ألطفُ وأرقُّ زوج
راشد بن عبد الرحمن البداح
اَلْحَمْد لِلَّهِ اَلَّذِي عَمَّتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَوَسِعَتْ، وَتَمَّتْ نِعْمَتُهُ عَلَى اَلْعِبَادِ وَعَظُمَتْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:فَيَا أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: إِنَّهَا كَلِمَةٌ طَالَمَا أَبْكَتِ اَلْعُيُونَ وَرَوَّعَتِ اَلْقُلُوبَ، وَفَرَّقَتْ اَلْأُسَرُ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَكِنَّهَا خَطِيرَةٌ! إِنَّهَا كَلِمَةُ اَلطَّلَاقِ فَيَا لَهَا مِنْ لَحْظَةٍ أَلِيمَةٍ يَوْم سَمِعَتِ اَلْمَرْأَةُ طَلَاقَهَا، فَكَفْكَفَتْ دُمُوعَهَا، وَفَارَقَتْ بَعْلَهَا،وَوَقَفَتْ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، لِتُلْقِيَ آخِرَ اَلنَّظَرَاتِ، عَلَى بَيْتٍ مَلِيءٍ بِالذِّكْرَيَاتِ.
أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَثُرَ اَلطَّلَاقُ اَلْيَوْمَ حِينَمَا فَقَدْنَا زَوْجًا لَا يَغْفِرُ اَلزَّلَّةَ وَلَا يَنْسَاهَا، يُضْحِكُ اَلْبَعِيدَ وَيُبْكِيْ اَلْقَرِيبَ. كَثُرَ اَلطَّلَاقُ اَلْيَوْمَ حِينَمَا أَصْبَحَتِ اَلْمَرْأَةُ طَلِيقَةَ اَللِّسَانِ وَالْعِنَانِ، خَرَّاجَةٌ وَلَّاجَةٌ.
فَيَا مَنْ يُرِيدُ اَلطَّلَاقَ: تَأَنَّ وَانْظُرْ إِلَى عَوَاقِبِهِ اَلْأَلِيمَةِ عَلَى اَلْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ، وَعَلَى اَلذُّرِّيَّةِ اَلضَّعِيفَةِ: [فَإِنَّ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اَللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا] فَمًا هِيَ إِلَّا أَعْوَامُ حَتَّى يُقِرَّ اَللَّهُ عَيْنَهُ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ، وَقَدْ يَصْلُحُ اَللَّهُ لَهُ زَوْجَهُ بِدُعَائِهِ،وَصَبْرِهِ عَلَى بَلَائِهِ.
أَلا وَإنَّ اَللُّجُوءَ إِلَى اَلطَّلَاقِ فِي أَكْثَرِ اَلْأَحْيَانِ كَاللُّجُوءِ إِلَى بَتْرِ عُضْوٍمِنْ اَلْجِسْمِ، فَهُوَ اَلْحَلُّ اَلْأَخِيرُ لِلضَّرَرِ اَلَّذِي يُصِيبُ أَحَدَ اَلزَّوْجَيْنِ أَوْ كلَيهِمَا. فَإِذَا صَمَّمْتَ عَلَى اَلطَّلَاقِ فَاسْتَخِرِ اللَّهَ، وَاسْتَشِرِ اَلْحُكَمَاءَ، وَخُذْ بِسُنَّةِ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلِّقْهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍلَمْ تُجَامِعْهَا فِيهِ، فَلَا تُطْلِّقْهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَتِلْكَ حُدُودُ اَللَّهِ: [وَمِنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اَللَّهِ فَقَدَ ظَلَمَ نَفْسَهُ] . وَطَلِّقْهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً لَا تَزِيدُ.
أَيُّهَا اَلْأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ: إِنَّ أَحَدَنَا لِتَمُرَّ عَلَيْهِ فَتَرَاتٌ لَا يَرْضَى فِيهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا، وَيَتَعَلَّلُ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ اَلْمَعَاذِيرِ، وَإِذَا كَانَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ هَذَا هُوَ اَلشَّأْنُ بَيْنَ اَلزَّوْجَيْنِ، يَلْتَمِسُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِقَرِينِهِ اَلْمَعَاذِيرَ، وَيَغُضُّ اَلطَّرْفَ عَنِ اَلْهَفَوَاتِ حَتَّى تَسْتَقِيمَ اَلْعِشْرَةُ.
وَثَمَّتَ أَمْرٌ لَابُدَّ أَنْ نَتَدَرَّبَ عَلَيْهِ، أَلَّا وَهُوَ تَحْسِينُ أَسَالِيبِنَا فِي حَيَاتِنااَلزَّوْجِيَّةِ، لِنَبْنِيَ بُيُوتًا تَمْلَؤُهَا اَلْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، وَيُقَوِّيْهَا اَلتَّآلُفُ وَالتَّفَاهُمُ.
وَمِنَ اَلْعَجِيبِ أَنْ تَجِدَ مُتَزَوِّجِينَ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ بَلْ عِشْرِينَ وَأَرْبَعِينَ، لَكِنْ بَيْنَهُمْ جَفَافٌ عَاطِفِيٌّ مُخِيْفٌ، إِنَّ جَلَسُوا فَصَامِتُونَ، وَإِنْ مَرَّتْ مُنَاسَبَاتٍ فِبَارْدُونْ، لَا مَزَحَ، وَلَا شَكْوَى. أَلَمْ يَقُلِ اَلنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي؟!(). فَأَيْنَ نَحْنُمِنْ هَذِهِ الخَيْرِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ لِنَتَمَثَّلَهَا فِي بُيُوْتِنَا؟!
اَلْحَمْد لِلَّهِ أَنْ جَعَلَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ اَلنَّاسِ لِأَهْلِهِ، أَمَّا بَعْدُ: فَهَلْ تَدْرِيْ مَنْ أَلْطَفُ وأَرَقُّ زَوْجٍ فِي اَلدُّنْيَا؟!
إنه رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فإليكمُ الآنَ مواقفَ نبويةًلطيفةً رقيقةً تُراعي المشاعرَ الزوجيةَ، ليستفيدَ منها حديثُ العهدِ وقديمُالعهدِ بالزواجِ، بل حتى ولو صارَ له أحفادٌ وأسباطٌ. وهذه المواقفُتُخاطَبُ بها المرأةُ كما يُخاطَبُ بها الرجلُ، وهيَ ليست مُستوحاةً مما يُسمونهُ بالرومانسيةِ، بل سبَقَهم بالرومانسيةِ الزوجيةِ صاحبُ الخُلُقِالعظيمِ الذي قالَ اللهُ عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. فخُذْ شيئاً من تلكَ المواقفِ النبويةِ الرقيقةِ الراقيةِ:
• فَسَل نفسَك: أتمكثُ ببيتِك كثيرًا؟ فقد كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ [التِّسع] فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ().
• هل تشربُ وتأكلُ من موضعِ فمِ زوجتِك؟ قالت عائشةُ: كنتُ أشربُفأناوِلُه النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيضعُ فاهُ على موضعِ فِيَّ، وأتعرقُ العَرْقَ [أي العظمَ باللحمِ] فيضعُ فاهُ على موضعِ فِيَّ().
• هل تتكئُ عليها، وتنامُ بُرهةً بحِجرِها؟ فقد كانَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتكئُ في حِجْرِ عائشةَ وهيَ حائضٌ().
• أتنامُ معها أثناءَ الحيض؟ فقد كانَ نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُباشرُنساءَهُ فوقَ الإزارِ وهنَّ حُيَّضٌ().
• أتُقبِّلُها؟ كما كانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقبِّلُ حتى وهو صائمٌ().
• أتتنزهانِ وتمشيانِ لوحدِكما؟ فإنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان بالليلِسارَ مع عائشةَ يتحدثُ().
• أتَرْقِيها حالَ مرضِها؟ فقد كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا مرِضَ أحدٌ من أهلِ بيتِه نفثَ عليه بالمعوذاتِ().
• أتحتَملُ صدودَ زوجك، وتتغاضَى عن بعضِ تجاوزاتِها؟ قالتحفصةُ: واللهِ إن أزواجَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُراجِعْنَه، وإن أحداهُن لَتَهجُرُهُ اليومَ حتى الليلِ().
• أتواسِيها عندَ بكائِها؟ كانت صفيةُ مع رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرٍ، فأبطأتْ في المسيرِ، فاستقبلَها وهيَ تبكي، وتقولُ: حملتَني على بعيرٍ بطيءٍ؟! فجعلَ نبيُّكَ يمسحُ بيديهِ عينيَها، ويُسكِّتُها. رواهُ النسائيُ بسندٍ حسنٍ().
فما أحرانا أن نطبقَ هذه الأساليبَ النبويةَ الرقيقةَ الراقيةَ.
• فاللهم رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
• اللهم اجعلْنا منَ الذينَ إذا أعطيتَهم شكرُوا، وإذا ابتليتَهم صبرُوا، وإذا ذكَّرتَهم ذَكرُوا، واجعلْ لنا قلوبًا توابةً، لا فاجرةً ولا مرتابةً.
• اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، وافرُجْ لهم في المضائقِ, واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ, وأعنهم ببطانةٍ صالحةٍ ناصحةٍ.
• اللهم فاجعلْ جنودَنا في حرزِك، وحفظِك.
• اللهم وأنجِ إخوانَنا بغزةَ، ولا تجعلْنا فتنةً للقومِ الظالمينَ.
• اللهم صَلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1727326308_ألطف وأرق زوج.doc
1727326308_ألطف وأرق زوج.pdf