أشرف الخلق بعد الأنبياء رضي الله عنهم

بسم الله الرحمن الرحيم إِخْوَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ ... لَمَّا اختَارَ اللهُ تَعَالى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ فَجَعَلَهُ خَيرَ النَّاسِ قَاطِبَةً، اِختَارَ لَهُ أَصحَابًا كَانُوا هُم خَيرَ الأَجيَالِ عَلَى الإِطلاقِ، آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَ بِهِ وَبَايَعُوهُ، وَهَاجَرُوا إِلَيهِ وَجَاهَدُوا مَعَهُ وَآوَوهُ وَنَصَرُوهُ، وَأَخَذُوا عَنهُ الدِّينَ وَنَقَلُوا الشَّرِيعَةَ غَضَّةً طَرِيّةً كَمَا جَاءَت، وَبَلَّغُوا مَا حُمِّلُوا لِمَن بَعدَهُم كَمَا أُنزِلَ، وَأُمِرَ مَن بَعدَهُم بِاتِّبَاعِهِم وَالسَّيرِ عَلَى نَهجِهِم، إِنَّهُمُ الصَّحَابَةُ، قَومٌ زَكَّاهُمُ اللهُ في كِتَابِهِ، وَزَكَّاهُم رَسُولُهُ ﷺ وَأَخبَرَ أَنَّهُ لَن يَأتيَ بَعدَهُم أَحَدٌ مِثلُهُم ]لَقَد رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَثَابَهُم فَتحًا قَرِيبًا[ وَقَالَ جَلَّ وَعَلا ]لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهُم ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ وَقَالَ تَعَالى ]لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيارِهِم وَأَموَالِهِم يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهِم حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ[ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (خَيرُكُم قَرني ثُمَّ الَّذِينَ يَلونَهُم ثُمَّ الَّذِينَ يَلونَهُم) وَقَالَ ﷺ (لا تَسُبُّوا أَصحَابي، فَلَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (عَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِيِّنَ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ. أَيُّهَا المُسلِمُونَ .. لَقَد خَلَقَ اللهُ الصَّحَابَةَ وَاصطَفَاهُم لِيَكُونُوا أَصحَابَ نَبِيِّهِ ﷺ وَخَصَّهُم بِرُؤيَتِهِ وَالتَّعَامُلِ مَعَهُ وَمُصَاحَبَتِهِ، رَأَوهُ ﷺ بِأَعيُنِهِم وَاجتَمَعُوا بِهِ وَعَايَشُوهُ، وَصَلَّوا خَلفَهُ وَاستَمَعُوا لِحَدِيثِهِ وَفَقِهُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ، وَصَاحَبُوهُ وَسَبَرُوا حَيَاتَهُ وَتَشَبَّعُوا بِهَديِهِ، وَسَافَرُوا مَعَهُ وَجَاهَدُوا تَحتَ لِوَائِهِ، وَشَاهَدُوا نُزُولَ القُرآنِ عَلَيهِ وَتَنَزُّلَ المُعجِزَاتِ الحِسِيَّةِ في الحَوَادِثِ المُختَلِفَةِ وَالمَوَاقِفِ المُتَعَدِّدَةِ، وَمَعَ هَذَا بَشَّرَ ﷺ كَثِيرًا مِنهُم بِالجَنَّةِ، وَبَشَّرَ مَن بَشَّرَ مِنهُم بِمِيزَانِهِ عِندَ رَبِّهِ وَمَا أَعَدَّهُ لَهُ في الآخِرَةِ عِندَهُ، فَكَانَ الوَاحِدُ مِنهُم يَمشِي عَلَى الأَرضِ وَهُوَ يَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ أَنَّهُ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، لَقَد كَانُوا بِحَقٍّ أَرقَى جِيلٍ في الوُجُودِ، تَرَبَّوا عَلَى عَينِهِ ﷺ وَاقتَدُوا بِهِ وَنَهَلُوا مِن مَعِينِهِ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِهِ وَاستَنُّوا بِسُنَّتِهِ وَسَارُوا عَلَى هَديِهِ، وَنَقَلُوا عَنهُ كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ. أَيُّهَا المُسلِمُونَ .. لَيسَ فَضلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لأَنَّهُم عَاصَرُوا النَّبيَّ ﷺ وَعَاشُوا في زَمَانِهِ فَحَسبُ، وَإِنَّمَا كَانَ فَضلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لأَنَّهُم آمَنُوا بِاللهِ حِينَ كَفَرَ مَن كَفَرَ، وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ ﷺ حِينَ فَرَّ عَنهُ مَن فَرَّ، وَالتَزَمُوا بِالدِّينِ التِزَامًا دَقِيقًا، وَأَحَبُّوا الشَّرعَ حُبًّا صَادِقًا، لم يَكُونُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم مَلائِكَةً وَلا خَلقًا آخَرَ، بَلْ كَانُوا بَشَرًا مِنَ البَشَرِ، وَلم يَكُونُوا مَعصُومِينَ مِنَ الخَطَأِ، بَل كَانَت لَهُم نَوَازِعُ إِنسَانِيَّةٌ كَمَا لِغَيرِهِم، وَلَكِنَّهُم آمَنُوا وَصَدَّقُوا بِيَقِينٍ، وَصَبَرُوا وَثَبَتُوا وَاستَقَامُوا، وَجَاهَدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَبَذَلُوا، وَأَعطَوا وَضَحَّوا وَتَابُوا وَأَنَابُوا، وَكَانُوا أَبَرَّ النَّاسِ قُلُوبًا وَأَزكَاهُم نُفُوسًا، وَأَصدَقَهُم أَلسُنًا وَأَبرَكَهُم عِلمًا وَعَمَلاً، قَالَ ابنُ مَسعودٍ t إِنَّ اللهَ نَظَرَ في قُلُوبِ العِبَادِ فَوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيرَ قُلُوبِ العِبادِ، فَاصطَفَاهُ لِنَفسِهِ وَابتَعَثَهُ بِرِسالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ في قُلُوبِ العِبَادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصحَابِهِ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ، فَجَعَلَهُم وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَن دِينِهِ، فَما رَآهُ المُسلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِندَ اللهِ حَسَنٌ، وَما رَأَوهُ سَيِّئًا فَهُوَ عِندَ اللهِ سَيِّئٌ. أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْنَقتَدِ بِخَيرِ الخَلقِ وَخِيرَةِ الأَجيَالِ، وَلْنُحِبَّهُم وَلْنُوَقِّرْهُم وَلْنُعَظِّمْهُم، فَإِنَّ مِن أُصُولِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، سَلامَةَ قُلُوبِهِم وَأَلسِنَتِهِم لأَصحَابِ رَسُولِ اللهِ، وَتَوَسُّطَهُم فِيهِم، بَينَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ بَالَغُوا في إِنزَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَهلِ البَيتِ مَنزِلَةً لَم يَجعَلْهَا اللهُ وَلا رَسُولُهُ لَهُم، وَنَصَبُوا العَدَاوَةَ لِجُمهُورِ الصَّحَابَةِ كَالثَّلاثَةِ الخُلَفَاءِ وَكَفَّرُوهُم وَمَن وَالاهُم، وَكَفَّرُوا مَن قَاتَلَ عَلِيًّا، وَرَمَوا عَائِشَةَ الطَّاهِرَةَ بِمَا بَرَّأَهَا اللهُ مِنهُ مِن فَوقِ سَمَاوَاتِهِ، وَبَينَ الخَوَارِجِ الَّذِينَ قَابَلُوا هَؤُلاءِ فَكَفَّرُوا عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَمَن مَعَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبَينَ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ نَصَبُوا العَدَاوَةَ لأَهلِ البَيتِ وَطَعَنُوا فِيهِم. إنَّ أَهلَ السُّنَّةِ قَد هَدَاهُمُ اللهُ لِلحَقِّ وَكَانُوا وَسَطًا، فَلَم يَغلُوا وَلم يَجفُوا وَلم يُكَفِّرُوا، بَل هُم مُعتَرِفُون بِحَقِّ جَمِيعِ الآلِ وَالصَّحبِ وَفَضلِهِم، يَدعُوَنَ لَهُم وَيُوَالُونَهُم وَيُحِبُّونَهُم، وَيَكُفُّونَ عَنِ الخَوضِ فِيمَا جَرَى بَينَهُم، حَالُهُم كَمَا وَصَفَهُم اللهُ حَيثُ قَالَ ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[. أَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ فَاستَغفِرُوهُ. الحمد لله رب العالمين ... مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... اتَّقوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم في عَصرٍ يُشبِهُ العَصرَ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الإِسلامُ، قَالَ ﷺ (بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ) أَلا وَإِنَّ مِن غُربَةِ الإِسلامِ أَن يَخرُجَ في قَنَوَاتِ الإِعلامِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ المُختَلِفَةِ مُنَافِقُونَ يَتَنَاوَلُونَ صَحَابَةَ رَسُولِ اللهِ أَو بَعضَهُم، فَيَنتَقِدُونَهُم أَو يَتَنَقَصُّونَهُم، أَو يُحَاوِلُونَ إِسقَاطَ بَعضِهِم أَوِ اتِّهَامَهَم في رِوَايَاتِهِم أَوِ التَّشكِيكَ فِيمَا نَقَلُوهُ أَو نَحوَ ذَلِكَ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّ المَقصُودَ في كُلِّ ذَلِكَ هُوَ إِسقَاطُ الدِّينِ كُلِّهِ وَتَنحِيَتُهُ وَتَزهِيدُ النَّاسِ فِيهِ، بَل وَإِخرَاجُهُم مِنهُ. فَاتَّقُوا اللهَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا أَنتُم عَلَيهِ مِن حُبِّ النَّبيِّ ﷺ وَحُبِّ أَصحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَإِنَّهَا لَفَضِيلَةٌ مِن أَعظَمِ الفَضَائِلِ أَن يَرزُقَ اللهُ عَبدَهُ حُبَّهُ وَحُبَّ رَسُولِهِ وَحَبَّ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمَن أَحَبَّ قَومًا حُشِرَ مَعَهُم وَإِن لم يَبلُغْ مَا بَلَغُوهُ مِنَ الصَّلاحِ. جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحَبَّ قَومًا وَلم يَلحَقْ بِهِم؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ) وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ: مَتى السَّاعَةُ؟! قَالَ (وَمَا أَعدَدتَ لَهَا!) قَالَ: لا شَيءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ ﷺ (أَنتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) قَالَ أَنَسٌ t: فَمَا فَرِحنَا بِشَيءٍ فَرَحَنَا بِقَولِ النَّبيِّ ﷺ (أَنتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبيَّ ﷺ وَأَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَأَرجُو أَن أَكُونَ مَعَهُم بِحُبِّي إِيَّاهُم. عِبَادَ اللهِ .. اعْرِفُوا لِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَقَّهُمْ وَفَضْلَهُمْ؛ اِقْرَءُوا فِي سِيَرِهِمْ؛ وَعَلِّمُوهَا أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ؛ فَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيْمٌ لَهُمْ؛ لِيَقْتَدُوا بِهِمْ، وَيَقْتَفُوا آَثَارَهُمْ، وَيَسِيْرُوا عَلَى نَهْجِهِمْ، قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ صَالِحُ السَّلَفِ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ أَوِ السُّنَّةَ. وصلى الله على نبينا محمد ...
المرفقات

1643961075_أشرف الخلق بعد الأنبياء.docx

1643961081_أشرف الخلق بعد الأنبياء.pdf

المشاهدات 501 | التعليقات 0