أسرار السعادة الزوجية حسام مقلد
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1431/12/15 - 2010/11/21 14:10PM
أسرار السعادة الزوجية
حسام مقلد
الزواج نعمة:
إن السعادة الزوجية كلمة مبهجة مفرحة يرقص القلب لها طرباً، وينشرح الصدر لها طلباً، وهي نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على عباده، قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21]؛ فالزواج إذن نعمة عظيمة من الله تعالى أنعم بها على بني آدم، بل هو من آيات الله تعالى ومعجزاته العظيمة الدالة على قدرته وحكمته عز وجل.
وحتى تتحقق السعادة الزوجية بين الرجل والمرأة فقد شرع الله تعالى لهما نظام الأسرة الإسلامي (وما يتفرع عنه من أنظمة اجتماعية) وهو نظام رباني وضعه الله تعالى للإنسان (الذكر والأنثى)، وفيه تراعى كل خصائص الفطرة الإنسانية وحاجاتها ومقوماتها، نعم فنظام الأسرة في الإسلام ينبثق من مَعِين الفطرة وأصل الخِلْقَة، وقاعدة التكوين الأساسية في الكائنات الحية جميعها، بل وفي المخلوقات كافة، وهي قاعدة (الزوجية) قال تعالى: "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات:49].
الزواج فطرة:
إن الإسلام دين عظيم سمح يتقبل الإنسان كما هو بميوله وضروراته ودوافعه ونوازعه الفطرية، فهو لا يحاول أن يحطم فطرته الجنسية باسم التسامي والتطهر، ولا يحاول أن يستقذر ضروراته الجسدية التي لابد له أن يشبعها، بل يُهَذِّب هذه الفطرة ويوجهها لتكون من أجل الحياة وامتدادها ونمائها! ويسعى الإسلام ليقرر إنسانية الإنسان ويرفعها ويسمو بها، ويصله بالله حتى وهو يلبي دوافع الجسد، إن الإسلام يسعى كي يخلط دوافع الجسد بمشاعر إنسانية راقية أولاً، ثم بمشاعر دينية سامية ثانياً؛ فيربط بين مطالب الجسد وبين سمو الروح الإنسانية.
الزواج والحب الحقيقي بين الزوجين يجعلهما نفسا واحدة:
إن الله تعالى الذي خلق هذا الإنسان جعل " الزوجية " جزءًا أصيلا من فطرته شأنه في ذلك شأن كل شيء خلقه الله في هذا الوجود : "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات:49] ثم شاء الله تعالى أن يجعل "الزوجين" في الإنسان شطرين لنفس واحدة - سبحان الله - قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء:1].
الزواج سكن وراحة:
أراد الله تعالى أن يكون التقاء شطري النفس الإنسانية المكوِّنين للزوج والزوجة التقاء سكنٍ للنفس، وهدوءٍ للأعصاب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد.. ومن هنا كان الزواج ستراً وإحصاناً وصيانة.. ثم سبيلا للتناسل وامتداد الحياة، مع ترقيها المستمر، في رعاية الأسرة ذلك المحضن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون...، قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [ الروم:21] وقال سبحانه: "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187]، وقال عز اسمه: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [البقرة:223] وقال جل وعلا: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا" [النحل:80].
مؤسسة الأسرة:
وتكمن أهمية التقاء شطري النفس الواحدة تحت مظلة مؤسسة الأسرة في ضخامة تبعات هذه المؤسسة، فعليها:
أولاً: توفير السكن والطمأنينة والستر والإحصان للنفس البشرية بشطريها (الرجل والمرأة).
وثانياً: إمداد المجتمع الإنساني بكل عوامل الامتداد والترقي المستمر(عن طريق التناسل، وتوفير البيئة الخصبة للعمل والإنتاج ولإبداع والابتكار والإنجاز).
إن الأسرة هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية، الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق بعد ذلك، والأولى من ناحية الأهمية؛ لأنها تزاول تربية وإعداد العنصر الإنساني، وتقوم بتنشئته، والإنسان هو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي ورؤية الإسلام للكون والحياة، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء:70].
الزواج والقوامة:
وحتى تنجح مؤسسة الأسرة فلابد لها من إدارة وقيادة، شأنها في ذلك شأن كل المؤسسات، ومن هنا كانت (القِوَامَة)، قال تعالى : "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..." [النساء:34].
وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأناً كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية ... وغيرها ... لا يوكل أمرها - عادة - إلا لأكفأ الأشخاص وأكثرهم مناسبة لها، ممن تخصصوا في هذا الفرع علمياً، ودربوا عليه عملياً، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة ... إذا كان هذا هو الشأن في هذه المؤسسات وهي أقل شأناً من مؤسسة الأسرة ... فالأولى قطعا أن تُتَّبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي يُوكَل إليها أخطرُ مهمة في الحياة وهي مهمة تنشئة الأجيال وبناء الإنسان الذي هو أثمن وأكرم عناصر ومكونات الحياة.
إن المنهج الرباني يراعي هذه الحقيقة، ويراعي الفطرة والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس البشرية (الرجل والمرأة) لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي العدالة في توزيع أعباء ومسؤوليات الحياة على شطري هذه النفس الواحدة، ويحرص كل الحرص على تحقيق العدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، والتي تساعده على النهوض بها فطرته واستعداداته الشخصية المتميزة المتفردة.
النساء شقائق الرجال:
من المسلم به ابتداء أن الرجل والمرأة كليهما من خلق الله، وأن الله - سبحانه وتعالى - لا يريد أن يظلم أحداً من خلقه، والأصل في ذلك أن كل ما للرجال من حقوق وما عليهم من واجبات فللنساء مثله من الحقوق وعليهن مثله من الواجبات، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساء شقائق الرجال " (رواه الترمذي وأبو داود).
والله تعالى يهيِّئُ المخلوقَ ويعده لوظيفة خاصة يريدها له، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة! وقد جعل الله تعالى القوامة في مؤسسة الزواج للرجل ووهبه من القدرات والإمكانيات ما يساعده على القيام بهذه المهمة، وقد حدد الإسلام صفة قوامة الرجل هذه وما يلزمها ويصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وأبنائه.
