أُســــــتاذيةُ غـُـــــــلامٍ 1444/2/20هـ

يوسف العوض
1444/02/16 - 2022/09/12 14:34PM

الخطبة الأولى

أيُّهَا المُؤمِنونَ: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقُصُّ لأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم قَصصَ المؤمنينَ مِن الأُمَمِ السَّابقةِ، وصَبْرَهم على الأذى وشِدَّةِ العذابِ مِن المشْركين والكفَّارِ، وتَحقُّقَ نَصرِ اللهِ لهم، وكلُّ ذلك لِيتأسَّى المسْلِمون بهم ويَصبِروا حتَّى يَرسَخَ الإيمانُ في قُلوبِهم ، وتبدأُ القِصَّةُ كما قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فــــــــــــــمــــــــــــــن هـــــــــــــــــــــــــــــــــم أصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحابُ الأُخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدودِ؟؟؟

أيُّهَا المُؤمِنونَ: جَاءَ فِي صَحيحِ مُسلمٍ حديثٌ عَنْ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: "كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ" ، فيُخبِرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كان مَلِكٌ مِن مُلوكِ الأُمَمِ السَّابقةِ، «وكان له سَاحِرٌ» يقومُ بأعمالِ العِرافةِ والكِهانةِ والتَّمويهِ على النَّاسِ والتَّخييلِ لهم، على ما كان مَشهورًا في تلكَ الأزمانِ، «فلمَّا كَبِر» ذلك السَّاحرُ في السِّنِّ وتَقدَّمَ به العُمرُ، أخبَرَ الملِكَ أنَّه قدْ كَبِر سِنُّه، ويَخْشى أنْ يَنقطِعَ عِلمُه عنهم بالمرضِ والموتِ، وطلَبَ منه أنْ يُرسِلَ له غُلامًا، وهو الصَّبِيُّ مِن الفِطَامِ إلى البُلوغ، والمرادُ وَلدٌ يُدرِكُ ويَفهَمُ حتَّى يُعلِّمَه السِّحرَ، فبَعَث إليه الملِكُ غُلامًا يُعلِّمُه، وكان في طَريقِ الغُلامِ وهو ذاهبٌ إلى السَّاحِرِ «رَاهِبٌ» وهو المتعبِّدُ مِن النَّصارَى المتخلِّي مِن أشغالِ الدُّنيا التارِكُ لِمَلاذِّها، فلمَّا عَلِم الغلامُ به قَعَد إليه يَسمَعُ مِن كَلامِه ووَعَظَه وما عِنده مِن عِلمٍ عن اللهِ عزَّ وجلَّ، فكان الغُلامُ إذا أراد أنْ يَصِلَ إلى السَّاحِر مرَّ بالراهِب؛ لكونِه في طريقِه، وقَعَد إليه ليَأخُذَ مِن عِلمِه، فإذا أتَى السَّاحِرَ ووَصَل إليه، ضرَبه لِتأخُّرِه عليه، فشَكَا الغلامُ ذلك إلى الرَّاهِبِ، فأمَرَه الرَّاهبُ أنَّه إذا تَأخَّرَ على السَّاحرِ، فلْيَتعذِرْ له أنَّ التَّأخيرَ في حُضورِه بسَببِ أهلِه، وكذلك العكسُ، فلوْ سَألَه أهلُه عن سَببِ تَأخيرِه، فلْيَتعذِرْ لهم بأنَّ السَّاحرَ سَببُ تَأخيرِه، ولعلَّ الرَّاهبَ أمَرَه بذلك -مع أنَّه كذِبٌ- لأنَّه رأى أنَّ المصلحةَ في هذا تَرْبو على مَفسَدةِ الكذبِ ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ ذلك تَوريةً لا كذِبًا؛ والتَّوريةُ في قولِه: «حَبَسَني أهْلي» أبيَنُ وأوضَحُ؛ لأنَّ الأهلَ حَقيقةً إنَّما هُم المرشِدون له إلى السَّعادةِ، فالمقصودُ بلَفظِ الأهلِ الراهبُ، وكذلك قولُه لأهلِه: «حبَسَني السَّاحرُ» يُمكِنُ تَأويلُه على التَّوريةِ بأنَّه لا يَصِلُ إلى أهلِه إلَّا بعْدَ المُكثِ عندَ السَّاحرِ والرَّاهبِ جميعًا، فيَصدُقُ قولُه: «حَبَسَني السَّاحرُ»؛ لأنَّه كان أحدَ الحابسينِ.

أيُّهَا المُؤمِنونَ: «فبَيْنَما هو على ذلك» مُتردِّدًا بيْن أهلِه والسَّاحرِ والرَّاهبِ مدَّةً مِن الزَّمنِ، إذْ خَرَجَت على النَّاسِ «دابَّةٌ عَظيمةٌ» قيل: كانت أسدًا، وقيل: حيَّةٌ (ثُعبانٌ)، فخافوا منها، فمَنَعتْهم مِن الوصولِ لِحوائجِهم، فقال الغلامُ في نفْسِه عِندما رَأى الدَّابَّةَ: اليومَ أَعلَمُ السَّاحِرُ أفضَلُ أمِ الرَّاهِبُ أفضَلُ؟ فيَنكشِفُ لي أيُّهم أنفَعُ اتِّباعًا واقتداءً به، فأمسَكَ الغلامُ بحَجرٍ، ثمَّ دعا اللهَ فقال: «اللَّهُمَّ إنَّ كان أمرُ الرَّاهبِ أحَبَّ إليك مِن أمرِ السَّاحِرِ» يُريدُ أيُّهما الَّذي على حقٍّ؟ «فاقتُلْ هذه الدَّابَّةَ» أي: عَقِبَ وُصولِ الحَجَرِ إليها؛ ليكونَ ذلك آيةً على أَحبِّيَّةِ الرَّاهبِ عندَك، «فرَماها» الغلامُ بالحجرِ «فقَتَلها» بتِلك الرَّمْيَةِ، ومَرَّ النَّاسُ في طَريقِهم، فجاء الغُلامُ إلى الرَّاهبِ، فأخبَرَه بما فعَله بالدَّابَّةِ وبما قاله ودَعا به، «فقال له الرَّاهبُ: أَيْ بُنَيَّ» وهو نِداءُ شَفقةٍ وتَلطُّفٍ به، «أنتَ اليومَ أفضلُ مِنِّي» أي: أعظَمُ دَرَجةً ومَنزِلةً عندَ اللهِ تعالَى «قد بَلَغ مِن أمرِك ما أَرَى» مِن كمالِ اليَقِينِ وصِدْقِ الاعتِقادِ، وما مَنَّ اللهُ به عليه مِن كَراماتٍ ومُعجِزاتٍ، «وإنَّك سَتُبتَلَى» أي: سيَفعَلُ اللهُ بكَ ما جرى مِن سُنَّتِه في أنبيائهِ، وأوليائهِ مِن ابتلائهِم بسُفهاءِ قَومِهم، «فإنِ ابتُلِيتَ فلا تَدُلَّ علَيَّ» خَشيةَ أنْ يَصِلوا إليه، فيَفتِنوه في دِينِه.

أيُّهَا المُؤمِنونَ : وانتَشَرَ أمرُ الغلامِ في النَّاسِ، وصار يُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ، أي: جَعَله اللهُ سَببًا في شِفاءِ النَّاسِ، فكان يَدْعو لهم، فيَستجيبُ اللهُ دُعاءَه، والأَكْمَهُ: هو الَّذي وُلِد أَعْمَى، والأَبْرَصُ هو الَّذي ابْيَضَّ جِلْدُ جَسَدِهِ، وأصبَحَ يُداوِي النَّاسَ مِن جميعِ الأمراضِ والأسقامِ، حتَّى سَمِع به «جَلِيسٌ لِلْمَلِك» أحدُ خَواصِّه والمُقرَّبين إليه، وكان قدْ فقَدَ بصَرَه، فأتاه هذا الرَّجلُ بهدايَا كثيرةٍ، وأخبَره بأنَّها كلَّها له إن شَفَاه، فردَّ الغلامُ بأنَّه لا يَشفِي أحدًا، إنَّما الَّذي يَشفِي هو اللهُ عزَّ وجلَّ، «فإنْ آمَنْتَ» وصَدَقْتَ «باللهِ» وبوَحدانيَّتِه تعالَى وأقرَرْتَ برُبوبيَّتِه؛ «دعَوْتُ اللهَ» تعالَى لكَ بالشِّفاءِ، فيكونُ ذلك سَببًا في شِفائِكَ، «فآمَنَ» جَلِيسُ المَلِكِ بالله، فدَعا له الغُلامُ، فشَفاهُ اللهُ مِن العَمى ببرَكةِ الإيمانِ باللهِ تعالَى، فجاء الجَلِيسُ إلى الملِكِ، فجَلَسَ معه على عادتِه إلَّا أنَّه في تلكَ المرَّةِ كان يُبصِرُ، فسَأله المَلِكُ: «مَن ردَّ عليك بَصَرَك؟» أي: عالَجَكَ، قال: «ربِّي» أي: ردَّه ربِّي الَّذي خَلَقَني وربَّاني، «فقال المَلِكُ: وَلَكَ ربٌّ غيري؟!» وهذا ادِّعاءٌ للأُلوهيَّةِ، فردَّ الجليسُ: «ربِّي وربُّك اللهُ» المعبودُ الحقُّ، فأخَذَ الملِكُ جَليسَه، فلم يَزَلْ يُعذِّبُه حتَّى دلَّ وأخبَرَ عن الغلامِ، فأمَر الملِكُ بالغلامِ، فجِيءَ به إليه، فقال له المَلِكُ: «أيْ بُنَيَّ» وهو نِداءُ إشفاقٍ ولُطفٍ، وقيل: تَحقيرٌ وإهانةٌ له، «قدْ بَلَغ مِن سِحْرِكَ» أي: مِن عِلمِك بالسِّحرِ ما استَطعْتَ به أنْ تَشفِيَ المرضى، وخاصَّةً الأمراضَ الَّتي دَواءَ لها، فأجابَه الغلامُ أنَّه لا يَشفِي أحدًا، إنَّما الَّذي يَشْفِي هو اللهُ عزَّ وجلَّ، فأخَذَ المَلِكُ الصَّبيَّ، «فلم يَزَلْ يعذِّبُه» لِيَدُلَّ على مَن علَّمه ما هو فيه «حتَّى دلَّ على الرَّاهِبِ»، فأرسَلَ الملِكُ إلى الرَّاهبِ حتَّى جِيءَ به إلى الملِكِ، «فقِيل له: ارْجِعْ عن دِينِكَ» الَّذي هو التَّوحيدُ، فامتَنَع أشدَّ الامتِناع عن الرُّجوعِ عن دِينِه، «فدَعَا» الملِكُ «بالمِئْشارِ» وهو أداةٌ لِنَشْرِ الخَشَبِ وقَطْعِه، فوَضَعه في «مَفْرِقِ رأسِه» أي: وسَطَ الرَّأسِ، «فشَقَّه به» نِصفينِ طُولًا حتَّى وَقَع جانباه على الأرضِ، «ثُمَّ جِيءَ بجليسِ المَلِك» فحدَثَ معه مِثلُ ما حَدَث مع الرَّاهبِ.

أيُّهَا المُؤمِنونَ: «ثُمَّ جِيءَ بالغُلامِ» ولعلَّ تأخيرَه حتَّى يَرَى ما فُعِل بصاحِبَيْه فيرجِعَ عمَّا هو عليه، «فقيل له: ارجِعْ عن دِينِكَ» الَّذي هو دِينُ التَّوحيدِ، فرَفَض، فدَفَعه الملِكُ إلى نَفَرٍ مِن أَتباعِه وأعوانِه، والنَّفَرُ: الجَماعةُ مِن الرِّجالِ، خاصَّةً ما بيْن الثَّلاثةِ إلى العَشَرةِ، وأمَرَهم أنْ يَصعَدوا به إلى جَبلٍ -حدَّدَه لهم- حتَّى إذا بَلَغوا قِمَّتَه وأعْلى ما فيه، ألْقَوه منه ليَموتَ على الفورِ، «فإنْ رَجَع عن دِينِه» قبْلَ أنْ تُلقُوه فاترُكوه، «وإلَّا فاطْرَحوه»، أي: فأَلْقُوه من أعلى الجبلِ، «فذَهَبوا به فصَعِدوا به الجبلَ» وطَلَبوا منه الرُّجوعَ عن دِينِه، فتَضرَّعَ إلى اللهِ تعالَى، وقال في دُعائِه: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ» أي: كُنْ دافعًا عنِّي شَرَّهم بالَّذِي شِئتَ من أنواع الكفايةِ مِن مَكرِكَ لهم وحِفظِكَ لي؛ إمَّا بإهلاكِهم أو بغيرِه، «فرَجَف»، أي: تحرَّك واضْطَرَب «بِهم الجبلُ» حَرَكةً شَديدةً «فسَقَطوا» بسببِ اضطرابِه وهَلَكوا، «وجاء» الغلامُ وعاد «يَمْشي إلى المَلِكِ» لِيُرِيَه آيةَ الله تعالَى بنَصْرِ أهلِ دِينِه ، فقال له المَلِكُ: «ما فَعَل أصحابُك؟» والمرادُ بهم جُنودُه الَّذين ذَهَبوا به لِيُلْقُوه، فقال الغلامُ: «كَفانِيهم اللهُ» تعالَى، وحاق بهم سُوءُ فِعلِهم، «فدَفَعه» الملِكُ مرَّةً أُخرى «إلى نَفَرٍ» آخَرِينَ مِن أتباعِه وأعوانِه، فقال: «اذْهَبوا به فاحمِلوه في قُرْقُورٍ» والقُرْقورُ: السَّفِينةُ العَظِيمةُ، «فتوسَّطُوا به البحرَ»، والمرادُ بُلوغُهم أقْصى أعماقِه وبُعدُه على اليابسةِ، حتَّى إذا رَمَوه فيه غَرِقَ ولم يَستطِعِ النَّجاةَ، «فإنْ رَجَع عن دِينِهِ» قبْلَ أنْ تُلقُوه فاتْرُكوه وارْجِعوا به وإنْ لم يَرْجِعْ عنه، فارْمُوه بقُوَّةٍ في البحرِ، «فذَهَبوا به» حتَّى بَلَغوا وَسَطَ البحرِ، فقال الغلامُ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شئتَ، فانقَلَبَت بهم السَّفينةُ، فغَرِقوا، وفي رِوايةِ التِّرمذيِّ: «فانْطُلِقَ به إلى البحرِ، فغَرَّقَ اللهُ الَّذين كانوا معه وأنْجاهُ»، وجاء الغلامُ يَمْشي إلى المَلِكِ، وسَأله الملِكُ عن جُنودِه، فأخبَرَه أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ كَفاهُ شَرَّهم وفي هذا نَصْرٌ لمَن توكَّل على الله سُبحانه وانْتَصَر به وخرَج عن حَوْلِ نفْسِه وقُوَاها..

الخطبة الثانية

أيُّهَا المُؤمِنونَ : أخبَرَ الغلامُ المَلِكَ أنَّه لنْ يَستطيعَ قتْلَه، إلَّا إنْ فَعَلَ ما يَأمُرُه به الغلامُ، فسَألَه المَلِكُ عن هذا الشَّيءِ، فقال الغلامُ للملِكِ: «تَجمَعُ الناسَ في صَعِيدٍ واحدٍ»، أي: في أرضٍ ومَقامٍ واحدٍ، والمرادُ جمعُ النَّاسِ كلِّهم في أرضٍ واحدةٍ، «وتَصلُبُني» مِن الصَّلْبِ، وهو تعليقُ الإنسانِ للقَتْلِ «على جِذْعٍ» عُودٍ مِن أعوادِ الشَّجرِ، مِثلُ النَّخْلِ ونحوِه، «ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنانَتِي» وهي بَيتُ السِّهامِ وكِيسُه، «ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ» أي: وَسَطِ «القَوْسِ» وفي مِقبَضِها «ثُمَّ قُلْ» عندَ الرَّميِ: «بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ ارْمِني» أي: أطلِقِ السَّهمَ نَحْوي، «فإنَّك إذا فعلتَ ذلك قَتَلْتَنِي»، ففَعل المَلِكُ ما قاله الغُلام ثُمَّ قال: «بِاسْمِ الله ربِّ الغُلامِ» أطلَقَ السَّهمَ عليه، «فوَقَع السهمُ في صُدْغِه» وهو ما بينَ العَيْنِ إلى شَحْمَةِ الأُذُنِ، «فوَضَع» الغلامُ «يدَه في صُدْغِه» لِتَأَلُّمِه مِنَ السَّهمِ «فمات»، فقال الناسُ لَمَّا رَأَوُا الآيةَ العُظمَى الشاهِدَةَ بالوحدانيَّة لله سُبحانَه وتَعالَى: «آمَنَّا برَبِّ الغلامِ آمَنَّا برَبِّ الغُلامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلامِ» ثَلاثًا؛ تَأكيدًا على صِدقِ إيمانِهم.

أيُّهَا المُؤمِنونَ : فجاء إلى الملِكِ أحدُ أتباعهِ وقال له: «أرأيتَ ما كُنتَ تَحْذَرُ؟» وهو خَشيةُ أنْ يُؤمِنَ النَّاسُ بدِينِ الرَّاهبِ والغلامِ وجَليسِ الملِكِ، وهو التَّوحيدُ للهِ تعالَى، «قد واللهِ نَزَلَ بك حَذَرُكَ» وفي رِوايةِ التِّرمذيِّ: «أجَزِعْتَ أنْ خالَفَكَ ثلاثةٌ؟! فهذا العالَمُ كلُّهم قدْ خالَفوكَ» وهو إيمانُ النَّاسِ كلِّهم، فأَمَرَ الملك «بالأُخْدُودِ» وهو الحفرةُ العظيمةُ، «في أَفْوَاهِ السِّكَكِ»، وهي مَداخلُ الطُّرُقِ وأوائلُها، وإنَّما شَقَّ الأُخدودَ على مَداخلِ الطُّرقِ؛ لئلَّا يَتمكَّنَ النَّاسُ مِن الهروبِ، «وأَضْرَم» أي: أشعَلَ وأوقَدَ في الأُخدودِ النِّيرانَ، وأمر الملك جنوده: «مَن لم يَرْجِعْ عن دِينِه» مِن الإيمانِ الَّذي صار إليه «فأَحْمُوه فيها»، أي: أَلْقُوه كُرْهًا فيها، أو قِيلَ لِمَنْ لم يَرجِعْ عن دِينِه: «اقْتَحِمْ» أي: النَّارَ فادْخُلْ فيها بإرادتِكَ، «ففَعَلوا» ما أُمِروا به من الأُخدُودِ وما بعدَه، واستَمَرُّوا كذلك «حتَّى جاءتِ امرأةٌ ومَعَها صَبِيٌّ لها» وهو الطِّفلُ الصَّغيرُ في عُمرِ الرَّضاعِ، كما صَرَّح به عندَ النَّسائيِّ في السُّننِ الكُبرى، فتَوقَّفتْ ولَزِمَتْ موضِعَها وكَرِهَتْ أن تَقَعَ به في النَّارِ، فنَطَق رَضيعُها وقال لها: «يا أُمَّاهُ، اصْبِرِي» على هذا العذابِ؛ فإنَّه يَؤُولُ إلى جَزِيل الثَّوابِ؛ «فإنَّكِ على» الدِّينِ «الحَقِّ»، أي: الإيمانِ والتَّوحيدِ.

قال اللهُ تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ).

المرفقات

1662982403_الأخدود.pdf

المشاهدات 502 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا