ألفاظ في ميزان الشريعة
عبدالله اليابس
1436/05/14 - 2015/03/05 17:43PM
ألفاظ في ميزان الشريعة الجمعة 15/5/1436هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: لقد جاء الإسلام بحفظ اللسان، ونهى القرآن عن أشياء ذميمة، مما تتحرك به ألسنة الناس لفحشها وكبرها عند الله عز وجل، فأمر اللسان من الأمور الخطيرة؛ فإنه لا شيء أسرعُ ولا أسهلُ حركة من اللسان، ولهذا كان الزلل بهذا العضو وهذه الجارحة من الجوارح من أعظم الزلل وأكبره عند الله عز وجل. فقد عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم معاذاً رضي الله تعالى عنه حديثاً جليلاً, فيه وصايا جامعة، وقال له في آخر الحديث: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).
وقال صلى الله عليه وسلم مهدداً ومتوعداً في الحديث الصحيح الذي رواه مالك رحمه الله والإمام أحمد، عن بلال بن الحارث مرفوعاً: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلُغَ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) بل إن المسألة أخطر من ذلك، ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخطورة بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً، يهوي بها سبعين خريفاً في النار)
والحديث في هذا اليوم حول بعض الألفاظ الشائعة على ألسنة الناس مما فيه مخالفة شرعية لدين الإسلام الذي أمرنا أن نحفظ ألسنتنا عما يخالفه, وقد يكون بعض المتكلمين بهذه الألفاظ عن طيب نية, لكن صدق النية وصفاءها لا يفيد إذا خالف اللفظ الشرع.
فمن تلك الألفاظ ما يخالف العقيدة ومنها ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت، وليعزم في المسألة، فإنه يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى).
ومنها ما يقوله البعض إذا أراد أن يعزم على نفسه في مسألة يقول: أنا بريء من الإسلام لو فعلت كذا، أو يقول: أنا يهودي أو كافر لو فعلت كذا، يريد أن يمنع نفسه من الوقوع في هذا الأمر بعزم وقوة، وهذا خطير جداً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي عن بريدة رضي الله عنه: (من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً) .
ومن الألفاظ التي ورد النهي عنها الحلف بالأمانة, فتجد أن البعض يقول: والأمانة ما أفعل كذا، أو يحلف شخص آخر فيقول: بالأمانة حصل كذا وكذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (من حلف بالأمانة فليس منا) وبعضهم يقول: بذمتك أو بذمتي ما حصل كذا.
ويدخل في هذا القسم الحلف بالحياة فيقول القائل: وحياة أبي ما حصل كذا، أو وحياتي وحياتك ما حصل كذا.. إلخ. أو يقسم بشرفه فهذه كلها من الأمور المحرمة, وومن ذلك الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول القائل: والنبي أعطني الشيء الفلاني، والنبي ما حصل كذا، فهذا أيضاً حرام لا يجوز، حتى ولو كان المحلوف به نبي الله صلى الله عليه وسلم، لأننا مع احترامنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فإننا لا نرفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها, وهو صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
ومن المخالفات التي يقع فيها البعض الاستغاثة بجاه المخلوقين من حيث لا يشعرون, فيقول مثلاً: بجاه النبي إفعل كذا، أو يسأل الناس فيقول: بجاه النبي لا بد أن تتغدى عندي، فإن هذا السؤال بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد المخلوقين بل هو أعظم المخلوقين منافٍ للسؤال بالله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180].
ومن الألفاظ ما يتعلق بمسائل التهنئة والتحية, وقد رد الإسلام تحيات الجاهلية وتهنئاتها وتسمياتها ومسمياتها وعاداتها، لأن الإسلام يحرص على تميز المسلم وابتعاده عن مشابهة الكفرة وأحوال الجاهلية, فلذلك نهى صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقول لأخيه: أنعم صباحاً، أو أُنعِمت صباحاً، وما شابه ذلك من الألفاظ؛ لأنها من تحيات الجاهلية، وإنما يقول الإنسان المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو يقول: مرحباً وأهلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بابنتي فاطمة ) إلى آخر ذلك من الألفاظ الحسنة الطيبة التي لا يعلم اختصاص الكفار بها.