القوامة للرجل:
جعل الله تعالى القوامة بيد الرجل فهو المسؤول عن مؤسسة الأسرة، نعم الرجل هو المسؤول عن هذه المملكة الصغيرة، وإن أراد لها السعادة، وأراد لها الاستقرار والراحة النفسية فلا بد من تحقيق هذه القوامة بأركانها وشروطها وآدابها الشرعية، ومعنى القوامة في أبسط عبارة أن يحفظ الرجل زوجته ويكفيها ويحميها،وينهض بأعبائه نحوها ونحو أبنائه، والقوامة ليست تحكما ولا تسلطا، ولا سيطرة أو تملكا، ولو عرف الرجل كيف يتعامل مع زوجته لعلم أن مفتاح السعادة الزوجية بيده في الغالب، فهو إن أحسن إليها وأكرمها، وأحسن عشرتها ستكون طوع أمره ورهن إشارته إن كانت زوجة مؤمنة صالحة تعرف عِظَمَ حقِّ زوجها عليها، لكن المؤسف أن الرجل ـ في غالب الأحيان ـ يسيء إلى زوجته، ولا يحسن عشرتها، ولا يفهم معنى القوامة على وجهها الصحيح، ولا يؤدي واجباتها، ثم يطالب بحقوقه، أو يكون عاجزا عن الاضطلاع بمهام هذه القوامة فيتركها في يد زوجته التي ـ إن كانت لا تتقي الله ـ تسيء استعمالها، فبدلا من احتواء زوجها وجبر الخلل الذي لديه تسيء معاملته وتحتقره ... ومن هنا يحدث الشقاق والنزاع، ويدخل الزوجان في دوامة الفشل الأسري نعوذ بالله من ذلك...!!.
المرأة الصالحة:
الزواج يقوم على الرجل والمرأة، وليست المسؤولية تقع على عاتق الرجل وحده في مؤسسة الأسرة، بل المرأة في الحقيقة يقع عليها العبء الأكبر في إنجاح هذه المؤسسة، ومن هنا اهتم الإسلام بتوجيه المرأة لواجباتها، ولفت أنظارها إلى مسؤوليتها الجسيمة في حياة أسرتها، فبعد بيان واجب الرجل وحقه والتزاماته وتكاليفه في القوامة، يجيء بيان دور المرأة المؤمنة الصالحة وسلوكها وتصرفها الإيماني في محيط الأسرة، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ..." [النساء:34].
فمن طبيعة المرأة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها، أن تكون قانتة مطيعة، والقنوت : هو الطاعة عن إرادة وتوجُّه ورغبة ومحبة، لا عن قسر وإرغام وإجبار وإكراه، ومن ثم قال الله تعالى : "قانتات" ولم يقل طائعات؛ لأن مدلول اللفظ الأول نفسي، وظلاله رَحَبْةٌ رَخِيَّةٌ نَدِيَّةٌ ... وهذا هو الذي يليق بالسكن والمودة، والستر والصيانة بين شطري النفس الواحدة في المحضن الذي يرعى الناشئة، ويطبعهم بِجَوِّه وأنفاسه وظلاله وإيقاعاته!
ومن طبيعة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها كذلك، أن تكون حافظة لحرمة رباط الزوجية ذلك الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته وفي حضوره طبعا، فلا تبيح من نفسها مجرد نظرة أو نبرة مالا يباح إلا له هو وحده بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة . وما لا يباح، لا تقرره هي، ولا يقرره هو : إنما يقرره الله سبحانه، ولذلك قال سبحانه: "بما حفظ الله".
التفكر في نعمة الزواج:
إن الناس كلهم يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغلُ أعصابَهم ومشاعرَهم وأفكارَهم ونفوسَهم وعقولَهم تلك الصلةُ بين الجنسين؛ وتدفع خُطَاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعرُ المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة، ولكنهم -مع الأسف- قلما يتذكرون قدرة الله تعالى ويتفكرون في نعمه سبحانه عليهم، وحكمته التي اقتضت أن يخلق لهم من أنفسهم أزواجاً، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكناً للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويراً موحياً، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب والشعور، وأغوار الحس والوجدان: " لتسكنوا إليها"... "وجعل بينكم مودة ورحمة"... " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"... حقاً إن من يتفكر في نعمة الزواج يدرك حكمة الخالق جل وعلا في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجد الزوجان في اجتماعهما معا السكن والاكتفاء، والمودة والرحمة، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغبات كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية؛ ليخلق الله تعالى من ذلك كله حياة جديدة تتمثل في جيل جديد من الأبناء والبنات...
البيت جنة:
إن الإسلام جعل لمنزل الزوجية أهمية كبيرة حينما اعتمد نظام الأسرة، ورتب العلاقة الزوجية على أسس راسخة ودعائم قوية من الحقوق والواجبات، وحدد مسؤولية كل من الزوجين، فالبيت في نظر الإسلام هو الملاذ الآمن الذي يجد فيه الزوجان والأولاد السكن والراحة، وهو مملكة الأسرة، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر، وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومنه تمتد وشائج الرحمة وأواصر التكافل والتراحم والتعاون.
ومن ثم يصور الإسلام العلاقة البيتية تصويراً رفافاً شفيفاً شائقا رائقا، يشع منه التعاطف والتراحم، وترف فيه الظلال، ويشيع فيه الندى، ويفوح منه العبير الندي، والعطر الذكي، والشذا النقي: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187] فهي صلة النفس بالنفس، وهي صلة السكن والقرار، وهي صلة المودة والرحمة، وهي صلة الستر والتجمل.
والمتأمل في أسلوب القرآن الكريم وكلماته عن العلاقة الزوجية يحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً ورقة وعطفا، ويجد رفقا ولينا ومودة ورحمة، ويستروح من خلالها نداوة وظلاً، وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام بين الزوجين اللذين يربطهما هذا الرباط الإنساني الرفيق الوثيق، وفي نفس الوقت يلحظ الهدف والحكمة والغاية من ذلك الرباط المقدس رباط الزوجية، ففضلاً عن تحقيق السكن والرحمة والمودة بين الزوجين، ففي الزواج امتداد الحياة بالنسل.
والمتأمل كذلك في أسلوب القرآن الكريم وكلماته عن العلاقة الزوجية يرى أنه يمنح أهداف الزواج كلها طابع الطهارة والعفة، والنظافة والبراءة، ويؤكد على نقائها وعفافها وطهارتها وجديتها، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها.
ويحيط الإسلام الأسرة هذه الخلية، أو هذا المحضن، أو هذا الملاذ الآمن، أو هذه الجنة الدنيوية يحيطها بكل مظاهر رعايته وبكل ضماناته، ولا يكتفي بالإشعاعات الروحية والنفسية فقط، بل يتبعها بالتنظيمات القانونية والضمانات التشريعية التي تحقق للأسرة بفضل الله تعالى استقرارها وسعادتها.
