(أزفَتْ الآزِفَةِ)
عبدالعزيز عثمان التويجري
خُطْبَةُ الجُمُعةِ ١٩/ ٧/ ١٤٤٤هـ.
(أزفَتْ الآزِفَةِ)
الحَمدُ للهِ العَزيزِ الغَفَّارِ ، مُكوِّرِ الّليلِ على النَّهارِ ، حَكمَ بِفناءِ هذهِ الدَّارَ ، وجَعَلَ الآخِرةَ دارَ القَرارِ ، وأشْهدُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِكَ لَهُ الواحِدُ القَهّارُ ، وأشْهدُ أنّ مُحمَّداً عبْدُهُ ورَسُولُهُ المُصْطَفى المُخْتارُ صلى اللهُ عَليهِ وعلى آلِهِ وأصْحابِهِ الاتْقِياءِ الأَبرارِ والتَّابِعينَ الأَخيارِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً
أَمّا بَعدُ :﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزي والِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولودٌ هُوَ جازٍ عَن والِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنيا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرورُ﴾ [لقمان: ٣٣]
أيُّها المُؤمِنون : إنّ مِن المواقِفِ الشِّدادِ الّتِي سَيَمُرُّ بِها العِبادُ بَعدَ الموتِ وسَكْرتِهِ ، والقَبرِ وضَمَتِهِ ، الَحَشرُ وكُرَبُهُ و شَدائِدُهُ، فَأعِدُّ العُدَّةَ لِهَولِ يومِ النُّشُورِ ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ) و تذكَّروا اللهَ واليومَ الآخرَ ، والحشرَ وأهوالَه ، فَإنّ يومَ القيامَةِ ، يومُ عَظِيمٌ مَهولٌ ، فيه ﴿تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَملَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُم بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَديدٌ﴾ [الحج: ١-٢]
فإذا أذنَ اللهُ بَخرابِ العالمِ انْشَقَّتِ السَّماء وتَفطَّرَت، و الشّمسُ كُوِّرَتْ، والنُّجُومُ انْكدَرت وتَساقَطَت ، والبِحارُ فُجِّرتْ و سُجِّرتْ وكانت الجِبالُ الشِّدادُ كَثِيباً مهِيلاً ، و هَباءً وسَرابًا ( ينْسِفُها ربِّي نَسفًا فيذَرُها قاعًا صَفْصَفًا لا تَرى فِيها عِوجًا ولا أَمتًا) ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الواقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ واهِيَةٌ وَالمَلَكُ عَلى أَرجائِها وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣-١٧]
يومُ مَخُوفٌ مُفْزِعٌ ، تَشِيبُ لِهَولِهِ مَفارِقُ الولدانُ﴿فَكَيفَ تَتَّقونَ إِن كَفَرتُم يَومًا يَجعَلُ الوِلدانَ شيبًا السَّماءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعدُهُ مَفعولًا﴾ [المزمل: ١٧-١٨]
فَإذا جَاءَتِ الصّاخَّةُ ،وحَلَّتِ الطَّامَّةُ ، و أزِفَتِ الآزِفَةْ وقَامَتِ القِيامةُ، ﴿يَومَ تَرجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ [النازعات: ٦] حِينَ يأْمُرُ اللهُ المَلكَ المُوكَّلَ بالنّفْخِ في الصًّورِ فَيُصِيبُ أهلُ السَّماواتِ والأرضِ الفَزعُ لِشِدَّةِ هَولِهِ، وعَظِيمِ شَأْنِهِ ﴿وَيَومَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ إِلّا مَن شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوهُ داخِرينَ وَتَرَى الجِبالَ تَحسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنعَ اللهِ الَّذي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ إِنَّهُ خَبيرٌ بِما تَفعَلونَ﴾[النمل: ٨٧-٨٨]﴿وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ إِلّا مَن شاءَ اللَّهُ ﴾ [الزمر: ٦٨]
فيمُوتُ كُلُّ أَحدٍ ، ويبْقَى الواحِدُ الأحدُ ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾ [الرحمن: ٢٦-٢٧]. فَإذا صَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرضِ يَقْبِضُ اللهُ الأرْضَ ويَطْوِي السَّماءَ كما قالَ جَلَّ وعلا:﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ وَالأَرضُ جَميعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطوِيّاتٌ بِيَمينِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾ [الزمر: ٦٧] ﴿يَومَ نَطوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلكُتُبِ كَما بَدَأنا أَوَّلَ خَلقٍ نُعيدُهُ وَعدًا عَلَينا إِنّا كُنّا فاعِلينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]
وفي الصَّحِيحينِ أنَّ النّبيَّ صَلى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ: {يَقْبِضُ اللَّهُ الأرْضَ يَومَ القِيامَةِ، ويَطْوِي السَّماءَ بيَمِينِهِ، ثُمَّ يقولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ}رواه أبو هريرة وعِندَ مُسلمِ قالَ عليه الصّلاةُ والسلامُ :{ يَطْوِي اللَّهُ عزَّ وجلَّ السَّمَواتِ يَومَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بيَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يقولُ: أنا المَلِكُ، أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الأرَضِينَ بشِمالِهِ، ثُمَّ يقولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟} رواه ابن عمر
فَإذا أذنَ اللهُ بالبَعْثِ بعدَ الموتِ أنْزلَ مِن السَّماءِ ماءً ، فَتَنْبُتُ الأجْسادُ كما يَنْبُتُ البقْلُ ، ففي صَحيحِ مسْلِمٍ عن عبداللهِ بن عَمرٍو أنّه سمِعَ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقولُ:{يُنْزِلُ اللَّهُ- مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ …فَتَنْبُتُ منه أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إلى رَبِّكُمْ، وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولونَ….} الحديث. قالَ اللهُ تَباركَ وتعالى:﴿وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَإِذا هُم مِنَ الأَجداثِ إِلى رَبِّهِم يَنسِلونَ قالوا يا وَيلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحمنُ وَصَدَقَ المُرسَلونَ إِن كانَت إِلّا صَيحَةً واحِدَةً فَإِذا هُم جَميعٌ لَدَينا مُحضَرونَ﴾ [يس: ٥١-٥٣]. ﴿يَومَ هُم بارِزونَ لا يَخفى عَلَى اللَّهِ مِنهُم شَيءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ اليَومَ تُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت لا ظُلمَ اليَومَ إِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ وَأَنذِرهُم يَومَ الآزِفَةِ إِذِ القُلوبُ لَدَى الحَناجِرِ كاظِمينَ ما لِلظّالِمينَ مِن حَميمٍ وَلا شَفيعٍ يُطاعُ﴾ [غافر: ١٦-١٨]
أيها المؤمنونَ : إنَّ اللهَ مُحِيطٌ بِعبادِهِ ، فَلا يُعجِزُهُ شَيءٌ ، فَحَيثُما هَلَكوا يَأْتِ بِهِمُ ، في رؤوس الجبال أو أعماق البحار ، وفي بطون السباع أو حواصل الطير، أو في الحَرِيقِ احْتَرَقُوا ، أو في القُبُورِ قُبِرُوا ﴿…أَينَ ما تَكونوا يَأتِ بِكُمُ اللَّهُ جَميعًا إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [البقرة: ١٤٨]
وكما أنَّه تَعالى قادِرٌ أنْ يأْتِيَ بِعِبادِهِ أَينَما كانُوا، فَإِنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِهم، فلا يَغْفَلُ عن أحَدٍ مِنْهم ولا يَنْسَى :﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ إِلّا آتِي الرَّحمنِ عَبدًا لَقَد أَحصاهُم وَعَدَّهُم عَدًّا وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا﴾ [مريم: ٩٣-٩٥]. عبادَ اللهِ :﴿إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَومٌ مَشهودٌ﴾ [هود: ١٠٣]
في ذلك اليومِ ، يُحشَرُ النّاسُ فيهِ حُفاةً عُراةً غُرلاً غَيرَ مخْتُونِينَ قالَ النّبيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ :{ إنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: {كما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وعْدًا عليْنا إنَّا كُنَّا فاعِلِينَ}، رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس ، وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسّلامُ :{ يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا،(قالت عائِشةُ): يا رَسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ! قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ، الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ }
في ذلِكَ اليومِ : تَدْنُوا الشَّمسُ مِن الخَلائِقِ ، و يَعْرقُ النَّاسُ حتّى يَبلُغَ العَرقُ مِن الأرضِ سبْعِينَ ذِراعًا، ويُصابونَ بِكربٍ شَدِيدٍ وخَطْبٍ أَليمٍ ، قال النَّبِيُّ ﷺ:{ يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ } متفقٌ عَلَيهِ.
و قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : {تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ -….- فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ.} رواه مسلم
في ذلك اليومِ تُحشَرُ البَهائِمُ والطُّيورُ والسِّباعُ إلى رَبِّها، قالَ عزَّوجلَّ :﴿وَإِذَا الوُحوشُ حُشِرَت﴾ [التكوير: ٥] وقالَ جَلَّ شَأْنُهُ:﴿وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِم يُحشَرونَ﴾ [الأنعام: ٣٨] ويحْكُمُ اللهُ بيْنَها بِعَدْلِهِ :
قالَ عليه الصّلاةُ والسَّلامُ :{ لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ.} رواه مسلم عن أبي هريرةَ. فَإذا قَضَى اللهُ بَينَها بِعدْلِهِ ، قَالَ لها كُونِي تُرابًا ، حِينها يَتَمَنَّى الكافِرُ أنُ لو كانَ تُرابًا﴿ يَومَ يَنظُرُ المَرءُ ما قَدَّمَت يَداهُ وَيَقولُ الكافِرُ يا لَيتَني كُنتُ تُرابًا﴾ [النبأ: ٤٠]
في ذلكَ اليومِ : ولِما فيه مِن الأَهوالِ والكُرُوبِ ( يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ، وينقسم الناسُ إلى قِسمَينِ ، سَعيدٌ وشَقِيٌّ ، ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ )
في ذلكَ اليومِ: يَوَدُّ المجرمُ لَو يَفتَدِي بِكُلِّ شَيءِ، بِالقَرِيبِ والْبَعِيدِ، والصّاحِبَةِ والْولِيدِ ، ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ) ، يومٌ تُسَعَّرُ فيه النّارُ، وتُزلفُ فيه الجَنّةُ ،فَيَسْتَحضِرُ كُلُّ امْرِئٍ ما قدَّمَ لِنفْسِهِ، إنْ خَيرًا فَخَيرٌ وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ ،( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ )
في ذلكَ اليومِ : يُحشَرُ المُؤمِنُونَ مُعَزَّزُونَ مُكْرَمُونَ﴿يَومَ نَحشُرُ المُتَّقينَ إِلَى الرَّحمنِ وَفدًا﴾ [مريم: ٨٥]. ويُحْشَرُ المُجْرِمُونَ على وُجُهِهِم عُمْيًا و بُكْمًا وصُمًّا﴿.. وَنَحشُرُهُم يَومَ القِيامَةِ عَلى وُجوهِهِم عُميًا وَبُكمًا وَصُمًّا مَأواهُم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَت زِدناهُم سَعيرًا ذلِكَ جَزاؤُهُم بِأَنَّهُم كَفَروا بِآياتِنا..﴾ [الإسراء: ٩٧-٩٨] وقالَ جَلَّ وعلا :﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى﴾ [طه: ١٢٤-١٢٦]
عِبادَ اللهِ : هذا شَيءٌ مِن أَهوالِ اليَومِ الآخِرِ ، فَمَن آمَنَ باللهِ وبِلِقائِهِ ، و بالقِيامَةِ وأَهوالِها، و بالحَشرِ وشِدَّتِهِ ، وبالحِسابِ ودِقَّتِهِ ، فلا يَلْعَبْ ، ولا يَتَّبِعْ الهَوى فَيُضِلَّهُ عن سَبيلِ اللهِ ؛ بَلْ عليهِ أن يُراقِبَ ربَّهُ ويَخْشاهُ ، ويَعْملَ بِطاعتِهِ ، ويَنقادَ لِأمْرِهِ ، لِيكُونَ يومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ مِن الآمِنِينَ .﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ﴾ [الأنعام: ٨٢].
بارك الله لي ولكم
الخُطبَةُ الثانِيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ ، الرّحمنِ الرّحِيمِ ، مالِكِ يومِ الدِّينِ ، يَفْعلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُرِيدُ ، وهو الوَلِيُّ الحَمِيدُ ، والصّلاةُ والسلامُ على نَبِيِّنا مُحمّدٍ وعلى آلِه وأصْحابِهِ والتّابِعِينَ.
أمَا بعدُ : اتّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ ، و اسْتَقِيمُوا على طاعَتِهِ ، واستَعِدُّوا لِلقائِهِ ، فَما مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمُ مايَسُرُّكُمْ عِندَ لِقاءِ رَبِّكُم قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : { مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرى إلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ }. متَّفَقٌ عليهِ عن عدِيِّ بن حاتمٍ. الّلهمّ أَيقِظنا مِنْ رَقداتِ الغَفْلةِ ، ووفقْنا لِلتّوبَةِ في زمَنِ المُهْلَةِ. أيُّها المُؤمِنون :﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ﴾
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الكفر والكافرين .
اللهم انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك يا ذا الجلال والإكرام
اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة ، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أُمورنا وأعوانَهم .ووفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد
اللهم انصر المجاهدين والمرابطين في سبيلك في كل مكان
اللهم توفنا مسلِمين وألحِقنا بالصالِحين واغفر لنا خطايانا يوم الدين .، اللهم اللهمّ أَمِّن يومَ الحشرِ خَوفنا ، وثَبّت على الصِّراطِ أقْدامَنا واجْعلْنا يَومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ مِن الآمِنِين بِرحمتِكَ يا أَرحم الراحِمين
اللَّهُمَّ احْفَظنا بالإِسْلاَمِ قائِمين، واحْفَظْنِا بالإِسْلاَمِ قاعِدين، واحْفَظنِا بالإِسْلاَمِ راقِدين، ولا تُشْمِتْ بِنا عَدُوّاً ولا حاسِداً. اللَّهُمَّ إِنِّا نسْألُكَ مِنْ كُلِّ خَيْر خزائِنُهُ بِيَدِكَ، ونعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرَ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ)
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
﴿ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٢٠١﴾ البقرة
.
المرفقات
1677845457_أزفت الآزفة.docx
1677845481_أزفت الآزفة.pdf