أغِيثُوا أَهْلنَا وَإخْوَانَنا فِي السُّودَانِ ..

سعود المغيص
1444/10/21 - 2023/05/11 14:44PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ :

اِتَّقُوا اَللَّهَ تَعَالَى ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إِذَا عَمَّرَ قَلْبُ اَلْعَبْدِ بِالْإِيمَانِ اِمْتَلَأَ بِالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ ؛ فَيُحِسُّ بِإِخْوَانِهِ ، وَيَتَمَنَّى اَلْخَيْرَ لَهُمْ ، وَيَتَأَلَّمُ لِمَا يُصِيبُهُمْ ؛ لِأَنَّ رَابِطَةَ اَلْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ لَا تُنَازِعُهَا رَابِطَةٌ أُخْرَى ، فَيَسْتَحْضِرُ قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ( وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةً )

وَقَوْلُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تُحَابُّوا ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ) لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اَلْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا " ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِثْلُ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مِثْلُ اَلْجَسَدِ إِذَا اِشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ اَلْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " .

وَطَبِّقَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ اَلْمَحَبَّةَ تَطْبِيقًا عَمَلِيًّا ؛ فَمَا كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَلَمَّا اِخْتَصَّهُ بَعْضُ اَلصَّحَابَةِ بِطَعَامِ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ حِينَ رَأَى فِيهِ أَثَرَ اَلْجُوعِ صَاحَ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اَلنَّاسِ كُلِّهِمْ يَدْعُوهُمْ لِمَا اِخْتَصَّ بِهِ مِنْ طَعَامٍ .

وَلَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدٌ مُضرَ ، وَهُمْ حُفَاةٌ عُرَاةً ، تَمْعَّرْ وَجْهُهُ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَأَى بِهُمْ مِنْ اَلْفَاقَةِ ؛ فَخَطَبَ اَلنَّاسَ ؛ يَحُثُّهُمْ عَلَى اَلصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا تَتَابعَ  اَلنَّاسُ بِالصَّدَقَةِ حَتَّى كَثُرَتْ ، وَسُدَّتْ حَاجَتُهُمْ ؛ تَهَلِّلَ وَجْهُهُ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اَلْفَرَحِ ، فَيَا لِرَحْمَتِهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُحْتَاجِينَ ، وَشُعُورِهُ بِحَاجَتِهِمْ

وَلَمَّا أُصِيبَ اَلْقُرَّاءُ فِي وَقْعَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، شَعُرَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُصَابِهِمْ ، وَوَجَدَ عَلَيْهِمْ وَجَدًا شَدِيدًا ، حَتَّى قَالَ أَنَسُ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - : " فَمًا رَأَيْتُ رَسُولُ اَللَّهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَزِنَ حُزْنًا ماحزنَ  قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ " .

هَكَذَا كَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْسَاسًا بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَمَحَبَّةً لَهُمْ ، وَرَحْمَةً بِهِمْ ، وَسَعْيًا فِي نُصْرَتِهِمْ وَنَجْدَتِهِمْ .

وَأَخَذَ اَلصَّحَابَةُ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ - هَذَا اَلْخُلُقَ اَلنَّبِيلَ عَنْهُ - عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، فَكَانَ اَلْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُقَدِّمُ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَيُؤْثِرَ غَيْرَهُ عَلَى أَهْلِهِ ، وَيَحُسُّ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِ ، وَيَشْعُرُ بِمُعَانَاتِهِمْ ، وَيَقِفُ مَعَهُمْ فِي كُرُوبِهِمْ وَشَدَّتِهِمْ .

فَعَائِشَةُ بَعْثَ إِلَيْهَا مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا - بِمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا ، فَقَالَتْ لَهَا مَوْلَاتُهَا : " لَوْ اشْتًرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا ? فَقَالَتْ : ألا قُلْتِ لِي " . لَقَدْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا لِاهْتِمَامِهَا بِغَيْرِهَا ؛ عِلْمًا بِأَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً ذَلِكَ اَلْيَوْمَ وَلَا فُطُورَ عِنْدَهَا ، وَقَدْ فَرَّقَتْ عَلَى اَلضُّعَفَاءِ مِئَةَ أَلْفٍ وَلَمْ تُبْقِ دِرْهَمًا لِفُطُورِهَا .

وَكَانَ سَلْمَانُ اَلْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا أَوْ سَمَكًا ثُمَّ يَدْعُو اَلْمَجَذِمِينْ فَيَأْكُلُونَ مَعَهُ .

وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ اَلتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ ، مِنْ خُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَصَالِحِينَ ؛ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَأَحْيَوْا اَلْأُخُوَّةَ اَلْإِيمَانِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ أَخْلَاقِ أَسْلَافِهِمْ ، وَوَاسَوْا غَيْرَهُمْ فِي مُصَابِهِمْ .

نَسْأَلُ اَللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُحْيِيَ اَلشُّعُورُ بِالْأُخُوَّةِ فِي قُلُوبِنَا وَقُلُوبِ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .

 أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأًشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ :

اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّه لا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا حَصَلَ مِنَ الْحَرْبِ الْأَهْلِيَّةِ التِي انْدَلَعَتْ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْقَرِيبِ، بَيْنَ أَهْلِ السُّودَانِ, نسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُطْفِئَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ وَأَنْ يَحْفَظَ دِمَاءَ إِخْوَانِنَا وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ.

وبِلادَنَا كعادتها فِي إِغَاثَةِ اَلْمَنْكُوبِينَ، وَمَدِّ يَدِ اَلْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِإِخْوَةٍ لَنَا فِي اَلدِّينِ قَدْ أَطْلَقَتْ حَمْلَةً عَبْرَ مِنَصَّةِ (سَاهِمَ)، فَعَلَيْنَا جَمِيعًا ، كُلٌّ بِحَسَبِهِ مُسَاعَدَةُ إِخْوَانِنَا، احْتِسَابًا لِلْأَجْرِ وَاسْتِجَابَةً لِنَدَاءِ خادِم الحَرَمينِ الشَّريفينِ ووَلِيِّ عَهْدِهِ جَزَاهُمُ اللهُ خَيرًا ، لإغَاثَةِ إخْوانِنا في السُّودَانِ فَكُنْ مِن الْمُنفِقِينَ الْمُبَادِرينَ.

وَتَذَكَّرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، قَوْلَ اللهِ تَعَالَى {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، فَصَدَقَتُكَ تُعِينُ بِهَا إِخْوَانَكَ وَتَبْقَى لَكَ ذُخْرًا عِنْدَ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِها، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ) .

فَأَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّودَانِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ دِينَهُمْ وَأَمْنَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ وَأَوْلادَهُمْ، اللَّهُمَّ أَطْفِئِ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمْ, وَارْزُقْهُمُ التَّآلُفَ عَلَى الْحَقِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،

اَللَّهُمَّ عِلْمنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَأَنْفَعُنَا بِمَا عَلَّمَتْنَا وَفَقِهَنَا فِي دِينكْ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .

اَللَّهُمَّ صِلْ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدْ وَآلُهُ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

اَللَّهُمَّ أَعَزّ اَلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَانْصُرْ عِبَادَكَ اَلْمُسْلِمِينَ وَفَرَج عَنْ إِخْوَانِنَا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ .

اَللَّهُمَّ اِحْفَظْنَا بِحِفْظِكَ ، وُوفِقَ وَلِيُّ أَمْرِنَا ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا اَلْأَمْنَ وَالْأَمَانَ ، وَالسَّلَامَةُ وَالْإِسْلَامُ ، وَانْصُرْ اَلْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا ؛ وَانْشُرْ اَلرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا ؛

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا واحفظ أَوْلاَدَنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَبِلاَدَنَا وَبِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ كل سوء يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 990 | التعليقات 0