أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى 18 جُمَادَ الآخِرَة 1435 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1435/06/16 - 2014/04/16 13:33PM
[size=+0]
أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى 18 جُمَادَ الآخِرَة 1435 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَبَداً , وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهاً صَمَداً ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى ، وَبِجِهَادِ الْعِدَا وَبِالنَّجَاةِ مِنَ الرَّدَى ، وَبِالشَّفَاعَةِ غَدَا , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا سَارَ رَاكِبٌ وَمَا انْتَابَ مُؤْمِنٌ مَسْجِدا .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ (مَا تَذْكُرُونَ ؟) قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ) فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ هِيَ عَلامَاتُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى , التِي وُقُوعُهَا قَرِيبٌ جِدَّاً , لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عَنِ الْقِيَامَةِ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) , فَكَيْفَ بِعَلامَاتِهَا التِي تَسْبِقُهَا ؟ لا شَكَّ أَنَّهَا أَقَّرَبَ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَبْلَهَا .
وَهَذِهِ الْعَلامَاتُ الْكُبْرَى إِذَا وَقَعَتِ الأُولَى تَبِعَتْهَا الْعَلامَاتُ الْبَاقِيَةُ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُرُوجُ الآيَاتِ بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ ، يَتَتَابَعْنَ كَمَا تَتَابَعُ الْخَرَزُ فِي النِّظَامِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : أَمَّا الدُّخَانُ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم) وَهُوَ دُخَانٌ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ , وَيَدْخُلُ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْمَشْوِيِّ عَلَى الْجَمْرِ .
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلاثَاً : الدُّخَانُ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزَّكْمَةِ ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ , وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ , وَالثَّالثِةُ الدَّجَّالُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : هَذَا إِسْنَادٌ جَيَّدٌ.
وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ , وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَشَّدَّ التَّحْذِيرِ , وَبَيَّنَ صِفَاتِهُ , وَأَنَّهُ شَابٌّ أَحْمَرُ قَصِيرٌ جَعْدُ الشَّعْرِ , مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى , مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ سَوَاءً أكَانَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لا , وَيَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ خُرَاسَانَ , وَيَتْبَعُهُ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفَاً , وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ اليَهُودُ , وَالأَعْرَابُ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ , وَالنِّسَاءُ لِخِفَّةِ عُقُولِهِنَّ وَسُرْعَةِ تَأَثُّرِهِنَّ . وَيَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلا يَتْرُكُ بَلَدَاً إِلَّا دَخَلَهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَة فَلا يَسْتَطِيعُ دُخُولَهُمَا لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ تَحْرُسُهُمَا .
وَفِتْنَتُهُ أَعْظَمُ الْفِتَنِ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ , فَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُ اللهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ التِي تَبْهَرُ الْعُقَولَ وَتُحَيَّرُ الأَلْبَابَ , فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارَاً , وَلَكِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَنَارَهُ جَنَّةٌ , وَجَاءَ أَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ , وَأَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , وَيَمُرُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَيَأْمُرَ كُنُوزَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَتَتْبَعُهُ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , وَيَقْطَعُ الأَرْضَ بِسُرْعَةٍ عَظِيمَةٍ كَسُرْعَةِ الْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ .
وَنِهَايَتُهُ تَكُونُ علَى يَدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , حَيْثُ يُطَارِدُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ فِي أَرْضِ الشَّامِ فَيَقْتُلَهُ .
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الدَّجَّالِ (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةَ الْكَهْفِ , إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقَ , فَعَاثَ يَمِينَاً وَعَاثَ شِمَالاً , يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَا لُبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ (أَرْبَعُونَ يَوْمَاً , يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشْهَرٍ وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ , وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمُ) قَالُوا : يَا رَسُولُ اللهِ ! فَذَلِكَ الْيَوْمُ كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ (لا , اقْدُرُوا لَهُ) قَالُوا : وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ (كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتُهُ الرِّيحُ , فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ , فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطُرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحِتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ دَرَّاً وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعَاً وَأَمَدَهُ خَوَاصِرَ , ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ , فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ , وَيَمُرُ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكَ , فَتَتْبَعُهُ كُنُوزَهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئَاً شَبَابَاً فَيْضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمَيْةَ الْغَرَضِ, ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وَيَضْحَكُ .
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ , فَيَنْزِلَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَ دِمَشْقٍ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ , وَاضِعَاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلِكَيْنِ , إِذْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرُ مِنْهُ جِمُانٌ كَاللُّؤْلُؤِ , فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفْسِهِ إِلّا مَاتَ , وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ , فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيْقُتُلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ علَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ رَسُولُ اللهِ , وَكَلِمَتُهُ التِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ , وَرُوحٌ مِنَ الأَرْوَاحِ التِي خَلَقَهَا اللهُ , جَعَلَهُ اللهُ آيَةً حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ أَمٍّ بِلَا أَبٍ , وَتَكَلَّمَ وَهُوَ رَضِيعٌ فِي الْمَهْدِ وَدَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أُمِّهِ , وَدَعَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَارَبُوهُ وَحَاوَلُوا قَتْلَهُ , كَمَا حَكَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قِصَّتَهُ مُفَصَّلَةً فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ , وَرَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ , ثُمَّ سَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَحْكُمُ بِالإِسْلَامِ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ , وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ مُدَّةَ سَبْعِ سِنِينَ , ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَتَوَفَّى غَيْرَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا , فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ , وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ , حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَأَمَّا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَهُمْ قَبِيلَتَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ, عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ جِدَّاً , وَهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَفَسَادٍ فِي الأَرْضِ , وَقَدْ قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بَعْضَ خَبَرِهِمْ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ , وَأَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَنَى عَلَيْهِمْ سَدَّاً عَظِيمَاً لا يَسْتَطِيعُونَ فَتْحَهُ إِلَّا آخِرَ الزَّمَانِ إِذَا اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ , وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلَ عِيسَى ابْنُ مَريَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّجَّالَ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا , وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَأَمَّا الدَّابَةُ : فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)
فَهِيَ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ عِنْدَ فَسَادِ النَّاسِ , وَتَسِمُ النَّاسَ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ , فَيَبْيَضَّ وَجْهُ الْمُؤْمِنِ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌ وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ , وَتَسِمَ الْكَافِرَ فَيَسْوَدَّ وَجْهُهُ فَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , حَتَّى إِنَّ الْمَؤْمِنَ يَقُولُ : يَا كَافِرُ أَقْضِ حَقِّي , وَيَقُولَ الْكَافِرَ ياَ مُؤْمِنُ أقْضِ حَقِّي .
وَأَمَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبَهَا : فَإِنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ بَدَلَ جِهَةِ الْمَشْرِقِ , وَحِينَئِذٍ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً عَلَى إِيمَانِهِ وَمَنْ كَانَ كَافِرَاً عَلَى كُفْرِهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا , فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ , فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ , أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) رواه البخاري .
وَأَمَّا الْخُسُوفَاتِ فَهِيَ هُبُوطٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ فِي ثَلاثِ مَوَاضِعَ : بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَبِجَزِيرَةِ الْعَرِبِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا آخِرُ عَلامَاتِ السَّاعَةِ فَهِيَ نَارٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ عَدَنْ مِنْ جَنُوبِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ , وتَنْتَشِرُ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وَتَسُوقُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ (عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَنَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَأَنْ يَتَوَفَّانَا وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا , اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَدُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشَنُا ، وَآخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةَ لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .
[/size]
الْحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَبَداً , وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهاً صَمَداً ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى ، وَبِجِهَادِ الْعِدَا وَبِالنَّجَاةِ مِنَ الرَّدَى ، وَبِالشَّفَاعَةِ غَدَا , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا سَارَ رَاكِبٌ وَمَا انْتَابَ مُؤْمِنٌ مَسْجِدا .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ (مَا تَذْكُرُونَ ؟) قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ) فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ هِيَ عَلامَاتُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى , التِي وُقُوعُهَا قَرِيبٌ جِدَّاً , لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عَنِ الْقِيَامَةِ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) , فَكَيْفَ بِعَلامَاتِهَا التِي تَسْبِقُهَا ؟ لا شَكَّ أَنَّهَا أَقَّرَبَ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَبْلَهَا .
وَهَذِهِ الْعَلامَاتُ الْكُبْرَى إِذَا وَقَعَتِ الأُولَى تَبِعَتْهَا الْعَلامَاتُ الْبَاقِيَةُ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُرُوجُ الآيَاتِ بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ ، يَتَتَابَعْنَ كَمَا تَتَابَعُ الْخَرَزُ فِي النِّظَامِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : أَمَّا الدُّخَانُ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم) وَهُوَ دُخَانٌ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ , وَيَدْخُلُ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْمَشْوِيِّ عَلَى الْجَمْرِ .
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلاثَاً : الدُّخَانُ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزَّكْمَةِ ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ , وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ , وَالثَّالثِةُ الدَّجَّالُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : هَذَا إِسْنَادٌ جَيَّدٌ.
وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ , وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَشَّدَّ التَّحْذِيرِ , وَبَيَّنَ صِفَاتِهُ , وَأَنَّهُ شَابٌّ أَحْمَرُ قَصِيرٌ جَعْدُ الشَّعْرِ , مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى , مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ سَوَاءً أكَانَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لا , وَيَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ خُرَاسَانَ , وَيَتْبَعُهُ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفَاً , وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ اليَهُودُ , وَالأَعْرَابُ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ , وَالنِّسَاءُ لِخِفَّةِ عُقُولِهِنَّ وَسُرْعَةِ تَأَثُّرِهِنَّ . وَيَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلا يَتْرُكُ بَلَدَاً إِلَّا دَخَلَهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَة فَلا يَسْتَطِيعُ دُخُولَهُمَا لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ تَحْرُسُهُمَا .
وَفِتْنَتُهُ أَعْظَمُ الْفِتَنِ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ , فَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُ اللهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ التِي تَبْهَرُ الْعُقَولَ وَتُحَيَّرُ الأَلْبَابَ , فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارَاً , وَلَكِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَنَارَهُ جَنَّةٌ , وَجَاءَ أَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ , وَأَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , وَيَمُرُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَيَأْمُرَ كُنُوزَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَتَتْبَعُهُ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , وَيَقْطَعُ الأَرْضَ بِسُرْعَةٍ عَظِيمَةٍ كَسُرْعَةِ الْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ .
وَنِهَايَتُهُ تَكُونُ علَى يَدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , حَيْثُ يُطَارِدُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ فِي أَرْضِ الشَّامِ فَيَقْتُلَهُ .
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الدَّجَّالِ (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةَ الْكَهْفِ , إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقَ , فَعَاثَ يَمِينَاً وَعَاثَ شِمَالاً , يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَا لُبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ (أَرْبَعُونَ يَوْمَاً , يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشْهَرٍ وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ , وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمُ) قَالُوا : يَا رَسُولُ اللهِ ! فَذَلِكَ الْيَوْمُ كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ (لا , اقْدُرُوا لَهُ) قَالُوا : وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ (كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتُهُ الرِّيحُ , فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ , فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطُرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحِتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ دَرَّاً وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعَاً وَأَمَدَهُ خَوَاصِرَ , ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ , فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ , وَيَمُرُ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكَ , فَتَتْبَعُهُ كُنُوزَهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئَاً شَبَابَاً فَيْضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمَيْةَ الْغَرَضِ, ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وَيَضْحَكُ .
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ , فَيَنْزِلَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَ دِمَشْقٍ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ , وَاضِعَاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلِكَيْنِ , إِذْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرُ مِنْهُ جِمُانٌ كَاللُّؤْلُؤِ , فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفْسِهِ إِلّا مَاتَ , وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ , فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيْقُتُلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ علَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ رَسُولُ اللهِ , وَكَلِمَتُهُ التِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ , وَرُوحٌ مِنَ الأَرْوَاحِ التِي خَلَقَهَا اللهُ , جَعَلَهُ اللهُ آيَةً حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ أَمٍّ بِلَا أَبٍ , وَتَكَلَّمَ وَهُوَ رَضِيعٌ فِي الْمَهْدِ وَدَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أُمِّهِ , وَدَعَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَارَبُوهُ وَحَاوَلُوا قَتْلَهُ , كَمَا حَكَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قِصَّتَهُ مُفَصَّلَةً فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ , وَرَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ , ثُمَّ سَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَحْكُمُ بِالإِسْلَامِ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ , وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ مُدَّةَ سَبْعِ سِنِينَ , ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَتَوَفَّى غَيْرَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا , فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ , وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ , حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَأَمَّا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَهُمْ قَبِيلَتَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ, عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ جِدَّاً , وَهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَفَسَادٍ فِي الأَرْضِ , وَقَدْ قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بَعْضَ خَبَرِهِمْ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ , وَأَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَنَى عَلَيْهِمْ سَدَّاً عَظِيمَاً لا يَسْتَطِيعُونَ فَتْحَهُ إِلَّا آخِرَ الزَّمَانِ إِذَا اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ , وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلَ عِيسَى ابْنُ مَريَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّجَّالَ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا , وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَأَمَّا الدَّابَةُ : فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)
فَهِيَ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ عِنْدَ فَسَادِ النَّاسِ , وَتَسِمُ النَّاسَ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ , فَيَبْيَضَّ وَجْهُ الْمُؤْمِنِ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌ وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ , وَتَسِمَ الْكَافِرَ فَيَسْوَدَّ وَجْهُهُ فَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , حَتَّى إِنَّ الْمَؤْمِنَ يَقُولُ : يَا كَافِرُ أَقْضِ حَقِّي , وَيَقُولَ الْكَافِرَ ياَ مُؤْمِنُ أقْضِ حَقِّي .
وَأَمَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبَهَا : فَإِنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ بَدَلَ جِهَةِ الْمَشْرِقِ , وَحِينَئِذٍ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً عَلَى إِيمَانِهِ وَمَنْ كَانَ كَافِرَاً عَلَى كُفْرِهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا , فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ , فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ , أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) رواه البخاري .
وَأَمَّا الْخُسُوفَاتِ فَهِيَ هُبُوطٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ فِي ثَلاثِ مَوَاضِعَ : بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَبِجَزِيرَةِ الْعَرِبِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا آخِرُ عَلامَاتِ السَّاعَةِ فَهِيَ نَارٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ عَدَنْ مِنْ جَنُوبِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ , وتَنْتَشِرُ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وَتَسُوقُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ (عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَنَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَأَنْ يَتَوَفَّانَا وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا , اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَدُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشَنُا ، وَآخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةَ لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .
المرفقات
أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى 18 جُمَادَ الآخِرَة 1435 هـ.doc
أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى 18 جُمَادَ الآخِرَة 1435 هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بك
تعديل التعليق