(أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) .. سلسلة خطب متجددة للردِّ على الملحدين ..
عبدالله محمد الطوالة
المشاهدات 4344 | التعليقات 7
الحلقة الثالثة : الأدلة العلمية في إثبات وجود خالق البرية والرد على الملحدين والدهرية ..
.
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل …
جزاك الله خيرا
موضوع مهم يندر طرحه غائب عن المنابر والشباب في أمس الحاجة إليه
الحلقة السادسة : وجود الشرِّ لا يتنافى مع وجود الخالق جلَّ وعلا ..
.
الحمدُ للهِ الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، و{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} .. والصلاةُ والسلامُ على من بعثهُ اللهُ تباركَ وتعالى هادياً ومبشِّراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسِراجاً منيراً، صـلوات اللهُ وسلامهُ عليـه، وعلى آله الأطهارِ، وصحابتهِ الأبْرارِ الأخيار، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنّهار، وسلَّم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، والتزموا سنَّةَ نبيكم تهتدوا، وأخلِصوا للهِ تبارك وتعالى نياتِكم تُفلِحوا، وابتعدوا عن المنكرات تسْلموا، واستبِقوا الخيراتِ تربحوا .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ..
معاشِر المؤمنين الكرام: هذه هي الحلقةُ السادِسةُ من سِلسِلَةِ حلقاتَ الرَّدِّ على الملحدين، وسنُخصِصُها للرَّدِّ على ما يصرحُ به كثيرٌ من الملحدين أنَّ وجودَ الشرِّ هو السببُ الأكبرُ في الحادِهم, وأنهُ حُجتَهم الكبرى، بل ويسمونهُ صخرةُ الإلحادِ .. ودائماً ما يكونُ أولَ سُؤالٍ يطرحهُ الملحدُ، لماذا وجدَ الشرُّ ؟؟ لماذا وجِدَ المرضُ والألمُ والظلمُ .. فوجودُ الشرِّ بزعمِهم يتنافى مع وجودِ إلهٍ رحيمٍ قديرٍ عليمٍ، وإلا كيفَ يقبلُ إلهٌ كاملُ القدرةِ كاملُ الرحمةِ كاملُ العلمِ بوجود كلِّ هذهِ الشرورِ .. فإذا أثبتنا أنَّ وجودَ الشرِّ ليسَ فساداً من كُلِّ وجهٍ، وانَّ الشرَّ قد يُوصِلُ إلى خيرٍ أعظمَ منهُ، أو إلى دفعِ شرٍّ أشدَّ منهُ، وأنَّ وجودَ الشرِّ لهُ حِكمٌ جليلةٌ وفوائدُ عديدةٌ، فقد دُحِضَت حُجتُهم وبطُلَ زعمُهُم ..
وبداية نقول: أنَّ الاحتِجاجَ بوجودِ الشرِّ مُغالطةٌ منطقيةٌ، لا تصلحُ أنَّ تكونَ حُجةٌ لنفي الخالق .. لأنَّ الملحدَ حين يطرحُ هذه الشبهةَ، فهو يُدينُ نفسهُ، وينتقلُ بالمشكلةِ من كونها: هل الخالقُ موجودٌ أم غيرُ موجودٍ، إلى أن تكونَ: هل هو خالقٌ شِريرٌ أم غيرُ شريرٍ .. وهذا اعترافٌ ضَمنيٌ بوجودِ خالقٍ .. وعند التأمُّل سنجدُ أنَّ وجودَ الخيرِ والشرِّ ضروريَّانِ لحُريةِ الارادةِ والاختيارِ، وإلَّا كيفَ يكونُ الانسانُ مخيراً من غيرِ وجودِ الخيرِ والشرِّ معاً، وضروريَّانِ للابتلاءِ والاختبارِ، فهما مادةُ الابتلاءِ والامتحانِ, قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ... والخيرُ والشرُّ عموماً وجهانِ لعُملةٍ واحدة .. كُلٌّ منهما مُتممٌ ولازمٌ وضروريٌ لوجود الآخر .. ولا يكونُ أحدهما إلا بوجود الآخرِ .. فبوجوده يُوجدُ وبعدمِه ينعدِمُ .. وفي تضادِّ الخيرِ والشرِّ إبرازٌ لكُلٍّ منهما، فبضدِها تتميزُ الأشياءُ .. فلا يظهرُ جمالُ الخيرِ, ولا يظهرُ قبحُ الشرِّ إلا بوجودهما معاً .. فلا توجدُ الرحمةُ إلا في وجود الألمِ, ولا توجدُ الشجاعةُ إلا بوجود الخطرِ, ولا يوجدُ النبلُ والكرمُ إلا بوجود الحاجةِ, ولا يوجدُ الصفحُ والتسامحُ إلا بوجود الإساءةِ, ولا يوجدُ العدلُ والانصافُ والنُّصرةُ إلا بوجودِ الجورِ والظلمِ .. وقِس على ذلك، فلا معنى للصبر بلا مُصيبةٍ، ولا معنى للشبعِ من غير جوعٍ، ولا معنى للمواساةِ بلا مواجعٍ، ولا معنى للحبِّ من غير تضحيةٍ، وعليه فالشرُّ إفرازٌ طبيعيٌ لازمٌ وضروريٌ لوجود التضادِّ والاختلاف بين الأشياء ... وعند التأمُّلِ أكثر سنجدُ أنَّ غالبَ ما حولنا هو من قبيلِ الخير, وأنَّهُ هو الأصل، وأنَّ الشرَّ قليلٌ محدودٌ, بل هو استثناءٌ يؤكدُ دورَ الخيرِ ويُبرِزهُ .. فالمرضُ والألمُ استثناءٌ من الصحةِ والعافية، والجوعُ استثناءٌ من الشبعِ, والقلق استثناءٌ من الطمأنينةِ, والخوفُ استثناءٌ من الأمن .. وهكذا فالخيرُ أصلٌ غالب, والشرُّ استثناءٌ محدودٌ .. وبالتالي فبإمكاننا أنَّ نقلبَ الطاولةَ على الملحد، فنسألهُ: من الذي جاءَ بكلِّ هذا الخير، والجواب: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} ... ثم إنَّ الشرَّ قد لا يكونُ مقصُوداً لذاتِه، فالألمُ الذي يشعرُ به المريضُ نوعٌ من الشرِّ، لكنهُ ليس مقصوداً لذاته، بل هو تنبيهٌ وجرسُ إنذارٍ, يبدأُ خفِيفاً ثم يتدرجُ شيئاً فشيئاً حتى يصلَ إلى درجةٍ يصعبُ تحمُّلها, كلُّ ذلك لكي لا يتراخى المريضُ في تعاطِي العلاجِ فتتفاقَمُ المشكِلةُ فيتعرضَ للهلاكِ .. فهل الشعورُ بالألمِ نِعمةٌ وحِكمةٌ وخيرٌ .. أم هو ظلمٌ وقسوةٌ وشرٌّ .. هل الشرُّ مقصودٌ لذاتهِ أم هو تدبيرٌ لطيفٌ من الرحيمِ الحكيمِ سبحانهُ وبحمده ... والخيرُ والشرُّ نِسبِيانِ متلازمان: وكلٌّ منهما خيرٌ من جهةٍ, وشرٌّ من جهةٍ أُخرى، ولو بنسبٍ مُتفاوِتة، لذلك قالوا في الأمثال: مصَائِبُ قومٍ عِند قومٍ فوائدُ .. المطَرُ مثلاً بِالنِّسْبَةِ لِلمَزَارِعِ خَيْرٌ، وَلكنهُ بِالنِّسْبَةِ لِصَانِعِ الفَخَّارِ شَرٌّ .. ذوبانُ الثلجِ وتحوُلِهِ إلى مَاءٍ عَذبٍ يَسقِي الزُّروعَ والحيواناتِ, هو خيرٌ من هذه الجهةِ، ولكنهُ قد يسببُ الفيضاناتِ المهلكةِ، النارُ والحرارةُ ضروريةٌ لحياة الانسانِ فهي خيرٌ من هذهِ الجهةِ، لكنها قد تُسبِبُ الحرائقَ والكثيرَ من الأضرار، الأمواجُ والرياحُ وغيرها من الأشياءِ كُلِّها لا يخلو خيرها الكثير من بعضِ الشرِّ والأذى .. حتى ابليسُ على ضلاله وإضلاله فهو ليس شرّاً محضاً, ففي وجودهِ خيرٌ وحِكمٌ جليلةٌ منها: كونِه سبباً في استكمال المؤمنين لمراتب العبودِية للهِ، وذلك بمجاهدةِ عدوهِ، ومراغمتهِ والاستعاذة منه .. ومنها كونهُ عِبرةً لغيرهِ، وتخويفاً للمؤمنين من شؤم الذنوب، فإبليسُ بعدَ القربِ والرفعةِ والتكريمِ، آلَ إلى الطردِ والإهانةِ واللعنةِ، فمن يأمنُ على نفسه .. ومنها كونُه محكُّ اختبارٍ ليتميز الطيبُ من الخبيثِ .. وأن ينالَ الصالحون جزاء صلاحهم، وينالُ المجرمونَ جزاءَ إجرامهم .. ومنها كونُه سبباً في إظهار كمالِ قُدرةِ اللهِ وحِكمتهِ في خلقِ الاضدادِ, فكما خلقَ الله السماءَ خلقَ الأرضَ، وكما خلقَ النَّورَ خلقَ الظلامَ، وكما خلقَ الماءَ خلقَ النَّارَ، وكما خلقَ جبريلَ وميكائيلَ وبقيةَ الملائكةِ فكذلك خلقَ ابليسَ وذريتهُ من الشياطين، وغيرها من الحكم والفوائد ... وبعد ذلك فلا شكَّ أن لوجودِ الشرِّ حِكماً جليلةً أخرى، وفوائدَ عديدةٍ نذكرُ منها: أنهُ ضروريٌ لتطوير قُدراتِ الانسانِ: فمن طبيعةِ البشرِ مَيلِهم للراحةِ والكسلِ، وحُبِهم للتسليةِ والاستمتاع .. خصوصاً من يعيشُ في طراوةِ النعيمِ، بينما ترى الذين تربوا على الشدائِد والمعاناةِ والألمِ والمحنِ يصبحونَ نماذجَ فاخرةٍ في العطاءِ والانجاز، والايجابيةِ والتميزِ .. ففي بعضِ الشرَّ تربيةٌ نافعةٌ لبنى آدم, وتجاربُ الايامِ قد بينت للنَّاسِ أنَّ الشِدَّةَ انفعُ لهم مِن الرخاءِ في كثيرٍ من الأحيان .. ثم إنَّ السعادةَ والنعيمَ واللذاتِ والمتعِ عُموماً, لا يكادُ يسلمُ طالِبُها من ألمٍ وأذى، وكلمَّا ازدادت اللذةُ والمتعةُ زادَ الألمُ والأذى من جراءِ تحصِيلها .. يقول الشاعر: بصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنالُ إلا على جِسرٍ من التَّعبِ .. ويقول آخر: تُريدينَ إدراك المعالي رخيصةً .. ولابُدَّ دونَ الشَّهدِ من إبرِ النَّحلِ ..
وقد أكدت دراسةٌ لمتابعةِ حياةِ أكثرَ من 300 قائدٍ وزعيمٍ مؤثرٍ في التاريخ، أنهم عانوا جميعاً من طفولةٍ قاسيةٍ، أسهمت في صقلِ شخصيتِهم، وتنميةِ مهاراتِهم، وتعويدِهم على الجدِّيةِ وتحمُّلِ المسؤليةِ ..
ومن الحِكم في وجودِ الشرِّ: أن يكون سبباً في كسب الذنوب التي يُحبُّ اللهُ أن يغفِرها لعباده، فربنا العظيمُ الرحيمُ, عفوٌ كريمٌ يحبُّ العفو والمغفرة، ويفرحُ بتوبةِ التائبِ فرحاً لا تبلغُ العقولُ تَصورهُ، ويغفرُ لهُ ولو بلغت ذُنوبهُ عنانَ السماءِ، بل جاء في الحديث الصحيح: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فسيستغفرون فيغفر الله لهم" .. فوجود الشرِّ يستظهِرُ معانيَ كثيرٍ من أسماءِ اللهِ الحسنى وصِفاتهِ العُلا، كالتوابِّ والغفورِ والعفو والرحيم والحليم وغيرها من الأسماء والصفات، وكذلك يستظهِرُ معاني الأسماءِ والصفاتِ التي تدلُ على انتقامِ اللهِ من الأشرارِ كالمنتقمِ والخافضِ والمذلِ وغيرها ... ومن الحِكم في وجودِ الشرِّ أنهُ ابتلاءٌ لرفعةِ الدرجاتِ وتكفيرِ السيئاتِ، وعلى كلا الحالينِ فهو عطاءٌ ورحمةٌ، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيبُ المؤمنَ من نصبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا أذى حتى الشوكةَ يُشاكُها إلا كفَّرَ اللهُ بها من خطاياه", وفي الحديثِ الآخر: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" رواه مسلم ... ومن الحِكم في وجود الشرَّ: اشعارُ المؤمنِ بحقارة الدنيا وأنها أتفهُ من أن يصرفَ لها همّهُ كلهُ، فإذا عضتهُ بعضُ المصائبِ بأنيابها, وأوجعتهُ بآلامِها, زالَت عنهُ سكرةُ حُبِّ متاعِها الزائِلِ، وعرفَ حقيقةَ قِيمتَها، وأنَّها كما جاء في الحديث لا تساوى عند الله جناحَ بعوضة ... ومن الحِكمِ في وجودِ الشرِّ أنْ يُنتَقمَ بهِ من الظالمين، ويُعاقَبَ بهِ المفسِدين .. قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .. وقال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ... ومن الحِكمِ في وجودِ الشرِّ أنهُ وسيلةٌ تُلجِئُ الانسانَ إلى خالقهِ ومولاه، وتضطرهُ للاستغاثةِ والاستعانةِ به جلَّ في علاه .. قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}.. فبسببِ ما يتعرضُ لهُ العبدُ من شُرورٍ وأذى، ينكسِرُ غُرورهُ، وترِقُ نفسهُ، وتنجلي عنهُ الغفلةُ، ويتيقنُ بأنهُ عبدٌ ضعيفٌ ليسَ له إلا أن يعودَ إلى خالقهِ ومولاه .. فالشرُّ هنا كالعلاج بالكي، يؤذي لكنهُ بإذن اللهِ يشفِي ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ..
بارك الله لي ولكم ...
الحمد لله كما ....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين ..
معاشِر المؤمنين الكرام: من عقيدةِ المؤمِنِ أنهُ ليسَ في أفعالِ اللهِ شرٌّ، وأنَّ الشرُّ لا يُنسبُ لهُ أبداً، وإنَّما الشرُّ من أفعالِ مخلوقاتهِ .. واللهُ جلَّ وعلا إنَّما سمحَ بوجودِ الشرِّ لحِكمٍ سبقَ أنْ ذكرنا بعضها .. وحين يزعمُ الملحدُ أنَّ بعضَ الشرِّ الموجودِ لا حِكمةَ لهُ، كموت الحيواناتِ في الحرائقِ، أو جرائمَ اغتصابِ الأطفالِ وقتلِهم .. فمن وِجهةِ نظرِ الملحدِ ينبغِي للإلهِ الحكيمِ العليمِ الرحيمِ إنْ كانَ موجوداً أنْ يمنعَ مِثلَ هذهِ الشرورِ الفظِيعةِ ... وكثيراً ما يلجأُ الملحدُ إلى السؤال عن سببِ عدمِ إِخبارِ الرَّبِّ لنا عن حِكمةِ كُلِّ شرٍّ موجودٍ، وهو سؤالٌ بلا معنى، لأنَّ الشرَّ وجِدَ عموماً للابتلاءِ والاختبارِ، ولِـمَا ذكرناهُ سابقاً، ولأنَّ في طيِّ كُلِّ محنةٍ منحةٌ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ... ولأنَّ العقلَ البشري قد يفوتُهُ إدراكُ الكثيرِ من الحِكمةِ لعجزهِ وقُصورهِ، فعقلُ الانسانِ عاجزٌ عن استيعابِ الكثيرِ من الحقائقِ الكونيةِ رغمَ وجودِها أمامهُ، فكيفَ يستوعِبُ عقلَهُ مفاهِيمَ وتفاصِيلَ العدلِ الإلهي والقَدَرِ خيرهِ وشرِّهِ، مع تعلُقِها بعالَم الغيبِ وما اختصَ اللهُ تعالى بعلمِهِ، وقد قال صلى الله عليه وسلم "القدر سِرُّ الله" ... وقصورُ العقولِ وقِلَّةُ علمِها، يمكِنُ تخيُلهُ إذا تصورنا حيواناً يقعُ في مَصيدةٍ مُعقدةٍ، وحينَ يأتي انسانٌ ليخلِصهُ منها تجِدهُ يقاومُهُ بشراسةٍ, لظنهِ أنهُ يريدُ به شراً .. فبالرغم من ضخامةِ الفارقِ بين علمِ الانسانِ وعِلم الحيوانِ, إلا أنهُ لا شيءَ, مقارنةً بالفارق المتناهي بين علمِ اللهِ تعالى وعلمِ الانسانِ .. والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون .. ووجودُ الكثيرِ من الحِكمةِ لبعض أنواعِ الشرِّ بشكلٍ مُقنعٍ, يدلُ على وجودِ غيرها من الحِكمِ الكثيرةِ والمقنعةِ لبقية أنواعِ الشر، لكننا لا نعلمها لجهلِنا أو لقصورِ إدراكنا وعجزِ عقولنا ... ولله المثل الأعلى، فحين نجدُ في جهازِ الجوالِ قطعةً لا نعرفُ وظيفتها, فلا نقولُ أنها بلا فائدة، لأنهُ قد تراكم عندنا من تجاربَ سابقة, أنَّ الشركةَ المصنِعةَ لا تضعُ في جهازها قِطعةً إلا ولها حِكمةٌ وفائدة .. حتى ولو لم نعرفها ... والعقلاءُ قد استقرَّ في عقولهم اضطرادُ وتواترُ حِكمةِ اللهُ في خلقه، فإذا لم تظهر لهم الحكمةُ أحياناً .. فإنهم يردون ما جَهِلوه منها إلى ما استقرَّ في عقولهم, وما علِموهُ من حِكمتهِ المضطرِدةِ .. وفي قصةِ موسى مع الخضرِ عليهما السلام, عرفنا أنَّ خرقَ السفينةِ وهو شرٌّ ظاهرٌ كان هو السبب في سلامتها من شرٍّ أكبر, وأنَّ قتلَ طفلٍ صغيرٍ كان هو السببُ في رحمتهِ هو وأهلُهُ من شرٍّ أكبر لو أنهُ تُرِكَ حياً ... ثم هناكَ
أمرٌ أخيرٌ يغيبُ عن فهمِ الملحد, وهو أنَّ الغايةَ من خلقِ الانسانِ ومنحهِ هذه الحياةَ المؤقتةَ, ليست اسعادهُ وإنَّما اختباره، وأنَّ أيَّ شرٍّ يراهُ في الدنيا فهو ليس نِهايةَ المطافِ، وإنَّما هو الفصلُ الأول فقط، وحتماً هناك فصلٌ آخر مُتممٌ للقِصةِ، وهو يومُ القيامةِ، حيثُ ينالُ فيهِ الظالمُ والمظلومُ حقهُ بالقسط والعدلِ, قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل ..
عبدالله محمد الطوالة
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل ...
تعديل التعليق