أسباب الرزق
سلطان الحصين
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102]
أَيُّهَا الأحبةُ في اللهِ: إِنَّ مِنَ الهُمُومِ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، مَسْأَلَةَ الرِّزْقِ وَالبَحْث عَنْ لُقْمَةِ العَيْشِ، وَإِنَّ لِلرِّزْقِ أَسْبَابًا مَتَى أَخَذَ المُسْلِمُ بِهَا؛ أُعِينَ عَلَى تَحْقِيقِهِ ووُفِّقَ إليه، وبُوركَ له فيه، ومِنْ أَهَمِّهَا
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّـرِّ وَالعَلَنِ، وَالخَوْفُ مِنْهُ وَامْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ، وَالبُعْدُ عَنِ المَعَاصِي، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [سورة الطلاق:2-3]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله "أَيْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَتَرَكَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ؛ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[سورة الأعراف:96] .
أيها الإخوةُ في اللهِ: وَمِنَ الأَسْبَابِ الجالبةِ للرِّزْقِ: صِلَةُ الرَّحِمِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَعْنَاهُ: تَقْدِيمُ الإِحْسَانِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ حِسِّيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً، وَسَوَاءً كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا نِسَاءً أَوْ رِجَالاً، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»، وَلِهَذَا بَوَّبَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ: بَابٌ مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُدَخِّرُهُ لَهُ فِي الآخِرَةِ لَهُ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالخِيَانَةِ، وَالكَذِبِ، وَإِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ البَيْتِ لَيَكُونُوا فَجَرَةً، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ، إِذَا تَوَاصَلُوا» أخرجه أبو داود
وَمِنْ أَسْبَابِ فَتْحِ أَبْوَابِ الرِّزْقِ والتوفيقِ إليهِ أيضاً: الإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَمَتَى مَا أَنْفَقْتَ مِنْ مَالِكَ يَا عَبْدَ اللهِ كَانَ ذَلِكَ سَبَباً لِكَثْرَتِهِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ صَحِيحَةٌ فِي بَابِ الرِّزْقِ، كُلَّمَا أَخْرَجْتَ زَادَ المَالُ لاَ كَمَا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَنْقُصُ إِذَا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة سبأ:39]، جاءَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أَيْ مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَكُمْ، فَهُوَ يُخْلِفُكُمْ وَيُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْبَدَلِ، وَفِي الآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، وَلِذَا لَمَّا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة:268]
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله: "إِنَّ وَعْدَ الشَّيْطَانِ لِابْنِ آدَمَ بِالْفَقْرِ لَيْسَ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَصِيحَةً لَهُ، وَأَمَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يَعِدُ عَبْدَهُ مَغْفِرَةً مِنْهُ لِذُنُوبِهِ وَفَضْلاً بِأَنْ يُخْلِفَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَنفَقَ وَأَضْعَافَهُ، إِمَّا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفِي الحَدِيثِ القُدُسِي يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ»، متفق عليه، وَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفًا»، أخرجه البُخَارِيُّ
.عبادَ اللهِ: وَمِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ أَيْضاً؛ العِنَايَةُ بِالضُّعَفَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ» أخرجه البُخَارِيُّ
. أُمَّةَ الإِسْلاَمِ: هَذِهِ بَعْضُ الأَسْبَابِ المُعِينَةِ عَلَى الكَسْبِ الطَّيِّبِ والتوفيقِ للرزقِ، فَالْزَمُوهَا تُفْلِحُوا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة سبأ:39]
َ.بارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيم،ِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيم، أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية
:الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ
عِبَادَ الله: وَمِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ أَيْضًا؛ التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ حَقَّ التَّوَكُّلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ القَلْبُ عَلَى اللهِ وَحْدَهُ، فَتُظْهِرُ أَيُّهَا العَبْدُ عَجْزَكَ وَاعْتِمَادَكَ عَلَى خَالِقِكَ، أخرجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَانًا
.ابن آدم: أحبب ما شئت فإنك مُفارقهُ، وأعمل ما شئت فإنك مُلاقيه، وكن كما شئت فكما تَدِين تُدَان
ثُمَّ صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى رَسُوْلِ الرَّحْمَةِ والهُدَى، امْتِثَالاً لِأَمْرِ اللهِ لَكْم حَيْثُ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]
. اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين
___
المرفقات
1625681479_أسباب الرزق.docx
1625681480_أسباب الرزق.pdf