أَلْفَاظٌ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِنْهَا

د صالح بن مقبل العصيمي
1446/04/19 - 2024/10/22 23:47PM

خطبة: أَلْفَاظٌ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِنْهَا.

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

1- عِبَادَ الله: إِنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَضْبُطَ أَلْفَاظِهِ وَعِبَارَاتِهِ بِضَابِطِ الشَّرْعِ، وَالمَنْهَجِ الحَقِّ. وَفِيْ هَذِهِ الخُطْبَةِ سَنَتَنَاوَلُ بَعْض العِبَارَاتِ الدَّارِجَةِ، الَّتِي عَلَيْهَا مُلَاحَظَاتٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ:

أولًا: قَوْلُ بَعْضِهِمْ حِيْنَمَا يُرَاجِعُ جِهَةً مِنَ الجِهَاتِ؛ فَيَسْأَلهُ رِفَاقَهُ: مَنْ وَاسِطَتُكَ عِنْدَ هَذِهِ الجِهَةِ؟ فَيُجِيْبُ: (وَاسِطَتِي الله). تَعَالَى اللهُ عَنْ قَولِهِ عُلُوَّاً كَبِيْرَاً، فَشَأْنُ الله أَعْظَمُ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَسْتَشْفِعُ بِهِ عِنْدَ خَلْقِهِ، وَكَانَ مِنَ المُفْتَرَضِ وَالَّلائِقِ أَنْ يَقُولَ: ذَهَبَتُ مُتَوَكِلاً عَلَى اللهِ، فَاعِلاً الأَسْبَابُ.

- قَالَ رَجُلٌ لِلرَسُولِ ﷺ: (فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِالله عَلَيْكَ، وَبِكَ عَلَى الله، فَقَالَ النَّبِيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله!» فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللهُ، إِنَّ شَأنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِالله عَلَى أَحَدٍ). حَسَّنَهُ البَغَوِيُّ، وَغَيْره.

- فَكَيفَ بمن يَقُولُ وَاسِطَتِي الله؟ فَهَل الله سُبْحَانهُ وَتَعَالَى، رَبُّ العِزَّةِ وَالجَلَالِ، شَفَعَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ المَسْؤُولُ؟ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كبيرًا، وَهَلْ مَقَامُ المَسْؤُولِ أَعْظَمُ، مِنْ مَقَامِ اللهِ؟!

- إِنَّ هَذَا مَعْنَى كَلَامُ القَائِلِ، وَلَو دَرَجَت الأَلْسُنِ عَلَى هَذِهِ العِبَارَةِ، فَيَنْبَغِي الحَذَرُ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ اتِّخَاذُ الشُّفَعَاءُ عِنْدَ اللهِ شِرْكٌ، فَكَيْفَ مَنْ جَعَلَ مَقَام الشُّفَعَاءِ، أَعْظَمُ مِنْ مَقَامِ اللهِ؟! ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾. وَلِنَعْلَمَ عِظَمةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ثانيًا: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ البَعْضِ إِذَا رَأَى رَجُلاً يُشْبِهُ رَجُلاً آخَر: سُبْحَان اللهِ الخَالِقِ النَّاطِقِ، فَإِنَّهُ وَصَفَ الله بِصِفَةِ النُّطْقِ، وَأَسْمَاءُ اللهِ وَصِفَاتِهِ تَوقِيْفِيَّةٌ، والله سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى لَهُ صِفَةُ الكَلَامِ، وَلَا يُوصَفُ بِالنَّاطِقِ، فَيَجِبُ أَلَّا يَعْدِلَ عَنِ النَّصِ.

ثالثًا: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ البَعْضِ: الَّلهُمَّ إِنَّنِي أَحْمَدُكَ حَمْدَاً، حَتَّى يَبْلُغَ الحَمْدُ مَدَاهُ، وَمُنْتَهَاهُ، وَهَذَا كَلَامٌ لا يَصِحُّ، وَلَا يَلِيقُ، مَعْ انْتِشَارِهِ.

- فَإِنَّ العَبْدَ مَهمَا مَدَحَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيهِ، لَا يُمْكِن أَنْ يَكُونَ لِمَدْحِ اللهِ، مُنْتَهَى، وَمَدَى.

- فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ، مَدَى، وَمُنْتَهَى، والرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ: (لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ علَى نَفْسِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ ﷺ، مَهْمَا أَثْنَى عَلَى اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالْثَّنَاءِ، كَمَا أَثْنَى اللهُ عَلَى نَفْسِهِ.

- وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ، قَوْلُهُ ﷺ، كَمَا فِيْ حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ: (ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثناءِ عليْهِ شيئًا لم يفتحْهُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَكَيْفَ يَقُولُ العَبْدُ: أُحْمَدُ حمدًا حتى يَبْلُغ مُنْتَهَاهُ؟

رابعًا: وَمِنْ ذَلِكَ: قَولُ بَعْضهِمْ حِيْنَمَا تُوْكَلُ إِلَيْهِ مُهِمَّةٌ، أَوْ يَسْعَى فِيْ مُهِمَّةٍ، فَيَسْأَلُ: كَيْفَ عَمَلُكَ؟ فَيُجِيبُ: أَدَّيتُ ما عَلَيَّ، وَالبَاقِي عَلَى الله. سُبْحَانُ الله! كَيْفَ جَرَأَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا، فَهَذَا كَلَامٌ لَا يَلِيْقُ بِمَقَامِ اللهِ.

- فَإِنَّهُ هُنَا يَقُولُ: لم يَحْدُثْ مِنِّي نَقْصٌ، وَلَمْ يَبدُرْ مِنِّي تَقْصِيرٌ فِيْ الجُزْءِ المُوكَلُ لِيْ، وَبَقِيَ ما عَلَى الله. سُبحان الله! أَجَعَلْتَ نَفْسَكَ للهِ نِدَّاً؟!

- بَلْ وَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، أنه أَثنَى على نَفْسِهِ، وَوَصَفَهَا بِالكَمَالِ، وَأَمَّا القُصُور – فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إِنْ حَدَثَ - فَلَيسَ مِنْهُ، فَمِمَّن؟؟ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيْرَا.

- قَالَ شَيْخُنَا ابنُ عُثَيْمِين -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ-: قَوْلُ: (بَذَلْتُ قُصَارَى جُهْدِيْ وَالبَاقِي عَلَى اللهِ" لَا يَصْلُح، لِأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الفَاعِلَ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ أولاً، لَكِنَّ القَوْلُ: "بَذَلْتُ جُهْدِي، وَأَسْأَلُ اللهَ المَعُونَةَ).

- فَالمُسْلِمُ في كُلِّ أُمُورِهِ، وَأَعْمَالِهِ، وَأَحْوَالِهِ، يَتَوَكَّلُ عَلَى الله، ولا يَتَّكِلُ عَلَى نَفْسِهِ.

-  وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ، صلّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «اللهمَّ رحمتَك أرجو فلا تكِلْني إلى نَفْسِيْ طَرْفةَ عينٍ أصلِحْ لي شأني كلَّه». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْره، بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنِ الحَسَنِ.

- وَالمَنْهَجُ الشَّرعِيُّ أَنْ يَقُولَ هَذَا الرَّجُل: فَعَلْتُ الأَسْبَابَ، وَتَوَكَّلتُ عَلَى الله.

- وَفِيْ الحَدِيْثِ الَّذِي لا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ، قَالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله، اَعْقُلهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أَطلِقهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ، صَلَّى الله عَلَيهِ وسلم: «أُعقُلهَا وَتَوَكَّلُ».

- أَي عَلَيكَ فِعلُ الأَسْبَابِ، مُتَوَكِّلاً عَلَى الوَاحِدِ القَهَّارِ. فَهَذَا هُوَ المَنهَجُ الشَّرعِيُّ في مِثْلِ تِلكَ العِبَارَاتِ.

خامسًا: قَولُ بَعْضهِمْ، أَنَّ هَذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الحَيَاةَ مَخْلُوقةٌ، لَا بِيَدِهَا ضُرٌّ وَلَا نَفْعٌ، وَإِنَّمَا الأَحْدَاثُ الَّتِي تقعُ عَلَيْهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِيْ الكَونِ:

- لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.

- وَلِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾.

سادسًا: وَمِنْ ذَلِكَ: قَولُ بَعْضِهِم: الَّلهُمَّ إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ رَدُّ القَضَاءِ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ الُّلطْفَ فِيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى القُنُوطِ وَاليَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَنَفِي قُدْرَةُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، عَلَى إِزَالَةِ المَصَائِبِ، بَلْ؛ سُؤَالُ اللهِ، رَدّ سُوء القَضَاءِ، و َرَدّ شَرّ القَضَاءِ، مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ.

- قَالَ ﷺ: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

- بَلْ وَجَاءَتْ أَدْعِيَةٌ كَثِيْرَةٌ، بِسُؤَالِ اللهِ رَدُّ القَضَاءِ، وَمِنْ أَشْهَرِهَا دُعَاءُ القُنُوتِ، وَفِيْهِ قَالَ ﷺ: (وَقِنِي شَرَّ ما قَضَيْتَ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَغَيره.

- وَقَالَ ﷺ: (لا يَرُدُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وجَوَّدَ إِسْنَادَهُ ابْنُ مُفْلِح، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَغَيْره.

- بَلْ؛ سُؤَالُ اللهِ بِالُّلطْفِ بِالقَضَاءِ، قَدْ يَكُونُ بِحَقِيْقَتِهِ سُؤَالُ اللهِ، وَدُعَائِهِ؛ بِأَن يَكْفِيْهِ شَرَّ هَذَا القَضَاءُ، أَو يُخَفِّفهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَسْأَلُ اللهَ رَدَّ القَضَاءِ.

سابعًا: وَمِنَ الأَلْفَاظِ الدَّارِجَةِ، وَالَّتِيْ لَيْسَ فِيْهَا سُوْءُ أَدَبٍ مَعَ اللهِ؛ وَلَكِنَّهَا فِيْهَا خَطَأٌ شَائِعٌ، انْتَشَرَ بَيْنَ النَّاسِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:

-  حِيْنَمَا يَأْتِيْ الإِنْسَانُ لِيُعَزِّيَ آخرٌ، فَيُبَادِرُ المُعَزِّيَ، بِالرَدِّ عَلَى المعَزَّى، بِقَولِهِ: لَا أَرَاكَ اللهُ مَكْرُوهَاً!

- وَهَذِهِ الَّلفْظَةُ وَإِنْ كَانَ مَقْصَدُ قَائِلِهَا حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ فِيْ ظَاهِرَهَا دُعَاءٌ عَلَى المُعَزِّي؛ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: جَعَلَكَ اللهُ أَوَّلُ أَهْلِكَ وَفَاةٌ.

- لِأَنَّهُ مَامِنْ مَخْلُوقٍ إِلَّا وَسَيَرَى مَا يَكْرَهَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ، أَو يَمْرضُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَخِلَّائهِ، أو يَرَى ما يَكْرَههُ فِيْ طَرِيْقِهِ، أو يَسْمَعُ ما يَكْرَهُهُ، أو يَمُوت أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَخِلَّائِهِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ.

- فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: جَعَلَكَ اللهُ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ تُدْركَ مَا تَكْرَهُ، كَمَرَضِكَ، أَو مَرَض غَيْركَ، أَوْ مَرَضِكَ، أو تَرَى، أو تَسْمَعُ مَا تَكْرَه؛ فَهُوَ أَرَادَ الخَيْرَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُحْسِن العِبَارَةَ.

- فَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَمَّا مَرِضَ، فَأَتَاهُ بَعْضُ إِخْوَانِه يَعُودُهُ، فَقَالَ لِلْشَّافِعِيُّ: قوَّى اللهُ ضَعْفَكَ. فَقَالَ لِلْشَّافِعِيُّ: لَوْ قَوَّى ضَعْفِيْ لَقَتَلَنِيْ، قَال: واللهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا الخَيْرَ، فَقَالَ الشَّافِعيُّ: أَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ سَبَبْتَني مَا أردتَ إِلَّا الخَيْرَ! هَذَا هُوَ القَلْبُ الَّذِي يَطِيبُ مَعَهُ الأَصْحَابُ.

- وَالأَليَقُ بِالمعَزَّى أَنْ يَقُولَ لِلْمُعَزِّيَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرَا، أَوْ شَكَرَ اللهُ مَسْعَالكَ، أَو أَثَابَكَ اللهُ، أَوْ غَيْرهَا مِنْ عِبَارَاتِ الدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ.

ثامنًا: وَمِنَ الأَلْفَاظِ الدَّارِجَةِ، قَوْلُ بَعْضِهِم:(اللهُ يُعَامِلُنَا بِعَدْلِهِ).

- وَالأَلِيْقُ أَنْ يَقُوْلَ: (الَّلهُمَّ عَامِلْنَا بِفَضْلِكَ وَعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ).

- قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ عُثَيْمِيْن -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ-: (فَمِنَ المَعْلُوْمِ، لَوْ أَنَّ اللهَ عَامَلَ النَّاسَ بِعَدْلِهِ، لَأَهْلَكَهُمْ جميعًا).

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾.

تاسعًا: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ البَعْضِ لِإِبْنِهِ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، اجْعَلْ ثِقَتَكَ بِنَفْسِكَ عَظِيْمَةٌ.

- وَهَذِهِ قَدْ تَفْتَحُ بَاباً لِلْغُرُورِ، وَالإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ.

- بَلْ؛ وَقَدْ تَصِلُ إِلَى الاسْتِغْنَاءِ عَنِ اللهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنِ الله.

- وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ ﷺ: (اللَّهمَّ رحمتَك أَرْجُو فلا تكِلْني إِلَى نَفْسِيْ طَرْفَةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّه). رَوَاهُ أَحْمَدٌ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. فَعَلينا أنْ ننتَقِيَ الألْفَاظ، وَنَحْفَظهَا، كما نَنْتَقِي أَطَايبَ الطَّعَامِ.

عاشرًا: وَقَرِيْبٌ مِنْ هَذَا القَوْلِ، قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: "الَّلهُمَّ لَا تُحْوِجْنِي لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ "، وَهَذَا دُعَاءٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إِلَّا وَيَحْتَاجُ لِغَيْرِهِ.

- وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رَحِمَنا الله وَإِيَّاهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلَاً يَقُولُ: الَّلهُمَّ لَا تُحْوِجْنِي لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ! قَالَ: هَذَا رَجُلٌ تَمَنَّى المَوْتَ، فَالأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ: الَّلهُمَّ لا تُحْوِجْنِي إِلَى شِرَارِ خَلْقِكَ، أو يَدَعُ العِبَارةَ فَلَا حَاجةَ لَهَا، وَهَذَا الأَفْضَلُ.

 


اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

 أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 


— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: خطبة: أَلْفَاظٌ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِنْهَا.—————

 

الحَادِي عَشَر: وَقَولُ بَعضٍ مِنَ النَّاسِ، فِيْ بَعْضِ المُنَاسَبَاتِ: وَلِيْمَتُنَا القَادِمَةُ فِيْ بَيتِ فُلَانٍ، وغالبًا يَكُونُ هَذَا الفُلانُ، معروفًا بِالبُخْلِ، أَو الشُّحِ، أَو عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى إِقَامَةِ المُنَاسَبَاتِ، فَيَنْبَرِي أَحَدُ الحُضُورِ، وَيَقُولُ مُتَسَّرِعَاً: عِنْدَ فُلَان؟ (يجِيْبُ اللهُ مَطَرَاً).

- وَهَذِهِ العِبَارَةُ فِيْهَا سُوءُ أَدَبٍ مَعَ الله، فَهِيَ لا تَخْرُجُ عَنْ احْتِمَالَينِ، وَكِلَاهُمَا أَسْوَأُ مِنَ الآخَرِ:

- فَالاحْتِمَالُ الأَوَّلُ: إِنَّهُ ضَرَبَ مَثَلاً لاسْتِحَالَةِ أَنْ يَدْعُوهُم فُلَانٌ، بِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُنَزِّلَ الله المَطَرَ فِيْ هَذَا الوَقْتِ؛ وَهَذَا خَلَلٌ عَظِيمٌ في الاعْتِقَادِ، وَسُوء ظَنٍّ، وَيَأْسٍ وَقُنُوتٍ، وَهَذِهِ أَخْلَاقُ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالكُفْرِ، وَاعْتِقَادَاتِهِم.

- الاحْتِمَالُ الثَّانِي: إِنَّ هَذَا الرَّجُل بَخِيْلٌ لَا يُمْكِن أَنْ يُكْرِمُنَا، كَمَا أَنَّ (والله لَا أَسْتَسِيْغُ أَنْ أَقُولَهَا، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.

- قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾

- فَاللهُ كَرِيْمٌ جَوَادٌ لَطِيفٌ، بِيَدِهِ الخَيْرُ كُلِّهِ.

- وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَلَيسَ مِنَ المُحتَمَلِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِأَنَّ مَوعِدَ هَذَا الِّلقَاءِ عِنْدَ نُزُولِ الأَمْطَارِ؟ فَيُقَالُ: سِيَاقُ الأَلْفَاظِ لا يشي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَهَا عَلَى سَبِيْلِ الاسْتِنكَارِ، وَلَو كَانَتْ هَذِهِ نِيَّتهُ؛ فَلَا حَرَجَ فِيْهَا، مَعْ أَنَّهَا تَبقَى مُوهِمَةٌ، فَالأَولَى تركُها؛ طَالَمَا أَنَّ لَهَا عِدَّة مَفَاهِيْمٍ، مَعْ أنَّ المَفْهُومَ السَّلِيْمُ، قَدْ لَا يَخْطِرُ فِيْ بَالِ أَحَدٍ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمْ إِلَى البِّرِ وَالتَّقْوَى، وأَصْلِحْ بِهِمْ البِلَادُ وَالعِبَادُ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، والاستقرار، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، الَّلهُمَّ أَصْلِحْ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وآلِفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، يَا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا  وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ,، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.

 

المرفقات

1729629932_-خطبة ألفاظ ينبغي الحذر منها -.docx

1729629932_-خطبة ألفاظ ينبغي الحذر منها -.pdf

المشاهدات 1198 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا