أفِيْ اللهُ شَكٌّ؟ خطبة الاسبوع 19-8-2022 للشيخ د.تركي الميمان

رائد القيسي
1444/01/19 - 2022/08/17 12:29PM

   أفِيْ اللهُ شَكٌّ؟

خطبة هذا الاسبوع 19-8-2022 للشيخ د.تركي الميمان

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التقوى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعْلَمُوا أَنَّكم ملاقوه! ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى

عِبَادَ الله: إِنَّهُ أَمْرٌ فِطْرِي؛ لا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ والمُعَارَضَة، وَلا يَنْفَعُ مَعَهُ الجُحُوْدُ والمُكَابَرَة؛ إِنَّهُ الله!

قالَ تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: (﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّوالمَعْنَى: مَا فِي اللهِ شَكّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ في اللهِ شَكّ! وَهَذَا يُبَيّنُ أَنَّهُمْ مَفْطُوْرُوْنَ على الإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالجِنِّ: أَفْسَدُوْا فِطْرَةَ بَعْضِ النَّاس، فَعَرَضَ لَهُمْ مَا أَزَاحَهُمْ عَنْ هَذِهِ الفِطْرَة!) [1].

 

وَوُجُوْدُ اللهِ وَتَوْحِيْدُهُ، وَإِلَهِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ؛ أَمْرٌ لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ؛ لِظُهُوْرِ الأَدِلَّةِ الَّتِي تَقْطَعُ كُلَّ شَكٍّ في اللهِ؛ فَهُوَ خَالِقُ الخَلْق، وَمُدَبِّرُ الكَوْن![2]

وكَيْفَ يُطْلَبُ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟! فَهُوَ أَعْرَفُ مِنْ كُلِّ مَعْرُوْف، وَأَبْيَنُ مِنْ كُلِّ دَلِيل!

قالَ بَعْضُ السَّلَف: (وُجُودَ الرَّبِّ تَعَالَى: أَظْهَرُ لِلْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، مِنْ وُجُودِ النَّهَارِ! وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي عَقْلِهِ وَفِطْرَتِهِ؛ فَلْيَتَّهِمْهُمَا![3] فَوُجُوْدُهُ سُبْحَانَهُ وَرُبُوْبِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ؛ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الإِطْلَاق؛ فَهُوَ أَظْهَرُ لِلْبَصَائِرِ مِنْ الشَّمْسِ لِلْأَبْصَار، وَأَبْيَنُ لِلْعُقُوْلِ مِنْ كُلِّ مَا تَعْقِلُهُ، وَتُقِرُّ بِوُجُوْدِهِ؛ فَمَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مُكَابِر!)[4].

وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَذْهَانِ شَيْءٌ     

إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلٍ![5]

 

والْفِطْرَةُ شَاهِدَةٌ بِوُجُودِ اللهِ، والْإِقْرَارِ بِهِ، فَإِنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِهَا شَكٌّ وَاضْطِرَابٌ؛ فَتَحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ الْمُوَصِّلِ إِلَى وُجُودِهِ.

وَمِنْ تِلْكَ الأَدِلَّة: التَفَكَّرُ في مَلَكُوْتِ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ؛ فَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الفِكْرِ: اِزْدَادَ يَقِيْنُهُ بِالله!

﴿قالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾[6].

والكَوْنُ كُلُّهُ يَنْطِقُ شَاهِدًا: بَأَنَّ لَهُ صَانِعًا خَلَقَهُ وَأَبْدَعَهُ! ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾[7].

ويسْتِحَيلُ صُدُورُ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَجِيبَةِ الْمُنَظَّمَةِ، مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ![8]

وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيةٌ 

 تَدُلُّ على أنَّهُ وَاحِدُ!

 

وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، أَرَادُوا الْبَحْثَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ! فَقَالَ لَهُمْ: (أَخْبِرُونِي عَنْ سَفِينَةٍ تَمْتَلِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ بِنَفْسِهَا، وَتَعُودُ بِنَفْسِهَا، فَتَرْسُو بِنَفْسِهَا، وَتُفْرِغُ وَتَرْجِعُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدَبِّرَهَا أَحَدٌ!)، فَقَالُوا: (هَذَا مُحَالٌ!) فَقَالَ لَهُمْ: (إِذَا كَانَ هَذَا مُحَالًا فِي سَفِينَةٍ؛ فَكَيْفَ فِي هَذَا الْعَالَمِ كُلِّهِ!)[9].

 

وَمَنْ شَكَّ فِي وُجُوْدِ الله: لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثِقَةٌ بِشَيءٍ مِنَ المَعْلُوْمَات، حَتَّى في الأُمُوْرِ المَحْسُوْسَة![10] قالَ ابنُ القَيِّم: (أَيُشَكُّ فِي اللَّهِ حَتَّى يُطْلَبَ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِهِ؟ وَأَيُّ دَلِيلٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْمَدْلُولِ؟ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْأَظْهَرِ بِالْأَخْفَى!)[11].

