أسباب معاصرة لجريمة القتل

سعد آل مجري
1437/05/13 - 2016/02/22 16:31PM


الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه، ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن خير الحديث كلامُ الله - عز وجل -، وخير الهَدْي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور محدَثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.

عبادَ الله:
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" (رواه مسلم: 2908).

وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ" (رواه البخاري: 1036، ومسلم: 157).

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ بين يَدي السَّاعة الهرْج"، قالوا: وما الهرْجُ؟ قال: "القتلُ، إنَّهُ ليس بقَتْلِكم المشركين، ولكن قتلُ بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجلُ جارَهُ، ويقتل أخاهُ، ويقتل عمَّهُ، ويقتل ابن عمِّه"، قالوا: ومعنا عُقُولُنا يومئذٍ؟ قال: "إنَّهُ لتُنزعُ عُقُولُ أهل ذلك الزَّمان، ويُخلَّفُ لهُ هباءٌ من الناس، يحسبُ أكثرُهُم أنَّهُم على شيءٍ، وليسُوا على شيءٍ" (رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصحّحه على شرط الشيخين، وقال الألباني: إسناده صحيح، رجاله ثقات).

عباد الله:
لقد استنكر الصحابةُ - رضي الله عنهم - قتلَ المسلمين بعضهم بعضًا، فسألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن عقول هؤلاء، أهي معهم؟ وحُقَّ لهم ولكلِّ عاقل أن يسألَ ويستنكر!

كيف يقتل الابن أباه؟! وكيف يقتل الأخ أخاه؟! وكيف يقتل الجارُ جارَه؟! وكيف يقتل الصديق صديقَه؟! وكيف يقتل المسلم مسلمًا؟!

فأجاب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على سؤالهم فقال: "إنَّهُ لتُنزعُ عُقُولُ أهل ذلك الزَّمان، ويُخلَّفُ لهُ هباءٌ من الناس، يحسبُ أكثرُهُم أنَّهُم على شيءٍ، وليسُوا على شيءٍ".

جاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وعبد الغني الدهلوي: "معنى: "يُنزع عقولُ أكثر ذلك الزمان" لشدَّة الحرصِ والجهل، و(الهباء): الذرَّات التي تظهر في الكوة بشُعاع الشمس، والمراد هاهنا الحثالة من الناس". اهـ، ونزع العقل: يعني ذهابه وزواله.

إخوةَ الإيمان:
ذكر شرَّاحُ الحديث: "الجهلَ والحرص"، وهي من الأسباب التي تَذهب وتَزول بها عقولُ المسلمين؛ فيقتل بعضهم بعضًا.

ذكروا الجهلَ: جهلٌ بالوعيد الأكيد والعذابِ الشديد؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

وذكروا الحرص على الدنيا: حرصًا على المناصب، هذا يريد أن يكون نائبًا عن أسرته، وهذا يريد أن يكون شيخًا على قبيلته، وهذا يريد أن يكون رئيسًا على دولته، ألا ترون سفكَ الدماء المعصومة، في تلك الشعوب المنكوبة؛ حرصًا على البهائم والزروع، التي لا تُسمن ولا تغني مِن جوع؟!

وأَزيد على ما ذكروا أسبابًا قد تكون معاصرة:
فمنها: الحسد: يقول الله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 27 - 30]، حملَه الحسدُ على قتلِ أخيه فقتلَه، وهكذا يفعل الحسدُ بالناس؛ يتحاسدون ثم يقتل بعضهم بعضًا.

ومنها: المخدِّرات والمسكرات:
آفةُ العصر، وضياع البشر، يقتل المخمورُ أمَّه وأباه وصاحبته وبنيه، ويضحك بملءِ فِيه، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

ومنها: وسائل الإعلام:
مشاهدةُ الإجرام في القنوات والأفلام تعليمٌ للقتل بأنواعه، وطريقة التخلُّص من الجريمة، ويكون هذا المجرم بطلَ الفيلم، ثم تكون لعبة يتدرَّب عليها أطفالنا، ثم يطبِّقونها في مجتمعاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ومنها: قنوات الجاهلية:
نحن بنو فلان، ونحن بنو فلان! ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ [المائدة: 18]، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] لم يقل: لتتفَاخروا، الرفيعُ: من رفعه اللهُ وإن وضعَه الناسُ، والوضيعُ: من وضعه اللهُ وإن رفعه الناسُ، بماذا يفخر هؤلاء الشعراء؟ يفخرون بالشدَّة في اللقاء وبسفكِ الدماء، فاللهم تؤاخذنا بما فعل السفهاء!

ومنها: حكايات السلَف للخلف:
يحكي الجدُّ لأحفاده والأبُ لأبنائه، أن فلانًا قتل فلانًا، وأن فلانًا قتل فلانًا، ويتمثَّله بأبيات من الشعر، فيها مدحٌ وثناء ترفعه إلى الجَوزاء، فيقتدي السامعُ بسيرته، ويتمثَّل شخصيته، فيقتل أحدَ قرابته.

ومنها: التهاون في حمل الأسلحة النارية:
وخاصَّة في أوساط الشباب، يحملونها ولا يعرفون خطرها، فكم من فرحٍ انقلب إلى ترحٍ! فاعتبِروا بغيركم قبل أن يُعتبَر بكم.

ومنها: العصبية القَبَلية:
عصبيَّة جاهلية، قويُّهم يأكل ضعيفَهم، ويتحاكمون إلى طواغيتهم؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أربعٌ في أمَّتي من أمرِ الجاهليةِ، لا يتركوهنَّ: الفخرُ في الأحسابِ، والطعنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنجومِ، والنياحةُ على الميت" (صحّحه الألباني).

ومنها: تُجار الدماء:
الذين يبذلون جاهَهم وأموالهم، في قضايا لا يقبلها شرعٌ ولا طَبْع، تجدهم يسعَون في قضايا المروِّجين والمفحطين والمعتدين، وهذا فيه إعانةُ الظالمِ على ظلمه، والمفسد على فساده؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/99244/#ixzz40unDKRd3
المرفقات

983.doc

المشاهدات 1634 | التعليقات 0