أشد المهلكات
عبدالرزاق بن محمد العنزي
1443/11/24 - 2022/06/23 06:51AM
الخطبة الأولى:
أيها الناس: تكلمنا في الجمعة الماضية عن قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات، فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط ، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات، فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهنَّ).
وقفتنا اليوم ستكون مع واحدة من المهلكات وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " وهي أشدهن " إنها إعجاب المرء بنفسه
. وقد سُئل ابن المبارك - عن العُجْب، فقال: (أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرِك، لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العُجْب).
وقيل لعائشة رضي الله عنها : متى يكون الرجل مُسيئاً؟ قالت: إذا ظنَّ أنه مُحسِن.
وقال مُطرِّف - رحمه الله: (لأَنْ أبيتَ نائماً وأُصبحَ نادماً؛ أحبُّ إليَّ من أن أبيتَ قائماً وأُصبحَ مُعجباً).
قالوا عن العجب: هو السرور أو الفرح بالنفس، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، فيُسر الإنسان ويفرح بنفسه، وتعجبه أفعالها، وتغره أقوالها، وهذا العجب يُقارب الغرور والكبر، وفرّق بعض أهل العلم بينهم: فقالوا: إن فرح وسُرّ بعمل نفسه فهو المعجب، فإن احتقر الناس واحتقر أعمالهم فهو المغرور، فإن ترفّع عليهم واعتدى عليهم بعد ذلك بحجة أنه وأنه فهذا هو المتكبر.
وقد سَمى الشوكاني - رحمه الله -: الحسد والكِبْر والرياء ومحبة الثناء - سمَّاها: الطواغيت الباطنة، والأصنام المستورة.
قال الله تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ فهو - تبارك وتعالى - طيِّب في ذاته وصفاته وأفعاله وأقواله، ولا يليق به إلاَّ الطيب من الأقوال والأفعال الصادرة من الخَلْق، الذي ليس فيه رياء، ولا سُمعة، ولا إعجاب .
قال صلى الله عليه وسلم: « لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ؛ لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ: الْعُجْبَ الْعُجْبَ »
أيها الإخوة الكرام.. مثل هذه النصائح والحِكَم تُوَجَّه للمعجبين بجمالهم، أو بذكائهم وفطنتهم، أو بأحسابهم وأنسابهم، أو المعجبين بأموالهم وثرواتهم ومناصبهم، أو المعجبين بأولادهم وعشائرهم وأقربائهم، أو المعجبين بعلمهم أو عباداتهم، فمثل هذا الموضوع فيه تربية للجميع ، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ ، وقال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ .
بارك الله لي ولكم ،،،
الخطبة الثانية :
عباد الله.. إنَّ العُجْبَ محرمٌ؛ بل هو من كبائر الذنوب، وعدَّه جماعةٌ من العلماء: من الشرك المُحبِط للعمل.
وهذا المرض أسبابه واحدة، ومظاهره متقاربة، وينبغي للمسلم أن يعالج نفسه من هذا المرض قبل أن يستشري وينتشر فيوقع صاحبه في آثار خطيرة منها :
أن العجب من أسباب سلب النعم ووقوع العقوبة:قال الله عز وجل : ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ قال العلامة القاسمي رحمه الله:﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾؛ أي: بما يوجب سلب النعمة، وهو الكفر والعجب ".
ومن آثاره الخطيرة: أن العجب طريق إلى الهلاك:
قال الله عز وجل عن قارون : ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ ﴾ . قال المناوي رحمه الله :" فثمرة العجب الهلاك".
قال ابن القيم رحمه الله: "فلا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس".
قال المبرد رحمه الله: "النعمة التي لا يُحسد عليها صاحبها التواضع، والبلاء الذي لا يُرحم صاحبه عليه العجب".
فنسأل الله عز وجل أن يصرفَه عنا وعنكم، وأن يرزُقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ثم صلوا وسلموا،،،