أعمال يسيرة تكفر الذنوب
عبدالرحمن السحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى. أما بعد،
فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
واعْلَمُوا أنَّكُم غدًا أمامَ اللهِ مَوْقُوفون، ويومَ العَرْضِ عليه مُحَاسَبون، وبأعمَالِكُم مجزِيُّون، واعلَموا أنَّ للقُبورِ وَحْشَةٌ أُنْسُها الأعمَالُ الصالحة، فلا تغُرَّنَّكمُ الحياةُ الدُّنيا، ولا تُلهيَنَّكُمْ عن الآخِرة، وقدموا صالحًا تسعدون به في قبوركم ويوم لقاء ربكم وقَد فَاز وسَعدَ والله من أقبَلَ على مولاَه، وخَابَ وخسِر مَن اتَّبَعَ هَواه وأعرَض عَن أُخراه.
عباد الله: لقدْ عَمَّ خَيْرُ اللهِ على عبادِه وطابَ بأنْ دلَّهم على أعمالٍ صالحاتٍ، وَطَاعاتٍ يَسِيْراتٍ، مَنْ عَمِلَهَا فقدْ غُفِرَ له ذنبه، وتَطَّهر مِنْ جَرِيْرَتِهِ. فيا أَخِيْ المباركُ: كلُّنا ذلكَ الرجلُّ الذي يتمَنَّى مغفرةَ الذُّنوبِ، فما منَّا أحَدٌ إلا وقدْ أَحْرَقَتْهُ المَعَاصِي، وآلمتْهُ الخَطَايا، ولكنْ أبْشِرْ أُخيَّ، فربُّك الذي خَلَقَكَ ضَعِيْفَاً، فَتَحَ لكَ أَبْواباً مِنْ تَكْفِيرِ الخطايا.
هي واللهِ يَسِيْرةٌ على أهلِ الإيمانِ، كبيرةٌ وثقيلةٌ على أربابِ النفاق، وَمَنْ ضَيَّعَ هذه الأعمالَ الميسوراتِ فَهُو لما سِوَاها أَضْيَعُ.
فاسْتَجْمِعْ معي هذه الحُلَلَ الصالحةَ، لعلَّنا وإيَّاك ننتَظمُ مع قافلةِ أهلِ المغفرة.
رأسُ تكفيرِ الخطايا الإسلام والحج والهجرة كما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإنّ من أعظم ما يكفر الذنوب: التوبة، فيا مَنْ يَرْجو مغفرةَ اللهِ، إذا آلمتك ذنوبُ الجلوات والخلوات فَأَحْرِقْهَا بالتوبةِ والاستغفارِ، والنَّدمِ والانْكِسَارِ، وفي الحديث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:(التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ)وثبت عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ)
أخي المقصرُ وكلُّنا ذاكَ المقصِّرُ، إذا تَلَجْلَجَتْ في وِجْدَنِكَ حَرارة المآثم، فأطفئها بماء الوضوء، يغسل درن الأوزار، ويطهرك تطهيراً حسياً ومعنوياً، ففي الحديث الصحيح عند مسلم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (من توضَّأ فأحسنَ الوُضُوءَ، خرجتْ خطاياهُ من جَسَدِه حتى تَخْرُجُ من تحتِ أظفاره).
وإنْ أَعْقَبْتَ هذا الوضوءَ بصلاةِ ركعتين خاشعتين مُحيت عَنْكَ الخطايا محواً، ففي الصحيحين أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
وأَسْعَدُ النَّاسِ بمغفرة اللهِ المتعال، هم أولئك الرجال، الذين لا يتشاغلون عن نداء الصلاة بقيل وقال، بل ترى أفئدتهم تتحين أوقات الصلاة، حتى إذا ما دَلَفَ أسماعَهم الأذانُ، أصغت له ورددت، روى مسلم في صحيحه أم النبي صلى الله عليه وسلم قال"مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ".