كلمات سريعة في طريق السعادة الزوجية:
تقوم السعادة الزوجية الحقيقية والكاملة على عدة أسس: دينية ونفسية وفكرية واجتماعية وصحية، ولا تقوم فقط على العلاقة الزوجية أو اللذة الجنسية بالتحديد رغم أهميتها القصوى في الزواج، ولكن الحياة الزوجية لا تقضى كلها في غرف النوم، بل ما يقضى من وقت في ممارسة العلاقة الجنسية وإشباع هذا الجانب لدى الزوجين وقت يسير جداً جداً، وجوانب العلاقة الزوجية أعمق وأكثر تشعباً واتساعاً من ذلك بكثير، ومن أسباب السعادة الزوجية ما يلي:
أولاً: يجب أن يتعلم الزوجان فن الإشباع العاطفي لدى كل منهما، فيغمر كل واحد زوجه بطوفان من المشاعر الجياشة، والعواطف الحميمة، والأحاسيس الصادقة، ولا يغفل هذا الجانب، ولا يقصر فيه باعتباره معلوماً، أو من الأمور المؤكدة المعروفة التي يحسن السكوت عنها، فعلى عكس ما يقال في البلاغة العربية: "السكوت عن المعلوم بلاغة" فالسكوت هنا ليس بلاغة بل تقصير كبير في حقوق الزوجية، لأن المشاعر الجياشة، والعواطف النبيلة، والأحاسيس الصادقة هي زاد النفس البشرية الذي يعينها على صعوبة الطريق.
ثانياً: على الزوجين أن يتعلما فنون الحوار الهادئ البنَّاء القائم على المشاركة والتفاعل والإيجابية من الطرفين، لا أن يتحدث أحدهما طوال الوقت والآخر مجبر على الإنصات والتسليم له بكل ما يقول... كلا!! فهذا ليس حوارا وإنما هو إملاءات يمليها طرف على الطرف الآخر وهذا يكون في الحروب والمعارك، وليس في البيوت والمنازل، كما لا يجب أن يكون الحوار الزوجي أشبه بحوار الطرشان حيث يتكلم الزوجان معا في نفس الوقت، ويتصايحان، ويرفع كل منهما صوته دون أن يستمع أحدهما للآخر أو يصغي إليه فضلا عن أن يستجيب له، أو يعطيه الفرصة في التعبير عن نفسه ومكنون ضميره ... وهذا حق من أبسط حقوق الزوجين نحو بعضهما، فإذا كان الزوجان يحرمان نفسهما من هذا الحق، فَهُمَا ولا شك أضيع لغيره من الحقوق الزوجية الأخرى...!!
ثالثاً: على الزوجين التعود على الصراحة التامة وعدم إخفاء أي أسرار بينهما، وعلى كل منهما أن يحرص على اكتساب ثقة الآخر والمبادرة بالتقرب منه والتودد إليه، فليس في الحياة الزوجية كبرياء، ولا كلفة، ولا إحساس بتضخم الأنا وتهميش الآخر... والشفافية والوضوح والصراحة أقرب الطرق لاكتساب القلوب.
رابعاً: الاحترام المتبادل وحسن العشرة والرفق والرحمة واللين والمرونة، وعدم صلابة العقل وتيبيس الرأس، والثقة من أهم أسس السعادة لزوجية ؛ لأن إساءة العشرة والأنانية والغرور والكبرياء والتسلط والديكتاتورية، والشكوك والغيرة.. كل هذه السلبيات من أكثر عوامل هدم هذه السعادة.
خامساً: يجب على الزوجين تعلم فن التسامح والإغضاء عن الأخطاء، وتعلم التغافر والتصافح فالزوجة ليست ملاكا معصوما، وكذلك الزوج، وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " (رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي) فكل من الزوجين إنسان محدود الطاقة، ويشعر بالتعب والملل والإرهاق، ويكون بحاجة للراحة أحيانا، ويجب أن يرفق الزوجان ببعضهما، ويلتمس كل منهما الأعذار لزوجه، ولا يسرع لِلَوْمِهِ أو تأنيبه عند وقوع أي هفوة منه.
سادساً: يجب على الزوجين تعلم فن الشجار الزوجي الذي سيقع لا محالة، فما دمنا بشراً فلا بد من التشاحن والتشاجر أحيانا، ولكن يجب أن يكون الشجار داخل حجرة النوم بعيدا عن الأولاد وعن الأهل والجيران، ويجب أن يكون الشجار قصيراً، ولا يكون الكلام صُرَاخاً واتهامات متبادلة، وتقاذف التهم، وتبادل التراشق بالكلمات البذيئة، أو العبارات الجارحة، بل يكون الخلاف موضوعيا، والحوار هادئا ومثمرا، وفي شدة التأزم يستحسن عدم المواجهة والإصرار عليها، بل يُتْرَكُ كلُّ واحدٍ لنفسِه حتى تمرَّ العاصفة، وتهدأ الخواطر، وبعدها يكون العتاب الرقيق الرفيق ومسارعة المخطئ من الطرفين بالاعتذار وتقديم الأسف، ويجب تعلم طريقة تصفية الخلافات والقضاء على الأحقاد وتلاشي رواسب العداوة، وعدم اختزانها في الذاكرة، واجترارها باستمرار، وإخراجها للوجود كلما جدَّت مشكلةٌ أو حدث خلاف جديد، لأن هذه الطريقة في تراكم المشاكل يسبب أزمة وجدانية عميقة، ويولد مشاعر الكراهية والبغض في أعماق النفس، ويصعب مع مرور الوقت إزالة هذه التراكمات، أو منع أثرها المدمر للمشاعر والأحاسيس.
سابعاً: يجب على الزوجة مراعاة أحوال وظروف زوجها المادية ولا تكلفه ما لا يطيق من أعباء، ولا تضطره للاستدانة لكي يلبي طلباتها التي لا تنتهي، بل تكن عونا له على الحياة وتكاليفها المادية، وتساعده على الادخار، وتعوِّدُه إن كان مبذرا على الإنفاق قدر الحاجة.
ثامناً: يجب على الزوجين الاهتمام بالجانب الصحي لديهما، والاهتمام بأناقتهما ونظافتهما الشخصية، وأن يتجمل كل منهما للآخر، ويسعده ويشبعه ويرويه في هذا الجانب، فكثير من الأزواج والزوجات يعانون من مشاكل صحية أو إهمال في مظاهر الجمال والأناقة، ثم يتساءلون لماذا ينفر منهم الطرف الآخر، ومشكلة بسيطة كرائحة الفم الكريهة لدى الزوج أو الزوجة قد تُنَفِّرُ أحدَهُما من الآخر، وكذلك نظافة الأقدام وخلوها من التشققات و قبح منظرها، وطول الأظافر، ورائحة العرق ...، وغير ذلك من المنفِّرات يجب تلافيها والتغلب عليها، ويجب التحاور بين الزوجين بشأنها، ولو عن طريق الكتابة في ورقة أو بأي أسلوب غير مباشر لا يخدش الحياء، ويؤثر سلبيا في نفسية من لديه المشكلة، فعلاج مثل هذه المشاكل أفضل من تركها تستفحل وتهدد العلاقة الزوجية بالانفصام، وعلى كلا الزوجين -وليس الزوجة وحدها- الاهتمام بالجمال الشكلي إضافة إلى جمال المضمون، وعليهما الاهتمام بالطعام والشراب والبيت الصحي المنظم النظيف.
تاسعاً: على الزوجين أن يتجنبا فنون النكد والغم، فالنكد بين الزوجين وفي واحة الأسرة ممنوع، وعلى الزوجين أن يتعلما كيفية حل كل مشاكلهما بهدوء وتأني عن طريق الحوار، وأن يتفننا في ابتكار أسباب السعادة والبهجة التي تفرح قلبيهما، وتدخل السرور عليهما.
عاشراً: يجب على الزوجين تعلم فنون الترفيه والتسلية البريئة الحلال، والترويح عن النفس كلما تيسر ذلك، ولو بجلسة رومانسية شاعرية كل أسبوع بعيدا عن هموم الحياة ومتاعبها ومتاعب الأولاد ومطالبهم التي لا تنتهي.
حادي عشر: يجب على الزوجين عدم إفشاء أسرار علاقتهما الزوجية لأي إنسان مهما كان، وعدم الإفراط في الاختلاط بالغرباء، ويجب على الزوج عدم ذكر مساوئ الزوجة للأهل أو للأصدقاء، وكذلك يجب على الزوجة عدم ذكر مساوئ الزوج للأهل أو للصديقات، ويجب على الزوجين عدم الاستماع لكلام الجاهلين والجاهلات، ونصائح المدعين والمدعيات الذين يزعمون امتلاكهم الخبرة بالنفوس البشرية، والعلم بدقائق الحياة الزوجية، فكثيرا ما يتسبب هؤلاء الجهلاء في هدم البيوت، وتشتيت الأسر الآمنة المطمئنة.
ثاني عشر: يجب على الزوجين الحذر من عداوة الآخرين سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، فبعض الناس لا تخلو قلوبهم من الحقد والحسد والغيرة، وكم من بيوت هدمها سوء الظن، وتناقل الكذب، وسماح الزوجين للآخرين بالتدخل في شؤون حياتهم الزوجية.
ثالث عشر: يجب على الزوجين ضرورة مراعاة ظروف بعضهما البعض، والواقعية في التفكير، والواقعية في النظر للحياة الزوجية والحياة عموما؛ فالزواج علاقة ليست مثالية مائة في المائة، وليست رومانسية مائة في المائة، أو عقلانية مائة في المائة، لكنها مزيج من كل ذلك، من: الواقعية والمثالية والعاطفية والعقلانية والمادة والروحانية والمتعة النفسية والجنسية، وهي عرضة للمشاكل والتقلبات، كسفينة في بحر هائج متلاطم تحتاج لربان عاقل يدير دفتها...!!
رابع عشر: يجب على كلٍّ من الزوجين التحلي بالحساسية والحرص الشديد في تعامل كل طرف مع أهل الطرف الآخر وخصوصا الوالدين ولا سيما عندما يكبران في السن، وينبغي للزوجة أن تتخذ من أهل زجها أهلا لها، وينبغي للزوج أن يتخذ من أهل زوجته أهلا له، وأما ما رسَّخته وسائل الإعلام والقصص القديمة (مثل:سندريلا ... وغيرها) في عقولنا ومشاعرنا تجاه زوجات الأب والحموات، وأنهن مصدر التعاسة ... إلخ، فكل هذه الأفكار تحمل من الخطأ الكثير والكثير، والمسلم والمسلمة لا يعرفان هذا التشاحن والتباغض غير المبرر، وصراع الدور الذي ينتاب بعض الزوجات والحموات يمكن تفكيكه بيسر وسهولة إن تحلى الزوجان كلاهما بالحكمة والتعقل وحسن التصرف والتعاطي مع الأمور بنضج ووعي وعقلانية.
الزواج سعادة دائمة للعقلاء:
وأخيراً أود أن أقول: إن علاقة الحب بين الزوجين يحكمها القلب والمشاعر والوجدان والعقل والمنطق؛ فالحب عاطفة حسية روحية يحلق بها الزوجان المحبان فوق السحاب مع الأحلام الوردية الجميلة المشرقة، ولكن قد تنطفئ شعلة هذا الحب وجذوته المتقدة في قلبي الزوجين بسبب الشجار الدائم، أو الغم المستمر، أو الخلافات المستمرة، أو النكد والنقار بين الزوجين، والتعامل بينهما بصورة غير سوية كأن يتعاملان بندية، أو يستعلي أحدهما على الآخر، أو يتسلط عليه.
ونصيحتي لكل الأزواج والزوجات أن يتقوا الله تعالى في كل شؤون حياتهم، ولنجعل حياتنا تسير وفق منهج الله في كل صغيرة وكبيرة، ولنتعلم الصبر، وطول البال ورحابة الصدر، وتحمل النقد، ولنحرص على دوام العشرة بيننا بالمعروف، وليكن كل لقاء زوجي بين الرجل وزوجته كأول لقاء في أول ليلة، ليكن لقاءً مفعماً بالأشواق واللهفة بما أحله الله تعالى، وليغمر كل منهما الآخر بمشاعر الاحترام والتوقير، وليشعره باهتمامه به وخوفه عليه وحرصه على مصلحته، وأؤكد على أهمية الحوار الهادئ كآلية فعالة جدا في حسم الخلافات وعلاج النزاعات بين أي زوجين...
ونقطة أخيرة هي نصيحتي لكل زوجين بالمداومة على الأذكار والأدعية البسيطة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحفظهما الله تعالى ويحفظ أسرتهما من كل مكروه وسوء... والله ولي التوفيق وهو وحده القادر عليه.
حسام مقلد
الزواج نعمة:
إن السعادة الزوجية كلمة مبهجة مفرحة يرقص القلب لها طرباً، وينشرح الصدر لها طلباً، وهي نعمة من أعظم نعم الله عز وجل على عباده، قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21]؛ فالزواج إذن نعمة عظيمة من الله تعالى أنعم بها على بني آدم، بل هو من آيات الله تعالى ومعجزاته العظيمة الدالة على قدرته وحكمته عز وجل.
وحتى تتحقق السعادة الزوجية بين الرجل والمرأة فقد شرع الله تعالى لهما نظام الأسرة الإسلامي (وما يتفرع عنه من أنظمة اجتماعية) وهو نظام رباني وضعه الله تعالى للإنسان (الذكر والأنثى)، وفيه تراعى كل خصائص الفطرة الإنسانية وحاجاتها ومقوماتها، نعم فنظام الأسرة في الإسلام ينبثق من مَعِين الفطرة وأصل الخِلْقَة، وقاعدة التكوين الأساسية في الكائنات الحية جميعها، بل وفي المخلوقات كافة، وهي قاعدة (الزوجية) قال تعالى: "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات:49].
الزواج فطرة:
إن الإسلام دين عظيم سمح يتقبل الإنسان كما هو بميوله وضروراته ودوافعه ونوازعه الفطرية، فهو لا يحاول أن يحطم فطرته الجنسية باسم التسامي والتطهر، ولا يحاول أن يستقذر ضروراته الجسدية التي لابد له أن يشبعها، بل يُهَذِّب هذه الفطرة ويوجهها لتكون من أجل الحياة وامتدادها ونمائها! ويسعى الإسلام ليقرر إنسانية الإنسان ويرفعها ويسمو بها، ويصله بالله حتى وهو يلبي دوافع الجسد، إن الإسلام يسعى كي يخلط دوافع الجسد بمشاعر إنسانية راقية أولاً، ثم بمشاعر دينية سامية ثانياً؛ فيربط بين مطالب الجسد وبين سمو الروح الإنسانية.
الزواج والحب الحقيقي بين الزوجين يجعلهما نفسا واحدة:
إن الله تعالى الذي خلق هذا الإنسان جعل " الزوجية " جزءًا أصيلا من فطرته شأنه في ذلك شأن كل شيء خلقه الله في هذا الوجود : "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات:49] ثم شاء الله تعالى أن يجعل "الزوجين" في الإنسان شطرين لنفس واحدة - سبحان الله - قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء:1].
الزواج سكن وراحة:
أراد الله تعالى أن يكون التقاء شطري النفس الإنسانية المكوِّنين للزوج والزوجة التقاء سكنٍ للنفس، وهدوءٍ للأعصاب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد.. ومن هنا كان الزواج ستراً وإحصاناً وصيانة.. ثم سبيلا للتناسل وامتداد الحياة، مع ترقيها المستمر، في رعاية الأسرة ذلك المحضن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون...، قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [ الروم:21] وقال سبحانه: "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187]، وقال عز اسمه: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [البقرة:223] وقال جل وعلا: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا" [النحل:80].
مؤسسة الأسرة:
وتكمن أهمية التقاء شطري النفس الواحدة تحت مظلة مؤسسة الأسرة في ضخامة تبعات هذه المؤسسة، فعليها:
أولاً: توفير السكن والطمأنينة والستر والإحصان للنفس البشرية بشطريها (الرجل والمرأة).
وثانياً: إمداد المجتمع الإنساني بكل عوامل الامتداد والترقي المستمر(عن طريق التناسل، وتوفير البيئة الخصبة للعمل والإنتاج ولإبداع والابتكار والإنجاز).
إن الأسرة هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية، الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق بعد ذلك، والأولى من ناحية الأهمية؛ لأنها تزاول تربية وإعداد العنصر الإنساني، وتقوم بتنشئته، والإنسان هو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي ورؤية الإسلام للكون والحياة، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء:70].
الزواج والقوامة:
وحتى تنجح مؤسسة الأسرة فلابد لها من إدارة وقيادة، شأنها في ذلك شأن كل المؤسسات، ومن هنا كانت (القِوَامَة)، قال تعالى : "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..." [النساء:34].
وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأناً كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية ... وغيرها ... لا يوكل أمرها - عادة - إلا لأكفأ الأشخاص وأكثرهم مناسبة لها، ممن تخصصوا في هذا الفرع علمياً، ودربوا عليه عملياً، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة ... إذا كان هذا هو الشأن في هذه المؤسسات وهي أقل شأناً من مؤسسة الأسرة ... فالأولى قطعا أن تُتَّبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي يُوكَل إليها أخطرُ مهمة في الحياة وهي مهمة تنشئة الأجيال وبناء الإنسان الذي هو أثمن وأكرم عناصر ومكونات الحياة.
إن المنهج الرباني يراعي هذه الحقيقة، ويراعي الفطرة والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس البشرية (الرجل والمرأة) لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي العدالة في توزيع أعباء ومسؤوليات الحياة على شطري هذه النفس الواحدة، ويحرص كل الحرص على تحقيق العدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، والتي تساعده على النهوض بها فطرته واستعداداته الشخصية المتميزة المتفردة.
النساء شقائق الرجال:
من المسلم به ابتداء أن الرجل والمرأة كليهما من خلق الله، وأن الله - سبحانه وتعالى - لا يريد أن يظلم أحداً من خلقه، والأصل في ذلك أن كل ما للرجال من حقوق وما عليهم من واجبات فللنساء مثله من الحقوق وعليهن مثله من الواجبات، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساء شقائق الرجال " (رواه الترمذي وأبو داود).
والله تعالى يهيِّئُ المخلوقَ ويعده لوظيفة خاصة يريدها له، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة! وقد جعل الله تعالى القوامة في مؤسسة الزواج للرجل ووهبه من القدرات والإمكانيات ما يساعده على القيام بهذه المهمة، وقد حدد الإسلام صفة قوامة الرجل هذه وما يلزمها ويصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وأبنائه.
القوامة للرجل:
جعل الله تعالى القوامة بيد الرجل فهو المسؤول عن مؤسسة الأسرة، نعم الرجل هو المسؤول عن هذه المملكة الصغيرة، وإن أراد لها السعادة، وأراد لها الاستقرار والراحة النفسية فلا بد من تحقيق هذه القوامة بأركانها وشروطها وآدابها الشرعية، ومعنى القوامة في أبسط عبارة أن يحفظ الرجل زوجته ويكفيها ويحميها،وينهض بأعبائه نحوها ونحو أبنائه، والقوامة ليست تحكما ولا تسلطا، ولا سيطرة أو تملكا، ولو عرف الرجل كيف يتعامل مع زوجته لعلم أن مفتاح السعادة الزوجية بيده في الغالب، فهو إن أحسن إليها وأكرمها، وأحسن عشرتها ستكون طوع أمره ورهن إشارته إن كانت زوجة مؤمنة صالحة تعرف عِظَمَ حقِّ زوجها عليها، لكن المؤسف أن الرجل ـ في غالب الأحيان ـ يسيء إلى زوجته، ولا يحسن عشرتها، ولا يفهم معنى القوامة على وجهها الصحيح، ولا يؤدي واجباتها، ثم يطالب بحقوقه، أو يكون عاجزا عن الاضطلاع بمهام هذه القوامة فيتركها في يد زوجته التي ـ إن كانت لا تتقي الله ـ تسيء استعمالها، فبدلا من احتواء زوجها وجبر الخلل الذي لديه تسيء معاملته وتحتقره ... ومن هنا يحدث الشقاق والنزاع، ويدخل الزوجان في دوامة الفشل الأسري نعوذ بالله من ذلك...!!.
المرأة الصالحة:
الزواج يقوم على الرجل والمرأة، وليست المسؤولية تقع على عاتق الرجل وحده في مؤسسة الأسرة، بل المرأة في الحقيقة يقع عليها العبء الأكبر في إنجاح هذه المؤسسة، ومن هنا اهتم الإسلام بتوجيه المرأة لواجباتها، ولفت أنظارها إلى مسؤوليتها الجسيمة في حياة أسرتها، فبعد بيان واجب الرجل وحقه والتزاماته وتكاليفه في القوامة، يجيء بيان دور المرأة المؤمنة الصالحة وسلوكها وتصرفها الإيماني في محيط الأسرة، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ..." [النساء:34].
فمن طبيعة المرأة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها، أن تكون قانتة مطيعة، والقنوت : هو الطاعة عن إرادة وتوجُّه ورغبة ومحبة، لا عن قسر وإرغام وإجبار وإكراه، ومن ثم قال الله تعالى : "قانتات" ولم يقل طائعات؛ لأن مدلول اللفظ الأول نفسي، وظلاله رَحَبْةٌ رَخِيَّةٌ نَدِيَّةٌ ... وهذا هو الذي يليق بالسكن والمودة، والستر والصيانة بين شطري النفس الواحدة في المحضن الذي يرعى الناشئة، ويطبعهم بِجَوِّه وأنفاسه وظلاله وإيقاعاته!
ومن طبيعة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها كذلك، أن تكون حافظة لحرمة رباط الزوجية ذلك الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته وفي حضوره طبعا، فلا تبيح من نفسها مجرد نظرة أو نبرة مالا يباح إلا له هو وحده بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة . وما لا يباح، لا تقرره هي، ولا يقرره هو : إنما يقرره الله سبحانه، ولذلك قال سبحانه: "بما حفظ الله".
التفكر في نعمة الزواج:
إن الناس كلهم يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغلُ أعصابَهم ومشاعرَهم وأفكارَهم ونفوسَهم وعقولَهم تلك الصلةُ بين الجنسين؛ وتدفع خُطَاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعرُ المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة، ولكنهم -مع الأسف- قلما يتذكرون قدرة الله تعالى ويتفكرون في نعمه سبحانه عليهم، وحكمته التي اقتضت أن يخلق لهم من أنفسهم أزواجاً، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكناً للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويراً موحياً، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب والشعور، وأغوار الحس والوجدان: " لتسكنوا إليها"... "وجعل بينكم مودة ورحمة"... " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"... حقاً إن من يتفكر في نعمة الزواج يدرك حكمة الخالق جل وعلا في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجد الزوجان في اجتماعهما معا السكن والاكتفاء، والمودة والرحمة، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغبات كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية؛ ليخلق الله تعالى من ذلك كله حياة جديدة تتمثل في جيل جديد من الأبناء والبنات...
البيت جنة:
إن الإسلام جعل لمنزل الزوجية أهمية كبيرة حينما اعتمد نظام الأسرة، ورتب العلاقة الزوجية على أسس راسخة ودعائم قوية من الحقوق والواجبات، وحدد مسؤولية كل من الزوجين، فالبيت في نظر الإسلام هو الملاذ الآمن الذي يجد فيه الزوجان والأولاد السكن والراحة، وهو مملكة الأسرة، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر، وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومنه تمتد وشائج الرحمة وأواصر التكافل والتراحم والتعاون.
ومن ثم يصور الإسلام العلاقة البيتية تصويراً رفافاً شفيفاً شائقا رائقا، يشع منه التعاطف والتراحم، وترف فيه الظلال، ويشيع فيه الندى، ويفوح منه العبير الندي، والعطر الذكي، والشذا النقي: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187] فهي صلة النفس بالنفس، وهي صلة السكن والقرار، وهي صلة المودة والرحمة، وهي صلة الستر والتجمل.
والمتأمل في أسلوب القرآن الكريم وكلماته عن العلاقة الزوجية يحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً ورقة وعطفا، ويجد رفقا ولينا ومودة ورحمة، ويستروح من خلالها نداوة وظلاً، وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام بين الزوجين اللذين يربطهما هذا الرباط الإنساني الرفيق الوثيق، وفي نفس الوقت يلحظ الهدف والحكمة والغاية من ذلك الرباط المقدس رباط الزوجية، ففضلاً عن تحقيق السكن والرحمة والمودة بين الزوجين، ففي الزواج امتداد الحياة بالنسل.
والمتأمل كذلك في أسلوب القرآن الكريم وكلماته عن العلاقة الزوجية يرى أنه يمنح أهداف الزواج كلها طابع الطهارة والعفة، والنظافة والبراءة، ويؤكد على نقائها وعفافها وطهارتها وجديتها، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها.
ويحيط الإسلام الأسرة هذه الخلية، أو هذا المحضن، أو هذا الملاذ الآمن، أو هذه الجنة الدنيوية يحيطها بكل مظاهر رعايته وبكل ضماناته، ولا يكتفي بالإشعاعات الروحية والنفسية فقط، بل يتبعها بالتنظيمات القانونية والضمانات التشريعية التي تحقق للأسرة بفضل الله تعالى استقرارها وسعادتها.
كلمات سريعة في طريق السعادة الزوجية:
تقوم السعادة الزوجية الحقيقية والكاملة على عدة أسس: دينية ونفسية وفكرية واجتماعية وصحية، ولا تقوم فقط على العلاقة الزوجية أو اللذة الجنسية بالتحديد رغم أهميتها القصوى في الزواج، ولكن الحياة الزوجية لا تقضى كلها في غرف النوم، بل ما يقضى من وقت في ممارسة العلاقة الجنسية وإشباع هذا الجانب لدى الزوجين وقت يسير جداً جداً، وجوانب العلاقة الزوجية أعمق وأكثر تشعباً واتساعاً من ذلك بكثير، ومن أسباب السعادة الزوجية ما يلي:
أولاً: يجب أن يتعلم الزوجان فن الإشباع العاطفي لدى كل منهما، فيغمر كل واحد زوجه بطوفان من المشاعر الجياشة، والعواطف الحميمة، والأحاسيس الصادقة، ولا يغفل هذا الجانب، ولا يقصر فيه باعتباره معلوماً، أو من الأمور المؤكدة المعروفة التي يحسن السكوت عنها، فعلى عكس ما يقال في البلاغة العربية: "السكوت عن المعلوم بلاغة" فالسكوت هنا ليس بلاغة بل تقصير كبير في حقوق الزوجية، لأن المشاعر الجياشة، والعواطف النبيلة، والأحاسيس الصادقة هي زاد النفس البشرية الذي يعينها على صعوبة الطريق.
ثانياً: على الزوجين أن يتعلما فنون الحوار الهادئ البنَّاء القائم على المشاركة والتفاعل والإيجابية من الطرفين، لا أن يتحدث أحدهما طوال الوقت والآخر مجبر على الإنصات والتسليم له بكل ما يقول... كلا!! فهذا ليس حوارا وإنما هو إملاءات يمليها طرف على الطرف الآخر وهذا يكون في الحروب والمعارك، وليس في البيوت والمنازل، كما لا يجب أن يكون الحوار الزوجي أشبه بحوار الطرشان حيث يتكلم الزوجان معا في نفس الوقت، ويتصايحان، ويرفع كل منهما صوته دون أن يستمع أحدهما للآخر أو يصغي إليه فضلا عن أن يستجيب له، أو يعطيه الفرصة في التعبير عن نفسه ومكنون ضميره ... وهذا حق من أبسط حقوق الزوجين نحو بعضهما، فإذا كان الزوجان يحرمان نفسهما من هذا الحق، فَهُمَا ولا شك أضيع لغيره من الحقوق الزوجية الأخرى...!!
ثالثاً: على الزوجين التعود على الصراحة التامة وعدم إخفاء أي أسرار بينهما، وعلى كل منهما أن يحرص على اكتساب ثقة الآخر والمبادرة بالتقرب منه والتودد إليه، فليس في الحياة الزوجية كبرياء، ولا كلفة، ولا إحساس بتضخم الأنا وتهميش الآخر... والشفافية والوضوح والصراحة أقرب الطرق لاكتساب القلوب.
رابعاً: الاحترام المتبادل وحسن العشرة والرفق والرحمة واللين والمرونة، وعدم صلابة العقل وتيبيس الرأس، والثقة من أهم أسس السعادة لزوجية ؛ لأن إساءة العشرة والأنانية والغرور والكبرياء والتسلط والديكتاتورية، والشكوك والغيرة.. كل هذه السلبيات من أكثر عوامل هدم هذه السعادة.
خامساً: يجب على الزوجين تعلم فن التسامح والإغضاء عن الأخطاء، وتعلم التغافر والتصافح فالزوجة ليست ملاكا معصوما، وكذلك الزوج، وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " (رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي) فكل من الزوجين إنسان محدود الطاقة، ويشعر بالتعب والملل والإرهاق، ويكون بحاجة للراحة أحيانا، ويجب أن يرفق الزوجان ببعضهما، ويلتمس كل منهما الأعذار لزوجه، ولا يسرع لِلَوْمِهِ أو تأنيبه عند وقوع أي هفوة منه.
سادساً: يجب على الزوجين تعلم فن الشجار الزوجي الذي سيقع لا محالة، فما دمنا بشراً فلا بد من التشاحن والتشاجر أحيانا، ولكن يجب أن يكون الشجار داخل حجرة النوم بعيدا عن الأولاد وعن الأهل والجيران، ويجب أن يكون الشجار قصيراً، ولا يكون الكلام صُرَاخاً واتهامات متبادلة، وتقاذف التهم، وتبادل التراشق بالكلمات البذيئة، أو العبارات الجارحة، بل يكون الخلاف موضوعيا، والحوار هادئا ومثمرا، وفي شدة التأزم يستحسن عدم المواجهة والإصرار عليها، بل يُتْرَكُ كلُّ واحدٍ لنفسِه حتى تمرَّ العاصفة، وتهدأ الخواطر، وبعدها يكون العتاب الرقيق الرفيق ومسارعة المخطئ من الطرفين بالاعتذار وتقديم الأسف، ويجب تعلم طريقة تصفية الخلافات والقضاء على الأحقاد وتلاشي رواسب العداوة، وعدم اختزانها في الذاكرة، واجترارها باستمرار، وإخراجها للوجود كلما جدَّت مشكلةٌ أو حدث خلاف جديد، لأن هذه الطريقة في تراكم المشاكل يسبب أزمة وجدانية عميقة، ويولد مشاعر الكراهية والبغض في أعماق النفس، ويصعب مع مرور الوقت إزالة هذه التراكمات، أو منع أثرها المدمر للمشاعر والأحاسيس.
سابعاً: يجب على الزوجة مراعاة أحوال وظروف زوجها المادية ولا تكلفه ما لا يطيق من أعباء، ولا تضطره للاستدانة لكي يلبي طلباتها التي لا تنتهي، بل تكن عونا له على الحياة وتكاليفها المادية، وتساعده على الادخار، وتعوِّدُه إن كان مبذرا على الإنفاق قدر الحاجة.
ثامناً: يجب على الزوجين الاهتمام بالجانب الصحي لديهما، والاهتمام بأناقتهما ونظافتهما الشخصية، وأن يتجمل كل منهما للآخر، ويسعده ويشبعه ويرويه في هذا الجانب، فكثير من الأزواج والزوجات يعانون من مشاكل صحية أو إهمال في مظاهر الجمال والأناقة، ثم يتساءلون لماذا ينفر منهم الطرف الآخر، ومشكلة بسيطة كرائحة الفم الكريهة لدى الزوج أو الزوجة قد تُنَفِّرُ أحدَهُما من الآخر، وكذلك نظافة الأقدام وخلوها من التشققات و قبح منظرها، وطول الأظافر، ورائحة العرق ...، وغير ذلك من المنفِّرات يجب تلافيها والتغلب عليها، ويجب التحاور بين الزوجين بشأنها، ولو عن طريق الكتابة في ورقة أو بأي أسلوب غير مباشر لا يخدش الحياء، ويؤثر سلبيا في نفسية من لديه المشكلة، فعلاج مثل هذه المشاكل أفضل من تركها تستفحل وتهدد العلاقة الزوجية بالانفصام، وعلى كلا الزوجين -وليس الزوجة وحدها- الاهتمام بالجمال الشكلي إضافة إلى جمال المضمون، وعليهما الاهتمام بالطعام والشراب والبيت الصحي المنظم النظيف.
تاسعاً: على الزوجين أن يتجنبا فنون النكد والغم، فالنكد بين الزوجين وفي واحة الأسرة ممنوع، وعلى الزوجين أن يتعلما كيفية حل كل مشاكلهما بهدوء وتأني عن طريق الحوار، وأن يتفننا في ابتكار أسباب السعادة والبهجة التي تفرح قلبيهما، وتدخل السرور عليهما.
عاشراً: يجب على الزوجين تعلم فنون الترفيه والتسلية البريئة الحلال، والترويح عن النفس كلما تيسر ذلك، ولو بجلسة رومانسية شاعرية كل أسبوع بعيدا عن هموم الحياة ومتاعبها ومتاعب الأولاد ومطالبهم التي لا تنتهي.
حادي عشر: يجب على الزوجين عدم إفشاء أسرار علاقتهما الزوجية لأي إنسان مهما كان، وعدم الإفراط في الاختلاط بالغرباء، ويجب على الزوج عدم ذكر مساوئ الزوجة للأهل أو للأصدقاء، وكذلك يجب على الزوجة عدم ذكر مساوئ الزوج للأهل أو للصديقات، ويجب على الزوجين عدم الاستماع لكلام الجاهلين والجاهلات، ونصائح المدعين والمدعيات الذين يزعمون امتلاكهم الخبرة بالنفوس البشرية، والعلم بدقائق الحياة الزوجية، فكثيرا ما يتسبب هؤلاء الجهلاء في هدم البيوت، وتشتيت الأسر الآمنة المطمئنة.
ثاني عشر: يجب على الزوجين الحذر من عداوة الآخرين سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، فبعض الناس لا تخلو قلوبهم من الحقد والحسد والغيرة، وكم من بيوت هدمها سوء الظن، وتناقل الكذب، وسماح الزوجين للآخرين بالتدخل في شؤون حياتهم الزوجية.
ثالث عشر: يجب على الزوجين ضرورة مراعاة ظروف بعضهما البعض، والواقعية في التفكير، والواقعية في النظر للحياة الزوجية والحياة عموما؛ فالزواج علاقة ليست مثالية مائة في المائة، وليست رومانسية مائة في المائة، أو عقلانية مائة في المائة، لكنها مزيج من كل ذلك، من: الواقعية والمثالية والعاطفية والعقلانية والمادة والروحانية والمتعة النفسية والجنسية، وهي عرضة للمشاكل والتقلبات، كسفينة في بحر هائج متلاطم تحتاج لربان عاقل يدير دفتها...!!
رابع عشر: يجب على كلٍّ من الزوجين التحلي بالحساسية والحرص الشديد في تعامل كل طرف مع أهل الطرف الآخر وخصوصا الوالدين ولا سيما عندما يكبران في السن، وينبغي للزوجة أن تتخذ من أهل زجها أهلا لها، وينبغي للزوج أن يتخذ من أهل زوجته أهلا له، وأما ما رسَّخته وسائل الإعلام والقصص القديمة (مثل:سندريلا ... وغيرها) في عقولنا ومشاعرنا تجاه زوجات الأب والحموات، وأنهن مصدر التعاسة ... إلخ، فكل هذه الأفكار تحمل من الخطأ الكثير والكثير، والمسلم والمسلمة لا يعرفان هذا التشاحن والتباغض غير المبرر، وصراع الدور الذي ينتاب بعض الزوجات والحموات يمكن تفكيكه بيسر وسهولة إن تحلى الزوجان كلاهما بالحكمة والتعقل وحسن التصرف والتعاطي مع الأمور بنضج ووعي وعقلانية.
الزواج سعادة دائمة للعقلاء:
وأخيراً أود أن أقول: إن علاقة الحب بين الزوجين يحكمها القلب والمشاعر والوجدان والعقل والمنطق؛ فالحب عاطفة حسية روحية يحلق بها الزوجان المحبان فوق السحاب مع الأحلام الوردية الجميلة المشرقة، ولكن قد تنطفئ شعلة هذا الحب وجذوته المتقدة في قلبي الزوجين بسبب الشجار الدائم، أو الغم المستمر، أو الخلافات المستمرة، أو النكد والنقار بين الزوجين، والتعامل بينهما بصورة غير سوية كأن يتعاملان بندية، أو يستعلي أحدهما على الآخر، أو يتسلط عليه.
ونصيحتي لكل الأزواج والزوجات أن يتقوا الله تعالى في كل شؤون حياتهم، ولنجعل حياتنا تسير وفق منهج الله في كل صغيرة وكبيرة، ولنتعلم الصبر، وطول البال ورحابة الصدر، وتحمل النقد، ولنحرص على دوام العشرة بيننا بالمعروف، وليكن كل لقاء زوجي بين الرجل وزوجته كأول لقاء في أول ليلة، ليكن لقاءً مفعماً بالأشواق واللهفة بما أحله الله تعالى، وليغمر كل منهما الآخر بمشاعر الاحترام والتوقير، وليشعره باهتمامه به وخوفه عليه وحرصه على مصلحته، وأؤكد على أهمية الحوار الهادئ كآلية فعالة جدا في حسم الخلافات وعلاج النزاعات بين أي زوجين...
ونقطة أخيرة هي نصيحتي لكل زوجين بالمداومة على الأذكار والأدعية البسيطة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحفظهما الله تعالى ويحفظ أسرتهما من كل مكروه وسوء... والله ولي التوفيق وهو وحده القادر عليه.