أعمالٌ أغلَى من حُمْرِ النَّعَمِ
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ ربِ كلِ شيءٍ ومليكِه؛ نحمدُه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيهِ كما يحبُ ويَرضَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ الحقُ المتعالُ؛ [فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ] وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ أعلُم الخلق بربهِ عزَ وجلَ، وأخشاهُم وأتقاهُم له، يَخشَى العذابَ وقد غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبهِ وما تأخرَ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ:
فأوصيكُم -أيُها الناسُ- ونفسيَ بتقوَى اللهِ عزَ وجلَ؛ ومِن أعظمِ ما يُعينُ على تقواهُ: كثرةُ شكرهِ على نعمةِ التدفئةِ المتنوعةِ، وكثرةُ الاعتبارِ بتغييرِ اللهِ للكونِ {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} ففي خلالِ ساعاتٍ نرى تقلباتٍ مِن دِفْءٍ إلى بَرْدٍ، ونتفاءلُ بدِفءٍ وغَيثٍ {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}.
ناقةٌ بعشرةِ ملايينِ ريالٍ، وجَمَلٌ بمائةِ مليونٍ، ومُزايَداتٌ ومُزايَناتٌ، وتجارٌ يُغالُونَ، ومُشاهِدونَ يَتَلَمَّظونَ، يقولُ قائلُهم: يا ليتَ لنا مثلمَا أوتيَ المالِكونَ.
فهوِّنْ عليك، أيها المؤمنُ الراجيْ فضلَ ربِك: أفلا أدلُّكَ على ما هو أغلَى من هذهِ النوقِ المليونيةِ، وأعلى ثمنًا من هذهِ الإبلِ المزيونيةِ؟! إليكَ أعمالاً ثمانيًا يسيرةً دَلَّنا عليها نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجَعلَها خيرًا من أغلَى إبلِ العَرَبِ.
1. صلاةُ الوِترِ، ولو ركعةً واحدةً: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ، لَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، الْوِتْرُ، جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ([1]).
2. ركعتا راتبةِ الفجرِ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَهُمَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا. رواهُ مسلمٌ([2]). ويَقُولُ: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. صَحّحَهُ البَيْهَقِيُ([3]).
3. ركعتا الضُحَى: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: عَلَيْكَ بِسَجْدَتَيِ الضُّحَى، هُمَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ نَاقَتَيْنِ دَهْمَاوَيْنِ مِنْ نِتَاجِ بَنِي بُحْتُرٍ([4]). وسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى، فَقَالَ: إِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يُعَوِّضُ عَنْهَا الْأَعْوَاضُ. ثُمَّ قَرَأَ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}([5]).
4. التكبيرُ والتحميدُ والتسبيحُ والتهليلُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ هَانِئٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-وقَدْ كَبِرَتْ وَضَعُفَتْ وَبَدُنَتْ: كَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَسَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ مُلْجَمٍ مُسْرَجٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ([6]). صححهُ الحاكمُ، وحسنهُ المُنذريُ والهيثميُ والسُيوطيُ والمُناويُ والألبانيُ([7]).
5. تركُ مسحِ الحصَى والرمل ِعن جبهتِك وموضعِ سجودِك، لتُحصِّلَ الخشوعِ بصلاتِك: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: وَاحِدَةٌ، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا سُودُ الْحَدَقِ. صححهُ ابنُ خزيمةَ([8]).
فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ يَلْقَى تِلْكَ النِّعْمَةَ الْخَطِيرَةَ بِهَذِهِ الْفِعْلَةِ الْحَقِيرَةِ([9]).
ولِذَا كَانَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُسَوِّي الْحَصَى بِنَعْلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ([10]).
6. قراءةُ أو تعلمُ القرآنِ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ،وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ([11])رواهُ مسلمٌ.(كَوْمَاوَيْنِ)سَمِيْنَتَيْنِ عظيمٌ سَنَامُهُمَا.
فهنيئًا لجمعياتِ تحفيظِ القرآنِ، ولمعلمِي ومتعلِمِي القرآنِ والتفسيرِ والتدبر بالمدارسِ والمساجدِ.
الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهُدَى، أما بعدُ:
7. فسابعُ الأعمالِ التي هيَ أغلى من حمْرِ النَّعَمِ: اهتداءُ جاهلٍ أو فاجرٍ أو كافرٍ على يديكَ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ([12]). متفقٌ عليهِ.
فهنيئًا للدعاةِ الهُداةِ، ولطلبةِ العلمِ الباذلينَ علمَهم، ولكلِ معلمٍ للناسِ الخيَر، وهنيئًا للمعلمِينَ والمعلماتِ هذهِ البركاتِ.
وهنيئًا لكلِ كفيلٍ أسلَمَ على يديهِ عاملٌ أو خادِمةٌ: كَانَتْ لِرَجُلٍ أَمَةٌ، فَأَسْلَمَتْ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَالَ لهُ الشَّعْبِيُّ: إِسْلَامُهَا عَلَى يَدَيْكَ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ([13]).
8. وثامنُها: الصدقةُ في سبيلِ اللهِ:جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ،فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ([14])رواهُ مسلمٌ.
فهنيئًا لكل متصدقٍ، وهنيئًا لداعِمِي جمعياِت البرِ، وهنيئًا للعامِلينَ في الضَمانِ، وجمعياتِ البرِ والإغاثةِ، والمنصاتِ التطوعيةِ.
· فاللهمَ إنا عاجِزونَ عن شُكرك، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ.
· اللهم أعنا على أنْ نشكرَكَ على لطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ.
· اللهم لكَ الحمدُ على نعمةِ الدفءِ، ونعمةِ التدفئةِ مع البردِ.
· اللهم ارفعِ الضُرَّ عن المتضررينَ من لا يجدُ مأوىً ومَدْفَأ.
· اللهم لكَ الحمدُ على الغيثِ المِدرارِ، والعشبِ والنُّوَّارِ.وإنه لاغِنى لنا عن مَزيدِ فضلِك.
· اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا.
· اللهمَ وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسدِدْ إمامَنا، ووليَ عهدِ إمامِنا. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ.
· اللهم ارحمْ والِدِينا، واحفظْ دينَنَا وأولادَنا وحدودَنا وجنودَنا.
· اللهم صلِ وسلِمْ على نبيِنا محمدٍ.
([1])سنن ابن ماجه (1168)
([2])صحيح مسلم (725).
([3])مسند أحمد (25165) قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَرْحَلَ إِلَى ابْنِ بُجَيْرٍ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . قالَ البَيْهَقِي ُ في سُنَنِهِ الكُبْرَى (2/ 659): بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا.
([4])مصنف ابن أبي شيبة (7789)
([5])مصنف ابن أبي شيبة (7796)
([6])سنن ابن ماجه (3810)
([7])المستدرك(1893)والترغيب والترهيب(2/277)ومجمع الزوائد(10/92)والتنوير شرح الجامع الصغير(8/128)والتيسير بشرح الجامع الصغير(2/205)والسلسلة الصحيحة للألباني(3/ 390).
([8])مصنف ابن أبي شيبة (7827) مسند أحمد ط الرسالة (14204) صحيح ابن خزيمة (897).
([9])شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 544)
([10])السنن الكبرى للبيهقي (2/ 404)
([11])صحيح مسلم (803)
([12])صحيح البخاري (2942) ومسلم ( 2406).
([13])حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 323)
([14])صحيح مسلم (1892).
المرفقات
1611238538_أعمال أغلى من حمر النعم.pdf
1611238553_أعمال أغلى من حمر النعم.docx
بدر آل برجس
يا شيخ راشد ، هذه الخُطبة تُوزَنُ بعددِ أحرُفِها ذهبًا ما شاء الله تبارك الله
كم وكم استفدنا ممّا تُمليهِ يداك ، حوت خُطبُك الإيجاز المُعتدل
لا حرمك الله أجر هذه الخُطب ، ونحن مدينون للقائمين على هذا الموقع !
تعديل التعليق