أسباب تراجع تأثير خطبة الجمعة .. إعداد مجلة البيان

الفريق العلمي
1441/01/30 - 2019/09/29 12:28PM

 خطبة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، فهي التي تعطي المسلم الدفعة الإيمانية التي يسير بها في حياته اليومية خلال الأسبوع حتى تأتي الجمعة التي تليها، وورد بالشرع الحنيف نصوص قرآنية وأحاديث نبوية ترغب المسلم وتحثه على المسارعة والسعي إلى ذكر الله والصلاة يوم الجمعة وترك البيع واللهو، فإذا انقضت الصلاة عاد المسلم ليمارس عمله المعتاد الذي أباحه الله له "وابتغوا من فضل الله".

 

لكن هذه الأيام التي نعيشها شهدت تراجعًا ملحوظًا في تأثير خطبة الجمعة، وكثير من المسلمين يشكوا من أساليب الوعاظ والخطباء، والخطباء بدورهم يرفضون أن يلقى عليهم وحدهم مسئولية هذا التراجع، إذ ثمة عوامل أخرى أوجدت هذه المشكلة. يحاول هذا التحقيق تشخيص المشكلة وأسبابها الحقيقية، لنحاول وضع أيدينا على حل لها... والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 

وفي لقاء "البيان" مع الدكتور طلعت عفيفي العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر فقال: لا شك أن خطبة الجمعة فرصة يتلاقى فيها الدعاة مع أفراد المجتمع، ولهذه الخطبة تأثير وأيما تأثير -إذا أحسن استعمالها على الوجه الذي ينبغي أن يكون-، مما جعل العلمانيين يتحسرون لعدم وجود تلك الفرصة لهم، ويحسدون الخطباء عليها. وأضاف عفيفي: الناس يأتون مختارين مبكرين فينبغي لمن يتصدر للتحدث إليهم أن يحترم عقولهم وأوقاتهم وأن يقدم لهم النصيحة التي تعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وأن يعد نفسه جيدًا. وللأسف الشديد فإن بعض من يتصدرون للخطبة أصبح يؤديها على أنها وظيفة وليست رسالة، وكأنه يملأ فراغ المنبر بالتالي سيقول أي كلام لا مضمون ولا لغة ولا أداء.

 

وأردف الدكتور عفيفي: وأحيانا تتدخل بعض الجهات في منع أو إيقاف أي خطيب لمجرد اختلافه معهم وبالتالي يمنع الأكفاء، مما يفسح المجال لأناس غير مؤهلين، وهي أمانة عظيمة. الشيخ عبد العزيز مصطفى الشامي الواعظ بمساجد الجمعية الشرعية يقول: إن رسالة المنبر تتكون من ثلاثة عناصر مرسل ومستقبل وموضوع، فإذا اكتملت هذه الثلاث أثمرت الخطبة وآتت أكلها، وأنتجت خيرًا عميمًا ينفع الله بع الناس في حياتهم ومماتهم. ولكن الخلل يبدأ من المرسل -وهذا لا يعني تبرئة باقي عناصر الخطبة- إلا أن المرسل (الواعظ، الملقي، الخطيب، أيا كان اسمه) هو العنصر الأول والأساس، فبقدر ملئه لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه في نيته، وثبات قدمه ورسوخه في العلم والفقه، وحسن الإلقاء، وجودة الكلمات وسلامتها، وحسن الصياغة، وفهمه لواقع الناس، ومعرفة ما يحتاجونه... إلخ بقدر ما يؤثر فيهم ويجذبهم ويعلمهم وينفع الله به العباد والبلاد ويكون بركة على أهله.

 

 وقد أدلى الدكتور باسم خفاجي بدلوه في هذه القضية فقال: يشعر الكثير من المسلمين ــ وأنا منهم ــ أن يوم الجمعة وخطبة الجمعة هي من أبرز سمات قوة هذه الأمة، وأنها فرصة نادرة للتأثير في المجتمع المسلم نحو الخير إن أحسن الاستفادة منها. لكن بعض خطباء الجمعة لا يجيدون الاستفادة من تلك الفرصة.. بل للأسف.. أصبح بعضهم سبباً لتنفير الناس ومللهم من السماع لخطيب الجمعة رغم حرصهم على الطاعة وتلبية النداء.

 

 لكن الشيخ أحمد بسيوني الخطيب بوزارة الأوقاف المصرية يرى أن الطرف الثاني (المستقبل أو المستمع) قد يأتي للجمعة فقط لإسقاط الفرض، فلا يرغب في الاستماع وإذا أسهب الواعظ أحيانا؛ ضاق صدره ومل فربما خرج بذهنه خارج المسجد أو نام، والغالب على هؤلاء عدم التأثر فربما يتحدث الواعظ في موضوع التدخين وتجد بعض المصلين بعد الجمعة على أبواب المسجد يتسامرون ويضحكون والدخان في أيديهم وأفواههم، وربما نبه الواعظ لمصائب بعض الأفراح الحديثة وما فيها من اختلاط ومساوئ وتجد الشخص المصلي للجمعة يصنع نفس هذه الأفراح لأولاده من ثلاثين عامًا؛ لذلك فبعض الناس يحضرون الجمعة عادة تعودوا عليها لإسقاط الفرض ولكن ليس همّ أحدهم التعلم والعمل ومن ثم فلا يتأثرون.

 

 يقول عاطف محمد أحد المصلين: أنا لا أجد الخطيب الذي يجذبني لأنتبه إلى الخطبة، وفي كثير من الأحيان أنام في أثناء الخطبة، علاوة على طول الخطبة التي قد تزيد على الساعة الكاملة، يعيد فيها الخطيب ويكرر ما قاله وكأن الناس لن يفهموا من أول مرة. يقول محمد سعيد -سائق شاحنة-: الخطيب في مسجد قريتنا لا يجيد غير أحاديث النار وينسى الجنة دائمًا، ويعتمد على التخويف ولا يرغبنا وكل حاجة عنده حرام!. وقد يكون "سعيد" مبالغًا في وصفه؛ لكن الأمر لا يسلم من وجود خلل في ميزان الترغيب والترهيب لدى كثير من الخطباء، إذ يعمد أحدهم إلى خطب يكثر فيها من أحاديث الوعد والترغيب ورفع الحرج ليصل إلى قلوب الناس -حسب تفسيره- بينما يذهب خطيب آخر للجهة المقابلة وإلى أحاديث الوعيد والتخويف وكما قال القائل: نفوس الناس بيوت مقفلة لا تفتح إلا لمن يطرقها بلطف.

 

 الشيخ حسن السبيكي أمام وخطيب مسجد بدر بالمملكة المغربية يؤكد على ضرورة التمسك بهدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في خطبة الجمعة، فهو الذي كان أفصح الناس لسانا وأبلغهم وأقواهم بيانا، وأوتي جوامع الكلم ؛ فكان مثالاً فريداً في الخطابة التي تنشرح لها القلوب وتتفتح العقول وتستجيب الجوارح. ويقول الشيخ: الخطبة مهما كانت فهي صناعة الخطيب وصياغته، في مضمونها وشكلها وطريقة تبليغها، وإن كان مطلوباً فيها صحة المضمون، وقوة تأثيره وإقناعه، ومناسبته للزمان والمكان والمخاطبين.

 

ولاشك أن وضعية الناس وما يحيط بهم من ظروف وأجواء وعوامل التحفيز أو التثبيط، كل ذلك مؤثر إيجابا أو سلبا في علاقتهم بالمنبر والخطيب، ونسبة تجاوبهم مع الخطبة، خاصة في ظروف عصرنا الذي يعج بالفتن من جهة، وبوسائل الاتصال والإعلام المتطورة بتقنياتها وإمكاناتها الباهرة من جهة ثانية. وهذا مما يضاعف اليوم مسؤولية الخطيب ومأموريته، ويفرض العمل على تطوير آليات فنه الخطابي حتى يواكب متطلبات العصر.

 

ويردف الشيخ السبيكي: من ثقافة الخطيب الضرورية فقه الواقع والحياة، ومواكبة تطورات العصر، ولابد أن يغذي خطبه الأسبوعية بما يقنع الناس بحيوية المنبر وتفاعله مع الواقع والحياة وإلا فقد حجة الواقع فيما يخاطب به الناس.

 

يقول الداعية الدكتور هشام آل عقدة: من أهم أسباب تراجع تأثير خطبة الجمعة تفادي أكثر الخطباء الموضوعات الحساسة المؤثرة في الواقع نظرا للضغوط الأمنية، إضافة إلى يأس أكثر المستمعين من جدوى أو نتائج الخطب لكثرة التجارب التي أخفقت في تغيير الواقع.

 

وأضاف أل عقدة: من الأسباب كذلك عدم وجود رؤية موحدة عند الخطباء يجيشون الأمة نحوها فصار المستمع معلقًا على وجهات نظر الخطباء فحسب وكأن هدف الخطيب أخذ موافقة على فكرة يروج لها، كما أن الرموز الكبيرة تراجع خطابها بحيث صار مجاملاً للأنظمة متبرمًا من الحركات الإسلامية فصار المستمعون لا يلوون على شيء.

 

 أحد المصلين يدعى أحمد محمد -طالب بكلية الإعلام بجامعة القاهرة- يقول: لاشك أن خطبة الجمعة في الفترات الأخيرة لم تعد تتمتع بالتأثير القوي والفاعل في النفس مثلما كان عليه الحال في السابق، وذلك أنها تستهدف بشكل أساسي إحداث حالة من يقظة الوعي الإيماني فهي أشبه بجرس الإنذار الذي يعمل كل أسبوع على تذكير المؤمن بثوابته العقائدية ويحثه على تجديد العهد مع ربه. ومن الأسباب القوية التي تقف وراء تراجع تأثير خطبة الجمعة هو ميل العديد من الخطباء إلى تكرار المعاني والأطروحات وليت التكرار وقف عند حد طبيعة المضمون وإنما امتد إلى أسلوب وحرارة الأداء فأصبحت خطب الجمعة في غالب الأحيان تتسم بالرتابة وتؤدي إلى حالة من الملل لدى جمهور المصلين نظرًا لخلوها من العاطفة الجياشة التي يمكن في كثير من الأحيان أن تعوض ضعف المضمون.

 

 ويضيف أحمد: من الأهمية بمكان تذكير خطباء الجمعة بأهمية الالتزام بتجديد المضامين التي يتم عرضها في الخطبة مع الحفاظ على جاذبية العرض وقوة الطرح مع تنويع الموضوعات هذا بالإضافة إلى عدم إغفال أهمية أن تكون الخطبة تذكيرًا حقيقيًا للمسلم بربه والدار الآخرة.

المشاهدات 526 | التعليقات 0