أركان الإسلام
محمد المطري
أركان الإسلام
الحمد للهِ العليِ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، مَنْ يتَّبِعْ سُنَّته فقد اهتدى، ومَنْ يرغَبْ عن سُنَّته فقد ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته.
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.
أيها المسلمون، ما معنى الإسلام؟
الإسلام هو الاستسلامُ لله بالتوحيد، والانقيادُ له بالطاعة، والبراءةُ من الشرك وأهله.
المسلم من أسلم قلبه وأعماله لله، ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 79]، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163]، تستسلم لله بالتوحيد فتعبده وحده لا شريك له، وتنقاد له بالطاعة لأوامره ونواهيه، فتمتثل الواجبات، وتجتنب المحرمات الظاهرة والباطنة، وتتبرأ من الشرك وأهله، وتبغضهم في الله؛ لأنهم لم يستسلموا لله الذي خلقهم ورزقهم، فهم يعبدون غير الذي خلقهم ورزقهم، ويتَّبِعون أهواءهم، ويتركون الهدى الذي جاء من ربهم.
أيها المسلمون، الله خلقنا لعبادته، وأمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ * وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: 22 - 24].
والإسلام هو دين جميع الأنبياءِ وأتباعِهم، قال الله تعالى حاكيًا عن نوح أول الرسل أنه قال لقومه: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72]، وقال الله سبحانه: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]، ﴿وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 84]، وقال سبحانه: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52]، وقال الله سبحانه: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج: 78]، أي: الله سماكم المسلمين من قبلِ القرآنِ في سائر الكتب السابقة، وسماكم المسلمين في هذا القرآن، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19].
أيها المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَالحَجِّ))، فهذه أركان الإسلام الخمسة، وقد فرضها الله علينا وعلى الأمم السابقة، فكل نبي كان يدعو قومه إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وكان يجب على أمته أن يؤمنوا به وبجميع الرسل، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وأمر الله جميع الأمم السابقة بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]، وقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، فشرع الله هذه العبادات على جميع الأمم لأهميتها وكثرة فوائدها، وإن اختلفت كيفياتها وأحكامها من شريعة إلى أخرى، كما قال الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، وأمر الله نبيه إبراهيم أن يبني الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس للعبادة، وأمره أن يدعو جميع الناس إلى حجه، فالصالحون من الأمم السابقة حجوا البيت الحرام إذا استطاعوا إليه سبيلًا، قال الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27] أي: أعْلِمِ الناس بوجوب الحج عليهم، فلبَّى الناسُ نداء إبراهيم، وجاءوا للحج إلى البيت العتيق من كل فج عميق، على أرجلهم، وعلى كل بعير قد ضمر بسبب طول المسير، ومن ضلال اليهود والنصارى أنهم لا يحجون، مع أنهم يعترفون بالنبي إبراهيم ويعظمونه، وقد أخبر نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه الصلاة والسلام حج إلى الكعبة، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام سيحجها في آخر الزمان.
أيها المسلمون، أول أركان الإسلام: الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، فيشهد المسلم أنه لا معبود بحقٍ إلا الله، فلا يعبدُ إلا اللهَ وحده لا شريك له، لا يعبد قبرًا ولا صنمًا، ولا نبيًّا ولا مَلَكًا ولا وليًّا، قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال سبحانه: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13، 14]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6]
ويشهد المسلم أن محمدًا رسول الله، فيصدقُه فيما أخبر، ويطيعُه فيما أمر، وينتهي عما نهى عنه وزجر، ويتبعُ الرسولَ في العقائد والعبادات والأخلاق، ولا يتبع الأهواء والبدع، فخيرُ الهدي هدي النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]، ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: 54].
أيها المسلمون، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، وهي عمود الإسلام، وقد أمرنا الله بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: 31]، وقال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، فالمؤمنون يحافظون على الصلوات كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام: 92]، والمنافقون يتهاونون بالصلوات كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142]، فالله أمرنا بالمحافظة على الصلوات دائمًا في الحضر وفي السفر، وعند الفراغ أو الشغل، ومدح المحافظين عليها في آيات كثيرة، ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 23]، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 9]، وتوعد الله المتهاونين بالصلاة بالعذاب الأليم فما بالُكم بتاركها؟! قال الله سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4، 5] قال المفسرون: "أي: عذابٌ أليم للذين هم من أهل الصلاة والتزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فِعلِها بالكلية فيتركونها أحيانًا، وإما عن فِعلِها في الوقت المقدَّرِ لها شرعًا، وإما عن أدائِها بأركانها وشروطها على الوجه المأمورِ به، وإما عن الخشوعِ فيها والتدبرِ لمعانيها، فلفظُ الآيةِ يشمل هذه المعاني كلَّها".
أيها المسلم، الصلاة هي أعظمُ مشروعٍ تقيمه في حياتك، ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40]، وأعظم أوقاتِ حياتِك حين تكون في صلاتك، فحافظ عليها في أوقاتها، واطمئن فيها، واستكثر من النوافل بعد الفرائض، واسجد واقترب من ربك، فالمؤمن يُعظِّم قدر صلاتِه ظاهرًا وباطنًا، ويحرص عليها وعلى إقامتها بقلبه وجوارحه، ويتعلمُ أحكامَ الصلاةِ وسننِها، فهي أولُ ما يُحاسبُ عليه العبدُ يوم القيامة.
أيها المسلمون، من أعظم صفات المهتدين إقامة الصلاة، كما قال الله سبحانه: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 1 - 5].
أيها العبدُ، بقدر إقامتك للصلاة ظاهرًا وباطنًا تكون هدايتك في الدنيا، وفلاحك في الآخرة، ومن لم يُقِم صلاتَه فهو خاسرٌ، وسيلقى يوم القيامة العذابَ الأليم، قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: 59، 60].
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "إضاعة الصلاة من الكبائر التي يوبَق بها صاحبُها، ولا خلاف في ذلك بين العلماء، ومن لم يحافظْ على كمال وضوئها وركوعها وسجودها فليس بمحافظٍ عليها، ومن لم يحافظ عليها فقد ضيَّعها، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، كما أن من حافظ عليها حفظ اللهُ عليه دينه، ولا دين لمن لا صلاة له".
وقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ في التحذير من التهاون بالصلاة، ففي الحديث الصحيح عن بُرَيدَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).
قال ابن القيم: "لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبرِ الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظمُ من إثمِ قتلِ النفس، وأخذِ الأموال، ومن إثمِ الزنا والسرقةِ وشربِ الخمر، وأن تارك الصلاة متعرِضٌ لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة".
عبادَ الله، من حافظ على الصلوات في أوقاتها بإخلاصٍ فإنها تنهاه عن الفواحش والمنكرات، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
قال عمر رضي الله عنه: (لا إسلام لمن لم يصل)، وقال: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من ترك صلاة واحدة متعمدًا فقد برئ من اللهِ وبرئ اللهُ منه)، وقال عليٌّ أيضًا: (من لم يصلِّ فهو كافر)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من ترك الصلاة فقد كفر)، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا إيمان لمن لا صلاة له)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من ترك الصلاة فلا دين له)، روى جميع هذه الآثار محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيمِ قدر الصلاة.
وروى الترمذي عن عبد الله بن شقيقٍ العُقيلي قال: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ غيرَ الصلاة).
أيها المسلم، وأيتها المسلمة، الله خلقك لتعبده وتصلي له، ولا ينفع في الإيمان التصديق من غير عمل صالح، فإبليس حين ترك الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم لعنه الله وغضب عليه لتركه طاعته، مع تصديقه بالله، وتصديقه بالبعث والجنة والنار، فما بالُكم بمن يترك السجود لله، ويُصِر على التهاونِ بإقامة الصلاة وهي عمود الإسلام؟!
