أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا ومنزلة
عبدالرحمن اللهيبي
الحمد لله الذي كرَّم هذه الأمةَ بالشريعة الطاهرة، وهداها للأخلاق الزاكية الزاهرة، أحمده على نعمه الباطنة والظاهرة وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة نرجو بها النجاة في الدنيا والآخرة، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، فاستضاءت النفوس بأنواره الباهرة، صلَّى الله عليه ، وعلى جميع الآل والأصحاب، صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الجزاء والحساب.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وأطيعوه، واعبدوه وراقبوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
أيها المسلمون: أعظم الأرزاق حُسن الأخلاق؛ والخُلُق الحَسَن زينةُ الأغنياءِ، وغناءُ الفقراءِ، وحليةُ السعداءِ، ومَنِ حَسُنَتْ أخلاقُه درَّت أرزاقه، ومن ساءت أخلاقه طاب فراقه
ومَنْ حَسُنَ خلقُه أراح واستراح، وانجذبت نحوه الأرواحُ
وقد كان من دعائه ﷺ وهو أحسن الناس خلقا : وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ "(أخرجه مسلم)
قال القرطبي: "وقد أجاب الله -تعالى- دعاء نبيه ؛ فجمع له من محاسن الأخلاق- ما تفرق في العالمين، حتى قال الله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
أيها المسلمون: من حسنت أخلاقه لانَتْ كلمتُه ، وحَسُنَتْ عشرتُه ، ووجَبَتْ محبتُه، وعظمت مودتُه، وارتُضِيت صُحبتُه، ألا وإن من أعظم الفضل والجزاء ، والثواب والعطاء، لمن حسن خلقه أنه من أصحاب النبي ﷺ وجلسائه يوم القيامة قال ﷺ: "إنَّ مِن أحبكُم إليَّ، وأقربَكم مِنّيِ مجلسًا يومَ القيامةِ، أحاسنَكم أخلاقًا" (أخرجه الترمذي).
ولو أنني خُيِّرتُ كلَّ فضيلةٍ *ما اخترتُ غيرَ محاسنِ الأخلاقِ
أيها المسلمون: حُسْنُ الخُلقِ ليس مجردُ طلاقةِ الوجه والبشاشة ، وحُسن البِشْر والابتسامة ، فحسب ..
حسن الخلق هو سلامة الصدر، وقَبولُ الأعذارِ ، وحفظ الأسرار ، هو الصفح والتجاوز ، والعفوُ والتغافل
حسن الخلق: هو العدل والإنصاف، والاعتراف بالخطأ ، والرجوع للحق، والاعتذار والوفاء بالحقوق
حسن الخلق هو : صدق الحديث، وترك الخوض في أخبار الناس، وتتبُّع أحوالهم، واستقصاءُ زلاتهم، والبحث والتنقيب عن أخطائهم، والتفتيش عن أسرارهم..
حسن الخلق هو بر الوالدين وصلة الأرحام ، وحسن العشرة للزوجة والأصهار
حسن الخلق هو أَنْ تَصِلَ مَنْ قطعَك ، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك
وجماع ذلك كله في قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ، قال جعفر بن محمد: "ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية"
قال عبد الله بن المبارك عن حسن الخلق: "هو بَسطُ الوجهِ وبذلُ المعروفِ وكفُّ الأذى"
وسئل الإمام أحمد عن حسن الخلق فقال: "لا تغضب " وقال القاضي عياض: "حُسن الخلق مخالَقة الناس بالجميل، والبِشْرُ والتودُّدُ لهم، واحتمالُهم، والصبر عليهم ".
