{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} 16 / 11 /1445ه

د عبدالعزيز التويجري
1445/11/15 - 2024/05/23 19:54PM

الخطبة الأولى : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}..    16 /11/1445ه

الحمد لله، كتب المتوحد بالعزة والجلال، والشكر له على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.أما بعد:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا}

{الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }.

     العالم من العرش إلى الثرى مرآة مجلوة للناظرين، وشاهدة لقلوب المبصرين، وبيان ظاهر للمتفكرين بأنه لا إله إلا الله {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}

الكونُ كتابُ مسطور ، ينطقُ تسبيحاً وتوحيداً، وذراتهُ تهتفُ تمجيداً: {هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ}

   وفى كُلّ شَيْءِ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلّ عَلَى أَنهُ وَاحِدُ

{وَهُوَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة وَله الحكم وَإِلَيْهِ ترجعون }

      فالله أعظم مما جال في الفكرِ   **   وحكمه في البرايا حكم مقتدرِ

      مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ  **   حيُ قديرٌ مريدُ فاطــرُ الفطــرِ

سبحانه وبحمده، تبارك اسمه وتعالى جده .. توحيدٌ نعتقده ، وعقيدة نوحدها لرب العزة والجلال ، فما بعثت الرسل وما انزلت الكتب إلا لبيان حقيقة التوحيد وجلاء العقيدة لرب العالمين {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}

لا ينازع أحد في ربوبية الله، ولايلحد ملحد في ذات الله وإسمائه الله وصفاته إلا بعد أن يقر في قلبه بوحدانية الله وكبريائه وعظمته{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}وعند المجادلة يعترفون{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

الإيمان أسهل فكرة في الوجود، لا تحتاج إلى كتب، ولا إلى فلسفة، ولا إلى سبر وتقسيم، هي كلمة قلها بإخلاص، ثم اتركها لتشتت أفكار الزيف والالحاد.. يختصر القرآن ذلك فيقول: (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).

كلمة "الله" كفيلة وحدها.. بإسكات أكبر أكاذيب الحياة.. في صحيح البخاري «أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسَجَدَ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ» حتى الذين آذوه وخططوا لاغتياله تفجرت شرايينهم رهبة وفطرةً فخرّو للأذقان سجداً..

وما الحق إلا الله والكل باطل **  كما جاء في القرآن والله واحدُ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}. التوحيد هو الخيارُ الاوحد{وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}التوحيدُ..إخلاص الدين للهِ وحده{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.

التوحيد أساس الملة ووحدة الامة، التوحيد عقيدة أهل السنة {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}.

التوحيد مخبرُ الإسلامِ ومظهره، ولُبابُ حسهِ وجوهره .. لا يقبل الله غيره {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

التوحيد من تمسك به سما ، ومن مات عليه نجا " إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ " متفق عليه.

التوحيد يمثل الإسلام الصحيح ، والمعتقد الحنيف، لايُقبلُ غيرُ أحكامهِ، ولا يُحتكمُ إلى غيرِ شرعهِ {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} { وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}

 إذا اختلفت الآراء والأهواء ، وتباينت القوانينُ النُظم،  فالتوحيد هو المرد وإليه الحكم {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُه إِلَى اللَّه}

التوحيد شعارُ الموحدين، ودثارُ المؤمنين ، ورمز عزةِ المسلمين {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

التوحيد يجلي روحَ القوةِ في الحقِ وعدم الانحناء لغير الله .

    فاقتبس من التوحيد أعظم جذوةٍ   **   وتمش تحت ضيائها اللمّاعِ

    يا عبدُ ثق بالله يكفـــك وحــــــــــــــده  **   يا عبدُ سَلْهُ يجبك بالإسراع

التوحيد هداية للقلوب زمن الفتن ، وتثبيت للأرواح وقت المحن .. عُذب بلال بالرمضاء، وتحت وهج السماء، ليفتن عن دينه، أو يشرك في توحيده، فكان لا يزيد على قولِ أحدٌ أحدُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولسان حاله يقول{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً  **  عَلَى أَيِّ جنبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي

وَذلِكَ فِي ذَاتِ الإلهِ وإِنْ يَشَأْ   **  يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَــــــــزَّع

التوحيد عقيدة واعتقاد ، واستسلام وانقياد {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.

لا يجتمع الدين الصحيح والتوحيد الخالص، مع الثقة بالعدو والركون للذين ظلموا{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.

إذا ضعف التوحيد في القلب والقالب، تعلقت الأجيال بحبالٍ أوهى من خيوط العنكبوت، استبدلوا بحبل الله وحبل رسوله تبعياتُ في الظاهر، وضلالاتٌ في الاعتقاد، وفوضى في الفكر، وتفَسقٌ في الأخلاق{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )

يظهر خلل التوحيد عندما يُجعل تَحَكُم الرزقِ والعطاءِ عند الفقراء الضعفاء {أَمَّنْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ).

القلوبُ الضعيفةِ، والأفئدةُ المستكبرةِ لا تعرف التوحيد إلا حينما تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}

يظهر خلل التوحيد حينما يترك المنهزمون في الأمة المنبع الصافي من المنهج الرباني ، ليتسولوا على فُتات أخلاقِ الأمم ، فيرون العزة في اتداء لباسهم، والتميز بمحاكاة مسمياتهم ، والتفاخر في السياحة في بلادهم .

إنه لا شي يحفظ الكرامة ويجمع الكلمة سوى هذا الدين الحنيف، ولا شيء غيرُ الدين، إنه التوحيد الذي يُكسِب الأمة تميزاً ، يمنعها من الذوبان والتمييع ، ويحصنها، ويحفظها بأمر الله {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين وللمسلمات ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية : الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد

إنَّ التوحيد الخالص الذي صلح به الأولون سيصلح به الآخرون لا محالة.

إن التوحيد الذي ضمن العزة والمنعة والقوة لأسلافه لا يزال هو التوحيد الذي لا يُغيره الزمن، ولا تُجافيه الفطرة، ولا تنسخه المذاهب..

يُجسد ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ "

     المسلم الحنيف أيمنا حل نفع، واينما ظهر سطع، يسعى بكل ما علم واعتقد لإحياء ما اندرس من معالم الحنيفية، في بيته وعمله، في إعلامه ومنبره ، يعلمه أسرته، يرسخ عقيدة الولاء والبراء، يحقيق مبدأ العزة بالتوحيد وعدم التنازل عن شرع رب العالمين {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

      لا شيء ينفعنا إلا عقيدتنا ** توحيد ربنا لا العزى ولا اللات

       ولا يعم الهدى والخير مجتمعا ** إلا إذا خلصت لله نيات

اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا و توحيدنا وبلادنا ،اللهم من اراد بنا أو بالاسلام والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره .

اللهم اصلح ولاة أمورنا ...

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد

المرفقات

1716483311_{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.pdf

1716483353_{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.docx

المشاهدات 1081 | التعليقات 0