أصناف الناس وعلاقتهم بالقرآن

عايد القزلان التميمي
1444/04/03 - 2022/10/28 07:04AM
الحمد لله الكريم المنان، ذو الفضل والإحسان الذي أكرمنا بالقران، المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان، وجعله ربيعاً لقلوب أهل الإيمان، وضمن حفظه، فهو محفوظ بحفظ الله من الزيادة والتبديل والنقصان، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله حث على تعلم القران وتعليمه، والتفكر فيه وتفهيمه، والعمل بأحكامه والوقوف عند حدوده، صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ فمن أراد الهدى والتُّقى فعليه بالقرآن في جميع شؤون حياته ، قولاً وعملاً واعتقادًا . فقد قال سبحانه  إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا  
ومن أراد الخير كله فعليه التمسك والعمل بالقرآن ، قال الله تعالى (( فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ  وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ
 
مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ  قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً  قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ ))
عباد الله وعن أَبي موسى الأَشْعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم))  مثَلُ المُؤمنِ الَّذِي يَقْرَأُ القرآنَ مثَلُ الأُتْرُجَّةِ: ريحُهَا طَيِّبٌ، وطَعْمُهَا طَيِّبٌ، ومثَلُ المُؤمنِ الَّذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرةِ: لا رِيح لهَا، وطَعْمُهَا حُلْوٌ، ومثَلُ المُنَافِق الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيحانَةِ: رِيحها طَيِّبٌ، وطَعْمُهَا مُرٌّ، ومَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القرآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَها رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ )) متفقٌ عَلَيْهِ.
فقد ضرَبَ  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديث مَثَلًا يُقسِّمُ فيه الناسَ وعَلاقتَهم بالقرآنِ إلى أربعةِ أصناف:
فالصنف الأولُ: هو المُؤمنُ الذي يَقرَأُ القرآنَ ويَنتفِعُ به، فيَعمَلُ بما يَقرَأُ، ويَنفَعُ عِبادَ اللهِ، فهذا في مجالسته لك خير، وفي مكالمتك له خير ، وهذا شبَّهه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثَمَرةِ الأُتْرُجَّةِ، وهو ثَمَرٌ جامِعٌ لِطِيبِ الطَّعْمِ والرَّائحةِ وحُسْنِ اللَّونِ، ومَنافِعُه كَثيرةٌ.
وأما الصنف الثاني: فهو المؤمنُ الذي طاب باطِنُه لوجود الإيمانِ فيه، وطاب ظاهره لقيامِه بالواجباتِ، غيرَ أنَّه لا يَقرَأُ القرآنَ، باستثناءِ الواجبِ منه كالفاتحةِ، فشَبَّهُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّمْرةِ؛ طَعْمُها حُلْوٌ، ولا رِيحَ لها، لكن هذا المؤمن يعمل لله سبحانه وتعالى، فتجده في العمل يعمل ولكن في تعليم القرآن لا يوجد له أثر؛ لأنه لا يحفظ كتاب الله عز وجل، ولا يعرف أحكامه.
عباد الله وأما الصنف الثالثُ في الحديث: فهو المُنافقُ الذي يَقرَأُ القرآنَ، ولا يتأثر به، ولا يَعمَلُ به، ويَتظاهَرُ أمامَ الناسِ أنَّه مُؤمنٌ، ويستبيح لنفسه أن يكذب وينافق ويرائي ويخادع ويخون؛ فهو مِثْلُ الرَّيحانةِ لها رائحةٌ طيِّبةٌ وطعْمُها مُرٌّ؛ فرِيحُها الطيِّبُ يُشبِهُ قِراءتَه، وطعْمُها المرُّ يُشبِهُ نفاقه وعدم إيمانه بالقرآن.
وأمَّا الصنف الرابعُ: فهو المُنافقُ الذي لا يَقرَأُ القُرآنَ،  وبهذا يكون قد جمع الشر كله، فهو لا يعرف شيئاً في دين الله عز وجل، ولا يعمل بما أمر الله سبحانه، فمثله كمثل الحنظلة رائحتها غير طيبة، وطعمها مر فهو لا يعلَم ولا يُعلِّم، شَبيهٌ بمَرارةِ نفاقه وكُفرِه.
أيها المؤمنون : ومن فوائد هذا  الحديث أنه ينبغي للمسلم أن يكونَ له وِرْدٌ يوميٌّ مِن كتاب الله تعالى، يحافظ عليه، ويقضيه إذا فاته، وإن تيسَّر له أن يختم القرآن كلَّ ثلاثة أيام، أو كل أسبوع، أو كل شهر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص : ( اقرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ) رواه البخاري ومسلم  
عباد الله و لا ينبغي للمؤمن أن يهجُرَ كتاب الله تعالى فقد اشتكى الرسول صلى الله عليه وسلم من هجر كتاب الله تعالى ، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾
 واعلموا أن هجرَ القرآن أنواعٌ وهي هجر الإيمان به ، وهجر قراءاته والاستماع إليه،وهجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ،و هجر تحكيمه والتحاكُم إليه في أصول الدين وفروعه، وهجر تدبُّره وتفهُّمه، وهجر الاستشفاء والتداوي به مِن جميع أمراض القلوب والأبدان.  
عباد الله وينبغي للمسلم أن يحرِصَ على تعلُّم كتاب الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه))
بارك الله لي ولكم ....  
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:    فيا عباد الله،
لقد جاء التَّرغيب في قراءة كتاب الله جَلَّ وَعَلاَ فقد قال الله تعالى ((إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَٰرَةً لَّن تَبُورَ))
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال   (( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ:  الم  حَرْفٌ؛ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)) خرَّجه الترمذي وهو حديث حسن،
وقال صلى الله عليه وسلم (( أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَنْطَلِقَ إِلَى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ بِنَاقَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ؟)) فقالوا: يا رسول الله، كلنا يحب ذلك، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((أَفَلاَ يَغْدُو أَحْدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ)) خرَّجه مسلم،
وقال صلى الله عليه وسلم (( اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ((.
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بكتاب ربكم، واعمروا أوقاتكم بقراءة كتاب الله جَلَّ وَعَلاَ، وحُثُّوا أهلكم وأولادكم على ذلك .
ثم صلوا وسلموا على عبد الله ورسوله محمد، فقد أمركم الله بذلك..
المرفقات

1666929841_أصناف الناس وعلاقتهم بالقرآن.docx

المشاهدات 783 | التعليقات 0