أذية المسلم وخطر الدعاوى والاعتداء عليه

Hzzazi Hzzazi
1442/05/29 - 2021/01/13 17:43PM

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد:

 

أيها المسلمون: المؤمن سهل العريكة، جميل العشرة، حسن التعامل، لين الجانب، يبذل الندى ويكف الأذى، وكف الأذى أفضل خصال الإسلام، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله: أي الإسلام أفضل ؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده " متفق عليه، قال الإمام البغوي -رحمه الله تعالى-: " أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله أداء حقوق المسلمين، والكف عن أعراضهم ".

أيها المسلمون: دلت النصوص الشرعية على تحريم إيذاء المسلم بأي وجه من الوجوه، من قول أو فعل بغير وجه حق، ووجوب رفع الأذى عن المسلمين.. قال -تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)

أيها المسلمون: إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان، وتحقيره وتصغيره وتعييره وتنقصه وثلم عرضه وغيبته وسبه وشتمه وطعنه ولعنه وتهديده وترويعه، وابتزازه وتتبع عورته ونشر هفوته وإرادة إسقاطه، وفضيحته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به، ومماطلته في حقه وإيصال الأذى إليه بأي وجه أو طريق ظلم وجرم وعدوان.. لا يفعله إلا دنيء مهين لئيم وضيع ذميم.. قد شحن جوفه بالضغناء والبغضاء وأفعم صدره بالكراهية والعداء؛ فتنفش للمجابهة وتشمر للمشاحنة.. دأبه أن يحزن أخاه ويؤذيه وهمه أن يهلكه ويرديه.. وكفى بذلك إثماً وحوباً وفسوقاً، فعن نافع عن ابن عمررضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فنادى بصوت رفيع،

فقال: " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه.. لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله..

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه– قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " أخرجه مسلم..

فيا أيها المؤذي المعتدى العيَّاب المغتاب، يامن ديدنه الهمز واللمز والنبز والغمز والتجسس والتحسس والتلصص: كُفَّ أذاك عن المسلمين واشتغل بعيبك عن عيوب الآخرين، وتذكر يوماً تقف فيه بين يدي رب العالمين..

يقول يحيى بن معاذ: " ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه "،

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى أما بعد:

 

عِبَادَ اللَّهِ: انتهتْ الجلسةُ .. وحَكمَ القاضي .. وصدرَ صَكُّ الحُكمِ .. وخرجَ أطرافُ القضيةِ من المحكمةِ .. وانصرفَ الشُّهودُ .. وأُغلقَ ملفُ القضيةِ.

أما القاضي فقد حكمَ بما ظهرَ إليه، وأدَّى ما أوجبَ اللهُ عليهِ، فَقَدْ سَمِعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: (إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ أقْضِي له بذلكَ، وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا)، وأما تفاصيلُ القضيةِ الخفيَّةِ، فاللهُ تعالى وحدَه أعلمُ بها.

ولقد صدرَ الحكمُ على ما كانَ في القضيةِ من قرينةٍ ودليلٍ، وعلى ما فيها من شُهودٍ وتفصيلَ، وقد يكونُ المُدعي صاحبَ ذكاءٍ وجِدالٍ، أو قد يكونُ أتى بالمُحامينَ الأبطالِ، فكسَبَ القضيةَ بَغيَّاً وعُدواناً، وأَخذَ حقَّ أخيه ِظُلماً وطُغياناً، فخرجَ المُدَّعى عليهِ مَظلوماً مَقهوراً، وخرجَ المُدعي ظَالماً مَغروراً.

لكن هل انتهتْ القضيةُ حَقَّاً، الجوابُ: لا .. وألفُ لا.

لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا *** فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ

تنامُ عَينُكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ *** يدعُو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنَمِ

كانَ يزيدُ بنُ حكيمٍ يقولُ: ما هبتُ أحدًا قط هيبتي رجلًا ظلمتُه وأنا أعلمُ أنه لا ناصرَ له إلا اللهُ .. يقولُ لي: حسبي اللهُ .. اللهُ بيني وبينكَ .. لا إلهَ إلا اللهِ، واللهِ إنَّها لكلمةٌ تقشَّعرُ منها الأبدانُ.

في ذلكَ اليوم، هناكَ جلسةُ استئنافٍ لبعضِ القَضايا، سَتُفتحُ فيها الملفاتُ والخَفايا، في محكمةِ العدلِ التي لا ظُلمَ فيها: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسبينَ)، وسيؤتى فيها بصحيفةِ الدَّعوى الحقيقيةِ، التي لا كذبَ فيها ولا تزويرَ، وتُعطى للمدَّعي ليقرأَها على رؤوس الأشهادِ: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً* اقرأ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)، والشُّهودُ يومئذٍ هم أعضاءُه الذينَ لم يفارقوه طرفةَ عينٍ: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وهناكَ سيصدرُ الحكمُ العادلُ النِّهائيُّ في القضيةِ.

أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الظُّلْمَ لُؤْمٌ *** وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي *** وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا *** غَدًا عِنْدَ الإِلَهِ مَنِ الْمَلُومُ

واسمعوا للشَّفيقِ بأمتِّه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وهو يقولُ لكم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيه، مِنْ عِرضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قبْلَ أنْ لاَ يَكُونَ دِينَار وَلاَ دِرْهَمٌ؛ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ)

اللهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ من الظُّلمِ، اللهمَّ لا تجعلنا مع القومِ الظَّالمينَ، اللهمَّ ارفع الظُّلمَ عن المظلومينَ، اللهمَّ انصر كُلَّ مَظلومٍ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد

مقتبسة من خطبتي الشيخ صلاح البدير والشيخ هلال الهاجري
المرفقات

1610559798_الدعاوى الكيدية.doc

1610559799_الدعاوى الكيدية.pdf

المشاهدات 2709 | التعليقات 0