أيها المسلمون : صاحب الخلق الحسن لا يجاري لئيمًا، ولا يُمارِي سفيهًا، ولا يُنازِع مخاصما لجوجًا
صاحب الخلق الحسن لا يُكثِر من اللوم والعتاب ، ولا يستقصي على الإخوان والأصحاب
صاحب الخلق الحسن : لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب، ولا يرى له على أحد حقاً، مقبل على شأنه ، مكرم لأهله وإخوانه ، حافظٌ للسانه
صاحب الخلق الحسن : إن مَرِضَ ولم يُعَدْ، أو شَفَعَ فلم يُجَبْ، أو دَخَلَ مجلسًا فلم يُقدَّمْ ، أو تكلَّم فلم يُنصَتْ له، لم يغضب، ولم يجد في نفسه ، ولم يتنكر لإخوانه، بل يُقابِل ذلك بالعفو والتغافل والمسامَحة، وأسوته في ذلك كله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يعفو ويصفح، ويحلم على الجاهل، ويحسن إليه، بل ويصله ويعطيه، ولو أفحش في القول والمسألة ، ولو أساء في الخلق والمعاملة، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، فنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ أَثَّرَتْ بها حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ؛ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"(مُتفَق عليه).
أيها المسلمون: ويبلغ المؤمن بحسن خلقه شريف المنازل ، وعظيم الدرجات، قال-صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (رواه أبو دواد)
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ في مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ"(رواه الترمذي)
و"سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ" (رواه الترمذي).
جعلني الله وإيَّاكم ممن حسنت أخلاقهم، واتسعت أرزاقهم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفِرُوه
أيها المسلمون: سوءُ الخُلُق دليلُ الخذلان والحرمان، ومَنْ ساءت أخلاقُه ، وعَظُمَ كبرياؤه ، لا يزداد من الله إلا بُعدًا، ولا من الناس إلا مفارقة وبُغضًا ، وهو أبعد الناس عن النبي ﷺ مجلسا .. قال صلى الله عليه وسلم : «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ .متفق عليه .
قال الأحنف: "أَلا أُخبركم بأدوأ الداء: الخلقِ الدنيء واللسانِ البذيء".
فاحذروا أيها الناس أخلاقَ القومِ اللئام ، "وليتق الرجل دناءة الأخلاق كما يتقي الحرام"
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ"
أيها المسلمون: هنيئا لمن كانت له الأخلاقُ الحسنة طبيعةً وجِبِلَّةً وسجية ، وأما من ابتلي بشي من سوء الخلق فليجاهد نفسه في التحلي بالخلق الحسن ، فإن الأخلاق تُكتَسَبُ بالتكلف والمجاهَدة، وتُحَصَّل بالتهذيب والمصابرة ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ"
وبذلك يتبيَّن لنا خطأ من يقول: الطبع لا يتغير، فلو كان الحال كما يقول، لما كان للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية في الدعوة لحسن الخلق فائدة
وعليه فإن من عزَم على التغيير، وصدَق في ذلك ، وجاهَد وصابَر.. رُجي له الخروج من كل خلق ذميم، والظفر بكل خلق جميل؛ فارغبوا يا مسلمون في مكارم الأخلاق ومعاليها، وتعالَوْا عن سفاسفها ومساويها.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورى طُرًّا، فمَنْ صلى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبينا وسيدنا محمد، بشيرِ الرحمة والثواب، ونذيرِ السطوة والعقاب، الشافعِ المشفَّعِ يومَ الحساب، اللهمَّ صل عليه وعلى جميع الآل والصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحفظ بلادنا، مِنْ كيدِ الكائدينَ، ومكرِ الماكرينَ، وحقدِ الحاقدينَ، وحسدِ الحاسدينَ، يا ربَّ العالمينَ، وجميع بلاد المسلمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرَنا لِمَا تحب وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهده لِمَا فيه عزُّ الإسلام وصلاح المسلمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ اشف مرضانا ، وعاف مبتلانا ، وارحم موتانا، واقض حوائجنا وأجب دعانا يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ اجعل لأهلنا في فلسطين وفي الشام والسودان من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية
اللهُمَّ أنت إلهنا، وأنت ملاذنا، وعليك اتكالنا، اللهُمَّ اكشف عنهم كل بلاء ، وارفع عنهم كل بأساء وضراء، اللهُمَّ واحفظ منهم الأعراض والدماء
وانصرهم على عدوك وعدوهم يا سميع الدعاء.
اللهمَّ إن الصهاينة قد طغوا وبغوا، اللهُمَّ لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية
اللهمَّ طهر المسجد الأقصى من رجز الغاصبين المحتلين، يا قوي يا عزيز يا متين.
تركي العتيبي
الله يسعدك ياشيخ
مؤثرة ومفيدة
تعديل التعليق