه كزراعة المخدرات والاتجار فيها وتعاطي الربا في المعاملات المالية وغير ذلك ، والمحرمات في ديننا معروفة ومحدودة ودائرة الحلال واسعة تستوعب كل النشاط الإنساني، قال تعالي:}يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91){ ]المائدة[

وما دام العمل كذلك وجب البعد عنه وحرم الاشتغال به وحرم استخدام المال الذي يأتي منه قال تعالى }وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (77){ ]القصص[

2ـ ألا يشغله العمل عن آخرته :

العمل ليس هدفا في حد ذاته ؛ وإنما هو وسيلة تغني المسلم وتكفل له حياة كريمة فينبغي أن لا تشغله عن آخرته وتعطله عن ربه وتعوقه عن خدمة دينه بل ترفعه إلى العطاء ورعاية واجباته الدعوية ؛ ولذا جاء في وصف المؤمنين الصادقين : قال تعالى}  رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ (37){ ] النور[

وقال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (9){ ] المنافقون[

فالمؤمنين ليسوا عالة على غيرهم تشغلهم عبادتهم عن العمل والكسب ، وليسوا طلاب دنيا وعبيد مال تحجزهم مصالحهم وتلهيهم تجارتهم عن أداء حقوق الله تعالى قال تعالى: }وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ.. { ] القصص[،

 ودخل عبد الله بن عمر رضي الله عنه  السوق ، فأقيمت الصلاة فأغلق التجار

حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال : فيهم نزلت : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن

ذكر الله .. "

وقال مطرف الوراق : " كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة "

3ـ القناعة والرضا بما قسم الله عز وجل من رزق :

أن يقنع المسلم بما قسمه الله له ويرضى برزقه وهذا يمنعه من التطلع إلى ما في أيدي الناس ، وسلوك طرق محرمة لزيادة دخله كالرشوة والسرقة والتزلف لذوي الأموال

هي القناعة لا تبغي بها بدلا          فيها النعيم وفيها راحة البدن

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها        هل راح منها بغير القطن والكفن

وقد ذكرها الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف، وعبارته: "ودخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد، وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك عليّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامها، ومضى وترك البغلة، فخرج علي وفي يده درهمان ليكافئ بها الرجل على إمساكه بغلته؛ فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي رضي الله عنه: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له". انتهى.

4ـ عدم استغلال العمل أو المنصب في كسب غير مشروع :

يحرم علي العامل أو الموظف أن يأخذ من الجهة الني يعمل بها أكثر من الأجر المقدر له أو الحافز المقرر له . ومن يحاول أخذ شيء سوي ذلك فهو غال وخائن لأمانة قال تعالى : }وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (161){ ]آل عمران[

وروي مسلم في صحيحه بسنده عن عدي ابن عميرة الكندي قال سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:} من استعملناه منكم علي عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة قال فقام رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله أفيل عني عملك قال ومالك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم علي عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه {انتهي .

كما يحرم علي العامل أو الموظف أن يرتشي أو يقبل الهدية ممن يعمل لهم من الناس فأخذ الرشوة إن كانت في مقابل تسهيلات فالحرمة تكون أشد لما فيها من أكل السحت ومخالفة الأمر وإن كانت بلا مقابل فكيف يأخذ ما لا يستحق وكيف يحمل

 نفسه من الأوزار في الدنيا والأثقال في الآخرة مالا يحتمل .

روي الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن

رسول الله (ﷺ) الراشي والمرتشي {

وحديث ابن اللتبية خير دليل علي ذلك . روي مسلم رحمه الله في صحيحه بسنده عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله  (ﷺ) رجلا من الأزد علي صدقات بني سليم يدعي ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي فقال رسول الله (ﷺ) فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتي تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتي تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالي يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر  ثم رفع يديه حتي رؤي بياض إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني{ .

5ـ أن يلتزم بمواعيد العمل ابتداء وانتهاء :

حتى لا يضيع مصالح الناس ولا أوقاتهم ، ولا يقضي مصالحه الشخصية في أوقات العمل المحددة .

6ـ بذل الطاقة وإعطاء الجهد أثناء العمل :

فكما أحسن الله إلي الإنسان بالصحة الجيدة والقدرة علي البذل والعطاء يجب علي الانسان أن يعطي ولا يبخل ويعمل ولا يكسل ويظهر من نفسه القدرة ولا يعجز كما قال تعالى } وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ..{.وكما أخبر النبي (ﷺ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي (ﷺ) :}المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ { ] أخرجه مسلم[

7ــ الإتقان في العمل :

يقول الفيروز أبادي في معجمه : "أ تقن الأمر أحكمه وأتقن الرجل الحاذق ورجل من الرماة يضرب بجودة رميه المثل " 

والإحسان يرادف كلمة الإتقان وهو " يقال على وجهين :

أحدهما : الإنعام على الغير يقال : أحسن إلى فلان

والثاني : إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا " وعلى هذا قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: " الناس أبناء ما يحسنون ، أي منسوبون إلى ما يعملونه من الأفعال الحسنة "

وفي ضوء التعريف اللغوي لكلمتي الإحسان والإتقان ندرك أن اللفظين يتفقان على ممارسة النشاط الإنساني بمهارة عالية ودرجة كبيرة من الإحكام والجودة ، وفي تعريف الإحسان بأنه " الإنعام على الغير " ندرك أن المحسن في عمله والمميز في مهنته والبارز في صنعته بالإضافة أنه يضيف إلى مهنته ويرتقي بها هو في ذلك الوقت ينال شرف آخر وهو الإحسان إلى أمته وكل من يستفيد من صنعته إذ يقدم لها منتجا جيدا سواء كان في أمر الدين أو الدنيا أو العلم والعمل

وقد حضنا ديننا على إتقان العمل فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }إنَّ اللَّهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلةَ وإذا ذبحتُم فأحسِنوا الذِّبحةَ وليُحدَّ أحدُكم شفرتَهُ وليُرِح ذبيحتَه{ ]صحيح الترمذي[

 والنبي (ﷺ) ضرب مثلا في الحديث بأعمال يجب فيها الإحسان وهي أمور هينة لا يترتب على عدم الإحسان فيها آثار بالغة ليؤكد أمرين :

الأول : إذا كان الإحسان مأمورا به شرعا في الأمور البسيطة فإنه أشد وجوبا وأكثر إلزاما في الأعمال الجليلة التي تتوقف عليها حياة الناس وتتحقق بها ضرورياتهم

الثاني : أن يصير الإحسان في الأعمال ثقافة عامة في المجتمع وخلقا واقعا وسلوكا حيا تجده متجليا وبارزا على كل كلمة أو قول أو فعل أو مهنة أو شريحة أو مؤسسة عامة أو خاصة ؛ هذا هو غاية الإسلام في تعاليمه وأحكامه ، إيجاد أمة محسنة وهي إذ تتخلق بهذا إنما تتصف بما وصف الله به نفسه القائل : }صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ (88){ ] النمل[

ولو دققت النظر في قوله (ﷺ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (ﷺ) }إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ { ] صحيح الجامع[

لوجدت كلمة " عملا " جاءت مطلقة من غير تحديد لنوع معين من الأعمال يجب الاهتمام به والإحسان فيه دون غيره لتشمل أعمال الدنيا والآخرة ، وهذا ما أشار إليه الحديث السابق : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " وقوله تعالى: }إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ (90) { ] النحل[

أهمية إتقان العمل :

أولا : على مستوى الفرد :

1ـ أن المسلم الذي يُحسن في صنعته ويتقن حرفته ويخلص في أداء عمله ينال حب الله تعالى ورحمته كما جاء في الحديث السابق: }إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه {

2 – ينال المتقن احترام الآخرين ويكسب تقديرهم لمهارته وينال ثقتهم فيه يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه -: " قيمة كل امرئ بما يُحسن ، وما لا يحسن لا يُحمد "

بالإحسان تتفاوت أقدار الرجال وأسوق إليك هذه القصة التي تؤكد هذه الحقيقة ،

وعلى الوجه الآخر فإن الإنسان المهمل المتهاون في عمله أول من يجني أثر ذلك

ويصطلي بنار التسيب ويكتوي بلهيب الفوضى وإليك هذه القصة: " كان هناك نجار تقدم به العمر، وطلب من رئيسه في العمل وصاحب المؤسسة أن يحيله على التقاعد ليعيش بقية عمره مع زوجته وأولاده ، فرفض صاحب العمل طلب النجار ورغّبه بزيادة مرتبه إلا أن النجار أصر على طلبه!!

فقال له صاحب العمل إن لي عندك رجاءً أخيراً وهو أن تبني منزلاً أخيراً وأخبره أنه لن يكلفه بعمل آخر ثم يحال للتقاعد فوافق النجار على مضض، وبدأ النجار العمل ولعلمه أن هذا البيت هو الأخير فلم يحسن الصنعة واستخدم مواداً رديئة الصنع وأسرع في الإنجاز دون الجودة المطلوبة..!!

وكانت الطريقة التي أدى بها العمل نهاية غير سليمة لعمر طويل من الإنجاز والتميز والإبداع!!

وعندما انتهى النجار العجوز من البناء سلّم صاحب العمل مفاتيح المنزل الجديد وطلب السماح له بالرحيل، إلا أن صاحب العمل استوقفه وقال له: إن هذا المنزل هو هديتي لك نظير سنين عملك مع المؤسسة فآمل أن تقبله مني !!

فصعق النجار من المفاجأة لأنه لو علم أنه يبني منزل العمر لما توانى في الإخلاص في الأداء والإتقان في العمل "

فكل منا نجار يبني لنفسه في هذه الحياة ويرسم صورة له تنعكس حوله ولابد أن يحافظ علي حسن الأداء في جميع الأحوال والأزمان لأن المستفيد الأول من ذلك هو نفسه قبل الآخرين ، فأتقنوا أعمالكم كلها صغيرها وكبيرها في كل شيء، فالإتقان أساس النجاح وعنوان القوة والقبول والتميز..

يقول الله عز وجل }وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(28){ ] المائدة[

ثانيا : على مستوى الأمة :

فبالإتقان تستقر الحياة وتتقدم الأمة ويحصل لها غنى عظيم وثروات طائلة وريادة في المجالات المختلفة صناعية وتجارية وزراعية وبهذا تفرض الأمة الإسلامية نفسها على العالم الذي لا يُقدِّر إلا الأقوياء ولا يعترف إلا بأصحاب المال والجاه .

عوامل إتقان العمل :

أولا: من جهة العامل :

1 ـ أن يعتقد المسلم أن عمله محل نظر الله تعالى قال تعالى :}وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (105){ ]التوبة[

2 ـ أن يعلم أن عمله أمانة عنده فلا يضيعها ويفرط فيها وقد قال الله تعالى: }وَٱلَّذِينَ

هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (8) { ] المؤمنون[

3ـ الجد والمثابرة في العمل: فالإتقان يحتاج إلى مجاهدة ومغالبة لعوامل الكسل والإهمال لذا يقول ربنا عز وجل :}وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (69){ ] العنكبوت[

ويقول الشاعر :

ذريني أنال ما لا ينال من العلا          فصعب العلا بالصعب والسهل بالسهل

تريدين إدراك المعالي رخيصة          ولا بد دون الشهد من إبر النحل

4ـ أن يختار الإنسان العمل أو المهنة التي يحبها ويقتنع بها وتنسجم مع ميوله وإمكاناته ويعد هذا من الأمور الضرورية لنجاح الإنسان في عمله ،والإبداع فيه.

5ـ التخصص في الأعمال يعين على التميز والتفرد وما رأيناه من تراث ضخم للمسلمين في شتى العلوم كان أحد أسباب وجوده الأساسية التخصص فمنهم من برز في القراءات ومنهم من برز في الحديث أو الفقه ومنهم في الأصول والطب والنحو واللغة ومن أراد أن يأخذ كل شيء يخرج بلا شيء لأن الإنسان له قدرات محدودة إذا فرّقها في كثير من العلوم ضاعت.

ثانيا : الجهة المختصة (صاحب العمل)  :

1ـ احترام العمل وحسن معاملته تنفيذا لأوامر الإسلام قال تعالى:}وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا (83){

2ـ إعطاء العامل الأجر الذي يتناسب مع جهده فعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي (ﷺ) قال : قالَ اللَّهُ: }ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه{ ] صحيح البخاري[.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه  قال رسول الله (ﷺ):} أعطوا الأجيرَ أجْرَه قَبلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُه { ] المنذري الترغيب والترهيب[

3ـ أن يكون أجر العامل عادلا بحيث يوفر له الحياة الكريمة من الطعام والشراب والملبس والمسكن ، وعدم تكليفه ما لا يطيق وعدم إرهاقه بالأعمال الشاقة التي لا يقدر على إنفاذها فإن فعلنا شيئا من ذلك أعناه بأنفسنا أو بغيرنا، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ{ ] البخاري ومسلم[

4ـ الضمان الاجتماعي فمن حق كل مواطن تأمين راحته ومعيشته كائنا من كان ما

دام مؤديا واجبه أوعاجزا عن هذا الأداء بسبب قهري لا يستطيع أن يتغلب عليه ، ولقد مر سيدنا عمر بن الخطاب على يهودي يتكفف الناس فزجره واستفسر عما حمله على السؤال فلما تحقق من عجزه أرجع على نفسه باللائمة وقال له : "ما أنصفناك يا هذا أخذنا منك الجزية قويا وأهملناك ضعيفا أفرضوا له من بيت المال ما يكفيه"

5ـ التشجيع المستمر والثناء على المجدين في عملهم والمتقنين في مهنتهم والمتفانين في صنعتهم وهذا من أعظم الحوافز للإتقان والجد وزيادة الدقة والإحكام .

الخاتمة ..

أيها المسلمون .. إن نهضة الأمم والشعوب ورقيها وسيادتها وسعادتها تتوقف على تقدمها في مجال العلم والعمل، وبهما تبني الأمم أمجادها فلا تبنى الأمجاد على البطالة والجهل والفقر والمرض، ورحم الله من قال:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم             لم يبـن ملك على جهـل وإقـلال.

وبالعمل والاحتراف المتقن تتبوأ الشعوب الصدارة بين الأمم، والله سبحانه وتعالى يحب اليد التي تعمل وتجتهد لتقدم الخير لنفسها ووطنها ودينها، والمؤمن المحترف يحبه الله ورسوله جزاء ما قدم، ومن أحبه الله ورسوله هداه الله واجتباه وحفظه ووقاه وجعله من أوليائه وأدخله في رحمته فيسعد في الدنيا والآخرة. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ويستعملنا لخدمة دينه وخدمة أمتنا  . اللهم آمين

~~~~~~~~~~~~~~

المشاهدات 266 | التعليقات 0