أيها المسلمون، ضل اليهودُ عن الصلاة فصاروا لا يُصَلُّون إلا يوم السبت، وضل النصارى عن الصلاة فصاروا لا يُصَلُّون إلا يوم الأحد، وضلَّ فسقةُ المسلمين عن الصلاة فصاروا لا يُصَلُّون إلا يوم الجمعة!
أيها المسلم، استقم على الصلاة كما أمرك الله، واخشعْ لله العظيمِ الذي خلقك ورزقك، وضع جبهتك في الأرض ساجدًا لله الذي أمرك بالصلاة، ولا تتهاون في طاعته، فأعظم ما في حياتِنا صلاتُنا، وهي أعظم ما يجب علينا أن نُقيمه ونهتم به، وهي أهم ما يجب علينا أن نتواصى بإقامته، قال الله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 130 - 132].
اللهم وفِّقنا لإقامة الصلوات الخمس كما أمرتنا، وحبِّب إلينا المحافظة عليها في أوقاتها، واكفنا شرَّ نفوسِنا، وآتِها تقواها، وزكِّهَا أنت خيرُ من زكاها، وأعِنَّا على ذكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين، والسلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين، وبعد:
ومن أركان الإسلام إيتاءُ الزكاة، وهي قرينة الزكاة في كتاب الله، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، وقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 56]، فالصلاة والزكاة وطاعة الرسول سببٌ عظيمٌ لرحمة الله لعبده، وأثنى الله على المؤمنين فقال: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 37، 38].
ومن أركان الإسلام صيامُ رمضان، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
ومن أركان الإسلام حجُ البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، وقد جعل الله في الحج والعمرة منافع عظيمة للعباد، في دينهم ودنياهم، قال سبحانه: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: 97]، وإنما يجب الحج والعمرة في العمر مرة، وما زاد فهو تطوع.
أيها المسلمون، هذه أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها الإسلام، (الشهادتان: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ البيت لمن استطاع إليه سبيلًا)، فأولها: التوحيد لله والمتابعة لرسول الله، فالإخلاص طريق الخلاص، ولا يقبل اللهُ العملَ إلا بشرطين هما: الإخلاصُ لله، والمتابعةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإخلاص هو معنى شهادةِ أن لا إله إلا الله، والمتابعةُ هي معنى شهادةِ أنَّ محمدًا رسول الله، وأعظمُ أركانِ الإسلام بعد الشهادتين: الصلاة، ولا تسقطُ الصلاةُ عن العبد ما دام حيًّا، حتى لو كان مريضًا فعليه أن يصلي بقدر استطاعته، ولو جالسًا أو على جنبه، وإنما تجب الزكاةُ لمن ملَك النصاب من الأغنياء، إلا زكاة الفطر في رمضان فتجب على الغني والفقير، والصومُ يُرخَّص لمن كان مريضًا أو مسافرًا أن يُفطِر ثم يقضي أيامًا أُخَر، أما الصلاة فلا يجوز تأخيرها عن وقتها أبدًا، والحجُّ إنما يجب على المستطيع، ومن أخَّر الحج وهو قادرٌ عليه فقد عرَّض نفسه للإثم، فلْيتعجَّلِ القادرُ إلى الحج، فإنه لا يدري ما يعرض له.
أيها المسلمون، على كل مسلمٍ أن يتفقه في دينه، وأن يتعلم أحكامَ عباداتِه، وأن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه.
اللهم فقِّهنا في الدين، وحقِّق التوحيدَ في قلوبنا، وارزقنا الإخلاصَ في طاعتِك وطاعةِ رسولك، واجعلنا من المتَّبِعِين لسنةِ نبيك، واجعلنا مِنَ المقيمينَ الصلاة، المؤتون الزكاة، ومن الصائمين الصالحين، ويسِّر لنا الحجَّ والعمرةَ بفضلك يا خير الرازقين.
وصلُّوا وسلِّموا على مَنْ أمركمُ اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلينا وعلى جميع عباد الله الصالحين من السابقين واللاحقين.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
عبادَ الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذْكُرْكُم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكُم، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].
المرفقات
1723977434_أركان الإسلام.docx
1723977435_أركان الإسلام.pdf