أعياد الكفار (صدقت ولكن...!)
سامي بن محمد العمر
أعياد الكفار
(صدقت... ولكن)
أما بعد:
فإنه يقول:
في البيت سائقٌ وخادمة، وفي الحي جارٌ وعامل، وفي السوق بائع ٌونادل، وفي العمل زميلٌ وصديق؛ وهناك طبيبٌ في مشفاه وأستاذٌ في جامعته وآخرون من حولي.. كلهم نصارى مسيحيون..
يبادلونني التحيةَ والفرح، ويشاركونني الحزنَ والترح، ويُهنئون ويُهدون ويَبتسمون، ويُمازحون ويُلاطفون.
حتى إذا ما أقبل يوم فرحتهم، وحلَّ موعد عيدهم وسعادتهم، وانتظروا مني البسمةَ والهدية، والتهنئةَ والعطية.. علت صيحاتُكم: لا تُهنِئُوهم بأعيادهم، لا تُهدوهم في شعائرهم، لا تَحضروا الدينيَّ من احتفالاتهم.
لماذا.. وقد علَّمني ربي أن أقول لهم القول الحسن، وأن أعاملهم بالحسنى فقال تعالى {وقولوا للناس حسنا}
وقال {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]
لماذا وقد نهاني ربي عن سب آلهتهم فقال {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]
لماذا.. ونبيي صلى الله عليه وسلم يعود الغلام اليهودي ويلاطفه، ويقبل هدية الكافر ويُهدي له.
لماذا ... وقد أعطاهم الإسلامُ حقوقَهم كاملةً ما داموا في حمى الإسلام وديارِه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن ظلم مُعاهدًا، أو انتقصه حقًّا، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة))([1])
لماذا بعد كل هذا.. تكون مسالة الأعياد بهذا التشديد؟ وتنال كل هذا التنديد؟
أخي الحبيب: قد صدقت فيما ذكرت.. ولكن خذها بكل هدوء:
* لو حلَّ بوالدك العجزُ والضعف، وقاربه البِلى والحتْف؛ فأقام جارُكُم لذلك وليمةَ فرح، ودعاك للحضورِ والمرح، وانتظر منك تهنئةً تُبديها، أو عطيةً تُهديها... أكنتَ فاعلاً؟
* لو خصص أناسٌ من المسلمين مكانًا وموعدًا لشرب الخمرِ والفسوقِ والفواحش؛ ودعوكَ لذلك.. أتكونُ بفعلهم راضيًا؟ ولِحَفلِهم شاهداً؟
أخي الحبيب:
دين النصارى المثَلِّثَةِ الآن: "دِينٌ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى عِبَادَةِ الصُّلْبَانِ وَالصُّوَرِ الْمَدْهُونَةِ فِي السُّقُوفِ وَالْحِيطَانِ، وَأَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ عَنْ كُرْسِيِّ عَظَمَتِهِ فَالْتَحَمَ بِبَطْنِ أُنْثَى، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، ....، ثُمَّ خَرَجَ صَبِيًّا رَضِيعًا شَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا، يَبْكِي وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَبُولُ وَيَنَامُ وَيَتَقَلَّبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، ....
ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَهُ وَيُشَرِّدُونَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، ثُمَّ قَبَضُوا عَلَيْهِ وَأَحَلُّوهُ أَصْنَافَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، فَعَقَدُوا عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الشَّوْكِ تَاجًا مِنْ أَقْبَحِ التِّيجَانِ، وَأَرْكَبُوهُ قَصَبَةً لَيْسَ لَهَا لِجَامٌ وَلَا عِنَانٌ، ثُمَّ سَاقُوهُ إِلَى خَشَبَةِ الصَّلْبِ مَصْفُوعًا مَبْصُوقًا عَلَى وَجْهِهِ، .... ثُمَّ شُدَّتْ بِالْحِبَالِ يَدَاهُ وَالرِّجْلَانِ، ثُمَّ خَالَطَهَا تِلْكَ الْمَسَامِيرُ الَّتِي تَكْسِرُ الْعِظَامَ وَتُمَزِّقُ اللُّحْمَانَ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ: يَا قَوْمِ ارْحَمُونِي! فَلَا يَرْحَمُهُ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ.
هَذَا وَهُوَ (- عندهم -) مُدَبِّرُ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ الَّذِي يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ. ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ فِي التُّرَابِ ...، ثُمَّ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ وَصَعِدَ إِلَى عَرْشِهِ وَمُلْكِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَا كَانَ" ([2]).
هؤلاء هم الذين مُنعنا من أعيادهم: تهنئةً وحضوراً ومشاركةً..
فوالله ما حُرمَةُ حضورِ حفلةِ مسلمٍ يُشرب فيها الخمر بأشدّ من حضورِ حفلةٍ يُسب فيها الرب.
ولا مكانةُ آبائنا حين يُهانون بالفرح لعجزهم وضعفهم بأكبرَ عندنا من مكانةِ ربِّنا حين يُنسب له الولد عجزا منه واحتياجاً إليه؟
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 88 - 95]
أخي الحبيب: المسألة بكل هدوء أنهم يشتمون ربك سبحانه وتعالى ويحتفلون بذلك؛ وأنت تريد تهنئتهم بهذه الشتيمة؟
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن لي كفواً أحد)) رواه البخاري.
أفبعد هذا يُستغرب أن تكون تهنئة الكفار بشعائرهم الدينية ممنوعة باتفاق العلماء؟ وأيُّ عالم يجرؤ على إباحة ذلك أو السماح به؟
اللهم اهدنا لما يرضيك وجنبنا سخطك ومعاصيك، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين
أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإنه مع وضوح شناعة هذا الأمر عقلا؛ فإن الشريعة لم تهملِ التحذيرَ من ذلك نصاً؛
قال الله -سبحانه-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون) [الجاثية:18]؛ ومن أهوائهم: أعيادهم وشعائرهم.
وقال عز وجل :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) [المائدة:51]؛ قال العلماء: ومن موالاتهم التَّشبُّه بهم، وفي الحديث : (من تشبه بقوم فهو منهم).
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان: 72]؛ فقد فسرها غيرُ واحدٍ من السَّلف بأنَّها أعياد المشركين،
وكل ذلك حميةٌ لله تعالى ولدينه، وصيانةٌ لقلب المسلم من التأثر والميل والمودة لهم ولدينهم.
أما البر وحسن الخلق والهدية والتهنئة بما سوى ذلك من مناسباتهم الدنيوية كترقيةٍ ونجاحٍ ومولودٍ ونحوها؛ فمما يؤجر المسلم عليه إن نوى بذلك تأليفَ قلوبهم للإسلام، ودعوتهم إليه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...