ألوهية الله تعالى

عمر الزبيدي
1446/03/28 - 2024/10/01 20:55PM

إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها المسلمون: شرفُ المخلوق في كمال توحيده لله وحسن عبوديته، فتلك الغاية من خلق العباد، وبذلك أَنزل الله كتبه وأرسل رسله قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ رديْفَ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟» قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: «حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شيئًا».

فتوحيد الله وعبادته هو أول واجب على العباد كما قال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)  وقال سبحانه:  (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) وبذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض على الناس الإسلام، ويبعث البعوث، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: «إنَّك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ فليكن أوَّلُ ما تدعوهم إليه شهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ».

فالإيمان بالله تعالى وتوحيدُه هو أول مباني الإسلام، وأهمُّ أركانه قال عليه الصلاة والسلام: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا».

إذا خلص توحيد العبد امتلأ قلبه تعظيماً لله ومحبة لله فنشِطت نفسه للطاعة واستلذت العبادة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ»

فمن كان أكملَ توحيداً لله كان أعظمَ عبادة له وأشد إقبالاً عليه، فالتوحيد أفضل معين على الطاعة، وأنفع شيء لإحسان العمل، لذلك عظمت منزلته، وتأكدت أهمية العناية به.     

 عباد الله: إن التوحيد الواجبَ يقتضي إفرادَ الله بالعبادة، واعتقاد أنه المستحق أن يعبد وحده لاشريك له، وأن كل معبود سواه باطل، وكلَّ عبادة تصرف لغيره فهي ضلال كما قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).

 وتلك دعوة الرسل جميعاً، وبه حصلت الخصومة بينهم وبين أقوامهم، وبسبب جحده وإنكاره عذب الله من عذب من الأمم السالفة، ودمر المجرمين، وقطع دابر المفسدين يقول عز وجل: (وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ . وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ . فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وتلك سنة الله تعالى في كل من كفر به وكذب رسله وأعرض عن الحق بعدما تبين له (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله…

أما بعد: فإذا كان توحيدُ الله تعالى أعظمَ الواجبات وآكدَ المفروضات وهو أحب الأعمال إلى الله تعالى، فإن نقيضه من الإشراك بالله وجعلِ الأنداد له لهو من أعظم الذنوب وأخطرها، وأبغض المعاصي إلى الله وأقبحها، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نِدًّا، وهو خَلَقَكَ»، وكلُّ معصية وذنب يقع فيه العبد فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه إلا الشرك فإن الله لايغفر لصاحبه لشناعة ما اقترف وقبح مافعل قال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) المشرك بالله لايدخل الجنة ولا يجد رائحتها، بل هو في نار جهنم خالداً فيها أبداً، قال تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ).

المشرك لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)، وإن من الشرك بالله صرفَ شيء من العبادات لغير الله كدعاء الأموات والاستغاثة بهم وطلب النفع أو كشف الضر منهم أو الاستعانةِ بالجن أو الذبح لهم فكل ذلك شرك بالله عز وجل قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، ومن الشرك الرياء؛ وهو أن يقصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس، ولم يرد به وجه الله، فيصلي لكسب ثناء الناس أو يتصدق لينال مديحهم، ومن الشرك تعلمُ السحر واستعماله، وتصديق الكهان والعرافين، وبغض شيء من دين الله أو الاستهزاء بشيء من شعائر الدين أو اعتقاد أن غير حكم الله أفضل من حكم الله كل ذلك يناقض التوحيد وينافيه، وحري بالمؤمن أن يجتهد في سلامة توحيده، وصحة معتقده، فبه السعادة والفلاح، وعليه مدار الفوز والنجاة.

ثم اعلموا عباد الله أن مما يرغَّب فيه ويندب إليه في هذا اليوم الإكثار من الصلاة والسلام على نبيكم الخاتم فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا…

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكافرين، وانصر عبادك المؤمنين

المرفقات

1727805285_‎⁨حق الله تعالى (ألوهيته عز وجل)⁩.pdf

المشاهدات 239 | التعليقات 0