أسباب منع الزكاة
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهَا
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَزَوَّدُوا مِنْ حَيَاتِكُمْ لِمَوْتِكُمْ، وَاسْتَعِدُّوا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِمَا أَمَامَكُمْ، وَاعْمُرُوا مَا بَقِيَ مِنْ شَهْرِكُمْ؛ فَإِنَّهُ رَاحِلٌ عَنْكُمْ؛ فَمُحَصِّلٌ أَجْرًا، وَحَامِلٌ وِزْرًا، فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الأُجُورِ لَا الأَوْزَارِ، القَائِمِينَ بِاللَّيْلِ، الظَّامِئِينَ بِالنَّهَارِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بَابَ الرَّيَّانِ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الْإِنْسَانِ: 5-6]
أَيُّهَا النَّاسُ: ثَمَّةَ تَلَازُمٌ وَثِيقٌ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالْإِنْفَاقِ، بَيْنَ الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ؛ فَكِلَاهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَفِي رَمَضَانَ حَضٌّ شَرْعِيٌّ عَلَى الْإِنْفَاقِ؛ وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَفِي رَمَضَانَ يَكْثُرُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَتَنْتَشِرُ مَوَائِدُ تَفْطِيرِ الصُّوَّامِ؛ ابْتِغَاءَ الْأَجْرِ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِي مَظْهَرٍ مِنَ التَّلَاحُمِ وَالتَّآخِي يَأْسِرُ النُّفُوسَ، وَيُحَرِّكُ الْقُلُوبَ.
إِنَّ الزَّكَاةَ جَاءَتْ قَرِينَةً لِلصَّلَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَتَنَزَّلَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى تَرْكِهَا أَوِ التَّبَاطُؤِ عَنْ إِيتَائِهَا، وَيُعَذَّبُ كَانِزُ الْمَالِ بِمَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَيَوْمَ نَشْرِهِ؛ فَإِنْ كَانَ مَالًا صَامِتًا؛ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ دَرَاهِمَ كُوِيَتْ بِهِ أَجْزَاءُ جَسَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، تَطَأْهُ بِأَظْلَافِهَا وَحَوَافِرِهَا.
وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَتَسَاهَلُونَ فِي إِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَيَتَثَاقَلُونَ عَنْ إِخْرَاجِهَا، حَتَّى يُعَطِّلَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ هَذَا الرُّكْنَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُحِسُّ أَنَّهُ أَتَى أَمْرًا عَظِيمًا بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ.
إِي وَاللهِ، تَجِدُهُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الصَّائِمِينَ الْقَارِئِينَ لِلْقُرْآنِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَطْعَمَ الْجِيَاعَ، لَكِنَّهُ لَا يُؤْتِي الزَّكَاةَ، فَيَفْعَلُ النَّوَافِلَ، وَيَذَرُ الْفَرَائِضَ؛ مَعَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ مَنْعَ الزَّكَاةِ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِنِعَمِهِ سُبْحَانَهُ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فُصِّلَتْ: 6، 7].
إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْبِسُ الْبُخْلُ يَدَهُ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَالُ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لِيُسْقِطَهَا بِأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سَائِلِ مَالِهِ قَبْلَ حُلُولِ الزَّكَاةِ، بِشِرَاءِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا فِي قَلْبِهِ، وَمَنْ مَكَرَ بِاللهِ تَعَالَى لِيَمْنَعَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِي مَالِهِ، فَجَدِيرٌ أَنْ يَمْكُرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، فَيَخْسَرَ كُلَّ مَالِهِ.
إِنَّ الْبُخْلَ هُوَ أَهَمُّ سَبَبٍ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ، فَيَنْظُرُ صَاحِبُ الْمَالِ الطَّائِلِ إِلَى مِقْدَارِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ فَيَجِدُهُ كَثِيرًا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى كَثْرَةِ مَالِهِ، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ إِلَّا جُزْءًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ، وَيَسْتَحْضِرُ كَدَّهُ وَتَعَبَهُ فِي جَمْعِهِ، وَلَا يَسْتَحْضِرُ تَوْفِيقَ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِي كَسْبِهِ، فَكَمْ كَدَّ غَيْرُهُ وَتَعِبَ، وَلَمْ يَرْبَحْ كَمَا رَبِحَ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْبُخْلَ يَمْنَعُ الْإِنْفَاقَ، وَتَوَعَّدَ الْبُخَلَاءَ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْعَذَابِ؛ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آلِ عِمْرَانَ: 180]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَذُوقُ حَلَاوَةَ الْمَالِ بَعْدَ مَرَارَةِ الْحِرْمَانِ، وَيَجِدُ عِزَّ الْغِنَى بَعْدَ ذُلِّ الْفَقْرِ، وَكَانَ أَيَّامَ فَقْرِهِ وَحِرْمَانِهِ يَتَمَنَّى الْمَالَ لِيُنْفِقَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، فَيَكْفُلُ الْأَرَامِلَ وَالْأَيْتَامَ، وَيَسُدُّ حَاجَةَ الْفُقَرَاءِ، وَيُعِينُ الْمَنْكُوبِينَ عَلَى نَوَائِبِهِمْ، وَيَعِدُ نَفْسَهُ بِالْوُعُودِ، وَيُمَنِّيهَا بِالْأَمَانِي، وَمَا إِنْ سَالَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، وَامْتَلَأَ بِهِ جَيْبُهُ إِلَّا وَتَنَكَّرَ لِوُعُودِهِ، وَنَسِيَ أَمَانِيهِ، وَطَوَى صَفْحَةَ الْمَاضِي، يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ جَاوَزَهَا بِغِنَاهُ، فَيَمْنَعُ حُقُوقَ اللهِ تَعَالَى فِي مَالِهِ، فَهَذَا يَنْغَمِسُ فِي النِّفَاقِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ فَضْلَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حِينَ انْتَشَلَهُ مِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى، وَنَكَثَ بِوُعُودِهِ وَعُهُودِهِ؛ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [التَّوْبَةِ: 75 - 77]، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ يُورِثُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ.
وَمِنْ أَسْبَابِ مَنْعِ الزَّكَاةِ: الْجَهْلُ، وَلَوْ كَانَ مَانِعُهَا مِنْ كِبَارِ الْمُتَعَلِّمِينَ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَسْتُورِي الْحَالِ أَوْ مُتَوَسِّطِي الدَّخْلِ، فَيَظُنُّ أَنَّ الزَّكَاةَ خَاصَّةٌ بِالْأَغْنِيَاءِ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ طَائِلٌ لَا سَدَادَ عِنْدَهُ لَهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ لِأَجْلِهِ، لَكِنْ عِنْدَهُ مُدَّخَرَاتٌ مِنَ الْمَالِ لِحَاجَتِهِ وَمَنْ يَعُولُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ الزَّكَاةَ لِغُرْمِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَيَمْنَعُ الزَّكَاةَ جَهْلًا.
وَالرَّجُلُ قَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُهُ لِلزَّكَاةِ، وُوُجُوبُهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَدَوَاءُ الْجَهْلِ السُّؤَالُ وَالْعِلْمُ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الزَّكَاةِ عَظِيمٌ، وَهِيَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ ضَرُورَاتِ الدِّينِ؛ فَلَا يُعْذَرُ الْإِنْسَانُ بِجَهْلِهِ فِي مَنْعِهَا، وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْأَلَ.
وَمِنْ أَسْبَابِ مَنْعِ الزَّكَاةِ: التَّسْوِيفُ فِي إِخْرَاجِهَا؛ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لِكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ وَمَشَارِيعِهِ، وَتَعَدُّدِ مَصَادِرِ أَمْوَالِهِ يَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ لِيَحْسبَ زَكَاتَهُ، فَيُؤَجِّلُ وَيُسَوِّفُ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَالْحَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَهُوَ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاةَ أَمْوَالِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ حَرَصَ عَلَى دِينِهِ حِرْصَهُ عَلَى دُنْيَاهُ، وَاهْتَمَّ لِلزَّكَاةِ اهْتِمَامَهُ بِمَشَارِيعِهِ لَخَصَّهَا بِمُوَظَّفِينَ يَحْسُبُونَهَا وَيُخْرِجُونَهَا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَدَمُ وُصُولِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِيُسْرٍ وَسُرْعَةٍ؛ فَيَرَى كَثْرَةَ الْمُتَصَنِّعِينَ لِلْفَقْرِ، وَيَسْمَعُ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّحَرِّي وَالسُّؤَالِ، فَيُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ أَنْ يَبْحَثَ بِنَفْسِهِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَيَتَمَادَى بِهِ الْوَقْتُ وَهُوَ لَمْ يُخْرِجْهُا، وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّصِلَ بِالثِّقَاتِ مِنْ مَعَارِفِهِ، وَيُوَكِّلَهُمْ عَلَى زَكَاتِهِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُمْ أَصْنَافٌ فِي النَّاسِ كَثِيرَةٌ:
فَمِنْهُمْ مَنْ يُقِيمُهَا مَقَامَ النَّفَقَةِ، فَيُوَسِّعُ بِهَا عَلَى أَوْلَادِهِ الْمُتَزَوِّجِينَ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ وَمُسْتَقِلُّونَ عَنْهُ فِي مَنَازِلِهِمْ، مَعَ أَنَّ زَكَاتَهُ لَا تَجُوزُ لَهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ذَا شَأْنٍ فِي قَوْمِهِ، وَتَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ أَبْصَارُهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَيَبْنِي جَاهَهُ عِنْدَهُمْ بِزَكَاةِ مَالِهِ، وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، يَظُنُّونَهَا هِبَةً مِنْهُ، وَهُوَ يَحْسِبُهَا مِنْ زَكَاتِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَادَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِقَرَابَتِهِ الْفُقَرَاءِ، وَأَلِفُوا ذَلِكَ مِنْهُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَغْنَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ الْفَقْرِ، فَيَسْتَحِي أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُمْ عَادَتَهُمْ، وَيَشِحُّ أَنْ يَبْذُلَهَا لَهُمْ مِنْ مَالِهِ، وَيَجْتَرِئُ عَلَى حَقِّ اللهِ تَعَالَى فَيَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْفُقَرَاءَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسَلُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْفُقَرَاءِ فِي مَوَاطِنِهِمْ، فَيَدْفَعُهَا لِأَقْرَبِ سَائِلٍ تَخَلُّصًا مِنْهَا، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِمَا دَفَعَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ حَيِيًّا، فَيُبْتَلَى بِسَائِلٍ صَفِيقٍ لَا يُبَارِحُهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَالًا، فَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَيَنْوِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ تَكَثُّرًا، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ السَّائِلِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَدْ آتَوُا الزَّكَاةَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي مَوَاضِعِهَا مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى وَضْعِهَا فِي مَوَاضِعِهَا؛ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْتُوهَا.
وَالسَّبَبُ الَّذِي يَجْمَعُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ كُلَّهَا هُوَ ضَعْفُ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْإِيمَانِ الْقَوِيِّ يَبْحَثُ عَمَّا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، وَيَتَعَلَّمُ فَرَائِضَهُ، وَيَتَحَرَّى فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ، وَلَا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ للهِ تَعَالَى مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا.
هَذَا؛ وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهَا كَأَدَاءِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ فَإِنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ مَعَ عِلْمِ الْمُزَكِّي بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى زَكَاةً؛ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 60].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّكُمْ أَمْضَيْتُمْ شَطْرَ شَهْرِكُمْ، وَبَقِيَ شَطْرُهُ، وَمَا بَقِيَ خَيْرٌ مِمَّا مَضَى؛ إِذْ فِيمَا بَقِيَ عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ خُصَّتْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [الْقَدْرِ: 2 - 5]، فَالْتَمِسُوهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْتَمِسُهَا، وَذَلِكَ بِإِحْيَاءِ الْعَشْرِ كُلِّهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَأَرُوا اللهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِيهَا خَيْرًا يِؤْتِكُمْ خَيْرًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَّتَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رَمَضَانَ مَوْعِدًا لِإِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ؛ طَلَبًا لِلزَّمَنِ الْفَاضِلِ، وَسَدًّا لِحَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ فِي رَمَضَانَ وَالْعِيدِ.
وَلِأَجْلِ إِقْبَالِ النَّاسِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ يَكْثُرُ التَّسَوُّلُ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِمَّنْ يَمْتَهِنُونَ هَذِهِ الْمِهْنَةَ الرَّدِيئَةَ وَلَيْسُوا مُحْتَاجِينَ، وَيَتَعَرَّضُونَ لِلنَّاسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ، وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْكَذِبِ، وَتَصَنُّعِ الْفَقْرِ، وَتَحَوُّلِ السُّؤَالِ إِلَى مَجَالٍ لِلْكَسْبِ وَالثَّرَاءِ، وَمَا تَفَشَّتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ السَّيِّئَةُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِسَبَبِ تَقْصِيرِ مُخْرِجِي الزَّكَاةِ فِي الْوُصُولِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْهَا بِإِلْقَائِهَا فِي أَيْدِي السَّائِلِينَ، وَإِلَّا فَفِي الْبُيُوتِ الْمَسْتُورَةِ فُقَرَاءُ وَمَحَاوِيجُ، وَفِيهَا أَرَامِلُ وَأَيْتَامُ، وَفِيهَا مَنْ أَقْعَدَتْهُمُ الْأَمْرَاضُ عَنِ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ، وَفِي السُّجُونِ غَارِمُونَ يُحْرَمُ أَهْلُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ فَرْحَةَ الْعِيدِ بِهِمْ بِسَبَبِ دُيُونِهِمْ، وَأُسَرُ الْمَسْجُونِينَ غَالِبًا مَا تَكُونُ فِي حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ لِغِيَابِ الْمُكْتَسِبِ الْمُعِيلِ.
وَلَوْ تَحَرَّى الْإِنْسَانُ فِي زَكَاتِهِ فَوَضَعَهَا فِي مَصْرِفِهَا الصَّحِيحِ؛ لَفَرَّجَ بِهَا كَرْبًا، وَأَزَالَ هَمًّا، وَأَسْعَدَ أُسَرًا؛ وَلَوَجَدَ لَذَّةً عَظِيمَةً فِي أَدَاءِ هَذَا الرُّكْنِ الْعَظِيمِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ أَدَّى الْأَثْرِيَاءُ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، وَوَصَلَتْ لِمُسْتَحِقِّيهَا لَمَا بَقِيَ فِي النَّاسِ مُحْتَاجٌ، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ يَمْنَعُونَهَا، وَمَنْ يُؤْتُونَهَا مِنَ النَّاسِ يُقَصِّرُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْوُصُولِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا.
وَالوَاجِبُ أَنْ يَضَعَ الْمُسْلِمُ فَرِيضَةَ الزَّكَاةِ فِي مَوْضِعِهَا اللَّائِقِ بِهَا، وَيَتَعَامَلَ مَعَهَا تَعَامُلَهُ مَعَ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَيَسْتَحْضِرَ هَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمَ عِنْدَ أَدَاءِ زَكَاتِهِ، لَا أَنْ يَعُدَّهَا مَالًا زَائِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ الزَّكَاةَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَجَعَلَهَا قَرِينَةً لِلصَّلَاةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَهَمِّيَّتِهَا فِي دِينِهِ سُبْحَانَهُ، وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهَا عِنْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى نَطَقَ بِهَا الْمَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي مَهْدِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى لَهُ:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مَرْيَمَ: 31].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المرفقات
الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ.doc
الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ.doc
الزكاة المفروضة5.doc
الزكاة المفروضة5.doc
المشاهدات 6506 | التعليقات 9
أثابك الله وسددك - شيخنا المبارك - وبارك في علملك وعملك ..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
أجزل الله لك الأجر والمثوبة ياشيخ إبراهيم ..
وسبحان الله .. كنت أردت أن أكتب عن الزكاة ومنعها فكفانا الشيخ -بارك الله فيه- بمادته الثرية .
نشكر شيخنا الفاضل على جهوده المتميزة
وينبغي التنبيه على أن اﻵية التي أوردها الشيخ أول الخطبة خاطئة
وينبغي الرجوع إلى سورة اﻹنسان لتصحيحها
جزاك الله خيرا وزادك علما ونفع بك الاسلام والمسلمين وأقر عينك بصلح ذريتك
تكررت أخطاء الآيات يا شيخ إبراهيم .. وأقترح الاستعانة بالبراامج الموثوقة .. فهي أضمن .
وفقك الله
شكر الله تعالى لكم إخواني الكرام مروركم وتعليقكم وكذلك تنبيهكم على الخطأ في نقل الآية، وهو ليس خطأ من البرنامج بل مني بسبب عدم الدقة في نقل الآية ثم عدم الدقة في المراجعة، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه فجزاكم الله تعالى خيرا ونفع بكم وتقبل مني ومنكم..آمين.
قلبي دليلي
بارك الله لك في وقتك ومالك وأهلك
وجعل الجنة دارك ومستقرك يارب العالمين
تعديل التعليق