قال تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.

 

وَمَضَى النَّاسُ عَلَى فِطْرَةِ التَّوْحِيْد قُرُوْنًا عَدِيْدَة، ثُمَّ عَرَضَ لَهَا مَا يُفْسِدُهَا؛ فَأَرْسَلَ اللهُ رُسُلَهُ: تَرُدُّ الناسَ إلى فِطْرَتِهم الأُوْلَى![12]

قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾. قال ابنُ عَاشُور: (الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ هِيَ الْفِطْرَةُ، وَأَنَّهَا مَا غَشَّاهَا إِلَّا تَلْقِينُ الضَّلَالِ، وَتَرْوِيجُ الْبَاطِلِ! وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ النَّبِيينَ لِإِصْلَاحِ الْفِطْرَةِ)[13].

وغَالِبُ الأُمَمِ كَانَتْ مُقِرَّةً بِوُجُوْدِ الله، وَلَكِنْ تَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْوَسَائِطِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا (تَنْفَعُهُمْ أَوْ تُقَرِّبُهُمْ) مِنَ اللَّهِ زُلْفَى![14] قالَ الطَّبَرَيّ: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ للْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ، دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ؟)[15].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه

عِبَادَ الله: أَدِلَّةُ رُبُوْبِيَّةِ الله، وَبَرَاهِيْنُ إِلَهِيَّتِه، وَشَوَاهِدُ حِكْمَتِه، وَآيَاتُ قُدْرَتِه، لَا يَسْتَطِيعُ الْعَقْلُ لَهَا جُحُودًا، إلا مُكَابَرَةً بِاللِّسَانِ![16]

والظَّالِمُوْنَ المُتَكَبِّرُوْنَ: لا يَجْحَدُوْنَ الحَقَّ لِأَنَّهُمْ لا يَعْرِفُوْنَه، بِلْ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُوْنَه! وَقَدْ اِسْتَيْقَنَتْهُ نُفُوْسُهُم، وَلَكِنَّهُمْ يَقِفُوْنَ في وَجْهِهِ مُكَابِرِيْن، وَهُوَ وَاضِحٌ مُبِيْن! ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.

قالَ ابنُ تَيْمِيَّة: (عَامَّةُ الكُفَّارِ مِنْ هَذَا النَّوْع، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيْمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ مُخْطِئ؛ لِاشْتِبَاهِ مَعْنًى بِمَعْنًى آخَر، أَوْ لِـخَلَلٍ وَقَعَ في عَقْلِهِ، أو لِهَوَىً خَالَطَ اعْتِقَادَه؛ كَمَا قالَ تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾)[17].

فَتَمَسَّكُوا بِالحَقِّ المُبِيْن، وَاحْذَرُوْا مِنْ شُبُهَاتَ المُشَكِّكِيْن، وَأَعْدَاءِ الفِطْرَةِ والدِّيْن، مِن المُبْتَدِعَةِ والمُلْحِدِيْن! ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. 

* * * *

هَذَا ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* اللَّهُمَّ اغْفِرْ للمسلمين والمسلمات، الأحياءِ مِنْهُمْ والأموات.

*اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

 * فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

* * * *

الحواشي
[1] درء تعارض العقل والنقل (8/441) (9/122). بتصرف واختصار
[2] انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي (1/409)، الجامع لأحكام القران، القرطبي (9/346).
[3] مدارج السالكين، ابن القيم (1/83).
[4] مفتاح دار السعادة، ابن القيم (212). باختصار
[5] انظر: الصواعق المرسلة (4/1221)، مدارج السالكين (1/82) (2/333)، الفوائد، ابن القيم (21).
[6] انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (16/335).
[7] انظر: تفسير ابن كثير (4/414).
[8] انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (13/198-199).
[9] شرح الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي (35). باختصار
[10] انظر: تفسير السعدي (422).
[11] مدارج السالكين (1/82، 208).
[12] انظر: مدارج السالكين (1/82)، شفاء العليل (253)، ابن القيم. باختصار
[13] التحرير والتنوير (2/301). باختصار
[14] قال ابن كثير: (﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾: أَيْ أَفِي إِلَهِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِوُجُوبِ الْعِبَادَةِ لَهُ شَكٌّ، وَهُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ). انظر: تفسير ابن كثير (4/414).
[15] تفسير الطبري (13/609). بتصرف
[16] انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم (237).
[17] بيان تلبيس الجهمية (1/56). باختصار

المرفقات

1660728578_أفِيْ اللهُ شَكٌّ؟.docx

المشاهدات 717 | التعليقات 0