أعظم الأيام
خالد الكناني
أعظم الأيام
الحمد لله ربّ العالمين ، الذي منَّ على المؤمنين ، بدين عظيم ، يهذب النفوس ، ، ويجمل الأخلاق ويطهر القلوب ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أحسن الناس منطقا، وأتمهم خلقا ، وأفضلهم طبعا، وأجملهم تعاملا وأزكاهم حالا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
أيها المسلمون : عظم الله تعالى هذه الأيام العشر في القرآن ، قال تعالى : (( وَالْفَجْرِ ،، وَلَيَالٍ عَشْرٍ )) الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ , فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ, وَالتَّكْبِيرِ, وَالتَّحْمِيدِ ))
عباد الله : ها نحن في اليوم الثامن من هذه العشر المباركات وهو يوم التروية، وغا السبت يوم فاضل عظيم هو يوم عرفة التاسع من هذا الشهر ، من أفضل أيام السنة ، أكمل الله فيه الملة وأتم به النعمة ، قال تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ))
إنه يوم عرفة ، إنه يوم الركن الأكبر لِحجِّ الحجاج ويوم تكفير السيئات والعتق من النار ، يوم يجتمع فيه الحجاج على صعيد عرفة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَجُّ عَرَفَةُ )) ، خصه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم ، يوم عرفة يجتمع فيه الحجيج ، لتعظيم الله وذكره ودعائه وشكره ، فحري أن نتقرب إلى الله بالطاعات والاعمال الصالحات في هذا اليوم المبارك الكريم يوم عرفة أولا بصيامه ، وصيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، لما في صيامه من الفضل العظيم ، يكفر الله فيه السيئات ويرفع به الدرجات ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )) ، لذا ينبغي حث الأهل والاولاد على صيام هذا اليوم ، ثانيا: بالدعاء وللدعاء في يوم عرفة مزية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ )) ، ليحرص المسلم في هذا اليوم العظيم من الدعاء لنفسه ولوالديه وأهله وللمسلمين جميعا ، ومما ينبغي أن يحرص عليه المسلم في هذا اليوم الإكثار من شهادة التوحيد ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
أيها المسلمون : إننا مقبلون على يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة ، ومما يتقرب به المسلمون في يوم العيد وأيام التشريق الأضحية ، وهي مشروعة ، وحكمها سنة مؤكدة على الموسر ، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته ، لا ينبغي للقادر عليها أن يفوت هذه الفرصة الثمينة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي كل سنة وفي صفات أضحياته صلى الله عليه وسلم ،عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»
وعلى المسلم أن يعتنيَ باختيار الأضحية ، وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها وأحسن منظرا ، فهي أحب إلى الله وأعظم لأجر صاحبها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ((وَالْأَجْرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا )) ، وكان المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يغالون في الهدي والأضاحي ويختارون السَّمين الحسَن ، قال أبو أمامة بْنَ سَهْلٍ : «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ» رواه البخاري معلقا ، أيها المسلمون : أن من أهم مقاصد الأضحية ، الإخلاص وتقوى الله ، قال تعالى : ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ))
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى : في قوله تعالى : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} أي: ليس المقصود منها ذبحها فقط. ولا ينال الله من لحُومها ولا دمائِها شيء، لكونه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها، والاحتساب، والنية الصالحة، ولهذا قال: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه.
ومن المقاصد العظام للأضحية توحيد الله تعالى واخلاص العبادة له وحده بذكره وتكبيره عند الذبح ، قال تعالى : ((كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))
ونقول لمن عجزوا عن شراء الأضحية هنيئا لكم فقد نالكم النفع والأجر بتضحيته صلى الله عليه وسلم عمن لم يضح من أمته ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربُّنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسَلَّمَ تسليما كثيرا إلى يوم الدين ... أما
أيها المسلمون : إن آخِر هذه العشر الفاضلة هو يوم النحر وهو يوم عيد الأضحى ،، ويأتي بعده يوم القَرِّ وهو أول أيام التشريق ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )) ، وفيها أيام التشريق ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ ))
فيشرع في هذه الأيام ، التكبير المطلق ، والمقيد عقب الصلوات من فجر يوم عرفة لغير الحاج ، وللحاج من ظهر يوم النحر ويستمر التكبير بنوعية إلى آخر أيام التشريق ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ألله أكبر ولله الحمد .
وأيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة .
واعلموا عباد الله أن لعيد الأضحى آداب وأحكام ينبغي مراعاتها والتأدب بها ومنها :
المحافظة على صلاة العيد ، والاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب ، والإكثار من التكبير ، و من السنة أن لا يأكل شيئا حتى يصلي العيد ، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ )) ، فإن كان له أضحية ذبحها بعد صلاة العيد وأكل منها .
، ومن الآداب صلة الأرحام وزيارة الأقارب والجيران والأصدقاء والتهنئة بالعيد ، وأن يعيش المسلم فرحة العيد وفق الآداب والأخلاق الإسلامية .
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1718274745_أعظم الأيام.pdf