أسبابُ نزول وتأخر المطر, وذكرُ قصصٍ لمن أجاب الله دعاءهم 24-4-1436

أحمد بن ناصر الطيار
1436/04/23 - 2015/02/12 18:05PM
الحمد لله كاشفِ البلاء، جزيل الْمواهبِ والعطاء, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تكفل بأن يكون مع عباده المؤمنين في السراء والضراء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أعظمُ من رفع أكف الضراع إلى الله بالدعاء، صلى الله عليه, وعلى آله الأتقياء الأنقياء, وصَحبِه الشرفاء العظماء, وبعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فبتقوى الله يَكشِفُ الله الكُرْبة, ويُزِيلُ المِحْنة ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً).
عباد الله : ها هي قد احْتُبِسَتْ عنَّا رحمةٌ من رحمات الله, ونِعمةٌ من نعم الله ، ألا وهي نعمة المطر, " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته"
فكم ينشأ من المطر من بركات، وتحصل بسببه المِنَنُ والهبات، كم يحصل السرور والفرح والبهجة بسببه، حتى إنك ترى الطيور والبهائم تشعر بالبهجة عند نزوله ، تتبدل الأرض بسببه من يابسة مُغْبرة, إلى حلوة مُخْضَرَّة {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.


عباد الله : لقد عوّد الله عباده الصالحين، وأولياءه المتقين, بأن يجيبَ دعاءَهم، ويكشف كَرْبَهُم.
فهذا إمامُ الأنبياء, وخيرُ الأتقياء, محمدٌ صلى الله عليه وسلم, يدْخَلُ عليه رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وهو قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَقَالَ له: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا, فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا, اللَّهُمَّ اسْقِنَا, اللَّهُمَّ اسْقِنَا, قَالَ أَنَسُ بن مالك رضي الله عنه: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ, فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ, قَالَ: فمَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ ستّةَ أيّام, ثُمَّ دَخَلَ الرَّجُل فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ, وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللهَ أَنْ يُمْسِكَهَا, قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ, وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ, وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ, قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. متفق عليه

وهكذا أجاب الله دعاء أنبيائه ورسلِه، فأيوب عليه السلامُ دعا الله تعالى في مرضه، ويونسُ عليه السلامُ دعاه حين الْتَقَمَهُ الحوتُ في بطنه، وزكريا دعاه أنْ يَرْزُقَه ذريَّةً مِنْ نَسْلِه.
فهل ردّهم الله؟ لا والله ، بل أجاب دعاءهم، وجَبَرَ مُصَابَهُم، لماذا؟ لأنهم: "كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين " .
فَبِمُسَارَعَتِهِمْ وتَسَابُقِهِمْ للخيرات, ودعائِهم وتَضَرُّعِهِمْ لله, وخشوعِهم له, أصبحوا مجابي الدَّعْوة.

عباد الله: ولْنتأمل في حال الصالحين المخلصين, وكيف أنَّ الله تعالى يجيب دعاءهم, ويكشف ضرهم.

فهذا العابدُ الزاهدُ إبراهيم بنُ أدهم رحمه الله, ركب البحر مرةً فأخذَتْهم ريحٌ عاصف، وأمواجٌ عاتية, فأشرفوا على الهلَاك والغرق، فقال له مَن حوله: ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فادع الله أن يُنْجيَنا, فرفع يديه ثم قال: اللهم أرَيتَنا قُدرتَك, فأرِنا عَفْوَك! فسكن البحر حتى صار كأنه قَدَح زيتٍ.

وخرج الناس يستسقون, وفيهم بلال بن سعد رحمه الله فقال: يا أيها الناس ألستم تقرون بالإساءة؟ قالوا: نعم! قال: اللهم إنك قلت: (ما على المحسنين من سبيل), وكلٌّ يقر لك بالإساءة فاغفر لنا واسقنا, فسقوا وأُمطروا.

وهذه قصّةٌ ذكرها أحدُ الفضلاءِ من العُبَّادِ : أنه كان بأهلِه في الصحراءِ في جهةِ الباديةِ ، وكان عابداً قانتاً مُنيباً ذاكراً للهِ, قال : فانقطعتْ المياهُ المجاورةُ لنا ، وذهبتُ ألتمسُ ماءً لأهلي ، فوجدتُ أن الغدير قد جفَّ ، فعُدتُ إليهم ، ثم التمسْنا الماء يمْنةً ويسْرَةً ، فلم نجدْ ولو قطرةً ، وأدركنا الظمأُ ، واحتاج أطفالي للماء ، فتذكرتُ ربَّ العزةِ - سبحانه- القريب المجيب ، فقمتُ فتيمَّمتُ ، واستقبلتُ القبلة وصلَّيتُ ركعتين ، ثم رفعتُ يديَّ وبكيتُ ، وسالتْ دموعي ، وسألتُ الله بإلحاحٍ ، وتذكرتُ قوله : ? أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.....? الآية ، وواللهِ ما هو إلا أن قمتُ من مقامي ، وليس في السماء من سحاب ولا غيْم ، وإذا بسحابة قد توسَّطتْ مكاني ومنزلي في الصحراءِ ، واحتكمتْ على المكان ، ثم أنزلتْ ماءها ، فامتلأتِ الغدرانُ من حولِنا وعن يميننا وعن يسارِنا ، فشرْبنا واغتسْلنا وتوضأنا ، وحمدْنا الله سبحانه وتعالى ، ثم ارتحلتُ قليلاً خلْف هذا المكان ، وإذا الجدْبُ والقحطُ ، فعلمتُ أن الله ساقها لي بدعائي ، فحمدتُ الله عزَّ وجلَّ.
وصدق الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).

بل إنَّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه. قال محمد بن المنكدر رحمه الله: كانت لي سارية في مسجد رسول الله  أجلس أصلّي إليها بالليل، فقَحط أهل المدينة سنة، فخرجوا يستسقون فلم يُسقَوْا، فلما كان من الليل صلّيتُ العشاء في مسجد رسول الله , ثم جئت فتساندتُّ إلى ساريتي، فجاء رجلٌ أسودُ فقير, يعمل بإصْلاِح الْأَحْذِيَة, فتقدم إلى السارية التي بين يديّ وكنتُ خلفه، ولم يرني, فقام فصلى ركعتين ثم جلس، فقال: أيْ ربّ, خرج أهلُ حَرمِ نَبِيِّك يَسْتَسْقُون فلم تَسقهم، ويسألونك فلم تُعطهم, فأنا أُقسم عليك لَمَا سقَيتهم.
قال ابن المنكدر: فقلت: والله مجنون, كيف يقسم على الله تعالى؟!. قال: فمَا وضع يده حتى سمعتُ الرعد، ثم جاءت السماء بالمطر, فلما خرجتُ من المسجد جعلت أخوض بالماء.

فما أقرب الله ، وما أكرمه وأحْلَمه، فمن الذي دعا الله بإخلاص وصدق فردّه؟ ومن الذي الْتجأ إلى جنابه فخيَّبه؟

من الذي يفْزعُ إليه المكروبُ ، ويستغيثُ به المنكوبُ ، وتَصْمُدُ إليه الكائناتُ ، وتسألهُ المخلوقاتُ ، وتلهجُ بذكِرِه الألسُنُ وتُؤَلِّهُهُ القلوب؟ إنه اللهُ لا إله إلاَّ هو.

أنت الملاذُ إذا ما أزمةٌ شَمِلَت........وأنت ملجأُ مَن ضاقت بهِ الحيلُ
أنتَ الْمُنَادى به في كلِّ حادثِةٍ.......أنت الإلهُ وأنت الذُّخرُ والأملُ
أنت الرجاءُ لمن سُدَّتْ مذاهبهُ......أنت الدليلُ لمن ضلَّت بهِ السبلُ
إنَّا قصدناك والآمال واقعةٌ.........عليكَ والكلُّ ملهوفٌ ومبتهلُ


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ).


نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي، ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, وسلم تسليما كثيرا, أما بعد:

عباد الله: إن لله سنناً في الكون لا تتغير ولا تتبدل، قال الله تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً).
وقد جعل الله من سننه أن الطاعاتِ سببُ كُلِّ خير، وأن المعاصي والذنوبَ سببُ كِّل شر، وما وقع بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].

فما يحصل مِن القحطِ وقِلَّةِ المطر، وانعدامِ البركة في الخيرات, إنما سَبَبُها الذنوب والمعاصي، والاستغفارُ والتوبة أعظم سببٍ لجلبِ الأمطار والخير والبركة.

قال تعالى عن هود عليه السلام: (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ )[هود:53].
فإذا أردنا أن يغيِّر الله حالَنا مِن قحطٍ إلى غيث، ومِن جدبٍ إلى أرزاقٍ وبركات، فعلينا أن نغيّر حالَنا, فنصلحَ الفساد الذي عندنا، ونطهِّرَ قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ونقيمَ الصلاة، ونؤتي الزكاة، نأمرَ بالمعروف وننهى عن المنكر، ونزيل المنكرات التي نَقَعُ فيها.

حريٌّ بنا أن نُصْلحَ قلوبَنا لِيَحِلَّ الغيثُ بأرضنا وبلادِنا، ذلكم هو مفتاح القطرِ من السماء، وسببُ رفع البلاء، ووعدُ الله لا يُخلَف.
فعند ذلك: يجيب الله دعاءنا، ويكشف ضَرَّنا ، ويعيثُ بلادنا.
نحن ندعو الإله في كلّ كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابةً لدعاءٍ ... قد سددنا طريقها بالذنوب

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً, هنيئاً مريئاً، سحاً طبقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل, تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المشاهدات 3284 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا