أعظم آية في القرآن الكريم ( آية الكرسي )

أحمد بن علي الغامدي
1445/12/21 - 2024/06/27 07:10AM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَنْ اتَّقَى اللهَ وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاه! (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ* وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه

عِبَادَ الله: نقف في هذه الخطبة وقفاتٍ يسيرة مع أعظم آية في القرآن العظيم، وكل القرآن عظيم، وإنما كانت هذه الآية أَعْظَمَ آيَةٍ في القُرْآنِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَاتِ الرَّحْمَن، وَعلى قَوَاعِدِ الإِيْمَان؛ فَهِيَ سَيّدَةُ آيِ القُرْآن، قَالَ -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب رضي الله عنه: “يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قُلْتُ: (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)؛ فَضَرَبَ فِي صَدْرِه، وَقَالَ: وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ!"(رواه مسلم). أَيْ هَنيئاً لَكَ العِلْمُ حَيْثُ عَرفْتَ أيَّ آيةٍ فيِ كِتابِ اللهِّ تعالىَ أعْظَمُ، ولاَ عَجَبَ أيُّهاَ المؤْمِنونَ؛ فلَيْسَ في القرآنِ آيةٌ واحدةٌ تَضَمَّنَتْ ما تَضَمَّنتْهُ آيةُ الكُرْسِيِّ مِنَ التوحيد والمعانيِ والأسماء الصِّفاتِ الَّتيِ أَخْبَرَ بِها تعالىَ عَنْ نَفْسِهِ مع بيان قدرة الله العظيمة وعلمه الواسع المحيط بكل شيء .

عباد الله : افْتَتَحَ اللهُ تعالَى آية الكرسي :بِتَوْحِيِدِهِ، وَوَجُوبِ إِخْلاصِ الدِّينِ لَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيِكَ لَهُ فَقَالَ تعَالَى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ فَلاَ يَسْتَحِقُّ العبادَةَ سِواهُ، وَلَا يَقُوُمُ دِيِنُ عَبْدٍ إِلَّا بإفرادِ اللهِّ تَعالىَ بجميع أنواع العبادة: كالدعاء، والخوف، والمحبة، والتوكل، والإنابة، والتوبة، والذبح، والنذر، والسجود، والطواف، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، وغيرها من العبادات ، سواءً كانت اعتقادية أو لفظية أو ‌بدنية ، فلاَ مَعْبوُدَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ جَلَّ فيِ عُلاهُ.

وَاشْتَمَلَتْ الآيَةُ الكريمة في قول كثير من أهل العلم :عَلَى اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ؛ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى!وهما (الحَيُّ القَيُّوم).فهو القائم بنفسه ، والقائم بجميع أمور خلقه من الرزق والعافية وغيرهما ، فكل المخلوقات مفتقرة إليه ، وقد كان النبيُ صلى الله عليه وسلم كثيرَ الدعاء بهذين الاسمين الكريمين، وكان إذا كرَبَه أمرٌ قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". وَقد روى النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ‌قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا فَعَلَ؟ ، فَإذا هُوَ ‌سَاجِدٌ يَقُولُ: "يَا حَيُّ يَا ‌قَيُّومُ"، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ ‌سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى القِتَالِ، ثُمَّ رجعتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى فتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ".

وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لابنته فاطمة:"ما يمنعكِ أنْ تسمعي ما أُوصيك به؟ أنْ تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ، أصلِحْ لي شأنيَ كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرفةَ عين".

عباد الله :وتَضَمَّنَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ بَيانَ عَظِيمِ مُلْكِهِ جَلَّ فيِ عُلاهُ وأَنَّهُ لاَ مُنازِعَ لهُ فيِه فــــــ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ تفردا بالخلق والملك والتدبير.

كما تضمنت الآية الكريمة:أنه لاَ يَمْلِكُ الشَّفاعَةَ سِواهُ ، ولاَ يَشْفَعُ أَحَدٌ عنده إِلاَّ بِإِذْنِهِ ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) فلا أحد يتجاسر على الشفاعة عند الله تعالى إلا بإذنه وأمره، وهذا لكمال سلطانه وهيبته قال جل وعلا:"يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا"

وتضمنت الآيَةُ الكريمة: بَيانَ عَظيمِ عِلْمِهِ بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ فلاَ يَغيب –عن علمه-  مِثْقالُ ذَرَّةٍ فيِ السَّمواتِ ولا في الأَرْضِ. فهو الذي - يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، ويرى عُروقَ نِيَاطِها ، ومجاري القوت في أعضائها.

وتَضَمَّنَت الآيةُ الكَريِمَةُ: أن الخلق-لاَ يُحيُطُون بَشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴿ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ فَهُوَ أَجَلُّ من أنْ يُحيطُوا بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ ، وجميعُ علومِ الخلق ومعلوماتهم الدينية والدنيوية ، لم يصلوا إليها إِلاَّ بِمشيئة الله وفضله وتعليمه، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:" وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا"، وأما علوم الدنيا فقد أشار الله إلى شيء من ذلك في تعليم الكلاب الصيد، قال تعالى :" وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ [أي الصيد] مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ".

عباد الله :وتَضَمَّنَتْ الآيةُ الكَريَمةُ : بيانَ عَظيمِ خَلْقِهِ –جَلَّ وَعَلا-فَهُوَ –جَلَّ وَعَلا-قَدْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ، وَخَلَقَ الكُرْسِيَّ: وَهُوَ موضع قدميه – جل جلاله - عَظِيمٌ قَدْرُه قالَ رَبُّنا فيه﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ ويروى أنه -صلى الله عليه وسلم قال-: “مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا ‌كَحَلْقَةٍ من حديد ‌مُلْقَاةٍ ‌بِأَرْضٍ ‌فَلَاةٍ ،وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ) رواه ابن حبان.

ثُمَّ قال -عز وجل-: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما): أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وما فيهما، وَلَوْلَا حِلْمُ اللهِ وَمَغْفِرَتُهُ؛ لَزَالَتَا؛ وَحِيْنَئِذٍ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ أَنْ يُمْسِكَهُمَا! قال تعالى(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

ثُمَّ خُتِمَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ العَليُّ العَظِيمُ): العَلِي : علو الذات،الَّذِيْ لَيْسَ فَوْقَهُ شَيء،وعلو الأسماء الصفات والأفعال والأحكام وفي كل شيء، وَأما العَظِيْمُ: فهو الَّذِي كُلُّ شَيءٍ أَمَامَ عَظَمَتِهِ لا شَيء! فَإِذَا كُنْتَ مُتَعَالِيًا مُتَعَاظِمًا في نَفْسِكَ؛ فَاذْكُرْ عُلُوَّ اللهِ، وَتَوَاضَعْ لِعَظَمَتِهِ! وَمَا تَعَالَى أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ اللهِ، أَوْ تَعَاظَمَ عَلَى عِبَادِ الله؛ إِلَّا أَذَلَّهُ اللهُ! (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

عباد الله :أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخطبة الثانية

الحمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدٌ أَنَّ نَبِيَّنا محَمّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فإن من فضائل هذه الآية المباركة أن قراءتها قبل النوم من أسباب حفظ النائم؛قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ”(رواه البخاري). 

ومن فضائل هذهِ الآية: أنَّها جِوارٌ مِنَ الشَّياطينِ لمنْ قرأَهَا صَباحًا ومساءًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم- قال:" مَنْ قَرأَهاَ إذا أَصْبحَ أُجيِرَ مِنَ الشَّيطانِ حتَىَّ يُمْسيِ، وإذاَ قرَأَها إذا أَمْسىَ أُجِيرَ منَ الشَّيطانِ حَتَّى يُصْبِحَ".  ومن فضائل هذهِ الآية: أنها بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ دخول الجَنَّةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ!”(رواه النسائي، وصححه الألباني).

عباد الله : جدير بكل مسلم أن يحرص على تدبرِ وتفهم معانيْ ما يقرأ من كتاب الله تعالى ،خاصةً تلك السور والآيات التي نكررها يوميا، وقد نجهل بعض معانيها وحكمهما وأحكامها؛ كسورة الفاتحة والمعوذات وسورةِ تبارك وسبح اسم ربك الأعلى والكافرون وآيةِ الكرسي والآيتين الأخيريتين من سورة البقرة ونحوها

أسأل الله أن يعلمَنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا وأن يمن علينا بتحقيق التوحيد الخالص إنه سميع مجيب.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1719461394_أية الكرسي.doc

المشاهدات 314 | التعليقات 0