أسئلة وأجوبة حول العين

عبدالإله بن سعود الجدوع
1442/11/21 - 2021/07/01 21:57PM

إنَّ من محاسن شريعة الإسلام -وكلها محاسن- أنها جعلت قاعدة منع الضرر والضرار من أصول قواعد الشريعة، ومن مجالات التطبيق العملي لهذه القاعدة الجليلة حرصُ المسلم على أن لا يصيب أحد بالعين ولا يُعانَ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وهل الإصابة بالعين حقيقة أم خرافات ؟ فالجواب أنها حقيقة وجاءت الأدلة الصحيحة بصحتها ووجودها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( "العين حق، ولو كان شيءٌ سابقَ القدر لسبقته العين ) رواه الإمام مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: "العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر". حسنه الألباني
أي أنها تصيب الرجل فتقتله فيدفن في القبر، وتصيب الجمل فيشرف على الموت فيذبح ويطبخ في القدر.
واغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ - أي عذراءٍ -، فَلُبِطَ سَهْلٌ - أي صُرعَ وسَقطَ على الأرضِ - فَأُتِيَ به لرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ؟ قَالَ : "هلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلاّ إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ "- أَيْ دعوتَ له بالبركةِ -، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اغْتَسِلْ لَهُ" فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَى سهل يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. ويبدو للجميعِ واضحاً من هذه الحادثةِ: أن من أسبابِ العينِ تكشف الجسم ؛ فها هو سهلٌ - رضي الله عنه - يغتسلُ مُستتراً بعيداً عن نظرِ الناسِ، ولما وقعتْ عينُ عامرِ بنِ ربيعةَ عليه دونَ عمدٍ، ورأى حُسنَ جلدِه، وقالَ ما قالَ، وهو الصديقُ المُحب، صُرعَ سهلٌ رضي الله عنه وسقطَ مَغشياً عليه. ، فهذه رسالةٌ إلى من لا يُبالونَ بسترِ عوراتِ الأبناءِ والبناتِ، وإلى الذين يتساهلونَ في كشفِ أفخاذِهم وصدورِهم، وإلى النساءِ اللاّتي يكشفن أجسادَهنّ في الأعراسِ بلبسِ الفاضحِ من اللباسِ؛ أو إلباس أطفالهم المتكشف جدا ، فهذا رجلٌ كبيرٌ قويٌ أصابَه ما أصابَه من صديقٍ بسببِ رؤيةِ جُزءٍ من جسمِه، فكيفَ بحاسدٍ ينظرُ إلى محاسنِ الضُعفاءِ من النساءِ والصغارِ.   أيها الكرام : كيف نتقي العين؟
من أعظمِ الأسبابِ التي يُتقى بها العينُ والحسدُ، هو: ذكرُ اللهِ تعالى؛ كما جاءَ في الحديثِ: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ". حسنه الألباني وقال الشيخ ابن باز سنده جيد
فيحافظُ الإنسانُ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ، ومنها المعوذتين الذي قال عنهما صلى الله عليه وسلم ( ماتعوذ متعوذ بمثلهما ) ، ومنه قولُ النبيِ -صلى الله عليه وسلم - : "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَّا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ".
وأما الصِغارُ فيُعوَّذونَ باللهِ - تعالى - من شرِ العينِ؛ كما كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: " أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ". وَيَقُولُ: "كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ".
ومن الاحتياطاتِ عن العين التي جاءتْ وقايةً من العينِ: عدمِ إظهارِ النِعمِ الخاصةِ التي يُحسدُ على مثلِها، ومنه قولُ يعقوبَ - عليه السلام - لبنيه: ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].
قالَ أهلُ التفسيرِ: "أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أُعْطُوا جَمَالًا وَقُوَّةً وَامْتِدَادَ قَامَةٍ، وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي دُخُولِهِمْ لِئَلَّا يُصَابُوا بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ".
وجاء من فعل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه عندما رأى صبياً صغيراً حسن الهيئة، فقال: "دسموا نونته"، أي سوّدوا الدائرة التي تكون في خديه، حتى تنصرف الأعين عنه.     أيها الفضلاء: من يرقي إذا أصيب أحد حوله بالعين ؟
