أفغير دين الله يبغون
عبدالرحمن اللهيبي
1444/08/11 - 2023/03/03 01:52AM
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
معاشر المسلمين: قال صلى الله عليه وسلم (إن أمتَكم هذه جعل الله عافيتَها في أولها – أي في القرون الأولى منها- وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها ، وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضاً ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ،فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر).رواه مسلم، وقَالَ ﷺ: " سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُم مَا لم تَسمَعُوا أَنتُم وَلا آبَاؤُكُم ، فَإِيَّاكُم وَإيَّاهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نراه اليوم ونسمع به من الفتن هو من تأويل هذا الحديث العظيم فما يكاد المصلحون من العلماء يدافعون فتنةً إلا وتأتي بعدها فتنةٌ أكبر منها
ألا وإن من الفتن الخطيرة التي نزلت بالمسلمين اليوم والتي كانت تُطرح ما بين الفينة والأخرى ولكنها اليوم تطرح بقوة وكثافة أكثر من أي وقت مضى هي فتنة ما يسمى بالبيت الإبراهيمية وهي دعوة تحاول أن تجعل الأديان الثلاثةَ وهي الإسلامَ واليهودية والنصرانية في بوتقة واحدة على قدم المساواة بينها ، وأنها كلها أديان صحيحة معتبرة، موصلة إلى الله، وأنها جميعا تأخذ بأصحابها إلى الجنة، وأنه يجب إلغاء عقيدة الولاء والبراءة ، فلا حب ولا بغض في الدين، بمعنى أنه عليك أن تحب من نسب الولد إلى الله كما تحب المؤمن الموحد بالله، وعليك أن توالي من كذب رسول الله ﷺ وأنكر رسالته كما توالي من آمن برسول الله وصدقه واتبع شريعته .. وعليك أن تعترف بدينهم الذي امتلأ شركا بالله وكفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبا بالقرآن ، عليك أن تحترم كفرهم وتكذيبهم وشركهم ، وتكتفي بالمشتركات الإنسانية فيما بينك وبينهم ، ولا تلتفت إلى الفوارق مهما عظمت في الكفر بالله ، حتى ولو كانت السموات والأرض يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
وباتت الندوات والمؤتمرات في بلاد المسلمين تعقد لأجل ذلك ، ويتولى الإعلام العربي بشتى وسائله الدعوةَ لهذه العقائد المنحرفة وتزيينَها للناس بشبهات باطلة ويُخشى أن تنطلي على بعض جهلة المسلمين إن لم يجدوا من يبين لهم حقيقة هذه الدعوة ويكشف عوارها وزيفها وضلالها .
وحتى لا أتهم بالمبالغة والتهويل أَيُّهَا المُسلِمُونَ في ما ذكرت من عظم الفتنة وشدة خطرها: أنقل لكم بعض ما كتبه هؤلاء المفتونين المتهوكين في صحف المسلمين حيث يقول أحدهم: أن الإسلام ليس هو الطريق الوحيد لدخول الجنة, بمعنى أنه يمكن أن يدخل أحد الجنة من غير طريق الإسلام
ويقول أيضا: أن اليهود والنصارى لا يحكم عليهم بكفر ولا بنار بل يتركون إلى عدل الرحمن يوم القيامة
وقال آخر ليس هناك حقيقة مطلقة في الوجود وكل الحقائق نسبية حتى الإسلام – وهو يقصد بذلك أننا لا يمكننا الجزم يقينا بصحة الإسلام
وكتب آخر يقول: أديان التوحيد الثلاثة ويعني بها الإسلام والنصرانية واليهودية.. فيصف اليهودية والنصرانية بأديان التوحيد وهي تنضح بالشرك والكفر بالله
هذه بعض النقولات التي كتبت من قوم لا خلاق لهم ولا علم عندهم وهي فيض من غيض وقليل من كثير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إخوة الإيمان والعقيدة: إنه مهما حل بالمسلمين من فتن عظيمة إلا أنه لم يكن متوقعاً أن يصل الجهل بهم للتشكيك في حقيقة أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجب على الناس اتباعه ولا طريق إلى الجنة إلا من خلاله
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : إن دِينَ الإِسلامِ هُوَ الدِّينُ الوحيد الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وَأن نبينا محمدا ﷺ هُوَ خَاتمُ الأنبياء والمُرسَلِينَ الذي يجب على كل الناس الإيمان به واتباعه، وقد كفر من كذبه ولم يتبعه قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَالَّذِي نَفسُ محمدٍ بِيَدِهِ لا يَسمَعُ بي أَحَدٌ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصرَانيٌّ ثم يَمُوتُ وَلم يُؤمِنْ بِالَّذِي أُرسِلتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِن أَصحَابِ النَّارِ " وَعَن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال: لَقَد جِئتُكُم بها بَيضَاءَ نَقِيَّةً ، وَلَو كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ اتِّبَاعِي "
نَعَمْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ : ـ لا دِينَ مَقبُولٌ عند الله إِلاَّ الإِسلامَ ، وَلا نَبيَّ مُتَّبَعٌ إِلاَّ نَبيَّ الإِسلامِ ، وَلا طَرِيقَ مُوصِلٌ لِلجَنَّةِ إِلاَّ طَرِيقَ الإِسلامِ ، وَحِينَ يَأتي في هَذَا الزَّمَانِ مَن يَزعُمُ أَنَّ الأَديَانَ السَّمَاوِيَّةَ كُلَّهَا مُوصِلَةٌ إِلى اللهِ ومَقبُولَةٌ عِندَهُ ، وأن أتباعها لا يلزمهم اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فَهُوَ ينقض عقيدة محكمة جاءت صريحة بينة في كِتَابِ اللهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، والله يقول: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
وقال الله تعالى : "لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٍۢ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
وقَالَ ـ تَعَالى ـ : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }
قَالَ الإِمَامُ ابنُ حَزمٍ ـ رَحمهُ اللهُ : وَاتَّفَقُوا - أي المسلمون - عَلَى تَسمِيَةِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى كُفَّارًا .
وَقَالَ شَيخُ الإِسلامِ ـ رَحمهُ اللهُ ـ : وَمَعلُومٌ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ المُسلِمِينَ أَنَّ مَن سَوَّغَ اتِّبَاعَ غَيرِ دِينِ الإِسلامِ ، أَوِ اتِّبَاعَ شَرِيعَةٍ غَيرِ شَرِيعَةِ محمدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَهُوَ كَافِرٌ
أَفَيَسُوغُ بالله عليكم يا مسلمون بَعدَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَالنُّقُولِ عَن عُلَمَاءِ الإِسلامِ أَن يَتَفَوَّهَ بَعضُ المَفتُونِينَ المُتَهَوِّكِينَ فَيَزعُمَ أَنَّهُ يَستَوِي في الوُصُولِ إِلى اللهِ وَدُخُولِ جَنَّتِهِ المُسلِمُ وَاليَهُودِيُّ وَالنَّصرَانيُّ ، كَيفَ وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُم تَمَسُّكَ المُوقِنِينَ ، وَلا يَهُولَنَّكُم مَا تقرؤون أو تَسمَعُونَ مِن طعن في المسلمات أو تهوين في المحكمات أو بث للشبهات في هَذِهِ الأَزمِنَةِ المُتَأَخِّرَةِ ، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول (وَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
أمَّا بَعدُ : فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ وَلا تَعصُوهُ {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ}.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : لَقَد قَرَّرَتِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، حقيقة موقف المسلم من اليهود والنصارى وهو موقف البراءة من دينهم ودعوتهم للدين الحق يقول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} وقد نزلت هذه الآية في حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران حيث كان الحوار صريحاً حاسماً وذلك بإعلان البراءة من دين النصارى الوثني المحرف ودعوتهم إلى ترك كفرهم وشركهم ودعوتهم إلى الدخول في دين الإسلام القائم على عبادة الله وحده وتوحيده والبراءة من الشرك وأهله .
ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم تعالوا لنتفق فيما بيننا وبينكم على المشتركات الإنسانية ولندع ما سواها لئلا يقع بيننا وبينكم خلاف أو نزاع
أيها المسلمون : إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة العقدية بين الإسلام وما سواه من الأديان وهي القول بقبول دين اليهود والنصارى أو احترامه والاعتراف به أو عدم التعرض له بالنقد والتكفير!! ومحو نصوص الجهاد من قرآننا ، ويسعون بكل سبيل لإبطال عقيدة الولاء والبراء من ديننا ، وذلك كله بحجة التسامح والتعايش والإخاء الإنساني بين أهل الأديان يخطئون في فهم دين الله الحق ، بل وفهم الأديان المخالفة أيضا
فالغرب الكافر يريد من المسلمين أن يتسامحوا من طرف واحد ويتقبلوا العدوان عليهم ويستسلموا لقتلهم واحتلال بلادهم ، أما هو فلا حسيب على حقده وعدوانه وقد قَالَ الله سُبحَانَهُ ـ : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } وقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ }
ومع ذلك نجد من بني جلدتنا من يحسن الظن بعدونا الكافر رغم أنه يقرأ القرآن ويعرف التاريخ والواقع
" أَلا فَلْنَنتَبِهْ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَحذَرْ مِمَّا يَكِيدُ بِهِ أَعدَاءُ الدِّينِ مِنَ التَّبدِيلِ وَالتَّحرِيفِ وَالتَّلبِيسِ ، فَلا طَرِيقَ إِلى اللهِ تَعَالى ، وَلا فَوزَ بِجَنَّته وَلا نَجَاةَ مِنَ نَاره ، إِلاَّ بِالإِسلامِ واتباع مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ خُسرَانٌ مُبِينٌ وَضَلالٌ بَعِيدٌ " " أَفَغَيرَ دِينِ اللهِ يَبغُونَ وَلَهُ أَسلَمَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا وَإِلَيهِ يُرجَعُونَ "