أرْبَعـــــــــــونَ يَــــــــــــوْمًا !!
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ : حَيَاةُ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَحْدُودَةٌ وَأَنْفَاسُهُ مَعْدُودَةٌ مَحْسُوبَةٌ وآمَالُهُ تُطْوَى وَعُمُرهُ يَفْنَى وَبَدَنُهُ تَحْتَ الثَّرَى يَبْلَى ، وجاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بِنِ مَسْعـُودِ رِضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ:" إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ ".
عِبَادَ اللهِ : كَتَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أقدارَ الخَلائِقِ في اللَّوحِ المَحفوظِ، وهي واقِعةٌ وَفْقَ ما قَضَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ وقَدَّرَ وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الجَنينَ في بَطنِ أُمِّه يَمُرُّ في تَكوينِه بأربَعةِ أطوارٍ؛ فيَكونُ في الطَّوْرِ الأوَّلِ لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا حَيَوانًا مَنَويًّا يَجتَمِعُ ببُوَيْضةِ الأُنثى، فيُلَقِّحُها، وتَحمِلُ المَرأةُ بإذْنِ اللهِ تَعالى، ثمَّ يَتَحوَّلُ في الطَّوْرِ الثَّاني لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا إلى قِطعةِ دَمٍ جامِدةٍ تَعْلَقُ بالرَّحِمِ، ثمَّ يَتحَوَّلُ في الطَّوْرِ الثَّالِثِ لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا إلى قِطعةِ لَحمٍ صَغيرةٍ بقَدْرِ ما يَمضُغُ الإنسانُ في الفَمِ، ثمَّ في الطَّورِ الرَّابِعِ يَبدَأُ تَشكيلُه وتَصويرُه، ويَكونُ قد أكمَلَ أربَعةَ أشهُرٍ، فيُرسِلُ اللهُ إليه المَلَكَ المُوَكَّلَ بالأرحامِ؛ فيَكتُبُ أعمالَه التي يَفعَلُها طِيلَةَ حَياتِه خَيرًا أو شَرًّا، ورِزقَه وأجَلَه، ويَكتُبُ خاتِمَتَه ومَصيرَه الذي يَنتَهي إليه إنْ كانَ مِن أهلِ الشَّقاوةِ أو مِن أهلِ السَّعادةِ، وتَقَعُ الأعمالُ وَفْقَ ما كُتِبَ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنه وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِراعٌ -وهو غَايةُ القُرْبِ- فيَسْبِقُ عليه كِتابُه، بأنْ يَكونَ قد كُتِبَ عليه سابِقًا في بَطنِ أُمِّه أنَّه شَقيٌّ؛ فيُختَمُ له بالشَّقاوةِ، فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ فيَدخُلُها كما سبَقَ به القَدَرُ، وفي الجِهةِ الأُخْرى قد يَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ، حتَّى يَقتَرِبَ منها اقتِرابًا شَديدًا، بألَّا يَكونَ بيْنَه وبيْنَها إلَّا ذِراعٌ، فيَسبِقُ عليه ما كُتِبَ سَلَفًا في كِتابِه بأنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ، فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ، فيَدخُلُها ، وهذه الصُّورةُ المذكورةُ في الحديثِ يُفسِّرُها حَديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِديِّ رَضيَ اللهُ عنه في الصَّحيحينِ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ النَّارِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ الجَنَّةِ»؛ فما يظهرُ للنَّاس غيرَ مَا يُقدِرُه اللهُ لهُ ويُختمُ لهُ بها فاللهمَّ ارزقنا توبةً قبلَ الموتِ .
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ : إنَّما الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ، فَمَنْ خُتِمَ لَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ ؛ لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ وَرَحْمَةٌ مِنَ اللهِ أَنْ هَدَاَهُ لِذَلِكَ، وَحُسْنُ الْخَاتِمَةِ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْعَبْدِ ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا أَرَادَ اللهَ بِعَبْدٍ خَيْرًا اِسْتَعْمَلَهُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ " فَمَنْ عَرَفَ هَذَا سَارَعَ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ قَرِيبٍ ؛ قَالَ تَعَالَى:﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَّيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا ألِيمًا﴾ وَفُسِّرَتْ مِنْ قَرِيبٍ بِأَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ، وَقَبْلَ خُرُوجِ الرَّوْحِ ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ " وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ صَالِحٍ خُتِمَ لَهُ بِعَمَلٍ صَالِحٍ ؛ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ ! وَبِالْمُقَابِلِ كَمْ مِنْ شَخْصٍ قُبِضَتْ رُوحُهُ وَهُوَ ِ فِي حَالَةِ سُكْرٍ أَوْ فِي حَادِثَةِ سَيْرٍ مَعَ فَتَاةٍ يَجْمَعُهُمَا الْحَرَامُ،نَسْألُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَرزُقَنا حُسْنَ الخَاتِمة !
المرفقات
1727682487_خواتيم.docx