أشدُ الناس عداوة..1445/3/28ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عباد الله : ربُّ العالمين هو وليُّ المتقين، ونصيرُ المؤمنين، كما قال عن نفسِه:"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا"، ومِن حُسن ولايتِه سبحانه لِعبادِه المؤمنين، أنّه بعِلمِه الغَيب، واطّلاعِه على قلوبِ الخلق، بيّن لأوليائِه أعداءَهم، وجّلاهُم في أوصافِهم، ليتّخذوهم أعداءً، فيحذروا مَكرَهم، ويأمنوا شرّهُم، ويجتنبوا سبيلَهُم، فإنّه سبحانه أعلمُ بأعداءِ المؤمنين منهم، وهو كافيهِم في ولايتِه ونُصرتِه، كما قال جلّ وعلا: "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا".
فبيّن لهم مثلًا عداوةَ الشّيطانِ الذي لم يزَل يسعى في إيرادِهِمُ المهالِك، فقال سبحانه: "إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"، وبيّن عداوةَ الكفّارِ للمؤمنينَ عمومًا، وأنّها عداوةٌ بيّنةٌ ظاهرة، فقال:"إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا".
عباد اللهِ : ومن أشدِّ مَن نبّهَ الله على عداوتِه للمؤمنين اليهودَ المغضوبَ عليهم، فقال جلّ شأنه: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" ، فاليهودُ -عليهم لعائن الله- هم أشدُّ الكفارِ عداوةً للمؤمنين، وأعظمُهم كراهيةً لهم.
وعداوتُهم للمؤمنين فرعٌ عن عداوتِهم للهِ وملائكتِه ورسلِه، فهم الذين سبّوا الله، وعادَوا ملائكتَه، وكذّبوا أنبياءَه وسعَوا في قتلِهِم، وفيهم نزل قولُه تعالى:"مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ".
ومِن حُسنِ ولايةِ اللهِ لِعبادِه المؤمنين، أن فصّلَ لهم عداوةَ هؤلاءِ الأرْجَاس، ونبّهَهُم على بواطنِ نفوسِهم، حتّى قامتِ الحُجّة، وبانتِ المحجّة. فبيّن سبحانه كُرهَهُم أن يَحصُلَ أدنى خيرٍ للمؤمنين، فقال:" مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ".
وبيّن سبحانه أنّهم لن يرضَوا عن المؤمنين حتى يصيروا كفرةً مثلَهم ويتّبعوا ملّتَهم، فقال:" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ".
وبيّن جلّ وعلا أنّهم حريصون على إضلالِ أهلِ الإسلامِ وإيقاعِهم في الكفرِ بعد الإيمان، فقال: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ".
وكَشَف لنا سبحانه عمّا تَطْوِيه قلوبُهم مِن الحسدِ للمؤمنين، فقال: "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ".
وهذا كما حسدُوا النبيَّ ﷺ وأصحابَه على أن جعلَ اللهُ الرسالةَ فيهم فكفَروا بها، كما قال سبحانه:" بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أي حسدًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ".
عبادَ اللهِ : ومن شِدّةِ حسدِهم وفسادِ طَوِيّتِهم تفضيلُهم الوثنيين عبدةَ الأصنامِ على المؤمنين الموحّدين مع عِلمِهم بأنهم على الحقّ، كما قال تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا".
ونبّهنا سبحانَه على أنّهم لا يُقصّرون في جلبِ ما فيه ضررٌ على المؤمنين ومشقّةٌ عليهم، فقال عنهم: "لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا" أي فسادًا وإضرارًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ أي: يَودُّون ما يَشُقّ عليكم.
وحذّرنا سبحانه غدرَهم وخيانتَهم، فليسوا أهلَ عُهودٍ ولا مواثيق، فقال: "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" وقال جلّ وعلا: "الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ" وهكذا سَيَظَلُّون، كما قال سبحانه:" لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ".
وبيّن لنا سبحانه كراهيتَهم انتشَارَ دينِ الإسلام، ورغبتَهم في إخمادِ جَذْوَتِه، بِطَمْسِ ذِكرِ القرآنِ ومحمدٍ ﷺ، فقال:" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".
وفَضَحَ لنا سبحانه نفاقَهم، وأبدى لنا رياءَهم وتَظاهُرَهم بالمودّةِ كما يتظاهرون اليومَ بالتسامحِ والسلام، فقال: "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ".
وأخبرنا سبحانه عن استهزائِهم بشريعةِ الإسلام، وطعنِهم فيها، فقال:" وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ".
عباد اللهِ : من هذا فعله وذاك قوله وشواهدُ التاريخ تفضحه ! فلنتعظ ونحذر ! يقول ربّنا جلّ وعلا:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".
اللهمّ عليك بأعداءِ الدّين من اليهودِ الغاصبين والنصارى الظالمين اللهمّ انصر عبادك الموحدين ياربّ العالمين.