اعلمْ أن أفضلَ من يرقي المَعِينَ هم والدَاه أو أقاربُه المُحبونَ؛ كما جاء في حديثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ -رضي الله عنها - أن النبيَ -صلى الله عليه وسلم - لمَا رأى أبناءَ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ - رضيَ اللهُ عنه - قالَ لها: "مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ - أي نحيفةً – هل تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ؟" قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: "ارْقِيهِمْ" قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "ارْقِيهِمْ" فأمرَها النبيُ - عليه الصلاة والسلام - أن ترقيَهم بنفسِها؛ لأنّها أشفقُ الناسِ عليهم، وهذا له أثرٌ كبيرٌ في الرقيةِ.
فيقرأُ عليه الفاتحةَ سبعاً، وآيةَ الكُرسي، ويقرأُ سورَ الإخلاصِ والمعوَّذتينِ، ثلاثاً، ثم ينفثُ عليه، ويعيذُه باللهِ - تعالى - بما جاءَ في السنةِ؛ وكرقية جبريل له صلى الله عليه وسلم بقوله: "بسم الله أَرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يًشفيك باسم الله أَرقيك" (رواه مسلم وكما جاء بالدعاء الوارد في صحيح البخاري ( اللهم رب الناس مذهب الباس ، اشف أنت الشافي لاشافي إلا أنت ، شفاء لايغادر سَقما ، وسيجدُ من ذلكَ أثراً عظيماً - بإذنِ اللهِ -.
وياأيها الكرام قال صلى الله عليه وسلم ) من تعلق شيئا وكل إليه" (رواه أحمد والترمذي
والتعلق يكون تارة بالقلب كالاعتقاد في قراءة الشيخ الفلاني، أو التعلق بها من دون الله وأنها شافية أو نحو ذلك، ويكون تارة بالفعل، كمن يعلق تميمة أو خيطا أو نحوهما، لدفع العين أو الضر، ويكون تارة بهما جميعا؛  أي بالقلب والفعل. فالحذر الحذر مما يخل بالعقيدة السليمة.
_______________________   الخطبة الثانية:   أيها الكرام : ماذا علينا إذا رأينا مايعجبنا ولكي نتقي أن نصيب أحدا بالعين من حيث لانشعر ؟
ينبغي على من رأى ما يُعجبُه فيما أُعطيَ الناسُ أن يدعوا لهم بالبركةِ؛ كما جاءَ في قصةِ سهلٍ - رضي الله عنه -: "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ" فيقولُ الإنسان : "اللهم باركْ له، أو باركْ فيه، أو باركْ عليه".
وأما إذا رأى ما يُعجبُه فيما أنعمَ اللهُ - تعالى - عليه، فيقولُ: ما شاءَ اللهُ لا قوةَ إلا باللهِ؛ اللهم اجعلها بركة عليكم و ما أشبه بهذا ، قالَ رَسُولُ اللَّهُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ".وحكي أن والداً كان يدور بابنه على الرقاة واكتشف لاحقا أنه هو الذي أصاب ابنه بالعين ، فالعين قد تصدر من محب ، ولذلك أمرنا بالدعاء بالبركة . أيها الفضلاء: ماذا لو عرف الإنسان أنه قد أصاب أحدا بالعين أو اتهم مثلا ؟
الواجب كما في السنة كما جاءَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها - قَالَتْ : "كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ". وقال صلى الله عليه وسلم ( وإذا استُغسلتم فاغتسلوا" رواه مسلم. وإذا لم يعرف العائن فإن من أفضلِ وسائلِ العلاجِ هو الرُقيةُ بكتابِ اللهِ - تعالى –
وما جاءِ في أحاديثِ النبيِ - صلى الله عليه وسلم-؛ وقد قالت عائشة : أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ"رواه البخاري أيها الكرام : من الأخطاء الشائعة التعذر بالعين فإذا لم يحسن في دراسته أو تجارته أو زواجه مثلا لسبب عائد منه علّق سبب ذلك للعين ، ثم صدّق ظنه وجعله حقيقة يتعذر بها عند نفسه وعند غيره ، فلاهو الذي نجح وحاول وبذل وسعه ، ولاهو الذي فعل أسباب رفع العين عنه ، وهكذا يفعل عند كل وخزة ألم، أو نكسة نفس، حتى يصل الأمر بذلك إلى درجة الوهم ، فنقول له قليلا من التعقل واعزم وتوكل على الله واستعن بالله ولاتعجز ، وعلّق قلبك بالله . وكما قالَ عليه الصلاة والسلام:" وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".
ومن الأخطاء الشائعة أيضاً : ربط الرقية بالإصابة بالعين فقط ، فالرقية تكون للعين وتكون للمرض عامة ، والله تعالى يقول ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةٌ للمؤمنين) وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وأوصيكم كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس( سل الله العافية في الدنيا والآخرة ) فاللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة
اللهم لاحفظ إلا حفظك ، اللهم فاحفظنا ومن نحب من كل عين وشر
نعوذ بكلماتك التامة من شيطان وهامة ومن كل عين لامة   اللهم اشف المرضى والمعيونين ، واجعلنا ومن نحب من المحفوظين إنك خير حافظا وأنت أرحم الراحمين   *خطبة تم تحضيرها من عدة مراجع وخطب كتب الله أجر الجميع

المشاهدات 760 | التعليقات 0