وهنيئاً لأهل الجُمَعِ والجماعات، الأجورُ العظام، والتكفيراتُ الكثيرة الجسام، فقد روى أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، فَقُولُوا: آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
وحدثنا أيضاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ -أي في الصلاة- فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
لِيُبْشِرْ بالمغفرة من أحب صلاة الجمعة، فتهيأ لها بالتجمل والتطهر والاغتسال والتبكير، في الصحيحين : (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى)
مغفرةُ الذُّنوبِ تُزَفُّ لرجالاتٍ موفَّقين، كثرت عليهم شرائعَ الإسلام، فَعَقَدَتْ أَنَامِلُهُم للهِ تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً، فكانوا طوَّافينَ في رياض الذِّكرِ ليلا ونهاراً سِرَّاً وَجِهَاراً، لهم أذكار عقب الصلاة تجبُّ الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" رواه مسلم.
ولهم تسبيحاتٌ وأذكار، تقال بالعشي والإبكار، تمحو الذنوب والأوزار، ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).
ولهم أيضاً: أذكار عامة، في كل وقت ولحظة، من قالها غفرت له كل زلة وحوبة، حَدَّثَنَا حَبِيْبُنا صلى الله عليه وسلم فقال: (مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ) أخرجه الإمام أحمد والترمذي. وفي الحديث: (إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) رواه أحمد وغيره
ومن تَعَلَّقَ قَلْبُهُ وَهَفَتْ رُوْحُهُ لِلْبَيْتِ العَتِيْقِ، فتابعَ بَيْنَ العُمُرَاتِ، فَلْيُبْشِر بمغفرةِ الذنوبِ والزلَّاتِ، ففي الحديث الصحيح: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما...) رواه البخاري.
ومصافحتك لِأَخِيك الْمُسْلِمِ مما يكفر الذنوب؛ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا». صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
أَقُوْلُ ما سمعتم، وَأَسْتَغْفِرُ اَلْلهَ اَلْعَظِيْمَ لِيْ وَلَكُمْ،فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ.
الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ العَليِّ الأعلى، خَلَقَ فَسَوَّى، وقَدَّرَ فهَدَى، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على نِعَمِهِ التي لا تُحْصَى، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهَدُ أنَّ نبيِّنا محمدًا عَبْدُه ورَسُولُه، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.. أما بعد:
ألَا فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله حَقَّ التَّقوَى وراقبوه في السر والعلانية، وَخُذُوا مِنْ حَيَاتِكُمْ لِمَوْتِكُمْ، وَمِنْ صِحَّتِكُمْ لِسَقَمِكُمْ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
عباد الله: ومِنْ الأَعْمَالِ اليسيرات، التي تُمحى بها الذنوبُ والسيئات، شُكْرُ اللهِ وحمدُهُ عندَ أَكْلِ الطَّعَامِ، وعند لُبْسِ الثياب، قال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). خرجه الإمام أحمد.
وعند أبي داود: (وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
تلك عباد الله طرف من صالح الأعمال، مما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنها تغفر الذنوب، والمراد مغفرةَ صغائرِ الذنوب وَلـَمَمِها، دون الكبائرِ وما فوقَها، فهي لا تكفر إلا بالتوبة الصادقة النصوح.
وشروطها ثلاثة: الإقلاع عن المعصية، والندم عليها، والعزم على عدم العود، ويزيد شرطًا رابعًا إن كان هناك حق لمخلوق بإعادته والتحلل من صاحبه. فبادر بالتوبة النصوح والإكثار من الحسنات، وَإن الْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ مَنْ زَاحَمَ ذُنُوبَهُ بِالصَّالِحَاتِ، وَتَعَرَّضَ لِنَفَحَاتِ اللَّهِ وَبِرِّهِ، وتاب إليه.
وما الذي يحول بينك وبين اللحاق بركب التائبين والإقبال على الكريم الرحيم، فتنال الفوز والسعادة في الدارين؟
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى فإنه من صلى عليَّه صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين وفي كل مكان، اللهم اشف مريضهم وداوي جريحهم وتقبل قتيلهم وفك أسيرهم وأمنّ خائفهم وأطعم جائعهم، وانصرهم على عدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم آمنا في أوطاننا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا،واجعل عملهم في رضاك.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..
عباد الله! اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1722537834_أعمال يسيرة تكفر الذنوب.docx
1722537834_أعمال يسيرة تكفر الذنوب.pdf