أضرار الكسب الحرام .

عبد الله بن علي الطريف
1435/08/22 - 2014/06/20 21:58PM
أضرار الكسب الحرام . 22/8/1436هـ
أيها الإخوة: حديثنا اليوم عن قاعدة من قواعد الإسلام وأصل من أصول الأحكام وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون:51] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ " رواه مسلم أيها الإخوة: إن طلب الرزق والسعي لتحصيل المال أمر محمود ومأمور به شرعاً؛ إذا روعيت فيه الآداب الشرعية، وأقيم على الموازين المرعية، بأن يكون من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة..
وقد وسع الله لعباده أبواب الرزق المباح، ونهاهم عن الأبواب المحرمة. فقال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم..) [النساء:29] وأكل المال بالباطل يشمل كل المكاسب المحرمة مثل: الربا، والسرقة، والرشوة، والغش في البيع والغبن الفاحش، والغصب ونقص المكاييل والموازين، وبيع الحسرمات. ومنه رفع القيمة على المشتري الذي لا يعرف أثمان السلع وغيرها من المعاملات المحرمة..
ومن ذلك التغرير بالجهات الحكومية والشركات وأصحاب الأعمال، والاتفاق في البيع بين مندوب الشركة أو الجهة الحكومية على سعر أقل مما كُتب في الأوراق الرسمية ويقتسمان الفرق أو يأخذه المندوب.. ومن ذلك إيجار المحلات إلى من يبيع المحرمات، أو العمل في وظيفة محرمة..
أيها الإخوة: ما ذكرناه جزء من المكاسب المحرمة ويتفطن إليه كثير من الناس لوضوحه. ولكن هناك جانب آخر يغفل عنه كثير منا وربما تساهلوا فيه وهو جدير بالمراعاة.. ألا وهو التفريط في العمل الحكومي أو غيره.. سواء بالخروج من موقع العمل، أو البقاء فيه دون عمل، أو إضاعة الوقت بالأحاديث الجانبية أو تصفح المواقع، ذلك أن استثمار الوقت لصالح العمل واجب وظيفي لأن الموظف يوقع للحضور والانصراف، ويأخذ الراتب مقابل العمل والبقاء في موقع العمل وعليه أن يمضي وقت العمل في العمل وبإنجاز ما يحتاج إلى إنجاز بكل إتقان وعليه أن يجتهد في النصح للمؤسسة التي يعمل فيها ولمراجعيها ولا يضيع وقته بشيء غير العمل سواء كانت المؤسسة حكومية أو أهلية..
أيها الإخوة: لنسرح الطرف في أحوال بعض الموظفين هداهم الله، فمنهم من يضيع الوقت في موقع العمل بالأحاديث الجانبية وتصفح المواقع وغيرها من مضيعات الأوقات.. ومنهم من يخرج لسبب أو لغير سبب في وقت الدوام لأداء أغراض شخصية يمكن أن يقضيها في غير وقت الدوام..! ولو حوسبوا على تفريطهم وخروجهم لعدوا من يفعل ذلك معتدٍ عليهم وما علموا أنهم هم المعتدون ولكن لا يشعرون..! قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:1-6]. ويل كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه بها من خالف أمره وارتكب نهيه قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله بعد ذكر الآيات: هؤلاء يستوفون حقهم كاملاً وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين بين الشح والبخل الشح في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل بمنع ما يجب عليهم من تمام الكيل والوزن، وهذا المثال الذي ذكر الله عز وجل في الوزن هو مثال؛ فيقاس عليه كلُ ما أشبهه؛ فكل من طلب حقه كاملاً ممن هو عليه، ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في هذه الآية الكريمة..
أخي الموظف أخي العامل: احسب خلال أسبوع فقط ما تضيعه أنت من وقت خلال الدوام الرسمي بتقييده بدقة، ثم اجمعه آخر الأسبوع ستجد العجب.! أما إن حسبت ما يضيع خلال شهر فسيزداد عجبك.! وإن حسبت سنة أو أكثر فستذهل.! وسترى كم من الوقت أهدرته على صاحب العمل وأخذت أجرته.
أيها الإخوة: قال البخاري رحمه الله: بَابُ مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ.. ثم ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ. قال بن التين: أخبر النبي صلى الله عليه و سلم بهذا تحذيرا من فتنة المال وهو من بعض دلائل نبوته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو والله أعلم.
أيها الإخوة: لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المال الحرام وجعله سبباً في كثير من الشرور: أولها وأشدها أنه سبب لحرمان العبد من الجنة وسبب لدخول النار نسأل الله العافية والسلامة؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ». رواه ابن حبان ولفظه عند الترمذي: «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» صححه الألباني.
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بِحَرَامٍ. رواه البزار وقال الألباني: صحيح لغيره.
فاتقوا الله أيها الإخوة: وحللوا مكاسبكم وانظروا في أمركم وتأملوا قول ربكم: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:4 - 6] نفعنا الله بهدي كتابه الكريم إنه جواد بر رحيم... الثانية:
أيها الإخوة ومن أضرار الكسب الحرام: عدم قبول الصدقة من هذا المال الحرام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ» رواه ابن حبان وغيره وحسنه الألباني. ورواه الطبراني من حديث أبي الطفيل ولفظه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كسب مالا من حرام فأعتق منه ووصل منه رحمه كان ذلك إصرا عليه. (إصرًا): أي إثما وعقوبة.
أحبتي: من أكل المال الحرام فهو لا يستحي من الله، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه بذلك. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. رواه الترمذي وغيره وهو حديث حسن
وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى قال أهل العلم: يعني ما وضع فيه من طعام وشراب حتى يكونا من حلهما..
ومن أضرار أكل المال الحرام: عدم قبول الدعاء نسأل الله العافية: وفي الحديث السابق ثُمَّ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ.؟" قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: فمن أكل الحرام من ربا أو فوائد غش أو كذب أو ما أشبه ذلك فإنه لا يستجاب له ثم ذكر الحديث ثم قال: فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله لهذا مع أنه فعل من أسباب الإجابة ما يكون جديرا بالإجابة ولكن لما كان يأكل الحرام صار بعيدا أن يقبل الله منه..
المشاهدات 3431 | التعليقات 2

بارك الله فيك أستاذ عبد الله ،خطبة إصلاحيّة واقعيّة مؤثّرة تحمل على الرقابة و المحاسبة الذاتية . جعلها الله في ميزان حسناتك أخي .


جزاك الله خيرا