أطّت السماء

HAMZAH HAMZAH
1441/06/27 - 2020/02/21 17:07PM

خطبة: { أطّت السماء }
وقفات وتأملات
جامع الفهد بمحايل - ١٤٤١/٦/٢٧هـ
د . حمزة بن فايع الفتحي .

إنّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل، فلا هادي له... أشهد ان لا اله الا الله وهذه لا شريك له....

أيها الناس :
‏نهتم بأدوائنا الجسدية ونقوم على علاجها ، ونغفلُ عن أدواءٍ معنوية، تتلاعبُ بنا يمنةً ويسرة، نحو الغفلة وقلة الفكر والاتعاظ..!
فكم تُتلى من مواعظ، ونستمع من آيات، وتمر علينا من عبر....! وقليل من يتعظ أو يتفكر...!!
قال تعالى :{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } . وفي حديث حسن عند الإمام الترمذي رحمه الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ إني أرى ما لا ترون، أطّت السماء وحُق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعِ أصابع، إلا وملَك واضع جبهته، ساجدا لله تعالى ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم ‏‏كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخَرجتم إلى الصُعُدات تجارون إلى الله تعالى } .
وفي هذا الحديث الشريف عباد الله مسائل:
أولها : عظمةُ الخالق تبارك وتعالى، وأنه خالق كل شيء ، وعليم بكل شيء، خضع له كل ما في السموات والأرض . ومن صور هذه العظمة اتساع ملكه، وخضوع عبادة له ، كالملائكة، القوم المكرمين، فقد غصت السموات بقرباتهم ودعائهم كما قال هنا " أطت السماء" والأطيطُ صوتُ الأقتاب والرحل، وأطيط الإبل أصواتُها وحنينها . والمراد كثرة الملائكة العُباد ، وكثرة الملائكة ‏المسبحين، فلا يخلو موضع أربعة أصابع إلا وملك راكعٌ أو ساجد ..! قد خضعت جباههم لربهم ، وطارت أرواحهم شوقا إليه، كما قال عز وجل :{ بل عبادٌ مكرمون ، يسبحون الليل والنهار لا يفتُرون } فما هي عبادكم يا بني آدم ، وعند ربكم من له مقام معلوم، وقد خضع خضوع المنقطعين المتبتلين حتى تحركت السماء وأثقلت مِن عددهم وأصواتهم...!

ثانيا : سعَةُ علمِ الأنبياء وتوفيق الخالق عز وجل لهم ، فقد ألهمهم من أحوال الكون وعظمته ما يورث فيه‏فيهم الخشية والانكسار ، وحسن الاتعاظ ، وهو ما يحملهم على الخوف والاستعداد لليوم الآخر . فإن من خاف شيئا تهمم له، واستعد غاية الاستعداد ، وبادر المبادرة { خذوا ما اتينكم بقوة } وصحّ حديث { من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل} إلى والمراد التشمير السريع الى الطاعات..!
فهنالك طاعات سانحة، وحسنات عابرة، فإياكم والتسويفَ فيها، أو تأجيلها ...!
ولو علمت الخلائقُ ما تعلم الأنبياء من عظمة الله وأحوال القيامة، لقلّ ضَحِكُهم ، وعظُم جدهم ، وزالت غفلتُهم، واستيقظت قلوبهم ، وهبّوا مسرعين إلى الله ، ولم تُرى أوقاتٌ لهم تضيّع، أو طاعاتٌ تهمل، أو معاصٍ تُرتكب ، والله المستعان.
ثالثًا: أن العلمَ بالله وبعظمته ورسالاته ، مما يُصلح القلب ،ويحمل على الخشوع المراقبة { لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا }
والحاصلُ معاشر أهل الإسلام: العكس قلّ العلم، وتعاظم الجهل ،فكثر الضحك ، وعزّ البكاء والإشفاق من عذاب الله ومن فساد النفوس و تهافتنا على الذنوب . { قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم }

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
——
‏الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين :

أما بعد أيها الإخوةُ الفضلاء :

إن هذا الحديثَ -لمن تأمله -رسالةُ خوف واعتبار، ومحاسبةٍ واتعاظ... وفيه رابعا :
أن العلم الإلهي والأخروي ، مما يزهد في الدنيا ، تلك الدنيا التي نحتفل بملاذها، وتتنافس في شهواتها، وتتقاتل على أموالها. فلو تعلمنا العلمَ الحقيقي ، لهانت الدنيا في عيوننا ، ولما تلذذنا بالنساء على الفرش ، ولبتنا في حزن وبكاء ، وخشية ومحاسبة.

والسبب أن القلب ، يمتلئ بمحبة الله والإشفاق ‏من ذنوبه ، وذكرى يوم القيامة ، فلا يبقى لديه إلا البكاءُ وحسنُ العمل، لأن ذكرى النار يقطع الملذات ، ويذهب السعادات، و يحرض على الصدق والمسارعة { فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى } . ومن الشقاوة الانهماك الدنيوي المبالغ فيه ، والذي ينسيك ربك وعبادته وذكر القيامة .
لكن لو حضر العلم ، لخرجنا إلى الصُعدات أي الصحاري ، نجأرُ إلى الله عبادةً وذكرا و استغاثه، لأننا لا نطيق عذاب الآخرة ، والله المستعان.
خامسا : أن الدنيا، يا مسلمون ليست محلا للضحك الوسيع، والمرح العريض، بل هي دار عبرة واتعاظ ، ومراجعة... فاهنأ بها، ولا تصرفك عن حق الله، ولا تضيع شعائر الله، ومن فيها ذاكرًا متعظا ، وفِي الخديث :{ الدنيا ملعونةٌ ملعون ما فيها ، إلا ذكرَ الله وما والاه وعالما أو متعلمًا } وتأمل من اتخذها لهوًا وضحكا، كيف انتهى أمره، وصار حاله ..؟!
فالتمسوا عباد الله من الدنيا ما يبلغكم رضوان الله، ففيها خير وشر، وسعة وضيق، وفرح وحزن، واتعاظ وغفلة...{ ولكم أخشى أن تُبسط الدنايا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم } كما قال عليه الصلاة والسلام...
وصلوا وسلموا يا مسلمون على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة....

المشاهدات 1370 | التعليقات 0