أعمال ثوابها كقيام الليل
أحمد بن علي الغامدي
1436/05/18 - 2015/03/09 19:20PM
الخطبة الأولى: الحمدُ لله، الحمد لله ربي لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ وإليه متاب، أحمدُه - سبحانه - وشكرُه على نعمةِ الصحةِ والشباب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا مُعقِّب لحُكمه وهو سريعُ الحِساب، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه نهَى عن الفُسوق والسِّباب، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه أُولِي النُّهى والألباب.
أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله : روى الترمذي من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : أوَّلُ ما قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ انجفَلَ النَّاسُ إليهِ [ذهبوا مسرعين نحوه ]فكُنت فيمن جاءه فلمَّا تأمَّلتُ وجهَهُ واستبنتُهُ عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوجهِ كاذِبٍ قال فَكانَ أوَّلُ ما سَمِعْتُ من كلامِهِ أن قالَ أيُّها النَّاسُ أَفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصِلوا الأرحامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخُلوا الجنَّةَ بِسلامٍ ". قال الشيخ العثيمين رحمه الله : ومعنى "تدخلوا الجنة بسلام" أي: بلا عذاب , لأن من عُذِّب لم يسلم.
عباد الله : لمّا كان قيام الليل له فضل عظيم فقد دلّ النبي صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل ، رغبة منه في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا ، حيث روى أبو أمامة الباهلي t قال : قال رسول الله r : (من هاله الليل أن يكابده ، أو بخل بالمال أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله ، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل) ( ) .
أيها الإخوة : إن من رحمة الله عز وجل بنا ، أنه شرع لنا أعمالا يسيرة , يعدل ثوابها قيام الليل ، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه ، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل ، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك ، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير .
والأحاديث التي سأوردها إنما هي فضائلُ لأعمالٍ ثوابها كقيام الليل ، وهي كثيرة , وسأقتصر على بعضها :
فأولها : أداء صلاة العشاء والفجر في المسجد جماعة
عن عثمان بن عفان أنه قال : قال رَسُول اللَّهِ : (من صلى العشاءَ في جماعةٍ فكأنما قام نصفَ الليلِ . ومن صلى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلى الليلَ كلَّهُ) ( ) .
ثانيها: أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي قال : (أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) ( ) .
ومن مزايا هذه الركعات الأربع أنها تُفتح لها أبواب السماء ، لما رواه أبو أيوب الأنصاري أن النبي قال : (أربع قبل الظهر تفتح لهن أبواب السماء) ( ) .
ولهذا كان النبي يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات ، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ قضاها بعد الفريضة ولا يتركها ، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان إذا لم يُصلِّ أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها ( ) ، وفي رواية أخرى قالت : كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر ( ) .
ولذلك من فاته صلاة الأربع ركعات قبل الظهر ، أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله ؛ فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله
ثالثها: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) ( ) .
قال النووي رحمه الله تعالى : قِيل : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل ، وَقِيلَ : مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ : مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع اهـ ( ) .
وأيَّد ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الرأي قائلا : وَعَلَى هَذَا فَأَقُول : يَجُوز أَنْ يُرَاد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم ، وَالْوَجْه الأَوَّل ورد صَرِيحًا مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ : "مَنْ قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَامَ لَيْلَة" اهـ ( ) .
إن قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد ، فحري بالمسلم المحافظة على قراءتها كل ليلة , ونسأل الله أن يوفقنا لذلك .
رابعها: حسن الخلق
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ) ( ) .
قال بعض أهل العلم : وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِب الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم ؛ لِأَنَّ الصَّائِم وَالْمُصَلِّي فِي اللَّيْل يُجَاهِدَانِ أَنْفُسهمَا فِي مُخَالَفَة حَظّهمَا , وَأَمَّا مَنْ يُحْسِن خُلُقه مَعَ النَّاس مَعَ تَبَايُن طَبَائِعهمْ وَأَخْلَاقهمْ ، فَكَأَنَّهُ يُجَاهِد نُفُوسًا كَثِيرَة ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الصَّائِم الْقَائِم فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اهـ ( ) .
عباد الله : إن المرء لم يُعط بعد الإيمان شيئا خيرا من خلق حسن ، ولقد كان النبي يسأل ربه عز وجل أحسن الأخلاق ، فقد روى جابر بن عبد الله أن النبي كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّئَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الْأَخْلَاقِ لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ")
خامس هذه الأعمال: السعي في خدمة الأرملة والمسكين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) ( ) .
قال النووي :" المراد بالساعي: الكاسب لهما العامل لمؤنتهما " يعني : يعمل حتى ينفق عليهما .ويمكن أن تكسب نصيباً من هذا الثواب الجزيل ، لو سعيت في خدمة فقير ، فقدمت أوراقه لجمعية خيرية مثلا ليدرسوا حالته ويعطوه حاجته .
كما يمكن أن تكسب هذا الثواب العظيم ، لو سعيت في خدمة أرملة ، فتقضي حوائجها ، وهذا ليس بالأمر العسير ، لأنك لو فتشت في أهل قرابتك أو جيرانك ستجد من مات عنها زوجها ، فبخدمتها وشراء حاجياتها تكسب ثواب الجهاد أو قيام الليل مع صيام النهار.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وليُّ المتقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.أما بعد:
فسادس هذه الأعمال التي يعدل ثوابها ثيام الليل : المحافظة على بعض آداب الجمعة
عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ؛ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) ( ) .
فخطوة واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر ، وإنما يعدل سنة كاملة ، فتأمل في عظم هذا الثواب . وهذه الآداب تتمثل في الاغتسال ليوم الجمعة والتبكير والمشي إليها ، والدنو من الإمام ، وعدم الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة ، وحسن الاستماع للخطبة ، وعدم العبث واللغو .
ولنعلم أيها الإخوة أنّ أيّ عبث أثناء الخطبة يُعدُّ لغوا ، ومن لغا فلا جمعة له ، فمن مس الحصى فقد لغا ، ومن قال لصاحبه أو ابنه الصغير : اسكت. فقد لغا . ومن عبث بسبحته أو جواله أو بأي شيء أثناء الخطبة فقد لغا . ومعنى لغا : أنها تُكتب له ظهراً , ويفوتُ ويضيع عليه ثواب الجمعة التي فضلت بها هذه الأمة على غيرها.
فلا ينبغي التفريط بآداب الجمعة البتة كي لا تخسر هذا الثواب العظيم الذي سيثقل ميزانك كثيرا ، ويمنحك ثواب قيام سنوات كثيرة .
سابعها : أن تنوي قيام الليل قبل النوم
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يرفعه إلى النبي قَالَ : (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ( ) .
أرأيتم أيها الإخوة أهمية النية وأنها تجري مجرى العمل ؟ ومن ذلك ندرك خطورة من ينام وهو لا ينوي أداء صلاة الفجر في وقتها ، وإنما تراه يضبط المنبه على وقت العمل أو المدرسة ، فهذا إنسان مصر معصية خطيرة ، فلو مات عليها ساءت خاتمته عياذا بالله .
أما من نوى قيام الفجر وبذل أسباب ذلك ثم لم يقم ، فلا لوم عليه ؛ لأنه ليس في النوم تفريط ، وإنما التفريط في اليقظة .
ثامنها: أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل .
فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل ، فالدال على الخير كفاعله ، فكن داعية خير وانشر هذه المعلومات تكسب ثوابا بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به .
أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله : روى الترمذي من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : أوَّلُ ما قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ انجفَلَ النَّاسُ إليهِ [ذهبوا مسرعين نحوه ]فكُنت فيمن جاءه فلمَّا تأمَّلتُ وجهَهُ واستبنتُهُ عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوجهِ كاذِبٍ قال فَكانَ أوَّلُ ما سَمِعْتُ من كلامِهِ أن قالَ أيُّها النَّاسُ أَفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصِلوا الأرحامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخُلوا الجنَّةَ بِسلامٍ ". قال الشيخ العثيمين رحمه الله : ومعنى "تدخلوا الجنة بسلام" أي: بلا عذاب , لأن من عُذِّب لم يسلم.
عباد الله : لمّا كان قيام الليل له فضل عظيم فقد دلّ النبي صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل ، رغبة منه في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا ، حيث روى أبو أمامة الباهلي t قال : قال رسول الله r : (من هاله الليل أن يكابده ، أو بخل بالمال أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله ، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل) ( ) .
أيها الإخوة : إن من رحمة الله عز وجل بنا ، أنه شرع لنا أعمالا يسيرة , يعدل ثوابها قيام الليل ، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه ، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل ، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك ، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير .
والأحاديث التي سأوردها إنما هي فضائلُ لأعمالٍ ثوابها كقيام الليل ، وهي كثيرة , وسأقتصر على بعضها :
فأولها : أداء صلاة العشاء والفجر في المسجد جماعة
عن عثمان بن عفان أنه قال : قال رَسُول اللَّهِ : (من صلى العشاءَ في جماعةٍ فكأنما قام نصفَ الليلِ . ومن صلى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلى الليلَ كلَّهُ) ( ) .
ثانيها: أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي قال : (أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) ( ) .
ومن مزايا هذه الركعات الأربع أنها تُفتح لها أبواب السماء ، لما رواه أبو أيوب الأنصاري أن النبي قال : (أربع قبل الظهر تفتح لهن أبواب السماء) ( ) .
ولهذا كان النبي يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات ، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ قضاها بعد الفريضة ولا يتركها ، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان إذا لم يُصلِّ أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها ( ) ، وفي رواية أخرى قالت : كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر ( ) .
ولذلك من فاته صلاة الأربع ركعات قبل الظهر ، أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله ؛ فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله
ثالثها: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) ( ) .
قال النووي رحمه الله تعالى : قِيل : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل ، وَقِيلَ : مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ : مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع اهـ ( ) .
وأيَّد ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الرأي قائلا : وَعَلَى هَذَا فَأَقُول : يَجُوز أَنْ يُرَاد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم ، وَالْوَجْه الأَوَّل ورد صَرِيحًا مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ : "مَنْ قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَامَ لَيْلَة" اهـ ( ) .
إن قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد ، فحري بالمسلم المحافظة على قراءتها كل ليلة , ونسأل الله أن يوفقنا لذلك .
رابعها: حسن الخلق
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ) ( ) .
قال بعض أهل العلم : وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِب الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم ؛ لِأَنَّ الصَّائِم وَالْمُصَلِّي فِي اللَّيْل يُجَاهِدَانِ أَنْفُسهمَا فِي مُخَالَفَة حَظّهمَا , وَأَمَّا مَنْ يُحْسِن خُلُقه مَعَ النَّاس مَعَ تَبَايُن طَبَائِعهمْ وَأَخْلَاقهمْ ، فَكَأَنَّهُ يُجَاهِد نُفُوسًا كَثِيرَة ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الصَّائِم الْقَائِم فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اهـ ( ) .
عباد الله : إن المرء لم يُعط بعد الإيمان شيئا خيرا من خلق حسن ، ولقد كان النبي يسأل ربه عز وجل أحسن الأخلاق ، فقد روى جابر بن عبد الله أن النبي كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّئَ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الْأَخْلَاقِ لَا يَقِي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ")
خامس هذه الأعمال: السعي في خدمة الأرملة والمسكين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) ( ) .
قال النووي :" المراد بالساعي: الكاسب لهما العامل لمؤنتهما " يعني : يعمل حتى ينفق عليهما .ويمكن أن تكسب نصيباً من هذا الثواب الجزيل ، لو سعيت في خدمة فقير ، فقدمت أوراقه لجمعية خيرية مثلا ليدرسوا حالته ويعطوه حاجته .
كما يمكن أن تكسب هذا الثواب العظيم ، لو سعيت في خدمة أرملة ، فتقضي حوائجها ، وهذا ليس بالأمر العسير ، لأنك لو فتشت في أهل قرابتك أو جيرانك ستجد من مات عنها زوجها ، فبخدمتها وشراء حاجياتها تكسب ثواب الجهاد أو قيام الليل مع صيام النهار.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وليُّ المتقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.أما بعد:
فسادس هذه الأعمال التي يعدل ثوابها ثيام الليل : المحافظة على بعض آداب الجمعة
عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ؛ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) ( ) .
فخطوة واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر ، وإنما يعدل سنة كاملة ، فتأمل في عظم هذا الثواب . وهذه الآداب تتمثل في الاغتسال ليوم الجمعة والتبكير والمشي إليها ، والدنو من الإمام ، وعدم الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة ، وحسن الاستماع للخطبة ، وعدم العبث واللغو .
ولنعلم أيها الإخوة أنّ أيّ عبث أثناء الخطبة يُعدُّ لغوا ، ومن لغا فلا جمعة له ، فمن مس الحصى فقد لغا ، ومن قال لصاحبه أو ابنه الصغير : اسكت. فقد لغا . ومن عبث بسبحته أو جواله أو بأي شيء أثناء الخطبة فقد لغا . ومعنى لغا : أنها تُكتب له ظهراً , ويفوتُ ويضيع عليه ثواب الجمعة التي فضلت بها هذه الأمة على غيرها.
فلا ينبغي التفريط بآداب الجمعة البتة كي لا تخسر هذا الثواب العظيم الذي سيثقل ميزانك كثيرا ، ويمنحك ثواب قيام سنوات كثيرة .
سابعها : أن تنوي قيام الليل قبل النوم
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يرفعه إلى النبي قَالَ : (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ( ) .
أرأيتم أيها الإخوة أهمية النية وأنها تجري مجرى العمل ؟ ومن ذلك ندرك خطورة من ينام وهو لا ينوي أداء صلاة الفجر في وقتها ، وإنما تراه يضبط المنبه على وقت العمل أو المدرسة ، فهذا إنسان مصر معصية خطيرة ، فلو مات عليها ساءت خاتمته عياذا بالله .
أما من نوى قيام الفجر وبذل أسباب ذلك ثم لم يقم ، فلا لوم عليه ؛ لأنه ليس في النوم تفريط ، وإنما التفريط في اليقظة .
ثامنها: أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل .
فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل ، فالدال على الخير كفاعله ، فكن داعية خير وانشر هذه المعلومات تكسب ثوابا بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به .
المرفقات
أعمال ثوابها كقيام الليل.doc.docx
أعمال ثوابها كقيام الليل.doc.docx
أعمال ثوابها كقيام الليل.pdf
أعمال ثوابها كقيام الليل.pdf
أحمد بن علي الغامدي
هذه الخطبة هي اختصار لكتيب للدكتور محمد النعيم - رحمه الله - وهو موجود في موقع ( صيد الفوائد )
تعديل التعليق