أعظمُ فرحةٍ بالعيدِ الفرحُ بالهدايةِ. خطبة عيد الفطر لعام 40

عبد الله بن علي الطريف
1440/09/28 - 2019/06/02 22:59PM
أعظمُ فرحةٍ بالعيدِ الفرحُ بالهدايةِ. خطبة عيد الفطر لعام 40

الحمدُ لله كثيراً والله أكبر كَبيرًا، وسُبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً، والحمدُ للهِ وفقَ من شاءَ لطاعتِهِ فكانَ سعيُهُ مشكوراً، ثم أجزلَ لهم العطاءَ والمثوبةَ فكان جزاؤُهم موفوراً، نحمدُه سبحانَه ونشكرُه، ونتوبُ إليه ونستغفرُه إنه كان حليماً غفوراً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُتمُ بنعمتِه الصالحاتِ، ويجزلُ بفضلِه الهباتِ إنه كان بعبادِه لطيفاً خبيراً والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ وسلم تسليما كثيراً.

أمَّا بَعد: فأُوصيكم أيّها الأحبةَ بوصيةِ اللهِ الجامعةِ لجميعِ المكلَفِين حيثُ قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[1] ولِلَّهِ درُّ أقوامٍ تفكَّروا فأبصَروا، وشمَّروا عن ساعِدِ الجدِّ وما قصَّروا، ومَن عَلِمَ شَرفَ المطلوبِ جَدَّ وعَزَمَ، والسعيُ والاجتهادُ على قدرِ الهمَمِ.. الحازمون سارَت بهم إلى الجدِّ المطايَا، فاستحقّوا من اللهِ جليلَ العطايَا فهنيئاً لهم، ومن علاماتِ الغفلةِ والاستدراجِ العمَى عن عيوبِ النفسِ قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[2]

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: العيدُ جزءٌ من نِظامِ أمَّةِ الإسلامِ، يصِلُ ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدِها، ويربطُ أفراحَها بشرائعِها وابتهاجَها بشعائرِها، والفرحُ بالعيدِ من سُنَنِ المرسلين، وإظهارُ السرورِ في الأعيادِ من شعائرِ الدينِ، ولقد أظهرَ نبيُّكم محمّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرحَ والسرورَ بالأعيادِ في شرعِه وفعلِه، وأذِن للمسلمين بأن يفرَحوا، وأقرَّ الفرحين على فرحِهم وسنتُه ظاهرةٌ بذلك.. ومن مظاهرِ الفرحِ المعايدةُ وأقولُ لكم: عيدكم مبارك، وعيدكم سعيدٌ، وأعاده الله عليكم وأنتم بصحة وعافية وكتب لكم القبول.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوةُ والأخوات: ونحنُ نعيشُ أيامَ العيدِ وليالِيه الجميلةِ المفعمةِ بالفرحِ والسعادةِ والأنسِ.. أرى أنه من الواجبِ علينا أنْ نقفَ مع أنفسِنا للحظاتٍ ونتحدثُ معها حديثاً لا تنقصُهُ الصراحةُ، بأن نسألَ النفسَ ما هو أولُ فرحٍ ينبغي أنْ نفرحَ به في هذا العيدِ.؟ هل مجردُ إدراكُ العيدِ والفرحُ مع الناسِ فرحاً مجرداً عن المعاني الساميةِ يكفينا.؟ أم أنَّ هناكَ معانٍ ساميةٍ هي التي ينبغي أَنْ نفرحَ بها.؟

أقولُ: أهمُ فرحٍ حريٌ بنا أن نستشعِرَهُ في هذا العيدِ، الذي هو مظهرٌ من مظاهرِ الدينِ، وشعيرةٌ من شعائِرِه المعظَّمةِ، والتي تنطوي على حِكمٍ عظيمةٍ ومعانٍ جليلةٍ وأسرارٍ بديعةٍ لا تعرفُها الأممُ في شتى أعيَادِها، يجيءُ هذا العيدُ بعدَ موسمٍ من مواسمِ الطاعةِ عظيمٍ.. حريٌ بِنَا أنْ نفرحَ بالهدَايةِ والتوفيقِ لَها يومَ ضلَّت فِئامٌ من البشَرِ عن صراطِ اللهِ المستقيمِ..

وهو فرحٌ (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ) الذي هو القرآنُ والدينُ والإيمانُ..

وقد وجهنا ربُنا للفرحِ بها فَقَالَ: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[3] قال الشيخ السعدي رحمه الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ) الذي هو القرآنُ، الذي هو أعظمُ نعمةٍ ومنَّةٍ وفضلٍ تفضَّلَ اللهُ به على عبادِهِ (وَبِرَحْمَتِهِ) وهي الدينُ والإيمانُ، وعبادةُ اللهِ ومحبَّتُهُ ومَعْرِفَتُهُ. (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من متاعِ الدنيا ولذاتِها.

فنعمةُ الدينِ المتَّصلَةِ بسعادةِ الدارين، لا نسبةَ بينَها، وبينَ جميعِ مَا في الدَّنيا، مما هُو مضمحلٌّ زائلٌ عن قريبٍ.. وإِنَّما أمرَ اللهُ تعالى بالفرحِ بفضلِهِ ورحمتِهِ، لأنَّ ذلك مما يوجبُ انبساطَ النفسِ ونشاطَها، وشكرَها للهِ تعالى، وقوَّتَها، وشدَّةَ الرغبةِ في العلمِ والإيمانِ الداعي للازديادِ منهما، وهذا فرحٌ محمودٌ، بخلافِ الفرحِ بشهواتِ الدَّنيا ولذَّاتِها، أو الفرحِ بالباطلِ، فإنَّ هذا مذمومٌ كما قال تعالى عن قومِ قارون له: (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)[4].. وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)[5]. لذَلِكَ كانَ الفرحُ بالهدايةِ أولُ سببٍ منْ أسبابِ الثباتِ والنشاطِ فِيِ طاعةِ الله تعالى.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة والأخوات: إنَّ حاجةَ المسلمِ اليومَ لتمثلُ وسائلَ الثباتِ في يومِه أعظمَ مِنْ حاجتِه للطعامِ والشرابِ.. والجهدُ المطلوبُ لتحقيقِ الثباتِ كبيرٌ؛ لكثرةِ المغرياتِ والصوارفِ عن الطاعةِ، وانفتاحِ العالمِ على بعضِه وسهولِة الوصولِ لصنوفِ المعرفةِ الضارِ منْها والنافعِ عَلى حدٍ سواءٍ فتجدُ داعيَ الخيرِ والطاعةِ، وبجانبِه داعيَ المعصيةِ لا يفصلُهما إلا لمسةُ زرٍ.. فَمَا كَانَ مَدْفُونًا بِالْأَمْسِ أَضْحَى الْيَوْمَ يُتَنَفَّسُ فِي الْهَوَاءِ الطَلْقِ لِيَتَلَقَّفَهُ كلُ الناسِ بدونِ استثناءٍ.. وتثبيتُ القلبِ المتقلبِ برياحِ الشهواتِ والشبهاتِ أمرٌ صعبٌ وكبيرٌ يحتاجُ لوسائلَ تُكـافئُ ضخامةَ المهمةَ وصعوبتَها، ويؤكدُ هذا الاهتمامُ بهذا المعنى ويعززُه كثرةُ تقلبِ القلوبِ وعدمِ ثباتِها.. فهي سريعةُ التحولِ كما قال رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ بِأَرضٍ فَلَاةٍ، تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ»[6].

لذلك كانَ من أعظمِ الأسبابِ المعينةِ على الثباتِ على دينِ اللهِ بعد توفيقِهِ الدعاء.. فينبغي للمؤمنِ أنْ يدعوَ لنفسِهِ بالثباتِ فبه يلهجُ الموفقون وبه يجأرُ المخبتون ولا يملُ من ترديدِه الراسخون.. كيفَ لا واللَهَجُ بِهِ دَيْدَنُ رسولِنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ.؟ قَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ»[7]... فمن صفاتِ عبادِ اللهِ المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاءِ أن يثبتهم، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)[8]، (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا..)[9]

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة والأخوات: بالأمسِ كانَ القرآنُ ملازماً لنا تلاوةً وسماعاً وقد أَلِفْنَا ملازمتَه ونعمَ ما عَمِلْنَا.. وعلى مُبتغي الثباتِ على دينِ اللهِ أنْ يقبلَ على القرآنِ العظيمِ فهو وسيلةُ الثباتِ الأولى، وحبلُ اللهِ المتينُ، والنورُ المبينُ، من تمسكَ بـه عَصَمَهُ اللهُ، ومَنْ اتَّبَعَهُ أنجاه اللهُ، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراطٍ مستقيمٍ.. وقراءةُ قصصِ الأنبياءِ في القرآنِ من أعظمِ أسبابِ التثبيتِ قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[10] وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: قصصُ الصالحين جندٌ من جنودِ الله يثبتُ الله بها قلوبَ عبادِه..

ومنْ أعظمِ أسبابِ الثباتِ كذلك ذكرُ اللهِ تعالى.. تأملْ أيها المباركُ في قولِه عَزَّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[11] فقد جعلَ اللهُ الذكرَ من أعظمِ ما يعينُ على الثباتِ في الجهادِ..

ثم إنَّ الغفلةَ عن الذكرِ سببٌ في تغيرِ القلبِ وصدئِه.. يقولُ ابنُ القيمِ رحمه الله: وصدأُ القلبِ بأمرين بالغفلةِ والذنبِ، وجلاؤُه بشيئين بالاستغفارِ والذكرِ.. فمن كانت الغفلةُ أغلبُ أوقاتِه كان الصدأُ متراكباً على قلبه، وصدأُه بحسبِ غفلتِه، فيرى الباطلَ في صورةِ الحقِ والحقَ في صورةِ الباطلِ، لأنه لما تراكم عليه الصدأُ أظلمَ فلم تظهرْ فيه صورةُ الحقائق ِكما هي عليه.. فإذا تراكَمَ عليه الصدأُ واسْودَّ وركبَهُ الرَّانُ فسدَ تصورُه وإدراكُه، فلا يقبلُ حقاً ولا ينكرُ باطلاً، وهذا أعظم عقوباتِ القلبِ.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة والأخوات: وَمَنْ رَامَ الثَبَاتَ فَعَلَيهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مواطنَ الفتنِ، ولا يَتَعَرَّضُ لها ثِقَةً بِنَفْسِهِ، أو لِإِشْبَاعِ فُضُولِهِ فَكَمْ مِنْ مُنْتَكِسٍ أَنْكَسَهُ فُضُولُهُ.. وضالٍ غَرَّتْهُ ثِقَتُهُ بنفسِه، فأصبحَ من الغَاوين كالذي قالَ اللهُ عنه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)[12] وَمَعْنَى الِانْسِلَاخُ عَنِ الْآيَاتِ: الْإِقْلَاعُ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا تَقْتَضِيهِ، فلمَّا انْسَلَخَ منها أَتْبَعَهُ الشيطانُ، أي: تَسَلَّطَ الشيطانُ عليه حينَ خرجَ من الحِصْنِ الحصين، وصارَ إلى أسفلِ سَافِلِين، فَأَزَّهُ إلى المعَاصِي أَزَاً.. (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) أَيْ: الْمُتَّصِفِينَ بِالْغَيِّ وَهُوَ الضَّلَالُ، الْهَالِكِينَ الْحَائِرَيْنِ الْبَائِرَيْنِ. بعد أنْ كانَ مِن الرَاشِدِينَ الـمُرشِدِين.

وأَعْظَمُ تَحذِيرٍ من الاطلاعِ الفُضُولِي هذا الموقف، فَقَد أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ أَصَبْتُهَا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟ "فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَجَعَلَ عُمَرُ يَقْرَأُ "وَوَجْهُ رَسُولِ اللهِ يَتَغَيَّرُ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ أَمَا تَرَى وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟، فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ.؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»[13]

 وأعظمُ دواءٍ يُعِيذُ مِن الفِتَنِ ما أرشدَ إليه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»[14] ومن أعظمِ الفتنِ فِتنَةُ تَتَبُّعِ الرُّخصِ في الأحكامِ، وفِتنَةُ التَحَايُلِ على ما هُوَ مُحرَّمٌ من الأقوالِ والأفعالِ، والتساهلِ بصغائرِ الذنوبِ..

أيها الإخوة والأخوات: ولنعلم جميعاً ثَبَّتَ اللهُ قلوبَنَا على طاعتِهِ أنَّ الإسلامَ لَا يموتُ، لكنَّهُ يمرُ بفتراتِ تمحيصٍ ينجو فيها أهلُ الصدقِ، ويسقطُ فيها مرضى القلوبِ في أوحالِ الانتكاسةِ، فاصبروا واحتسبوا..

سيُحزنك الواقعُ، وتؤلمك بعضُ المناظرِ، هذه المشاعرُ عظيمةٌ عند الله، ودليلُ خيرٍ وقرَ في قلبِك، فلا تنحرْها بسكينِ الانتكاسةِ!

ولا يغرنَّك في طريقِ الحقِ قلةُ السالكين، ولا يغرنَّك في طريقِ الباطلِ كثرةُ الهالكين..

واعْلَمْ أنَّ خروجَك منْ قافلَةِ الخيرِ لا يَضرُ أحدًا سِواك.! ووجودُك فيها فضلٌ مِنْ اللهِ عليك ونعمةٌ أنعمَ بها عليك، والخروجُ منها بدعوى مواكبةِ الزمنِ الجديدِ هُوَ الخسرانُ المبينُ..

وسنةُ اللهِ تسيرُ غيرَ آبهةٍ بأسماءِ المتخاذلين، تسقُطُ أسماءٌ وتعلو أسماء. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا [عن الإيمانِ باللهِ، وامْتِثالِ ما يأمرُكم به] يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[15]..

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

ومِن مظاهرِ الإحسانِ بعدَ رمضانَ استدامةُ العَبدِ على النَّهجِ المستقيمِ ومداومَةُ الطاعةِ وإِتْبَاعُ الحسنةِ الحسنةَ، فذلك من قَبولِ الطاعَاتِ. وقد ندَبَكم نبيُّكم محمّدٌ بأن تُتبِعوا رمضانَ بستٍّ من شوّالَ، فمن فعَل ذلك فكأنما صامَ الدّهرَ كلَّه.. ومن أَتَى من طريقٍ فالسنةُ أنْ يرجعَ مع طريقٍ آخر ليشهدَ له الطريقان.

أيها الإخوة والأخوات: إنَّ مكانَنَا هذا مكانُ دعاءٍ وخيرٍ، وإنني داعٍ فأمنوا بقلوبٍ حاضرةٍ، ونفوسٍ راجيةٍ.

اللهم إنا نسألُك بأنَّك أنت اللهُ، الأحدُ الصمدُ، الحيُ القيوم، الجوادُ الكريم، أن تجودَ علينا بالقبولِ، والصلاحِ والإصلاح، وأن تجعلَنا في يومِنا هذا من الفائزين المفلحين، نفوزُ بجائزتِك، ونفلحُ برضوانِك.

اللهم أتمَّ علينا نعمتَك بالتمسُكِ بدينِ الإسلامِ، والاقتداءِ بنبيكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، خاتمِ الرسلِ الكرام.. اللهم ثَبْتنَا بالقَولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ.. اللهم اجْعَلنَا ممنْ يُحشرُ إليكَ وفداً، ويفوزُ بصحبَةِ نبيهم في دارِ النعيمِ، وينعمونَ بالنظرِ إلى وجهِك الكريم، برحمتِك يا أرحمْ الراحمين، الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،  اللهم احفظ جنودنا على الثغور وسدد رميهم ووفق رجال أمننا لحفظه وأحفظ الجميع ....... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] [النساء:131]

[2] [المؤمنون:115].

[3] [يونس:57، 58]

[4] [القصص:76]

[5][غافر:83]

[6] رواه أحمد وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني والأرناؤوط

[7] رواه التْرمِذِيِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وصححه الألباني

[8] [آل عمران:8]

[9] [البقرة:250]

[10] [هود:120]

[11]  [الأنفال:45]

[12] [الأعراف:175]

[13] رواه أحمد والدارمي والبيهقي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وصححه الألباني.

[14] رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

[15] [محمد:38]

المشاهدات 1173 | التعليقات 1

قال لي بعضهم لما خطبة واحدة.؟

فقلت له إن الخطبتين قول فقهاءالحنابلة وعليه سار الناس ، لكن شيخنا محمد العثيمين رحمه الله كان رأيه أنها واحدة لعدم الدليل وكان يخطب خطبتين ثم بدأ بالتغيير فكان يخطب خطبتين لا يجلس بينهما ويؤكد على ما ذهب إليه أنها واحدة حتى تقبل طلبة العلم والعامة رأيه فبدأ يخطب واحدة.

لذلك نحن نخطب وأحدة وهو فعل معظم مساجدنا ومصلياتنا بعنيزة.