ومما يقع فيه بعض الناس إذا أراد التحية أن يبدأ بقول: (صبحك الله بالخير) أو (مساء الخير), يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "السلام الوارد هو أن يقول الإنسان: (السلام عليك) ، أو (سلام عليك) ، ثم يقول بعد ذلك ما شاء الله من أنواع التحيات، وأما (مساك الله بالخير) . و (صبحك الله بالخير) ، أو (الله بالخير) . وما أشبه ذلك فهذه تقال بعد السلام المشروع وأما تبديل السلام المشروع بهذا فهو خطأ"
وفي باب التهنئة فقد نهى الإسلام عن أن يهنئ الناس المتزوج بقولهم: بالرفاء والبنين فقد تزوج عَقِيلَ بنَ أبي طالبٍ امرأةً من بني هاشمٍ ، فقيل له بالرَّفاءِ والبنين فقال مَهْ لا تقولوا ذلك فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهانا عن ذلك وقال قولوا بارك اللهُ لك وبارك لك فيها.
ولسائل أن يسأل عن سبب النهي عن هذه العبارة فيقال: أما كلمة الرفاء: فإنها تعني الالتحام والمقاربة والوئام وهذا لا إشكال فيه، أن تدعو للمتزوجين بالمقاربة والوئام والتوافق. ولكن الإشكال في قولهم: بالبنين، لماذا أيها الإخوة؟ لأن العرب كانوا يكرهون البنات، وكانوا يئدون البنات وهن أحياء، وكانوا ينسبون البنات لله عز وجل, قال الله تعالى عنهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ), فهذا الدعاء فيه تشاءم من البنات, والله عز وجل هو الذي يكتب الرزق لعباده .. ولا يدري الإنسان أين الخيرة أفي البنين أم في البنات.
ومن الألفاظ التي ينبغي التنبيه عليها مما يخطئ فيه كثير من الناس وخاصة الأدباء وكتاب الصحافة قولهم: شاءت الظروف، أو شاءت الأقدار، فهذه من الألفاظ المخالفة للتوحيد، فينبغي أن تقول بدلاً عن ذلك:شاء الله أن يحدث كذا وكذا، فتنسب المشيئة إلى الله وحده سبحانه وتعالى.
ومن الألفاظ التي تجري على ألسنة البعض من الناس قولهم: لا حول لله .. وهذا خطأ شنيع .. وهو نفي الحول عن الله تبارك وتعالى.. والصحيح أن يقال : لا حول إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الألفاظ التي تجري من الناس ختمهم للمكاتبات بينهم بعبارة (دمتم) أو (أدام الله أيامك), وهذه العبارة من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال, وهو مناف لقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
ومما ينبغي التنبيه عليه ما يشيع على ألسنة الناس من قول: (طال عمرك) أو (أطال الله بقاءك) ونحو ذلك, قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك".
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه, والصالة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وإخوانه, وسلم تسليمًا كثيرًا,
أما بعد: ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس قولهم لمن يسألهم عن حالهم: (الله ينشد عن حالك) أو (الله يسأل عن حالك), لأنها توهم أن الله - تعالى - يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم أنه أمر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع, فلا يريد أن الله يخفى عليه شئ، ويحتاج إلى سؤال لكن هذه العبارات قد تفيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها.
ومما يخطئ فيه بعض الناس تسميتهم لأحد النباتات بعبَّاد الشمس.. ولا تصح هذه التسمية؛ لأن الأشجار والنباتات والورود لا تعبد الشمس، إنما تعبد الله - عز وجل - كما قال الله - تعالى -: (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وإنما تستبدل بتسمية أخرى كدوار الشمس أو تباع الشمس ونحو ذلك.
ومن الأخطاء قول البعض عند وفاة شخص: (فلان ربنا افتكره), وهذا خطأ عظيم, فيه نسبة النسيان والغفلة لله تبارك وتعالى عن ذلك, وإنما يقال: (ربنا توفاه) ونحو ذلك.
ومما يقع فيه بعض الصحفيين ويجري على ألسنة الناس قولهم عمن تم دفنه في قبره: (دفن في مثواه الأخير) وهذا خطأ, فمقتضاه أن القبر آخر منزل له، وهذا يتضمن إنكار البعث ــ وإن لم يقصد قائله ذلك ــ, ومن المعلوم لعامة المسلمين أن القبر ليس آخر منازل الإنسان، وقد سمع أعرابي رجلا يقرأ قوله - تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) فقال: " والله ما الزائر بمقيم ".
لهذا يجب تجنب هذه العبارة فالمثوى الأخير إما إلى جنة وإما إلى نار.
أيها الإخوة .. هذه جملة من الألفاظ التي ينبغي التنبه لها.. والحذر منها.. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى الطيب من القول والعمل, وأن يفقهنا في دينه إنه جواد كريم.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: لقد جاء الإسلام بحفظ اللسان، ونهى القرآن عن أشياء ذميمة، مما تتحرك به ألسنة الناس لفحشها وكبرها عند الله عز وجل، فأمر اللسان من الأمور الخطيرة؛ فإنه لا شيء أسرعُ ولا أسهلُ حركة من اللسان، ولهذا كان الزلل بهذا العضو وهذه الجارحة من الجوارح من أعظم الزلل وأكبره عند الله عز وجل. فقد عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم معاذاً رضي الله تعالى عنه حديثاً جليلاً, فيه وصايا جامعة، وقال له في آخر الحديث: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).
وقال صلى الله عليه وسلم مهدداً ومتوعداً في الحديث الصحيح الذي رواه مالك رحمه الله والإمام أحمد، عن بلال بن الحارث مرفوعاً: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلُغَ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) بل إن المسألة أخطر من ذلك، ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخطورة بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً، يهوي بها سبعين خريفاً في النار)
والحديث في هذا اليوم حول بعض الألفاظ الشائعة على ألسنة الناس مما فيه مخالفة شرعية لدين الإسلام الذي أمرنا أن نحفظ ألسنتنا عما يخالفه, وقد يكون بعض المتكلمين بهذه الألفاظ عن طيب نية, لكن صدق النية وصفاءها لا يفيد إذا خالف اللفظ الشرع.
فمن تلك الألفاظ ما يخالف العقيدة ومنها ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت، وليعزم في المسألة، فإنه يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى).
ومنها ما يقوله البعض إذا أراد أن يعزم على نفسه في مسألة يقول: أنا بريء من الإسلام لو فعلت كذا، أو يقول: أنا يهودي أو كافر لو فعلت كذا، يريد أن يمنع نفسه من الوقوع في هذا الأمر بعزم وقوة، وهذا خطير جداً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي عن بريدة رضي الله عنه: (من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً) .
ومن الألفاظ التي ورد النهي عنها الحلف بالأمانة, فتجد أن البعض يقول: والأمانة ما أفعل كذا، أو يحلف شخص آخر فيقول: بالأمانة حصل كذا وكذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (من حلف بالأمانة فليس منا) وبعضهم يقول: بذمتك أو بذمتي ما حصل كذا.
ويدخل في هذا القسم الحلف بالحياة فيقول القائل: وحياة أبي ما حصل كذا، أو وحياتي وحياتك ما حصل كذا.. إلخ. أو يقسم بشرفه فهذه كلها من الأمور المحرمة, وومن ذلك الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول القائل: والنبي أعطني الشيء الفلاني، والنبي ما حصل كذا، فهذا أيضاً حرام لا يجوز، حتى ولو كان المحلوف به نبي الله صلى الله عليه وسلم، لأننا مع احترامنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فإننا لا نرفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها, وهو صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
ومن المخالفات التي يقع فيها البعض الاستغاثة بجاه المخلوقين من حيث لا يشعرون, فيقول مثلاً: بجاه النبي إفعل كذا، أو يسأل الناس فيقول: بجاه النبي لا بد أن تتغدى عندي، فإن هذا السؤال بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد المخلوقين بل هو أعظم المخلوقين منافٍ للسؤال بالله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180].
ومن الألفاظ ما يتعلق بمسائل التهنئة والتحية, وقد رد الإسلام تحيات الجاهلية وتهنئاتها وتسمياتها ومسمياتها وعاداتها، لأن الإسلام يحرص على تميز المسلم وابتعاده عن مشابهة الكفرة وأحوال الجاهلية, فلذلك نهى صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقول لأخيه: أنعم صباحاً، أو أُنعِمت صباحاً، وما شابه ذلك من الألفاظ؛ لأنها من تحيات الجاهلية، وإنما يقول الإنسان المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو يقول: مرحباً وأهلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بابنتي فاطمة ) إلى آخر ذلك من الألفاظ الحسنة الطيبة التي لا يعلم اختصاص الكفار بها.
