أَعْمَارُنَا أَعْمَالُنَا ( الجمعة 1442/1/2هـ ) باختصار تناسب بداية العام !
يوسف العوض
الخُطْبَةُ الأُولَى :
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالْعِزِّ وَالْجَلَاَلِ، وَتَوَحَّدَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْكَمَالِ، وَجَلَّ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَشْكَالِ، أَذَلَّ مَنَ اِعْتَزَّ بِغَيْرِهِ غَايَةَ الْإِذْلَاَلِ، وَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ أَطَاعَهُ بِلَذِيذِ الْإقْبَالِ، بِيدهِ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَفَاتِيحُ الْأَقْفَالِ، لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْفعَّالُ.
يا مَنْ يُجَيبُ دُعَاءَ الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ *** يا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ
إِنْ كَانَ أهْلُ اِلْتُقَى فَازُوا بِمَا عَمِلُوا *** فَمَنْ يَجُودُ عَلَى العاصِينَ بِالْكَرَمِ
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبيبَنَا وَشَفِيعَنَا مُحَمَّدُ عَبْدُ اللَّه وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ مَنْ خَلْقِهِ وَحَبيبُهُ ، أَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ والآياتِ الْبَاهِرَةِ وَزِيَّنَهُ بِأشرفِ الْخِصَالِ وجَمِيلِ الْفِعَالِ وَرَفَعَهُ إِلَى الْمَقَامِ الأسنى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ..
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ وبَعْدُ ..
عِبَادَ اللَّهِ: ثَمَّةَ تقَاريرُ يَوْمِيَّةٌ وَأُسْبُوعِيَّةٌ وَسَنَوِيَّةٌ وَخِتَامِيَّةٌ تُرْفَعُ عَنْ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ.
فأَمَّا دَليلُ رَفْعِ التّقَاريرِ الْيَوْمِيَّةِ، فَقَد جَاءَ فِي حَديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعِرَِيِّ رَضِيّ اللَّه عَنهُ قَال:( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ:( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا ينبغي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضَ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعْ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَفِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ تُرْفَعُ التّقَاريرُ الْيَوْمِيَّةُ آخِرَ كُلَّ يَوْم وَلَيْلَةٍ ، فَعَمَلُ النّهَارِ يُرْفَعُ فِي آخِرِهِ ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ يُرْفَعُ فِي آخرِه وَهَكَذَا، وَهَذَا الرَّفْعُ يُطْلَقُ عَلَيهِ الرَّفْعَ الْخاصَّ ؛ أَيّ: خاصٌّ بِعَمَلِ الْأيَّامِ وَاللَّيَالِي.
عِبَادَ اللهِ: وَأَمَا التّقَاريرُ الْأُسْبُوعِيَّةُ فَتُرْفَعُ كُلَّ اِثْنَينِ وَخَمِيس كَمَا جَاءَ فِي حَديثِ أَبِيَ هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كَلِّ جُمُعةٍ مرَّتَيْنِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرْ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إلا عَبْدًا بَيْنهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اُتْرُكُوا- أَوْ اُرْكُوا- هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا) رَوَاهُ مُسْلِمُ ، وَهَذَا الرَّفْعُ خاصٌّ بِعَمَلِ الْعَبْدِ خِلَالَ الْأُسْبُوعِ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَأَمَا التّقَاريرُ السَّنَوِيَّةُ: فَتُرْفَعُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَديثِ أَسَامَّةَ بِنِ زَيْدٍ رَضِيَّ اللَّهُ عَنهُ وَفِيهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِيّ وَأَنَا صَائِمٌ ) رَوَاهُ النِّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَهَذَا الرَّفْعُ يَشْمَلُ رَفْعَ جَمِيعِ أَعْمَالِ السَّنَةِ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَأَمَا التّقَاريرُ الْخِتَامِيَّةُ: فَتُكُونُ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَاِنْتِقَالِ الرُّوحِ إِلَى بَارِّيهَا فحِينئذٍ تُطْوَى صَحِيفَةُ عَمَلِهِ،وَيُخْتَمُ عَلَيهَا، ثُمَّ تُرَفَعُ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُحْسِنَ خَاتِمَتَنَا.
عِبَادَ اللَّهِ : وَهَذِهِ التّقَاريرُ لَيْسَتْ كَتقَاريرِ الْبَشَرِ، بَلْ هِي تقَاريرُ تَخْتَلِفُ عَنهَا فِي أُمُورٍ عِدَّةٍ مِنهَا:
1- أنها لا تُغَادِرُ الصَغَائِرَ والكَبَائِرَ ولا يُنْسَى مِنْها شَيءٌ ولا يَفُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتنَا مَالِ هَذَا الْكِتَاب لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًّا﴾.
2- أَنَّ كَتَبَةَ هَذِهِ التّقَاريرِ أُمَنَاءُ ، فَلَا يُحَابُونَ وَلَا يُجَامِلُونَ ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
3- أَنّ هَذِهِ التّقَاريرَ تُكْتَبُ فِي سِجِلَّاتٍ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ تُنْشَرُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسكَ الْيَوْمَ عَلَيكَ حَسِيبًا﴾.
4- أَنْ هَذِهِ التّقَاريرَ يُبْنَى عَلَيهَا الْمُسْتَقْبِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلشَّخْصِ، فَإِنْ كَانَتْ تقَاريرَ إِيجَابِيَّةً ، سُعِدَ صَاحِبُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَتْ سَلْبِيَّةً ، فَلَا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ! وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَّ اللَّه عَنهُ وَفِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ( يا أَهَلّ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
5- أَنَّ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى هَذِهِ التّقَاريرِ لَيْسَ مُدِيراً ، وَلَا وَزِيرًا ، ولا أَمِيراً وَلَا رَئِيسًا ، إِنَّمَا هُوَ مَلِكُ الْمُلُوكِ جَلَّ فِي عُلَاهُ ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُم أَلَنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾
فَاللَّهُمُّ اُعْفُ عَنَّا وَسَامِحْنَا يا كَرِيْمُ .
الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ :
الحَمْدُ للّهِ وكَفَى والَّصَلاةُ والسَلامُ عَلى عَبْدِهِ المُصْطَفى وعَلى آلِه وصَحْبِهِ ومَنْ اقْتَفَى ..
عِبَادَ اللَّهِ: وَمَعَ أَنَّ هَذِهِ التّقَاريرَ تُكْتَبُ وَتُرْفَعُ إِلَى رَبِّ الْعِبَادِ، إلا أَنّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى توَابٌ يُحِبُّ التّوَابَيْنَ ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ لِلتَّوْبَةِ بَابًا مَفْتُوحًا إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَديثٍ عَنْ أَبِي مُوسًى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ ؛ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلَعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذَا مِنْ كَرَمِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ حَتَّى وَإِنْ تأخَّرتْ، فَإِذَا أَذْنَبَ الْإِنْسَانُ ذَنْبًا فِي النّهَارِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَوْ تَابَ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا أَذْنَبَ فِي اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَوْ تَابَ فِي النّهَارِ ، بَلْ إِنّهُ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ حَتَّى يَتَلَقَّى هَذِهِ التَّوْبَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ !! فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً صَادِقَةً تَابَ اللَّهُ عَلَيهِ وَبَدَّلَ السَّيِّئَاتِ إلى حَسَنَاتٍ كَمَا أَخَبَرَ بِذَلِكَ قَائلاً ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ .
فَاللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنَ التَّائِبِينَ الَّذِينَ بُدِلَتْ سَيِّئَاتُهُمْ إلى حَسَنَاتٍ يَارَحْمَنُ يَارَحِيمُ ..
المشاهدات 4576 | التعليقات 5
مناسبة لبداية العام
مناسبة لبداية عام
بارك الله فيكم شيخنا ع تلك الخطبة موثرة جداً.
لدي مسألة
ذكرتم ان الاعمال ترفع الى الله
واستشهدتم بالحديث انها تعرض.
هل هناك فرق بين العرض او الرفع ام معناها واحد.
وفِيك بَارَك أَخِي الْعَزِيز وَنَسْأَلُ اللَّهَ القبولَ ، لَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَخْتَلِفُ وَلَكِنَّهُمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ النَّتِيجَةُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَع إلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَم سُبْحَانَه كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ المخرّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (يَتَعَاقَبُونَ فِيكم مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وملائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصْرِ، ثُمَّ يعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكم، فيسْأَلُهُمُ اللَّه وهُو أَعْلمُ بهِمْ: كَيفَ تَرَكتمْ عِبادِي؟ فَيقُولُونَ: تَركنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتيناهُمْ وهُمْ يُصلُّون) والله اعلم .
يوسف العوض
مناسبة لبداية العام الهجري نسأل الله طول العمر مع حسن العمل
تعديل التعليق