أسباب النصر الخمسة
عبدالله بن رجا الروقي
1436/06/19 - 2015/04/08 11:55AM
خطبة أسباب النصر الخمسة
الحمدلله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
أما بعد ، فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه ﷺ بالجهاد جهادِ السيف والسنان ، وجهادِ العلم والبيان ، وأمتُه تبع له في ذلك فقال تعالى في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
فكانت عاقبة المؤمنين في جهادهم في سبيل الله إحدى الحسنيين إما النصر ، وإما الشهادة.
وقد جعل الله عزوجل للنصر في قتال الأعداء أسبابًا ترجع كلها إلى خمسة أسباب ذكرها الله في آيتين من سورة الأنفال ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) أي : جماعة كافرة.
( فاثبتوا ) لقتالهم فلاتجبنوا ولا تهربوا ، وهذا السبب الأول وهو متضمن للنهي عن الانهزام وهو من كبائر الذنوب قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
قوله تعالى: ( واذكروا الله كثيرا ) هذا السبب الثاني من أسباب النصر وهو الإكثار من ذكر الله عند لقاء العدو ولاشك أنه موطن خوف وفزع لكن السعيد من وفق لذكر الله فيه كثيرا .
ويدخل في ذكر الله تعالى الدعاء قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ ومن الأدعية ماكان يدعو به النبي ﷺ : اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم.
( لعلكم تفلحون ) أي : فيما ترجونه من النصر على عدوكم.
قوله تعالى:( وأطيعوا الله ورسوله ) هذا هو السبب الثالث وهو أمر بفعل كل ما أوجب الله ، وترك كل ماحرم الله فإن أعظم أسباب النصر طاعة الله قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
وقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
وأعظم أسباب الخذلان معصية الله قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
" يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم أحد ، وما الذي أوجب لهم الفرار، وأنه من تسويل الشيطان، وأنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم. فهم الذين أدخلوه على أنفسهم، ومكنوه بما فعلوا من المعاصي، لأنها مركبه ومدخله، فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان " [ تفسير ابن سعدي ].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
فإذا آمنا بالله ونصرناه بنصر شريعته فإن النصر سيكون حليفَنا مهما كان أعداؤنا ، قال تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ .
ونصرنا لله لا يكون بمجرد سلامة العقيدة ، فلا بد مع سلامة العقيدة من عمل صالح ولهذا جاء في الآية بيان أولياء الله الذين يستحقون نصر الله بأنهم (الَّذِينَ آَمَنُوا) وهذه هي العقيدة (وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وهذا هو العمل.
وفي غزوة أُحد التي كانت بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه، وبين المشركين - كلنا لا نشك في سلامة العقيدة وحسن النية في الطرف الذين هم المؤمنون، ولكن وقعت منهم معصية قد تكون ناتجة عن تأويل فكان النصر في أول النهار للمؤمنين، وكان العكس في آخر النهار كما هو معلوم...
والمهم أن معصية واحدة أدت بهذا النصر إلى الخذلان.
فإذا كانت هذه المعصية في جند الله- عز وجل- وفيهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أثرت عليهم هذا التأثير قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) يعنى: فاتكم النصر : ففي هذا عبرة بأن المعاصي لها تأثير في خذلان المرء أمام نفسه، وأمام عدوه .
انتهى كلامه رحمه الله. [ فتاوي ابن عثيمين : 25/507 بتصرف ]
عباد الله: ما استجُلب النصر بمثل طاعة الله ، ولا وقعت الهزيمة بمثل معصية الله.
وأعظم طاعة هي توحيد الله وإرادة وجهه سبحانه في كل عمل ، فالمجاهد المسلم يريد بجهاده إعلاء كلمة الله ، قال ﷺ : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله . متفق عليه.
وليُعلم أن من جاهد عن وطنه لأنه وطن إسلامي فهو في سبيل الله ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه :
" قال عز وجل-: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)
ولا يدخل في ذلك من قاتل للوطنية المحضة أو القومية، وانتبه لقولي الوطنية المحضة؛ لأن الإنسان إذا قاتل من أجل وطنه لكونه وطنا إسلاميًا؛ ولأجل أن تبقى كلمة الله تعالى فيه هي العليا، فإن ذلك لا ينافي صحة النية والعقيدة، وهو داخل في القتال في سبيل الله تعالى.
أما من قاتل عن وطنه لأنه وطنه فقط فلا فرق بينه وبين قتال الكافر الذي يقاتل عن وطنه، لأنه وطنه.
وأرجو أيها الأخوة أن تكون نيتنا في القتال عن وطننا، لا لمجرد كونه وطنًا لنا ولكن من أجل أنه وطن الإسلام " انتهى من فتاويه 25/50
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
...أما بعد ، فيقول الله تعالى في آيتي الأنفال السابقِ ذكرُها ( ولا تنازعوا ) أي لا تختلفوا وهذا هو السبب الرابع من أسباب النصر وهو الاجتماع والائتلاف وترك كل سبب يؤدي للتخاصم والاختلاف.
( فتفشلوا ) أي : تجبنوا وتضعفوا ،
( وتذهب ريحكم ) أي اجتماعكم وقوتكم. .
قوله تعالى ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) هذا هو السبب الخامس وهو الصبر ، وكل الطاعات تحتاج إلى صبر وخاصة الجهاد في سبيل فإن المجاهد يعرض نفسه للجراح والموت فيحتاج إلى صبر ومصابرة في هذا الموطن الشريف ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
وقال ﷺ : " يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ". رواه البخاري ومسلم.
وأختم بما قاله ابن القيم رحمه عند هاتين الآيتين في خاتمة كتابه الفروسية ، قال رحمه الله:
" فَأمر الْمُجَاهدين فِيهَا بِخَمْسَة أَشْيَاء مَا اجْتمعت فِي فِئَة قطّ إِلَّا نُصرت وَإِن قلت وَكثر عدوها:
أَحدهَا : الثَّبَات.
الثَّانِي : كَثْرَة ذكره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الثَّالِث : طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله.
الرَّابِع : اتِّفَاق الْكَلِمَة وَعدم التَّنَازُع الَّذِي يُوجب الفشل والوهن وَهُوَ جند يُقَوي بِهِ المتنازعون عدوهم عَلَيْهِم فَإِنَّهُم فِي اجْتِمَاعهم كالحزمة من السِّهَام لَا يَسْتَطِيع أحد كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا كلهَا.
الْخَامِس : ملاك ذَلِك كُله وقوامه وأساسه وَهُوَ الصَّبْر
فَهَذِهِ خَمْسَة أَشْيَاء تبتنى عَلَيْهَا قبَّة النَّصْر وَمَتى زَالَت أَو بَعْضهَا زَالَ من النَّصْر بِحَسب مَا نقص مِنْهَا وَإِذا اجْتمعت قوى بَعْضهَا بَعْضًا وَصَارَ لَهَا أثر عَظِيم فِي النَّصْر وَلما اجْتمعت فِي الصَّحَابَة لم تقم لَهُم أمة من الْأُمَم وفتحوا الدُّنْيَا ودانت لَهُم الْعباد والْبِلَاد وَلما تَفَرَّقت فِيمَن بعدهمْ وضعفت آل الْأَمر إِلَى مَا آل ، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. انتهى كلامه رحمه الله.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم يسر لنا الصالحات ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم....
الحمدلله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
أما بعد ، فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه ﷺ بالجهاد جهادِ السيف والسنان ، وجهادِ العلم والبيان ، وأمتُه تبع له في ذلك فقال تعالى في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
فكانت عاقبة المؤمنين في جهادهم في سبيل الله إحدى الحسنيين إما النصر ، وإما الشهادة.
وقد جعل الله عزوجل للنصر في قتال الأعداء أسبابًا ترجع كلها إلى خمسة أسباب ذكرها الله في آيتين من سورة الأنفال ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) أي : جماعة كافرة.
( فاثبتوا ) لقتالهم فلاتجبنوا ولا تهربوا ، وهذا السبب الأول وهو متضمن للنهي عن الانهزام وهو من كبائر الذنوب قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
قوله تعالى: ( واذكروا الله كثيرا ) هذا السبب الثاني من أسباب النصر وهو الإكثار من ذكر الله عند لقاء العدو ولاشك أنه موطن خوف وفزع لكن السعيد من وفق لذكر الله فيه كثيرا .
ويدخل في ذكر الله تعالى الدعاء قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ ومن الأدعية ماكان يدعو به النبي ﷺ : اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم.
( لعلكم تفلحون ) أي : فيما ترجونه من النصر على عدوكم.
قوله تعالى:( وأطيعوا الله ورسوله ) هذا هو السبب الثالث وهو أمر بفعل كل ما أوجب الله ، وترك كل ماحرم الله فإن أعظم أسباب النصر طاعة الله قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
وقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
وأعظم أسباب الخذلان معصية الله قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
" يخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم أحد ، وما الذي أوجب لهم الفرار، وأنه من تسويل الشيطان، وأنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم. فهم الذين أدخلوه على أنفسهم، ومكنوه بما فعلوا من المعاصي، لأنها مركبه ومدخله، فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان " [ تفسير ابن سعدي ].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
فإذا آمنا بالله ونصرناه بنصر شريعته فإن النصر سيكون حليفَنا مهما كان أعداؤنا ، قال تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ .
ونصرنا لله لا يكون بمجرد سلامة العقيدة ، فلا بد مع سلامة العقيدة من عمل صالح ولهذا جاء في الآية بيان أولياء الله الذين يستحقون نصر الله بأنهم (الَّذِينَ آَمَنُوا) وهذه هي العقيدة (وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وهذا هو العمل.
وفي غزوة أُحد التي كانت بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه، وبين المشركين - كلنا لا نشك في سلامة العقيدة وحسن النية في الطرف الذين هم المؤمنون، ولكن وقعت منهم معصية قد تكون ناتجة عن تأويل فكان النصر في أول النهار للمؤمنين، وكان العكس في آخر النهار كما هو معلوم...
والمهم أن معصية واحدة أدت بهذا النصر إلى الخذلان.
فإذا كانت هذه المعصية في جند الله- عز وجل- وفيهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أثرت عليهم هذا التأثير قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) يعنى: فاتكم النصر : ففي هذا عبرة بأن المعاصي لها تأثير في خذلان المرء أمام نفسه، وأمام عدوه .
انتهى كلامه رحمه الله. [ فتاوي ابن عثيمين : 25/507 بتصرف ]
عباد الله: ما استجُلب النصر بمثل طاعة الله ، ولا وقعت الهزيمة بمثل معصية الله.
وأعظم طاعة هي توحيد الله وإرادة وجهه سبحانه في كل عمل ، فالمجاهد المسلم يريد بجهاده إعلاء كلمة الله ، قال ﷺ : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله . متفق عليه.
وليُعلم أن من جاهد عن وطنه لأنه وطن إسلامي فهو في سبيل الله ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه :
" قال عز وجل-: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)
ولا يدخل في ذلك من قاتل للوطنية المحضة أو القومية، وانتبه لقولي الوطنية المحضة؛ لأن الإنسان إذا قاتل من أجل وطنه لكونه وطنا إسلاميًا؛ ولأجل أن تبقى كلمة الله تعالى فيه هي العليا، فإن ذلك لا ينافي صحة النية والعقيدة، وهو داخل في القتال في سبيل الله تعالى.
أما من قاتل عن وطنه لأنه وطنه فقط فلا فرق بينه وبين قتال الكافر الذي يقاتل عن وطنه، لأنه وطنه.
وأرجو أيها الأخوة أن تكون نيتنا في القتال عن وطننا، لا لمجرد كونه وطنًا لنا ولكن من أجل أنه وطن الإسلام " انتهى من فتاويه 25/50
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
...أما بعد ، فيقول الله تعالى في آيتي الأنفال السابقِ ذكرُها ( ولا تنازعوا ) أي لا تختلفوا وهذا هو السبب الرابع من أسباب النصر وهو الاجتماع والائتلاف وترك كل سبب يؤدي للتخاصم والاختلاف.
( فتفشلوا ) أي : تجبنوا وتضعفوا ،
( وتذهب ريحكم ) أي اجتماعكم وقوتكم. .
قوله تعالى ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) هذا هو السبب الخامس وهو الصبر ، وكل الطاعات تحتاج إلى صبر وخاصة الجهاد في سبيل فإن المجاهد يعرض نفسه للجراح والموت فيحتاج إلى صبر ومصابرة في هذا الموطن الشريف ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
وقال ﷺ : " يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ". رواه البخاري ومسلم.
وأختم بما قاله ابن القيم رحمه عند هاتين الآيتين في خاتمة كتابه الفروسية ، قال رحمه الله:
" فَأمر الْمُجَاهدين فِيهَا بِخَمْسَة أَشْيَاء مَا اجْتمعت فِي فِئَة قطّ إِلَّا نُصرت وَإِن قلت وَكثر عدوها:
أَحدهَا : الثَّبَات.
الثَّانِي : كَثْرَة ذكره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الثَّالِث : طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله.
الرَّابِع : اتِّفَاق الْكَلِمَة وَعدم التَّنَازُع الَّذِي يُوجب الفشل والوهن وَهُوَ جند يُقَوي بِهِ المتنازعون عدوهم عَلَيْهِم فَإِنَّهُم فِي اجْتِمَاعهم كالحزمة من السِّهَام لَا يَسْتَطِيع أحد كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا كلهَا.
الْخَامِس : ملاك ذَلِك كُله وقوامه وأساسه وَهُوَ الصَّبْر
فَهَذِهِ خَمْسَة أَشْيَاء تبتنى عَلَيْهَا قبَّة النَّصْر وَمَتى زَالَت أَو بَعْضهَا زَالَ من النَّصْر بِحَسب مَا نقص مِنْهَا وَإِذا اجْتمعت قوى بَعْضهَا بَعْضًا وَصَارَ لَهَا أثر عَظِيم فِي النَّصْر وَلما اجْتمعت فِي الصَّحَابَة لم تقم لَهُم أمة من الْأُمَم وفتحوا الدُّنْيَا ودانت لَهُم الْعباد والْبِلَاد وَلما تَفَرَّقت فِيمَن بعدهمْ وضعفت آل الْأَمر إِلَى مَا آل ، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. انتهى كلامه رحمه الله.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم يسر لنا الصالحات ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم....