أعمال تعدل فضل الحج ( يوجد روابط لخطب عن الحج )
بدر راشد الدوسري
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دعا عباده إلى حج بيته العظيم فلبوا ندائه، وأطاعوا أمره محبة له وشوقاً للقائه، فجاد عليهم بالثواب الجزيل، والعطاء الواسع العميم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي حج بيت الله تعالى فأدى المناسك انقياداً لأمر ربه، وشكراً له على نعمه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أمَّا بعدُ:
عباد الله : اتقوا الله سبحانه وتعالى وراقبوه ولتكن عبادتكم له وفق ما شرعه نبيكم، فقد أخذ الله عليكم العهد والميثاق بطاعته واتباع هديه وقد أكد هذا رسولكم صلى الله عليه وسلم في كل شؤون العبادات والمعاملات والعلاقات فيما بينكم، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب صحابته في حجة الوداع والخطاب لأمة الإسلام جمعاء حتى يرث الله الأرض وما عليها: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).
معاشر المؤمنين : بعد أيام قليلة ستسير قوافلُ الحَجيج الميمونة، ستسير القوافل التي فيها القلوب المشتاقة لرؤية تلك الديار التي هي أحبُّ البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى قلب الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - ستسير القوافلُ قاصدةً بيتَ الله الحرام، وروضة النبي العَدنان - صلى الله عليه وسلم.
رأى بعض الصالحين الحجيج في وقتِ خروجهم، فوقَفَ يبكي ويقول: "واضعفاه!"، ثم تنفَّس وقال: "هذه حسرة مَن انقطعَ عن الوصول إلى البيت، فكيف تكون حَسرة مَن انقطع عن الوصول إلى ربِّ البيت؟!".
يحقُّ لمن رأى الواصلين وهو مُنقطع أن يَقلقَ، ولِمَن شاهَدَ السائرين إلى ديار الأحبَّة وهو قاعد أن يَحزنَ.
يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي
هَيَّجْتُمُ يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي
سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي
الشَّوْقُ أَقْلَقْنِي وَصَوْتُ الْحَادِي
واشوقاه إلى الحَج:
كيف لا يشتاق المسلم إلى الحج، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حَجَّ ولم يرفُثْ ولم يفسق، رجَعَ كيومَ ولدتْه أُمُّه))؛ رواه البخاري؟! كيف لا يشتاق المسلم إلى الحج، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الحَج المبرور ليس له جزاء إلاَّ الجنة))؛ رواه أحمد؟!
كيف لا يشتاق المسلم إلى الحج وفيه "زمزم"؟ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ ماءٍ على وجْه الأرض ماء زمزم؛ فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم))؛ رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وابن حِبَّان.
كيف لا نشتاق إلى الحَج وفيه الوقوف "بعَرَفة"؟ عن عائشة قالتْ: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِن يومٍ أكثر من أن يعتقَ الله فيه عبدًا من النار مِن يوم عَرَفة، وإنَّه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ رواه مسلم.
والمصيبة أن هناك من يستطيع الحج ولكنه يتعذر بأعذار واهية أشغلته الدنيا عن أداء هذه الفريضة والركن من أركان الإسلام قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَإِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). فسمى تعالى تاركه كافرا، ولهذا مما يدل على وجوبه وآكديته، فمن لم يعتقد وجوبه فهوكافر بالإجماع، قال الله تعالى لخليله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)؛ وللترمذيوغيره وصححه عن علي رضي الله عنه مرفوعا: ( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت اللهولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا).
فبادر ولا تتردد ما دام في العمر بقية وقبل أن يفجأك الأجل فتندم يوم لاينفع الندم
عباد الله : هناك من حالتْ بينه وبين مُراده الظروف والأسباب، ولا شيء بيده إلاَّ أنْ يفوِّضَ أمرَه إلى الله، وأنْ يدعو الله بتيسير الحج له
ومما يُقلل من حَسرة المحبِّ الأعمالُ الصالحة التي أرْشَدَنا إليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والتي جعَلَها في مُتناول أيدينا، وهي سهلة وليس فيها مَشقَّة على الإنسان، هذه الأعمال إنْ حافَظَ عليها المسلم والْتزَم بها، فإنَّ الله - تعالى - يكتبُ له أجْرَ الحَجِّ، كأنَّما ذهَبَ إلى مكة المكرَّمة وأدَّى الحَجَّ.
فما هي هذه الأعمال فلقد اشتاقتْ إليها النفوسُ، وحنَّتْ إليها الأرواح، وأنا على يقينٍ أنَّه لا يحافظ على هذه الأعمال ويلتزم بها إلاَّ ذلك المحبُّ الصادق والمشتاق لتلك الديار المقدَّسة، فانظر مدى تطبيقك ومحافظتك على هذه الأعمال الصالحة.
أولاً: نيَّة الحج والعُمرة نيَّة خالصة صادقة لله - تعالى - فالمسلم عندما ينوي الحجَّ بنيَّة صادقة خالصة، ولم يذهبْ بعُذْرٍ، فإنَّ الله - تعالى - يكتب له أجْرَ الحَج.
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما رجَعَ من غزوة "تبوك"، ودنا من المدينة، قال: ((إنَّ بالمدينة لرجالاً ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قطعْتُم وادِيًا إلاَّ كانوا معكم؛ حَبَسَهُم المَرَضُ))، وفي رواية : ((حَبَسَهم العُذْرُ))، وفي رواية: ((إلاَّ شَرَكُوكم في الأجْرِ))؛ رواه البخاري من رواية أنس، ورواه مسلم من رواية جابر، واللفظ له.
ووصفَهم الله - جل وعلا - بقوله: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾
صدَقوا في الطلب؛ فأُعطوا الأجْرَ، وذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، وفي الحديث عن أَبي كَبْشة عمرو بن سعد الأَنْماري - رضي الله عنه - أنَّه سَمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثلاثة أُقسمُ عليهنَّ وأُحَدِّثُكم حديثًا فاحْفَظوه: ما نَقَصَ مالُ عَبْدٍ مِن صَدَقةٍ، ولا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمة صبَرَ عليها، إلاَّ زَادَه الله عِزًّا، ولا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسألةٍ إلاَّ فتَحَ الله عليه بابَ فَقْرٍ - أو كلمة نحوها - وأُحَدِّثُكم حديثًا فاحْفَظوه، قال: إنَّما الدنيا لأربعةِ نَفَرٍ: عَبْد رَزَقَه الله مالاً وعِلمًا، فهو يَتَّقِي فيه رَبَّه، ويَصِل فيه رَحِمَه، ويَعْلَمُ لله فيه حَقًّا، فهذا بأفضَلِ المنازل، وعَبد رَزَقه الله عِلْمًا، ولَمْ يَرْزُقْه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لَوْ أنَّ لِي مالاً، لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فهو بنيَّتِه، فأجْرُهما سَوَاءٌ، وَعَبْد رَزَقَه الله مالاً، ولَمْ يرْزُقْه عِلْمًا، فهو يَخْبِط في مَاله بغَير عِلْمٍ، لا يَتَّقِي فيه رَبَّه، ولا يَصِل فيه رَحِمَه، ولا يعْلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأَخْبَثِ المنازِل، وعَبْد لَمْ يَرْزُقْه الله مالاً ولا عِلْمًا، فهو يقول: لَوْ أنَّ لِي مالاً، لَعَمِلْتُ فيه بعَمَلِ فُلاَنٍ، فهو بنِيَّتِه، فوِزْرُهما سَوَاءٌ))؛ رواه الترمذي، وقال : "حديث حسن صحيح".
فهنيئًا لكلِّ مَن أخْلَص نيَّته لله - تعالى - وفاز بأجْر الحَج والعُمرة.
ثانيًا: المحافظة على صلاة الفجر في جماعة، واسمع إلى ما قاله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي أُمامة أنَّه قال:
((مَن صلى الفجر في جماعة ثُمَّ جلَس يذكُر الله - عزَّ وجل - حتى تطلُع الشمسُ، ثم قامَ فصلى ركعتين، كُتب له أجْرُ حَجَّة وعُمرة تامَّة، تامَّة، تامَّة)) وهذا الحديث ضعفه بعض العلماء وصححه الألباني في صحيح الجامع .
ليسأل كلُّ واحدٍ منَّا نفسَه: كيف حاله مع صلاة الفجر؟! لا نسأل عن صلاة الليل، لكن صلاة الفريضة: كيف حالنا معها؟!
وقد ضيعها الكثير من المسلمين أين من يريد النور التام يوم القيامة فإنه صلى الله عليه وسلم قال بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامةبل قال صلى الله عليه وسلم (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قامالليل كله ). اخرجه مسلم
كما روى ان بن مسعود قال ذكر رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم : نام ليلة حتى أصبحقال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه .
أيها المسلمون : أين العبد المحبُّ المشتاق للحَج؟! هذا هو الطريق إلى ثواب الحج؛ فحافظ عليه.
ثالثًا: حضور مجالس العلم في المسجد؛ فقد أخرج الطبراني والحاكم عن أبي أُمامة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن غدا إلى المسجد لا يريد إلاَّ أن يتعلَّم خيرًا أو يعلمه، كان كأجْرِ حاجٍّ تامًّا حَجَّته)). كما في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري
فاللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح اللهم فقهنا في الدين واجعلنا ممن أردت بهم الخير يارب العالمين بارك اللهلي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بمافيه من البينات والحكمة. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله جعل الحج مكفراً للسيئات رافعاً للدرجات مضاعفاً للحسنات والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله أفضل من طاف وسعى ولبى ووقف ومشى بين الحطيم وزمزم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اما بعد :
عباد الله : الرابع من الأعمال اللتي تعدل في فضلها ثواب الحاج
أداء الصلاة المكتوبة في المسجد؛ فقد أخرَج الإمام أحمد بسندٍ حسن عن أبي أُمامة أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن مَشَى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة، فهي كحَجَّة، ومَن مشى إلى صلاة تطوُّع - أي صلاة الضحى - فهي كعُمرة نافلة)).
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي أُمامة أيضًا أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن خرَجَ من بيته مُتطهِّرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجْره كأجر الحاج الْمُحْرِم، ومَن خرَجَ إلى تسبيح الضحى لا يُنْصِبه إلاَّ إيَّاه، فأجْرُه كأجْرِ المعتمِر، وصلاةٌ على أَثَر صلاة لا لَغْو بينهما كتابٌ في عِلِّيين)). حسنه الألباني كما في صحيح الترغيب
فلا تتعجَّب من هذا الأجْر، ولكنَّ العجب كل العجب ممن يتوانَى ويتكاسَل عن هذا الأمر، وانظر عندما يخرج المسلمون من بيوتهم مُتطهِّرين؛ لأداء الصلاة المكتوبة في جماعة في المسجد وفي وقت واحد، يذكرنا بخروجَ الحجيج من بيوتهم مُتوجِّهين بقلوبهم وأبدانهم إلى البيت المعظَّم لأداء مناسك الحج.
فكما يجتمع الحُجاج؛ صغيرُهم وكبيرهم، لا فرقَ بين هؤلاء وهؤلاء، كذلك في الصلاة - صلاة الجماعة - يجتمع أغْنَى الناس إلى جَنْب أفقر الناس، والأمير إلى جنب المأمور، والحاكم إلى جَنْب المحكوم، والصغير إلى جَنْب الكبير، وهكذا فيشعر الناس بأنهم سواء.
فكلُّ مَن يحافظ على الصلوات يكون شريكًا للحاج يوم حَجِّه، فأجْره كأجْر الحاج الْمُحْرِم؛ كما أخبرَ بذلك الصادق المصدوق.
فما أعظم أن يكتبَ لك هذا الأجْر بجانب شهادة الله لك بالإيمان، وكَفَى بشهادة الله شهادة؛ إذ شَهِد لمن عَمَرَ المساجد بالإيمان، فقال - عزَّ شأنه -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ [التوبة: 18].
ايها الموحدون ومن الأعمال التي تعدل ثواب الحج : برُّ الوالدين:
أخرَجَ أبو يَعْلى بسند جيِّدٍ أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: إنِّي أشتهي الجهادَ ولا أقدر عليه، قال: ((هل بَقِي مِن والديك أحدٌ؟))، قال: أُمِّي، قال: ((فأبل الله في برِّها، فإذا فعلتَ فأنتَ حاجٌّ ومُعْتَمِر ومُجاهد)).
أسأل الله أن ييسِّر الحجَّ لكلِّ مسلمٍ، وأن يتقبَّل من حُجاج هذا العام، ويهوِّن عليهم مَشاق الحَجِّ، وأن يوصِّلهم إلى تلك الديار بأمانٍ، ويُعيدهم إلى أهْلهم سالمين غانمين كيوم ولدتهم أمهاتُهم بلا ذنوب
هذا صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك في كتابه الكريم فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم(من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.
اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ، اللهم ردهم إلى بلادهم سالمين غانمين ،اللهم يسر لهم اداء نسكهم على الوجه الذي يرضيك عنهم يا ذا الجلال والإكرام،اللهم يسر للحجاج حجهم
واكفهم شر من به شر واجعلهم هداة مهتدين يارب العالمين واجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وعملهم متقبلا
اللهم وفق ولي أمرنا لخدمةضيوف الرحمن على الوجه الذي يرضيك وسدده لما فيه خير للإسلام والمسلمين
اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وارفعدرجاتهم، وقهم شرَّ أعدائهم. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهمادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفوروالاختلاط. اللهم اجعل بلادنا حافظةً لأمرك. اللهم اجعل بلادنا حافظة لأمرك، خاضعةً لشرعك، منقادةً لحكمك وسائر بلاد المسلمين . اللهم اجعل رزقنا رَغَدا، ولا تشمت بناأحدا، ولا تجعل لكافر علينا يدا.
اللهم اشفِمرضانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وعافِ مبتلانا برحمتك يا أرحمالراحمين.
عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِيالْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
نقلتها بتصرف كثير من خطبة للشيخ محمد الحلبوسي حفظه الله
وهذا رابط فيه مجموعة خطب عن الحج للشيخ عبد الله الطيار
http://m-islam.com/articles.php?action=listarticles&id=30
وهذه مجموعة خطب من موقع المنبر مفيدة جدا عن الحج وعشر ذي الحجة http://www.alminbar.net/alkhutab/search_results.asp
المشاهدات 6298 | التعليقات 5
لحمد لله رب العالمين شرع لعباده حج بيته الحرام. ليكفر عنهم الذنوب والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفي جميع الشرك والأوهام، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير الأنام. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى كما أمركم بتقواه، وحديثنا إليكم في هذه الخطبة سيكون عن مزايا الحج في الإسلام، وأحكامه العظام، سائلين الله لنا ولكم التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح والقبول.
فالحج هو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). أي: لله على الناس فرض واجب، وهو حج البيت، لأن كلمة (على) للإيجاب، وقد أتبعه بقوله جل وعلا: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
فسمى تعالى تاركه كافرا، ولهذا مما يدل على وجوبه وآكديته، فمن لم يعتقد وجوبه فهو كافر بالإجماع، وقال تعالى لخليله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)؛ وللترمذي وغيره وصححه عن علي رضي الله عنه مرفوعا: ( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا). وقال صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا). والمراد بالسبيل توفر الزاد ووسيلة النقل التي توصله إلى البيت ويرجع بها إلى أهله، مع توفير ما يكفي أهله إلى أن يرجع إليهم بعد سداد ما عليه من الديون.
والحكمة في مشروعية الحج هي كما بينها الله تعالى بقوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)، إلى قوله : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
فالمنفعة من الحج للعباد، ولا ترجع إلى الله تعالى، لأنه (غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). فليس به حاجة إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه، بل العباد بحاجة إليه فهم يفدون إليه لحاجتهم إليه.
والحكمة في تأخير فرضية الحج عن الصلاة والزكاة والصوم، لأن الصلاة عماد الدين ولتكررها في اليم والليلة خمس مرات، ثم للزكاة لكونها قرينة لها في كثير من المواضع، ثم الصوم لتكرره كل سنة، وقد فرض الحج في الإسلام سنة تسع من الهجرة كما هو قول الجمهور، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام إلا حجة واحدة هي حجة الوداع. وكانت سنة عشر من الهجرة، واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر. والمقصود من الحج والعمرة عبادة الله في البقاع التي أمر الله بعبادته. قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله).
والحج فرض بإجماع المسلمين وركن من أركان الإٍسلام، وهو فرض في العمر مرة واحدة على المستطيع، وفرض كفاية على المسلمين كل عام، وما زاد على حج الفريضة في حق أفراد المسلمين فهو تطوع.
وأما العمرة فواجبة على قول كثير من العلماء بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على النساء من جهاد؟ قال: (نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة). رواه أحمد ابن ماجه بإسناد صحيح.
وإذا ثبت وجوب العمرة على النساء فالرجال أولى، وقال صلى الله عليه وسلم للذي سأله: ( إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظغن، فقال: ( حج عن أبيك واعتمر). رواه الخمسة وصححه الترمذي. فيجب الحج والعمرة على المسلم مرة واحدة في العمر، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج مرة فمن زاد فهو تطوع). رواه أحمد وغيره، وفي ( صحيح مسلم) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ( أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام؟ فقال: ( لو قلت: نعم لو جب، ولما استطعتم). ويجب على المسلم أن يبادر بأداء الحج الواجب مع الإمكان، ويأثم إن أخره بلا عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له). رواه أحمد.
وإنما يجب الحج بشروط خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، فمن توفرت فيه هذه الشروط وجب عليه المبادرة بأداء الحج.
ويصح فعل الحج والعمرة من الصبي نفلا، لحديث ابن عباس: ( إن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ( نعم، ولك أجر). رواه مسلم. وقد أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ فعليه الحج إذا بلغ واستطاع، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته. وإن كان الصبي دون التمييز عقد عنه الإحرام وليه بأن ينويه عنه، ويجنبه المحظورات ويطوف ويسعى به محمولا ويستصحبه في عرفة ومزدلفة ومنى، ويرمي عنه الجمرات، وإن كان الصبي مميزا نوى الإحرام بنفسه بإذن وليه ويؤدي ما قدر عليه من مناسك الحج، وما عجز عنه يفعله عنه وليه، كرمي الجمرات، ويطاف ويسعى به راكبا أو محمولا إن عجز عن المشي، وكل ما أمكن الصغير فعله مميزا كان أو دونه بنفسه كالوقوف والمبيت، لزمه فعله، بمعنى: أنه لا يصح أن يفعل عنه، لعدم الحاجة لذلك. ويجتنب في حجه ما يجتنب الكبير من المحظورات.
والقادر على الحج هو الذي يتمكن من أدائه جسميا وماديا بأن يمكنه الركوب، ويتحمل السفر، ويجد من المال بلغته التي تكفيه ذهابا وإيابا. ويجد أيضا ما يكفي أولاده ومن تلزمه نفقتهم إلى أن يعود إليهم، ولا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الديون والحقوق التي عليه، بشرط أن يكون طريقه إلى الحج آمنا على نفسه وماله، وإن قدر بماله دون جسمه بأن كان كبيرا هرما أو مريضا مرضا مزمنا لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر، حجة وعمرة الإسلام من بلده، أو من البلد الذي أيسر فيه. لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: إن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: ( حجي عنه) متفق عليه.
ويشترط في النائب عن غيره في الحج أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ( حججت عن نفسك؟)، قال: لا ، قال: ( حج عن نفسك) إسناده جيد وصححه البيهقي.
وحج النفل تجوز النيابة فيه عن القادر وغيره، ويعطى النائب من المال ما يكفيه من تكاليف السفر ذهابا وإيابا، ولا تجوز الإجازة على الحج، ولا أن يتخذ ذريعة لكسب المال، وينبغي أن يكون مقصود النائب نفع أخيه المسلم المنوب عنه، وأن يحج بيت الله الحرام، ويزور تلك المشاعر العظام، فيكون حجه لله لا لأجل الدنيا، فإن حج لقصد المال فحجه غير صحيح ولا يجزئ عن مستنيبه.
الحمد لله رب العالمين وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
المصدر:
كتاب
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية – الجزء الثاني
تأليف
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما خصنا به من الفضل والإكرام ، فما زال يوالي علينا مواسم الخير والإنعام ، ما انتهى شهر رمضان حتى أعقبه بأشهر الحج إلى بيته الحرام . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العظام ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . أفضل من صلى وصام ، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام . وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى واشكروه على ما شرع لكم من الشرائعِ العظيمة ، وما خصكم به من المواسم الكريمة ، التي تتوالى عليكم كل يوم ، وكل أسبوع ، وكل عام ، وهي شرائع تحمل لكم كل خير ، وتبعد عنكم كل شر .
فالصلاة : تنهى عن الفحشاءِ والمنكر ، ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ﴾ . [ العنكبوت : 45 ] ، وهو خشوع لله ، وخضوع بين يديه ، واتصال به ، وإقبال عليه ، وهي من أكبر عون للمؤمنين على القيام بأعباء الدنيا والدين ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ . [ البقرة : 153 ] .
والزكاة : إحسان ومواسة للفقراء والمعسرين ، وترغيب للمؤلفة قلوبهم في الدين ؛ وإعانة في فكاك الرقاب والغارمين ، وطهرة وتزكية للنفوس والأموال ، فهي مغنم ولا مغرم ، قال تعالى : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ . [ التوبة : 103 ] . وهي تنمية للمال ، وسبب لإنزال البركة فيه ودفع الآفات عنه . قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما نقصت صدقة من مال ) ؛ فالمؤمن يعتبر الزكاة : مغنمًا ، لأنه واثق بوعد الله ، والمنافق يعتبرها : مغرمًا ، لأنه لا يؤمن بالله ولا يثق بوعده .
وأما الصيام : فإنه ترك للشهوات والمألوفات ومحبوبات النفس طاعةً لله - عز وجل - ، وهو مع ذلك تربية على الأخلاق الفاضلة وترك للأخلاق الرذيلة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ) . [ رواه البخاري ] .
والحج : جهاد في سبيل الله ، ينفق فيه المال ، ويتعب فيه البدن ، وتترك من أجله الأولاد والبلاد إجابة لداعي الله وتلبيةً لندائه على لسان خليله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين قال الله له : ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ . [ الحج : 27 - 29 ] .
عباد الله : ونحن الآن في أشهر الحج التي جعلها الله ميقاتًا للإحرام به والتلبس بنسكه ، قال الله تعالى : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ . [ البقرة : 197 ] .
يخبر - تعالى - : أن الحج يقع في أشهر معلومات ، وهي : شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة ، وقال تعالى : ﴿ مَعْلُومَاتٌ ﴾ لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - ، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما .
وقوله تعالى : ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾ . معناه : من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها ، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضًا عليه ، يجب عليه أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً ، فإن الإحرام به يصيره فرضًا عليه لا يجوز عليه رفضه .
وفي قوله تعالى : ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ . معناه : بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يجتنبه حال الإحرام ، أي : يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث : وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية . الفسوق : وهو جميع المعاصي ، ومنها محظورات الإحرام . الجدال : وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة ، لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله . والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة ، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورًا .
فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) . ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات فإنه - سبحانه - بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات ، فقال تعالى : ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ ﴾ . وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير خصوصًا في أيام الحج ، وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة ، وفي المسجد الحرام ، فإن الحسنات تضاعف فيها أكثر من غيرها كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، لا سيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان .
ومن الجدل الذي نهى الله عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازعِ والتفاخرِ ومدح آبائهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام ، ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام ، وقد وجِد في زماننا هذا من يريد أن يحيِيِ هذه السنة الجاهلية ، والنخوة الشيطانية . فيحول الحج إلى هتافات ومظاهرات وشعارات ، ورفع صورِ ووثنيات ، وصخبِ ولجاج وإيذاء وترويع للحجاج . وعدم مراعاة لحرمة الحرم والإحرام ، وحرمة تلك الأيام. حيث يقول - سبحانه - : ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ؛ وقال تعالى عن الحرم : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ . [ الحج : 25 ] .
فاللهم من آذى حجيجك وروع عبيدك ، وانتهك حرمة بيتك وألحد في حرمك - بظلم وفودك - ؛ فأذقه من عذابك الأليم ، الذي توعدت به كل ملحد أثيم . إنك على كل شيء قدير ؛ وأنت مولانا نِعم المولى ونِعم النصير . اللهم يا مرسل الطير الأبابيل ، على أصحاب الفيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، حتى جعلتهم كعصف مأكول ، وأذق كل من حاول أن يفعل مثل فعلهم من عذابك الوبيل ، وأنت حسبنا ونعم الوكيل . اللهم أمين ، اللهم آمين .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين .
الخطبة الثانية : الحمد لله جعل الأوقات مواسم للطاعات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وماله من الأسماء والصفات . وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ حث على اغتنام مواسم الخير قبل الفوات ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين يسارعون في الخيرات ، وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واحفظوا أوقاتكم بفعل ما شرع فيها من ابًا مدخرًا ، وأجرها موفرًا ، ولا تكونوا ممن ضيعوا أوقاتهم ، فيتحسرون عند مماتهم ، كما قال الله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ . [ المؤمنون : 99 ] . فيقال له : ( كلا ) ، أي : لا رجوع إلى الدنيا بعد الممات ، وما تتمناه قد فات وهكذا عباد الله لا يزال فضل الله عليكم يتوالى ، فما إن انقضى شهر الصيام حتى أعقبته أشهر الحج إلى بيت الله الحرام .
فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه ، فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
فما يقضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات ، وكل وقت يخليه العبد من طاعة الله فقد خسره ، وكل ساعةٍ يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة حسرةً وترةً ، ومن عمل طاعة من الطاعات فعلامة قبولها : أن يصلها بطاعة أخرى ، وعلامة ردها : أن يتبعها بمعصية تكون عاقبتها خسرًا . وما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها ، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها ، قال الحسن - رحمه الله - : ( إن الله لم يجعل لعملِ المؤمن أجلاً دون الموت ، ثم قرأ : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ . [ الحجر : 99 ]... ) .
واحفظوا - رحمكم الله - أوقاتكم فيما يسركم . ولا تضيعوه فيما يضركم ، فإن خيركم من طال عمره وحسن عمله .
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا : أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ ، شذ في النار ، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال - عز وعلا - : ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ . [ الأحزاب : 56 ]
العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان
بارك الله فيكم شيخنا بدر,,,
وجلّ خوفي أن يستعيض الناس بهذه الأعمال عن الحجّ , ولا سيما في ظل غلاء أسعار الحملات * ابتسامة *
اشكرك على زيارة الموضوع والذي دفعني لاختيار هذا الموضوع أن نسبة الحجاج من المصلين لايتجاوز الـ10%
ولذلك الاهتمام بغير الحجاج أولى
وهذه وجهة نظر قد تخطئ وقد تصيب جزيت الفردوس الأعلى .
بدر راشد الدوسري
من دروس الحج وآثاره
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
المصدر: ألقيت بتاريخ: 10/12/1430هـ
http://www.alukah.net/Sharia/1067/26487/
تعديل التعليق