أسباب الهلاك والنجاة
أبو ناصر فرج الدوسري
1438/05/24 - 2017/02/21 14:30PM
الْحَمْدُ للهِ مُعِزِّ الْمُؤْمِنِين، وَنَاصِرِ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِين، وَمُذِلِّ الطُّغَاةِ وَمُهْلِكِ الْمُسْتَكْبِرِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِين ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَالتَّابِعِين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وتمسكوا بدينكم لتفوزوا برضا ربكم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾
عباد الله : كلنا يعلم بأن الله رؤوف رحيم بعباده، وأن الله أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا، أرأيتم عطف الوالد الحنون على ولده الصغير إذا مرض، فإن رحمة الله عز وجل وحلمه بنا أكبر من عطف الوالد بولده.
لكن أيها الأخوة: هناك سنن كونية ثابتة في هذا الكون ، والذي جعل هذه السنن ثابتة هو الله العزيز الحكيم.
فهذه السنن لن تتبدل ، ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾
فمن ذلك يا عباد الله ، بعض الأمور التي لو وقعت من العباد وفعلوها كانت سبباً في إنزال الهلاك والدمار بهم ، فالله عز وجل ، كما قلنا أنه غفور رحيم ، لكنه عز وجل أيضاً شديد العقاب،
فالله يغار على دينه ، والله يغار على أوامره أن تنتهك ، وهو عز وجل يمهل ولا يهمل.
يرشد العباد إلى توحيده واتباع أوامره، فإن أطاعوا كان لهم السعادة في الدنيا والآخرة ، وإن هم خالفوا وعصوا وأتوا بأسباب العذاب سلط الله عليهم بأسه وغضبه ، وعندها لا يلوم الناس إلا أنفسهم.
عباد الله: اعلموا أن عذاب الله وعقابه للأمم ليس بنوع واحد ولا لون معين ، بل جرت سنة الله تعالى في تنويعه على ألوان مختلفة متنوعة ، فقد يكون الهلاك بصاعقة أو بغرق ، أو يكون فيضاناً أو ريحاً أو خسفاً أو قحطاً ومجاعة ، أو ارتفاعاً بالأسعار أو أمراضاً ، أو ظلماً وجوراً ، وذلك بأن يسلط على بعض عباده مسؤولون ظلمة ، يسومون الناس سوء العذاب ، أو يكون فتناً بين الناس واختلافاً أو مسخاً في الصور، كما فعل ببني إسرائيل فمسخهم قردة وخنازير أو مطراً بالحجارة ، أو رجفة ، فالكل عقاب من الله تعالى وعذاب يرسله على من يشاء من عباده تأديباً لهم وردعاً لغيرهم.
وقد جاءت كل هذه الأنواع في القرآن الكريم والسنة المطهرة ،
فاقرأوا مثلاً قول الله عز وجل في من عاقبهم بالصاعقة: ﴿ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ ﴾
ويقول في الغرق: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾
ويقول في الفيضان والطوفان: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾
ويقول في الريح: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾
ويقول في الخسف:﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ﴾
ويقول في القحط والمجاعات وارتفاع الأسعار وانتشار الأمراض:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾
ويقول عز وجل في الظلم : ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾
ويقول سبحانه: ﴿إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾
ويقول في الفتن بين الناس والاختلاف والتحزّب والعذاب العام: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
وقال تعالى في مسخ اليهود قردة وخنازير: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾
ويقول تعالى في المطر بالحجارة: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾
ويقول في قوم شعيب لما كذبوه وعاقبهم بالرجفة: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾
عباد الله: هذا بعض عذاب الله وعقابه للأمم والدول قبلنا في الدنيا ، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴾
أيها المسلمون: إن هؤلاء الأقوام أتوا بأسباب العذاب فأهلكهم الله بأفعالهم وأعمالهم.
وليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا واسطة، فنحن أيضاً لو أتينا بأسباب عذاب الله لعذبنا.
ووالله لقد أتينا الكثير والكثير منها ، فإن الله يهلكنا كما أهلك غيرنا ، ويسلط علينا عقوباته في الدنيا قبل الآخرة ، كما سلطه على غيرنا.
فلنتق الله أيها المسلمون ، ولنأخذ بأسباب النجاة ، فإن هلاك الإنسان ونجاته بيده.
أيها المسلمون: إن لهلاك الأمم وخراب الدول وشقاء المجتمع أسباب.
وسوف نحاول بعد توفيق الله عز وجل أن نتعرف على هذه الأسباب ، لكي نحذرها ولا نغفل عنها إن لم تكن موجودة فينا ، وأن نتوب منها ونجتنبها ، إن كنا واقعين فيها.
فإن الله سبحانه وتعالى عندما أهلك بعض الأقوام والأمم قبلنا ، لم يهلكهم إلا لأسباب وأمور فعلوها ، كانوا قد حُذّروا منها ، فبعد أن تمادوا كان لابد من هلاكهم.
وإن اول أسباب هلاك الأمم ، ما ورد في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها ،أن رسول الله ﷺ دخل عليها يوماً فزعاً يقول: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ!؟ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)) رواه البخاري ومسلم.
الشاهد من الحديث: ((أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)).
إذا كثر الخبث فإن الله يهلك القوم جميعاً, الملتزم وغير الملتزم العالِم والجاهل كلهم يعمهم العقاب لأنهم لم يمنعوا الخبائث من الإنتشار ولم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ولذلك استحق الجميع العقاب.
إذاً من أسباب هلاك الأمم ، كثرة الخبث.
الرسول ﷺ يرسم لنا في هذا الحديث سنة إلهية في هلاك الأمم وخراب البلدان والدول والحضارات ،هذه السنة هي إذا كثر الخبث فإنه مؤذن بخراب الأمم.
وهذه السنة لا يمكن أن تتخلف ، لأن الذي أخبر بها هو رسول الله ﷺ.
تأملوا رحمكم الله في واقعنا ، وانظروا إلى أحوال مجتمعاتنا ، هل كثر فينا الخبث أم لا.
بل إن واقعنا خبث كله - نسأل الله العافية - إلا من رحم الله عز وجل.
إن وجود الخبث أمر طبيعي في كل مجتمع ، حتى مجتمع الصحابة كان فيه بعض المخالفات وبعض الأخطاء أحياناً،أما أن يكثر ، فإذا كثر الخبث ، كان إيذاناً بهلاك القوم.
أيها المسلمون: إن هناك علاقة بين كثرة الخبث ، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فالخبث لا يكثر إلا إذا تُرِكَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو حُد من عمله أو ضيق عليه.
والرسول ﷺ أخبر في غير ما حديث بذلك ، وأن كثرة الخبث يكون بترك الأمر والنهي.
فقال: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يَعْمَلُ فِيهُمْ بِالْمَعَاصِي ، يَقَدْرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ وَلا يُغَيِّرُوا ، إِلا أَصَابَهُمُ الِلَّهِ بِعِقَابٍ قَبْلُ أَنْ يَمُوتُوا))
وقال ﷺ في حديث حذيفة: ((وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)).
وهذا العقاب هو (أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟).
أيها المؤمنون: وصل الخَبث إلى حد في مجتمعنا حتى صار أمراً طبيعياً ، فكم من الأشياء كنا نستقبحها في الماضي، صارت جزء من حياتنا الآن.
بل زاد الأمر سوءاً ، حتى صرنا نخجل من تغييرها. صار المنكر، وصار الخبث هو الأصل،
وصار محاولة إنكاره هو الذي يخجل منه حتى أصبحت أموراً لا تلفت نظر الناس.
ثم تطور الأمر بعد ذلك، فصرنا نبحث عن مسوغات وفتاوى تبيح لنا ذلك.
إن الخبث يا عباد الله ، إذا انتشر وإن كان الذي يعمل به القليل ، لكن انتشاره يضر الخاص والعام.
فإذا تأملنا هذا الحديث ، وإذا وقفنا مع ما قاله الرسول ﷺ.
فإنه يجب أن يصيبنا الخوف، والله لابد أن نخاف ، لأن سنة الله تمضي على الجميع ، والمتأمل حال العالم الإسلامي كله ، يرى من أصيب بأرضه، ومن أصيب بأهله ، ومن أصيب بماله.
بعض الناس ، قد يفسر هذه المصائب في العالم الإسلامي بتفسيرات قريبة، وهو تسلط الأعداء ، وتسلط الغرب علينا، وهذا صحيح ، لا يمكن أن نغفل عنه ،
لكن لابد أن ننتبه للسبب الشرعي أيضاً ، وهو كثرة الخبث ، وأن خراب البلدان، وسقوط الدول ، يكون بكثرة الخبث، ((أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)).
فاتقوا الله أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى: فإن الخبث والمنكرات قد فشت وعمت وطمت في بلاد المسلمين، والمصيبة أن القلة القليلة هي التي تتضايق وتحاول الإنكار ، والغالب لا يرفع رأساً للتغيير.
لقد انتشرت اليوم الأغاني والمراقص في بلاد المسلمين والتضييق على المصلحين، الواجب الآن على الجميع أن يغاروا على دينهم، لا تقل أنا لست بملتزم! ألست مسلماً ؟ إذن يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : ﴿ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ﴾ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
هل قال يجب على الملتزم فقط؟
من رأى منكم أنتم أيها المسلمين
يا عبدالله: يجب أن تكون غيرتك على الإسلام أشد من غيرتك على محارمك، لا تقل أنا لا دخل لي فإن العقوبة إذا حلت لن تترك أحدا.
إننا في زمن غيرت فيه المفاهيم وسُميت المحرمات بغير إسمها ليستحلوها!
فالربا يسمونه بيع!
والرشوة يسموها هديه!
ومحاربة الإسلام يسمونها حرية!
والأغاني والرقص يسمونه ترفيه!
متى كان المسلم يترفه بمعصية الله؟
ومتى كان المسلم يرى المنكرات ولا ينكرها؟
فاتق الله في نفسك يا عبد الله ، وانظر إلى نفسك كم مرة اجتهدت في تغيير الخبث في بيتك ، وفي شارعك، وفي وطنك؟ هل ننتظر حتى يأتي غيرك من الخارج ويغير الخبث في بيتك.
لا تكن يا عبد الله سبباً في هلاك الناس ، بسبب الخبث الذي تُحدثه والخبث الذي تسكت عنه.
لا يكفي يا قوم هز الرأس أو زم الشفتين، أو ترديد قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، إذا سمعنا أو رأينا الخبث ،
فإن هز الرؤوس لا يرفع غضب الله، إن هز الرؤوس لا ينجي المجتمع من الهلاك، ولن ينجي السفينة من الغرق.
يقول ﷺ : ﴿ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ﴾.
وقال تعالى ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾
وقال عز وجل: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ، وعلى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله وتمسكوا بأسباب النجاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : بعض الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلا في الحرية الشخصية , وهذا خطأ فليس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء من التدخل في مصالح الآخرين، وإنما هو توجيههم وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح لمصالحهم، فيما يعود عليهم بالنفع في حياتهم الدنيوية والأخروية.
ولا يكون الإنسان بحال من الأحوال مهتدياً مستقيماً على طاعة الله -تبارك وتعالى- إلا إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وإلا فإن الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله -عز وجل- على ألسنة الرسل، ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ )ـ
فلَيَقُومُ كُلٌّ مِنَّا بِحَسْبِ اسْتِطَاعَتِهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ،
لِأَنَّ فُشُوَ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْبَلَاءِ ,
قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهم ﴾
وَقَالَ ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا !
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ،
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا !
اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ !
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن !
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وتمسكوا بدينكم لتفوزوا برضا ربكم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾
عباد الله : كلنا يعلم بأن الله رؤوف رحيم بعباده، وأن الله أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا، أرأيتم عطف الوالد الحنون على ولده الصغير إذا مرض، فإن رحمة الله عز وجل وحلمه بنا أكبر من عطف الوالد بولده.
لكن أيها الأخوة: هناك سنن كونية ثابتة في هذا الكون ، والذي جعل هذه السنن ثابتة هو الله العزيز الحكيم.
فهذه السنن لن تتبدل ، ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾
فمن ذلك يا عباد الله ، بعض الأمور التي لو وقعت من العباد وفعلوها كانت سبباً في إنزال الهلاك والدمار بهم ، فالله عز وجل ، كما قلنا أنه غفور رحيم ، لكنه عز وجل أيضاً شديد العقاب،
فالله يغار على دينه ، والله يغار على أوامره أن تنتهك ، وهو عز وجل يمهل ولا يهمل.
يرشد العباد إلى توحيده واتباع أوامره، فإن أطاعوا كان لهم السعادة في الدنيا والآخرة ، وإن هم خالفوا وعصوا وأتوا بأسباب العذاب سلط الله عليهم بأسه وغضبه ، وعندها لا يلوم الناس إلا أنفسهم.
عباد الله: اعلموا أن عذاب الله وعقابه للأمم ليس بنوع واحد ولا لون معين ، بل جرت سنة الله تعالى في تنويعه على ألوان مختلفة متنوعة ، فقد يكون الهلاك بصاعقة أو بغرق ، أو يكون فيضاناً أو ريحاً أو خسفاً أو قحطاً ومجاعة ، أو ارتفاعاً بالأسعار أو أمراضاً ، أو ظلماً وجوراً ، وذلك بأن يسلط على بعض عباده مسؤولون ظلمة ، يسومون الناس سوء العذاب ، أو يكون فتناً بين الناس واختلافاً أو مسخاً في الصور، كما فعل ببني إسرائيل فمسخهم قردة وخنازير أو مطراً بالحجارة ، أو رجفة ، فالكل عقاب من الله تعالى وعذاب يرسله على من يشاء من عباده تأديباً لهم وردعاً لغيرهم.
وقد جاءت كل هذه الأنواع في القرآن الكريم والسنة المطهرة ،
فاقرأوا مثلاً قول الله عز وجل في من عاقبهم بالصاعقة: ﴿ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ ﴾
ويقول في الغرق: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾
ويقول في الفيضان والطوفان: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾
ويقول في الريح: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾
ويقول في الخسف:﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ﴾
ويقول في القحط والمجاعات وارتفاع الأسعار وانتشار الأمراض:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾
ويقول عز وجل في الظلم : ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾
ويقول سبحانه: ﴿إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾
ويقول في الفتن بين الناس والاختلاف والتحزّب والعذاب العام: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
وقال تعالى في مسخ اليهود قردة وخنازير: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾
ويقول تعالى في المطر بالحجارة: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾
ويقول في قوم شعيب لما كذبوه وعاقبهم بالرجفة: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾
عباد الله: هذا بعض عذاب الله وعقابه للأمم والدول قبلنا في الدنيا ، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴾
أيها المسلمون: إن هؤلاء الأقوام أتوا بأسباب العذاب فأهلكهم الله بأفعالهم وأعمالهم.
وليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا واسطة، فنحن أيضاً لو أتينا بأسباب عذاب الله لعذبنا.
ووالله لقد أتينا الكثير والكثير منها ، فإن الله يهلكنا كما أهلك غيرنا ، ويسلط علينا عقوباته في الدنيا قبل الآخرة ، كما سلطه على غيرنا.
فلنتق الله أيها المسلمون ، ولنأخذ بأسباب النجاة ، فإن هلاك الإنسان ونجاته بيده.
أيها المسلمون: إن لهلاك الأمم وخراب الدول وشقاء المجتمع أسباب.
وسوف نحاول بعد توفيق الله عز وجل أن نتعرف على هذه الأسباب ، لكي نحذرها ولا نغفل عنها إن لم تكن موجودة فينا ، وأن نتوب منها ونجتنبها ، إن كنا واقعين فيها.
فإن الله سبحانه وتعالى عندما أهلك بعض الأقوام والأمم قبلنا ، لم يهلكهم إلا لأسباب وأمور فعلوها ، كانوا قد حُذّروا منها ، فبعد أن تمادوا كان لابد من هلاكهم.
وإن اول أسباب هلاك الأمم ، ما ورد في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها ،أن رسول الله ﷺ دخل عليها يوماً فزعاً يقول: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ!؟ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)) رواه البخاري ومسلم.
الشاهد من الحديث: ((أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)).
إذا كثر الخبث فإن الله يهلك القوم جميعاً, الملتزم وغير الملتزم العالِم والجاهل كلهم يعمهم العقاب لأنهم لم يمنعوا الخبائث من الإنتشار ولم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ولذلك استحق الجميع العقاب.
إذاً من أسباب هلاك الأمم ، كثرة الخبث.
الرسول ﷺ يرسم لنا في هذا الحديث سنة إلهية في هلاك الأمم وخراب البلدان والدول والحضارات ،هذه السنة هي إذا كثر الخبث فإنه مؤذن بخراب الأمم.
وهذه السنة لا يمكن أن تتخلف ، لأن الذي أخبر بها هو رسول الله ﷺ.
تأملوا رحمكم الله في واقعنا ، وانظروا إلى أحوال مجتمعاتنا ، هل كثر فينا الخبث أم لا.
بل إن واقعنا خبث كله - نسأل الله العافية - إلا من رحم الله عز وجل.
إن وجود الخبث أمر طبيعي في كل مجتمع ، حتى مجتمع الصحابة كان فيه بعض المخالفات وبعض الأخطاء أحياناً،أما أن يكثر ، فإذا كثر الخبث ، كان إيذاناً بهلاك القوم.
أيها المسلمون: إن هناك علاقة بين كثرة الخبث ، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فالخبث لا يكثر إلا إذا تُرِكَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو حُد من عمله أو ضيق عليه.
والرسول ﷺ أخبر في غير ما حديث بذلك ، وأن كثرة الخبث يكون بترك الأمر والنهي.
فقال: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يَعْمَلُ فِيهُمْ بِالْمَعَاصِي ، يَقَدْرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ وَلا يُغَيِّرُوا ، إِلا أَصَابَهُمُ الِلَّهِ بِعِقَابٍ قَبْلُ أَنْ يَمُوتُوا))
وقال ﷺ في حديث حذيفة: ((وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)).
وهذا العقاب هو (أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟).
أيها المؤمنون: وصل الخَبث إلى حد في مجتمعنا حتى صار أمراً طبيعياً ، فكم من الأشياء كنا نستقبحها في الماضي، صارت جزء من حياتنا الآن.
بل زاد الأمر سوءاً ، حتى صرنا نخجل من تغييرها. صار المنكر، وصار الخبث هو الأصل،
وصار محاولة إنكاره هو الذي يخجل منه حتى أصبحت أموراً لا تلفت نظر الناس.
ثم تطور الأمر بعد ذلك، فصرنا نبحث عن مسوغات وفتاوى تبيح لنا ذلك.
إن الخبث يا عباد الله ، إذا انتشر وإن كان الذي يعمل به القليل ، لكن انتشاره يضر الخاص والعام.
فإذا تأملنا هذا الحديث ، وإذا وقفنا مع ما قاله الرسول ﷺ.
فإنه يجب أن يصيبنا الخوف، والله لابد أن نخاف ، لأن سنة الله تمضي على الجميع ، والمتأمل حال العالم الإسلامي كله ، يرى من أصيب بأرضه، ومن أصيب بأهله ، ومن أصيب بماله.
بعض الناس ، قد يفسر هذه المصائب في العالم الإسلامي بتفسيرات قريبة، وهو تسلط الأعداء ، وتسلط الغرب علينا، وهذا صحيح ، لا يمكن أن نغفل عنه ،
لكن لابد أن ننتبه للسبب الشرعي أيضاً ، وهو كثرة الخبث ، وأن خراب البلدان، وسقوط الدول ، يكون بكثرة الخبث، ((أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ)).
فاتقوا الله أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى: فإن الخبث والمنكرات قد فشت وعمت وطمت في بلاد المسلمين، والمصيبة أن القلة القليلة هي التي تتضايق وتحاول الإنكار ، والغالب لا يرفع رأساً للتغيير.
لقد انتشرت اليوم الأغاني والمراقص في بلاد المسلمين والتضييق على المصلحين، الواجب الآن على الجميع أن يغاروا على دينهم، لا تقل أنا لست بملتزم! ألست مسلماً ؟ إذن يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : ﴿ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ﴾ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
هل قال يجب على الملتزم فقط؟
من رأى منكم أنتم أيها المسلمين
يا عبدالله: يجب أن تكون غيرتك على الإسلام أشد من غيرتك على محارمك، لا تقل أنا لا دخل لي فإن العقوبة إذا حلت لن تترك أحدا.
إننا في زمن غيرت فيه المفاهيم وسُميت المحرمات بغير إسمها ليستحلوها!
فالربا يسمونه بيع!
والرشوة يسموها هديه!
ومحاربة الإسلام يسمونها حرية!
والأغاني والرقص يسمونه ترفيه!
متى كان المسلم يترفه بمعصية الله؟
ومتى كان المسلم يرى المنكرات ولا ينكرها؟
فاتق الله في نفسك يا عبد الله ، وانظر إلى نفسك كم مرة اجتهدت في تغيير الخبث في بيتك ، وفي شارعك، وفي وطنك؟ هل ننتظر حتى يأتي غيرك من الخارج ويغير الخبث في بيتك.
لا تكن يا عبد الله سبباً في هلاك الناس ، بسبب الخبث الذي تُحدثه والخبث الذي تسكت عنه.
لا يكفي يا قوم هز الرأس أو زم الشفتين، أو ترديد قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، إذا سمعنا أو رأينا الخبث ،
فإن هز الرؤوس لا يرفع غضب الله، إن هز الرؤوس لا ينجي المجتمع من الهلاك، ولن ينجي السفينة من الغرق.
يقول ﷺ : ﴿ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ﴾.
وقال تعالى ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾
وقال عز وجل: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ، وعلى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله وتمسكوا بأسباب النجاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : بعض الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلا في الحرية الشخصية , وهذا خطأ فليس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء من التدخل في مصالح الآخرين، وإنما هو توجيههم وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح لمصالحهم، فيما يعود عليهم بالنفع في حياتهم الدنيوية والأخروية.
ولا يكون الإنسان بحال من الأحوال مهتدياً مستقيماً على طاعة الله -تبارك وتعالى- إلا إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وإلا فإن الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله -عز وجل- على ألسنة الرسل، ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ )ـ
فلَيَقُومُ كُلٌّ مِنَّا بِحَسْبِ اسْتِطَاعَتِهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ،
لِأَنَّ فُشُوَ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْبَلَاءِ ,
قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهم ﴾
وَقَالَ ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا !
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ،
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا !
اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ !
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن !
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الخطبة منسقة
https://docs.google.com/document/d/1k0_Pg4lrDdNwAm4VR_sbtZSKAyOKh6KTCdRzSfH5dPA/edit?usp=drivesdk