أَفْرَاحُنَا بَيْنَ الشُّكْرِ وَالبَطَرِ ( خطبة مختصرة )
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا... مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم 21
الزَّوَاجُ مِنْ أعْظَمِ النِّعَمِ، فِيهِ طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ، فِيهِ السَّكَنُ وَالْأُنْسُ، فِيهِ المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، فِيهِ غَضُّ البَصَرِ وَحِفْظُ الفَرْجِ وَبِهِ حُصُولُ الوَلَدِ، وَتَكْثِيرُ النَّسْلِ، وَاسْتِمْرَارُ العَمَلِ حَتَّى بَعْدَ المَمَاتِ، وَمَصَالِحُهُ عَظِيمَةٌ لِلْفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ.
وَإِنَّهُ لَيَسُرُّ كُلُّ مُسْلِمٍ مَا نَشْهَدُهُ أَيَّامَنَا هَذِهِ مِنَ كَثْرَةِ مُنَاسَبَاتِ الزَّوَاجِ، وَتَحْصِيلِ هَذَا الخَيرِ العَظِيمِ، ومَا أَحْسَنَ اتِّبَاعَ الهَدْيَ النَّبَويَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ، وَمَا أَحْرَى أَهْلَهَا بِالسَّعَادَةِ وَالتَّوفِيقِ، كَمَا أنَّ المُخَالَفَةَ لَهُ أَحْرَى بِعَدَمِ التَّوفِيقِ.
وَلَعَلَّنَا نَخْتَصِرُ شَيئًا مِنْ آدَابِ النِّكَاحِ وَمُخَالَفَاتِهِ
فَمِنْ ذَلِكَ: اِخْتِيارُ صَاحِبِ الدِّينِ؛ مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. فَإِذَا خَطَبَ الكُفْءُ وَتَمَّ التَّحَرِّيْ وَالسُّؤَالُ عَنْ دِينِهِ وَخُلُقِهِ، وَعُلِمَ حَالُهُ؛ فَلَا يَنْبَغِي رَدُّهُ.
وَمِنَ الآدَابِ: تَيْسِيرُ المُهُورِ، يَقُولُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنـــهُ: ( أَلَا لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَىً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ ...) الخ أخرجه النسائي وصححه الألباني.
فَعَلَى المَرْأَةِ وَأَوْلِيَائِهَا أَنْ لَا يُثْقِلُوا كَاهِلَ الزَّوجِ وَيُحَمِّلُوهُ الدُّيُونَ، وَيَعِيشُ هُوَ وَزَوجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَمَّ الدَّينِ وَمَذَلَّتَهُ.
عِبَادَ اللهِ: عَلَيْكُمْ بِالِاعْتِدَالِ في وَلِيمَةِ العُرْسِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبْذِيرَ، والتَّبَاهِي فِي الوَلِيمَةِ، وَفِيمَا يَصْحَبُهَا ويَسْبِقُهَا وَيَلْحَقُهَا، اِحْذَرُوا الِاسْتِهَانَةَ بِالنِّعَمِ، وَرَمْيِهَا فِي النِّفَايَاتِ، تَذَكَّرُوا أَقْوَامًا يَتَمَنَّوْنَ لُقْمَةَ العَيشِ فَلَا يُحَصِّلُونَها، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ تُسْلَبُونَ هَذِهِ النِّعْمَ بِسَبَبِ إِسْرَافِكِمْ؛ اقْتَصِروا عَلَى مَا يَكْفِي ضُيُوفَكُمْ، وَاتَّفَقُوا مَعَ الجَمْعِيَّاتِ الخَيْرِيَّةِ لِحِفْظِ فَائِضِ الوَلِيمَةِ.
تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. ) متفق عليه .
اُدْعُوا الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، فَفِي البُخَارِيِّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
ومِنَ المُخَالَفَاتِ: ضَرْبُ الدُّفِّ؛ لِلرِّجَالِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: ( إِعْلَانُ النِّكَاحِ سُنَّةٌ؛ لِقَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَعْلِنُوا النِّكَاحَ ) رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم. وَمِن وَسَائِلِ إعْلَانِهِ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ؛ لَكِنَّهُ مِنَ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ... ) الخ
وَمِنَ المُخَالَفَاتِ: اسْتِخْدَامُ مُكَبِّرَاتِ الصَّوتِ، وَتَشْغِيلُ الأَغَانِي، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالشَّيْلَاتِ عَبْرَهَا، وَإِزْعَاجُ النَّاسِ وَإِيْذَاؤُهُمْ بِصَخَبِهَا.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ ...أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ المُخَالَفَاتِ: إِطْلَاقُ النَّارِ فِي الحَفَلَاتِ؛ مُخَالَفَةٌ لِوَلِيِّ الأَمْرِ، وَتَعَرُّضٌ لِلْخَطَرِ، وَتَبْذِيرٌ لِلْمَالِ، وَإِيْذَاءٌ لِعِبَادِ اللهِ؛ وَكَمْ حَصَلَ بِسَبَبِهِ مِنَ الكَوَارِثِ؛ فَلِمَ لَا يَتَّعِظُ النَّاسُ؟!
وَمِنَ المُخَالَفَاتِ: ذَهَابُ المَرْأَةِ مَعَ السَّائِقِ إِلَى الحَفَلَاتِ مُتَعَطِّرَةً مُتَزِيِّنَةً، ثُمَّ رُجُوْعُهَا مَعَهُ فِي سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ وَبِدُونِ مَحْرَمٍ، وَفِي الحَدِيثِ: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) أخرجه النسائي وحسنه الألباني.
فَمَنْ يَأْمَنُ الفِتْنَةَ مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِيْهَا، وَمَنْ يَأْمَنُ مَا قَدْ يَحْصُلُ لِلسَّائِقِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ حَوَادِثِ سَيَارَاتٍ أَو اِعْتِدَاءٍ.
فَاتَّقُوا اللهَ، وَاحْفَظُوا مَا تَحَمَّلْتُمْ مِنَ الأَمَانَةِ وَالرِّعَايَةِ.
وَمِنَ المُخَالَفَاتِ: التَّسَاهُلُ فِي اللِّبَاسِ، وَلُبْسُ العَارِي وَقَدْ جَاءَ الوَعِيدُ فِي قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) أخرجه مسلم
وَمِنَ المُخَالَفَاتِ: التَّزَيُّنُ بِالمُحَرَّمَاتِ: سَوَاءً مِنَ الزَّوجَينِ أوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، كَالْوَشْمِ وَالنَّمْصِ وَالوَصْلِ وَتَطْوِيلِ الأَظَافِرِ، وَمِنْهُ تَزَيُّنُ الزَّوجِ بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ وَإِسْبَالِ ثَوبِهِ أوْ مِشْلَحِهِ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا يَجُوزُ، لَيْلَةَ الزَّوَاجِ وَلَا غَيْرَهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَسَاهُلُ العَرُوسِ فِي كَشْفِ مَا لَا يَجُوزُ كَشْفُهُ لِمَنْ تُزَيِّنُهَا لِلَيلَةِ الزَّفَافِ، سَوَاءً كَانَتْ قَرِيْبَةً أَوْ غَرِيْبَةً.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَأْخِيرُهَا لِلصَّلَواتِ عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى لَا تَتَوَضَّأَ فَيُزِيلُ المَاءُ مَا عَلَيْهَا مِنَ المَسَاحِيقِ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُخَالَفَاتِ الَّتِي لَا تَخْفَى، مِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي مُنَاسَبَاتِهِمْ، مِمَّا أَخْرَجَ مِنَ المَشْرُوعِ إِلَى المَمْنُوعِ، مُخَالَفَاتٍ تَنَاقَلُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا وَتَبَاهَوا بِهَا، وَأَصْبَحَتْ تَزِيدُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَلَا تَكَادُ حَفْلَةٌ الزَّوَاجِ تَنْتَهِي إِلَّا وَقَدْ تَحَمَّلَ أهْلُهَا الكَثِيرَ مِنَ المُخَالَفَاتِ وَالأَوْزَارِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ.
فَلْتَتَّقُوا اللهَ وَلْتَشْكُرُوا نِعَمَهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7
تَنَاصَحُوا، تَوَاصَوا بِالحَقِّ، تَآمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ. ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا... اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلَامَ ... اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا... عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ...