أسس نجاح الدعوات "4": الإيجابية ، أ.شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

الفريق العلمي
1440/02/28 - 2018/11/06 10:34AM

حديث عجيب يدعو إلى التأمل والنظر العميق في مدلولاته وقيمه التي يرسخها في قلب المؤمن، الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة وحسنه الألباني وجاء فيه عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله تعالى -عز وجل-؛ فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله، ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسنة، وفراش حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته فيذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب سهروا ثم هجعوا، فقام من السحر في سراء وشراء".

 

القيمة العظمى المستقاة من هذا الحديث العجيب هي قيمة "الإيجابية "؛ فالثلاثة جمعهم التحرك ومخالفة الهوى والعمل في مرضاة الله في وقت يميل فيه الناس إلى الهدوء والدعة وإيثار السلامة والبحث عن الراحة والحياة الهنيئة. والإيجابية هي أحد أهم أسس نجاح الدعوات والرسالات؛ فلا يتصور رسول ولا نبي ولا داعية لا يتصف بالإيجابية في دعوته وحركته بين الناس.

 

وحاضرنا يشهد واقعاً أليماً بحال كثير من الدعاة الذين أصابتهم قوة الباطل وانتفاشه وتسلطه على رقاب المؤمنين بحالة متنامية من العجز والميل إلى الدعة والسكون والسلبية وعدم الاكتراث لما يدور حولهم من أحداث، ولا يتفاعلون معها، ومن هنا جاء الحديث عن قيمة "الإيجابية" ليسلط الضوء على أهميتها الكبرى في نجاح الدعوات.

 

أولاً: تعريف الإيجابية ومعالم الشخصية الإيجابية

الإيجابية هي مصدر صناعي للجذر (وجب) بمعنى: الثبات واللزوم. وأوجب الشيء: أي جعله لازما وثابتا ومن معانيه: التحرك بعد الفزع، تقول العرب: وجب القلب وجيبا أي: تحَّر ك من فزع.

 

ويمكن الجمع بينها بأن الوجوب هنا بمعنى: لزوم الراحة والسكون بعد حركة نتجت عن فزع، وكأن للإيجابية أركان ثلاثة: فزع في النفس ثم حركة قوية ثم لزوم وثبات. وبهذا يمكن تفسير الوجوب الذي ورد في قوله تعالى: (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها...)[الحج 37]؛ يعني بأنها ثبتت ولزمت الأرض وسكنت بعد اضطراب بدنها بعد ذبحها. ثم تطَّور المعنى اللغوي من الثبوت إلى الإثبات فإيجاب الشيء: أي إثباته، وكأن الواجب هو كل ما سقط علينا ولزمنا، ثم تطّور المعنى فصار الإيجابي هو ما كان ضد السلبي من الأمور الثابتة المحققة، وبهذا أضحى الشخص الإيجابي هو ذاك الشخص "الذي لا يكتفي بما عليه من واجب يؤديه، إنما يسعى دائما إلى الجديد من العمل، مستخدما خدمة العمل والجمهور، وإنه ذاك الشخص الذي يربط وجوده بمجتمعه ولا تعزله عنه أنانية أو ذاتية خاصة تحجب إمكانيته أو تبعده عن أداء".

 

فالإيجابية إذاً عمل عكس السلبية؛ فهي تمنع الكسل والخمول والجمود، وتبعث في الإنسان الحيوية والنشاط، وتكسبه الهمة في إنجاز أعمال الخير لنفسه ولمن حوله، إنها تعني العطاء والبذل الذي لا ينتهي، وهي رقي لمقام النفس البشرية وسمو بها، وهي تَجاوز لكل النزعات والهواجس النفسية السيئة، والإيجابية دافع مهم للفرد من أجل بذل الجهد اللازم للإنجاز، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تَبرز أهميتها في أن يكون الفرد مبادرًا بالأعمال، ويكون فيها في قمة التفاؤل بعيدًا عن اليأس والإحباط والقنوط.

 

والمسلم إنسان إيجابي يكره السلبية والأمعية، ويسعى لإصلاح الكون بكل ما يملك؛ لأنه يدرك أن الإيجابية هي الروح التي تدب في الأفراد فتجعل لهم قيمة في الحياة، وتدب في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، وهي الهادي الذي لا يضل الطريق، والأمل الذي لا يتبدد، والمطية التي لا تكبو، وهي صمام أمان للجميع، وهي جماع عدة أمور من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبر ووفاء وصدقِ عهد مع الله.

 

ومن هنا كان المقصود بالشخصية الإيجابية: هي تلك الشخصية التي تعمل بدرجة عالية من الفعالية الفكرية والشعورية والنفسية، فتترتب عليها وضعية حسنة من الطمأنينة والارتياح، إلى جانب وضعية جيدة من الالتزام والإنتاجية الممتازة؛ بالإضافة إلى نجاح جيد في العلاقات الاجتماعية.

 

ثانياً: أهمية الإيجابية الدعوية والمجتمعية

معظم الناس يعيشون اليوم في كهوف ذواتهم بعيدًا عن التفاعل مع هموم الآخرين، وقلما تجِد اليوم من يمد يد العون من تلقاء نفسه للآخرين حتى، ولو كانت أمام عينيه ليل نهار، ولا تكاد تجِد من يسرع لنجدة ملهوف طواعية، فضلاً عن أن يرشده لطريق الصواب، مع أن ديننا يرسخ في قلوب المؤمنين ضرورة أن ينفتح المرء على مجتمعه ويعايش قضاياه.

 

وما من دعوة ولا رسالة ولا مجتمع إلا وهو محتاج إلى العناصر الإيجابية أصحاب الهمم العالية والعزائم المتقدة والطموح الوثاب من أجل تغيير الواقع وتعديله لأفضل حال، وتكمن أهمية الإيجابية من عدة زوايا:

1 - مواجهة الانحراف: سواءً كان انحرافاً دينياً أو مجتمعياً، فالنسبة للدين، فإن مشكلة أي دين تكمن في الابتداع فيه؛ لذلك حذَّر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- منه، بل هدد وأوعد من يقدم على هذا الفعل فقال: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا".

 

والبدعة لا تقوم ولا تظهر إلا عند غفلة أهل الحق وقعودهم عن القيام بالمسئولية المنوطة بهم، المعلَّقة في أعناقهم؛ فإذا وجدت عند ابتدائها من يردها فإنها ترجع مدحورةً إلى جحرها، ولا تزال تطل برأسها بين الحين والآخر، وتنظر من طرف خفي حتى تجد الغفلة والسهو من أهل الحق فتعود من جديد.

 

أما بالنسبة للمجتمع؛ فإن أمنه الأخلاقي والقيمي هو ركيزة الاستقرار الأولى، وإذا ظهرت المنكرات والعادات السيئة في المجتمع، ثم لم تجد من أهل الخير الإيجابيين من يردعها ويتصدى لها بالنكير منذ ظهورها، فإنها مع الوقت تستفحل حتى تصبح هي الأصل المقبول، والأساس المتوارث عبر الأجيال (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)[الزخرف: 22].

 

2 - تصحيح المفاهيم: المجتمع الإنساني تتفاوت فيه مستويات الفهم؛ فهناك من يسير على الجادة وهناك من ينحرف به الطريق، والمجتمع الإسلامي ليس بدعًا في هذا الأمر، ولكن ما العاصم إذا ما حدث انحراف في الفهم ؟. هنا لم يتركنا الإسلام للأهواء تتقاذفنا حيث تشاء، ولكنه وضح لنا المنهج؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وسنتي"، وفي رواية، "وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي"؛ فنرى هنا أن الفهم الصحيح يعتمد على شقين: شق نظري، وشق تطبيقي. أما النظري فهو كتاب الله، وأما العملي فهم القائمون على تطبيق ما جاء في كتاب الله، وعلى رأس هؤلاء النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولو أن الأمر ترك هكذا؛ كلٌّ يفعل ما يراه صوابًا دون مرجعية من العلماء العاملين الذين يقفون بالمرصاد لكل من أخطأ الطريق، لوجدنا أن الإسلام يتشعب بعدد الآراء والأهواء.

 

3 - النجاة من الهلاك وسوء المصير: وهذا مشاهد وكثير في كتاب الله -عز وجل- والنماذج الإيجابية الكثيرة التي ذُكرت فيه، والمسلم الفطن هو الذي يعرف كيف يقي نفسه من السوء، بل ويقي غيره منه، وأعظم السوء أن يحلَّ بقوم غضب الله وعقابه وانتقامه لذنوبٍ اقترفوها ولم يرجعوا عنها.

 

ولا يحل العذاب بقوم إلا إذا فشا فيهم المنكر، غير عابئين بنصح ناصح أو إرشاد مرشد، والطامة الكبرى أن يقع الجميع في المنكر ولا يوجد مَن يردهم عنه. ولا شكَّ أن الذي يتحرك لتغيير المنكر هو الذي ينجيه الله -عز وجل- من سوء العذاب، ويتضح هذا من القصص القرآني في قصة أصحاب السبت ومؤمن آل فرعون وغير ذلك كثير.

 

4 - سلامة التأسيس: المجتمع البشري كالأفراد تمامًا بتمام؛ يصيبه ما يصيبهم، والعلاقة بين المجتمعات والأفراد علاقة طردية؛ فكلما حسنت حالة الأفراد حسنت حالة المجتمعات، والعكس بالعكس؛ لأن المجتمع ما هو إلا أفراد البشر الذين تجمعهم علاقات وروابط وأهداف واحدة، ويعيشون في صعيد واحد؛ فإذا كانت الأهداف والغايات ساميةً، والوسائل مشروعةً، والتصورات واحدةً، والتعاون بين الأفراد قائمًا، فهذا مجتمع قوي يقوم على أسس سليمة متينة.

أما إذا انحطت الغايات، واستخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وحدث اختلاف في التصورات، فالنتيجة الحتمية أنه لا تعاون بين أفراد هذا المجتمع؛ مما يكون مؤشرًا على ضعفه. فالإيجابية هي التي تضع لبنات البداية القوية والخالية من عوامل الضعف والتفكك، وإذا شعر الفرد بمسئوليته تجاه مجتمعه أهمَّه ما قد يجده من سلبيات فيه؛ فيعمل على تغييرها أو إزالتها بالتعاون مع مَن ينتهجون نفس المنهج وتجمعهم نفس التصورات.

 

5 - نشر روح التفاؤل والأمل: فمن ذاق طعم الفشل عرف لذة النجاح، والنجاح كوميض البرق؛ ما يلبث أن يظهر حتى يختفي؛ فالمحافظة على النجاح تحتاج إلى صبر ومثابرة وعزم أكيد، وكما قيل: الوصول إلى القمة سهل، ولكن الحفاظ عليها هو الصعب.

 

والمرء إذا أخطأ طريق النجاح مرةً لا بد أنه سيصيبها في مرة أخرى قادمة؛ فالمهم ألا نيأس وألا يدب القنوط في نفوسنا؛ فاليأس والقنوط عقبة كؤود في طرق نجاح الدعوات، ولو أن كل صاحب دعوة ربانية أو غاية نبيلة أو هدف سامي قابلته مشكلة يترك ما يريد أو ما أُريد له من شدة الإحباط لما بُلِّغت الرسالات ولا عُرفَت الشرائع، ولنا الأسوة والقدوة في أصحاب الدعوات الربانيين من الأنبياء والرسل الذين واجهوا مجتمعاتهم المنحرفة عن النهج السليم وحدهم؛ فمنهم من فتح الله له القلوب بعد انغلاقها، ومنهم من لم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا، ولكنه لم ييأس ولم يفتر حتى جاءه الفرج من الله -عز وجل-.

لذلك لا يمكن أن تجد داعية إيجابياً متشائماً أو يائساً أو مستسلم للعجز يأكل قلبه وينهش روحه.

 

ثالثاً: من صور الإيجابية

لب فكرة الإيجابية هو "النفع المتعدي"؛ فالإيجابي شخص نافع لغيره، شائعاً للخير حيث حلّ، باحثاً عن إصلاح الخلل أينما وقع عليه، يمد يد العون للآخرين وفق الظروف المتاحة وفي الوقت المناسب، وإذا تحقَّقت مساعدة الآخرين فقد تحققت الإيجابية بمعناها الحقيقي، ولقد اتضحت صورتها بإجابة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- لسائله؛ فلقد سُئل رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-: من خير الناس؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنفعهم للناس".

 

وهو عين ما فهمته أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها وأرضاها-؛ فقد كانت رؤيتها لإيجابية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - وهو زوجها - في قمة الوعي والإدراك والنظرة العملية الواقعية وهي تقوّم مسيرته -صلى الله عليه وسلم- التي عاشتها معه؛ فحين نزل الوحي على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال لخديجة -رضي الله عنه-ا: "لقد خشيت على نفسي"، فقالت خديجة: "كلا والله ما يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق".

 

ومن أهم صور الإيجابية الهامة والمؤثرة: حل الأزمات والتصدي لمعالجة آثار النوازل؛ فالإيجابية تعني الإمكانية المتميزة في إيجاد الحلول عند الأزمات، وليس انتظار الحلول من الآخرين، ومِن هذا الفهم توجب أن يفهم من يضطلع بدور إيجابي في العلاقات معنى الازمات وتأثيراتها، وكيفية إدارتها؛ لأن هذا الأمر اليوم أصبح علمًا وفنًّا ينبغي أن نتعلَّمه ونمتلك أدواته، وخاصة الدعاة المخلصين المتصديين لشئون الناس وهمومهم.

 

وسيد الدعاة وقدوتهم كان الأسوة الحسنة في كل خير، وبخاصة في الانتصاب كالطود الشامخ يوم ظهور الأزمات، قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في وصف إيجابيته -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت أشجع، ولا أنجَد ولا أجوَد، ولا أرضى من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "، وقال علي -رضي الله عنه-: "إنَّا كنَّا إذا اشتدَّ البأس واحمرَّت الحدق، اتَّقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتُني يوم بدر ونحن نَلوذ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أقرَبُنا إلى العدو، وكان مِن أشدِّ الناس يومئذٍ بأسًا"، وقال أنس -رضي الله عنه-: "كان عليه الصلاة والسلام أشجَع الناس، وأحسنَ الناس، وأجوَد الناس، لقد فَزِع أهل المَدينة ليلةً، فانطلَق ناسٌ قِبَلَ الصوت، فتلقَّاهم - عليه الصلاة والسلام - راجعًا قد سبَقهم إلى الصَّوت، واستبرأ الخبَر على فرس لأبي طلحة عُرْي والسيف في عُنقِه وهو يقول: "لن تُراعُوا".

 

وتخيل لو افتقد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- للإيجابية الواعية يوم الردة، وافتقدها عثمان يوم الفتنة وأحداث الدار، وافتقدها علي بن أبي طالب يوم النهروان، وافتقدها أحمد بن حنبل يوم القول بخلق القرآن، وافتقدها نور الدين وصلاح الدين في الحملات الصليبية، وقطز يوم عين جالوت، وغيرهم من أفذاذ المسلمين وأعيانهم وقت الأزمات، تخيل حال أمة الإسلام اليوم، وكيف سيكون عندها وضعها وحالها ؟!

 

كلهم كانوا على وعي وبصيرة بطبيعة الأزمة؛ فلم يتملكهم الخوف، ولم يفروا من مواجهتها، ولم يستسلموا لضغوط الواقع، ووطأة المعايير المادية، ولم ينجرفوا مع غضبهم، ولم يتأخروا ويتلكؤوا في اتخاذ القرار ومواجهة توابع وتداعيات النازلة وهكذا.

 

وفضاء الأمة الإسلامية اليوم مليء بالأزمات والنوازل العامة والعنيفة، والمسلمون اليوم أضيع من الأيتام على موائد اللئام، وإذا تهرب الدعاة من مسئوليات مواجهة هذه الأزمات الطاحنة، فمن يتصدى لها ؟! وهل سيحنو أعداؤنا علينا ؟! وهل من قام بحربنا وحصارنا وإفقارنا وتجهيلنا وإمراضنا، سوف يسالمنا أو يداوينا أو يعلمنا ؟!

فالإيجابية في هذا الزمان الصعب من أهم وأولى أولويات الدعاة.

 

والداعية الإيجابي يمارس الدعوة في مختلف البيئات، وهدفه الرئيس: الإعذار إلى الله -تعالى-؛ فإن استجاب المدعوون؛ فذلك حسن، وإن لم يستجيبوا لم يصب بالإحباط.

 

والداعية الإيجابي حكيم فطن ليس بأحمق ولا متهور، بل يجعل اللطف نبراساً له في مخاطبة المدعوين، وسجية لا تضمحل مهما كانت الظروف، نعم هو مندفع لحث الناس على الخير، يقدم لهم الحلول والبدائل الصالحة.

 

والداعية الإيجابية ليس بالشخص الكسول الذي يفرح بطلب الناس فعل اليسير الخفيف، بل همته العالية وتطلعه إلى الأجر الأخروي يحتمان عليه أن لا يرضى إلا بالمعالي.

 

الداعية الإيجابي هدفه الرئيس رضا الله، فلا يجعل من الدنيا محطته الأولى والأخيرة التي يبني عليها علاقته مع الناس والحياة والكون، الدنيا أحقر من أن يُخاصِمَ لأجالِها، لذا فإنه محبٌّ للخير للناس لكل الناس، حتى الذين يؤذونه منهم.

 

ونختم حديثنا بحديث عظيم في معنى الإيجابية وقت الأزمة، كما بدأناه بحديث عظيم في معنى الإيجابية وقت اتباع الهوى وإيثار السلامة؛ فعن أبي عمرو، جرير بن عبد اللَّه -رضي الله عنه- قال: "كنا في صدر النهار عند رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رَسُول اللَّه لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى آخر الآية (إن اللَّه كان عليكم رقيباً)[النساء 1].

والآية التي في آخر الحشر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[الحشر: 18]؛ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: "ولو بشق تمرة"؛ فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول اللَّه يتهلل كأنه مذهبة؛ فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فلـه أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(رواه مسلم).

 

 

المشاهدات 607 | التعليقات 0