أعمالٌ صالحاتٌ في أيامٍ فاضلات

إبراهيم بن صالح العجلان
1441/11/25 - 2020/07/16 19:41PM

أعمال صالحات في أيام فاضلات 26/ 11/ 1441هـ

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

خُلقَ الإنسانُ ضَعِيْفاً، يَحُلُّ به الفُتُورُ حِيْنَا، وتتمكَّنُ منه الغفلة أَحَايِيْنَا.

ربَّما ألـمَّ بالذنبِ واتَّبعَ هواه، وربَّما قصَّر في طاعة ربِّه ومولاه.

فَيَحْتَاجُ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ دَهْرِهِ إَلَى مَوَاسِمَ تذكيرية يُجَدِّدُ مَعَهَا إِيمَانَهُ، وَيُحَاسِبُ فِيهَا تَقْصِيرَهُ، وَيَنْفُضُ غُبَارَ الْغَفْلَةِ عَنْ قَلْبِهِ، وَيُنَمِّي فِي رُوحِهِ إِحْسَاسَ الْعُبُودِيَّةِ الْحَقَّةِ للهِ تَعَالَى.

لَقَدْ عَمَّ فَضْلُ اللهِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَطَابَ، يَومَ أَنْ خَصَّهُمْ بِأَيَّامٍ يُضَاعَفُ فِيهَا الثَّوَابُ؛ قال تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ}.

تِلْكَ الْعَشْرُ الْمُبَارَكَاتُ، الفاضِلاتُ المُفَضَّلات، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ"؛ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَحْدُوهُمُ الْجَنَّةُ وَالرِّضْوَانُ، أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِهَذِهِ الْأَيَّامِ اسْتِعْدَادَهَا، وَيَقْدُرُوهَا فِي النُّفُوسِ حَقَّ قَدْرِهَا.

فالموفق والله من أَحْسَنَ ضِيَافَتَهَا، وَأَكْرَمهَا بِحُسْنِ اغْتِنَامِهَا، وَمَلْءِ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ مِنْ ثَوَابِهَا.

كَمْ هُوَ جَمِيلٌ - عِبَادَ اللهِ - أَنْ تُسْتَقْبَلَ هَذِهِ الْأَيَّامُ بِتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، تَوْبَةً يَسْتَذْكِرُ فِيهَا الْمَرْءُ مَاضِيَهُ، وَيَضَعُ أَعْمَالَهُ فِي مِيزَانِ الْمُحَاسَبَةِ، فَيُبْصِرُ حِينَهَا ذُنُوبًا سَوَّلَهَا الشَّيْطَانُ، وَخَطِيئَاتٍ زَيَّنَتْهَا النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ؛ فَيُورِثُهُ ذَلِكَ نَدَمًا عَلَى مَا فَاتَ، وَمُجَافَاةً لِلذَّنْبِ فِيمَا هُوَ آتٍ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ لِلْمُسْلِمِ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ مَعَ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ فَاضِلَةٍ، فَقَدْ تَقَلَّدَ الْفَلَاحَ، وَتَوَسَّمَ النَّجَاحَ {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}.

يَا أَهْلَ الصِّيَامِ، بُشْرَاكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَمَعَ الصِّيَامِ يُجَابُ الدُّعَاءُ وَالنَّجْوَى، وَتُغْرَسُ فِي الْقَلْبِ التَّقْوَى، وَيُبَاعِدُ الْمَرْءُ وَجْهَهُ عَنْ نَارٍ تَلَظَّى، وَيُسَطِّرُ الصَّائِمُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ أَهْلِ الرَّيَّانِ، وَلَا تَسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَجْرِ الصِّيَامِ وَثَوَابِهِ؛ "إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ".

وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِ الْهُدَى -أَتْقَى النَّاسِ وَأَعْبَدِ الْخَلْقِ- أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ؛ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

يَا أَصْحَابَ الْأَيَادِي الْبَيْضَاءِ، وَأَهْلَ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ، تَذَكَّرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ زِيَادَةٌ لَكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأُعْطِيَاتِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْكُمْ وَإِلَيْكُمْ؛ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}،{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، فَأَبْشِرُوا أَبْشِرُوا بِالْعِوَضِ وَالْمُضَاعَفَةِ، وَاسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْبِشَارَةِ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ"؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

الْعَجُّ بِالذِّكْرِ وَتَرْطِيبُ الْأَلْسِنَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعُنْوَانٌ تَتَمَيَّزُ بِهِ، كَيْفَ لَا؟ وَقَدْ خَصَّهَا الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ- بِأَنَّهَا أَيَّامُ ذِكْرٍ للهِ؛ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ.

وَلِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِي أَصْحَابَهُ بِقَوْلِهِ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"؛ رَوَاهُ الْإَمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

فَيَا مَنْ يَرْجُو طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ، هَاكَ وَاحَاتُ الذِّكْرِ قَدْ تَلَأْلَأَتْ، فَعِشْ مَعَهَا نَفَحَاتِ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ، وَنَسَمَاتِ التَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ.

لَا تَنْسَ الْإِكْثَارَ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ.

لَا تَغْفُلْ عَنِ الْكَلِمَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ عَلَى اللِّسَانِ، الثَّقِيلَتَيْنِ فِي الْمِيزَانِ، الْحَبِيبَتَيْنِ لِلرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ.

وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأَانِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَنْ قَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ بِهَا نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ"، وَ"لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ".

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الذِّكْرِ الَّتِي يَضِيقُ الْمَقَامُ عَنْ عَدِّهَا {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

بَارَكَ اللهُ لَنَا وَلكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،،

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

أَمَّا بَعْدُ فيا عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ فَضَائِلِ الْعَشْرِ وَمِنَحِهَا تَغْفُلُ نُفُوسٌ، وَتَفْتُرُ هِمَمٌ.

مَغْبُونٌ وَاللهِ مَنْ مَرَّتْ بِهِ هَذِهِ الْعَشْرُ، فَلَمْ يَحْظَ مِنْهَا بِمَغْفِرَةٍ، أَوْ تُقَلْ لَهُ عَثْرَةٌ.

ومَحْرُومٌ مَنِ انْصَرَفَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، فَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ لَحْظَةً، وَلَمْ تَذْرِفْ عَيْنُهُ دَمْعَةً.

شَقِيٌّ مَنْ سَاءَتْ خَلِيقَتُهُ، وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَهَامَ فِي أَوْدِيَةِ الْآثَامِ، وَغَاصَ فِي لُجَجِ الْمَعَاصِي وَالْحَرَامِ، لَمْ يَعْرِفْ لِلْعَشْرِ فَضْلًا، وَلَمْ يُعَظِّمْ لِلزَّمَنِ شَرَفًا.

فالطَّاعَاتُ كما أنَّها فِي مَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ يَزْدَادُ شَرَفُهَا، وَيَعْظُمُ أَجْرُهَا، فَكَذَا الْمَعَاصِي فِي الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ يَعْظُمُ جُرْمُهَا، وَيَزْدَادُ قُبْحُهَا؛ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "وَالْمَعَاصِي فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُفَضَّلَةِ تُغَلَّظُ، وَعِقَابُهَا بِقَدْرِ فَضِيلَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ".

فيا أَخِيْ المبارَك، خُذْ مِنَ العملِ في صبحِكَ ومسائِكَ، وأصْلِح قلبك وحالك.

 جَدِّدِ المتاب، واستقبل نفحاتِ الرحيم التواب، فطريقُ الفوزِ والرحمةِ والغُفران، مَيْسُورٌ أمَامَكَ بِصَلاةٍ وتَهَجُّدٍ وَقُرْبَانٍ، وَخَتْمَةٍ صَالحةٍ معَ القرآن، وبصلة وبِرٍّ وإحسان، ونفع ومتعدٍ لكل إنسان.

وليكُنْ الشِّعارُ منكَ والحالُ مع هذه الأيام، لعلي لا ألقاها بعد هذا العام.

وَإِذَا رَأَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ إِقْبَالًا، فَزِدْ فِيهَا أَعْمَالًا.

إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا *** فَإِنَّ لِكُلِّ عَاصِفَةٍ سُكُونُ

وَلاَ تَغْفُلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا *** فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ

اللهم صلِّ على محمد ....

المشاهدات 1819 | التعليقات 0