ومما يقع فيه بعض الناس إذا أراد التحية أن يبدأ بقول: (صبحك الله بالخير) أو (مساء الخير), يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "السلام الوارد هو أن يقول الإنسان: (السلام عليك) ، أو (سلام عليك) ، ثم يقول بعد ذلك ما شاء الله من أنواع التحيات، وأما (مساك الله بالخير) . و (صبحك الله بالخير) ، أو (الله بالخير) . وما أشبه ذلك فهذه تقال بعد السلام المشروع وأما تبديل السلام المشروع بهذا فهو خطأ"
وفي باب التهنئة فقد نهى الإسلام عن أن يهنئ الناس المتزوج بقولهم: بالرفاء والبنين فقد تزوج عَقِيلَ بنَ أبي طالبٍ امرأةً من بني هاشمٍ ، فقيل له بالرَّفاءِ والبنين فقال مَهْ لا تقولوا ذلك فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهانا عن ذلك وقال قولوا بارك اللهُ لك وبارك لك فيها.
ولسائل أن يسأل عن سبب النهي عن هذه العبارة فيقال: أما كلمة الرفاء: فإنها تعني الالتحام والمقاربة والوئام وهذا لا إشكال فيه، أن تدعو للمتزوجين بالمقاربة والوئام والتوافق. ولكن الإشكال في قولهم: بالبنين، لماذا أيها الإخوة؟ لأن العرب كانوا يكرهون البنات، وكانوا يئدون البنات وهن أحياء، وكانوا ينسبون البنات لله عز وجل, قال الله تعالى عنهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ), فهذا الدعاء فيه تشاءم من البنات, والله عز وجل هو الذي يكتب الرزق لعباده .. ولا يدري الإنسان أين الخيرة أفي البنين أم في البنات.
ومن الألفاظ التي ينبغي التنبيه عليها مما يخطئ فيه كثير من الناس وخاصة الأدباء وكتاب الصحافة قولهم: شاءت الظروف، أو شاءت الأقدار، فهذه من الألفاظ المخالفة للتوحيد، فينبغي أن تقول بدلاً عن ذلك:شاء الله أن يحدث كذا وكذا، فتنسب المشيئة إلى الله وحده سبحانه وتعالى.
ومن الألفاظ التي تجري على ألسنة البعض من الناس قولهم: لا حول لله .. وهذا خطأ شنيع .. وهو نفي الحول عن الله تبارك وتعالى.. والصحيح أن يقال : لا حول إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الألفاظ التي تجري من الناس ختمهم للمكاتبات بينهم بعبارة (دمتم) أو (أدام الله أيامك), وهذه العبارة من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال, وهو مناف لقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
ومما ينبغي التنبيه عليه ما يشيع على ألسنة الناس من قول: (طال عمرك) أو (أطال الله بقاءك) ونحو ذلك, قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك".
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه, والصالة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وإخوانه, وسلم تسليمًا كثيرًا,
أما بعد: ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس قولهم لمن يسألهم عن حالهم: (الله ينشد عن حالك) أو (الله يسأل عن حالك), لأنها توهم أن الله - تعالى - يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم أنه أمر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع, فلا يريد أن الله يخفى عليه شئ، ويحتاج إلى سؤال لكن هذه العبارات قد تفيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها.
ومما يخطئ فيه بعض الناس تسميتهم لأحد النباتات بعبَّاد الشمس.. ولا تصح هذه التسمية؛ لأن الأشجار والنباتات والورود لا تعبد الشمس، إنما تعبد الله - عز وجل - كما قال الله - تعالى -: (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وإنما تستبدل بتسمية أخرى كدوار الشمس أو تباع الشمس ونحو ذلك.
ومن الأخطاء قول البعض عند وفاة شخص: (فلان ربنا افتكره), وهذا خطأ عظيم, فيه نسبة النسيان والغفلة لله تبارك وتعالى عن ذلك, وإنما يقال: (ربنا توفاه) ونحو ذلك.
ومما يقع فيه بعض الصحفيين ويجري على ألسنة الناس قولهم عمن تم دفنه في قبره: (دفن في مثواه الأخير) وهذا خطأ, فمقتضاه أن القبر آخر منزل له، وهذا يتضمن إنكار البعث ــ وإن لم يقصد قائله ذلك ــ, ومن المعلوم لعامة المسلمين أن القبر ليس آخر منازل الإنسان، وقد سمع أعرابي رجلا يقرأ قوله - تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) فقال: " والله ما الزائر بمقيم ".
لهذا يجب تجنب هذه العبارة فالمثوى الأخير إما إلى جنة وإما إلى نار.
أيها الإخوة .. هذه جملة من الألفاظ التي ينبغي التنبه لها.. والحذر منها.. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى الطيب من القول والعمل, وأن يفقهنا في دينه إنه جواد كريم.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
ألفاظ في ميزان الشريعة 15-5-1436.doc
ألفاظ في ميزان الشريعة 15-5-1436.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق