أدومه وإن قل. خطبة 6 شوال 1438هـ (نص + بي دي إف)

عاصم بن محمد الغامدي
1438/10/06 - 2017/06/30 05:44AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، الفعَّال لما يُريد، أحمده -سبحانه-وأشكرُه وقد وعدَ الشاكرين بالمزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الإخلاص والتوحيد، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنبياء وأشرفُ العبيد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابِه البرَرة الأخيار ذوي القول السديد والنهج الرشيد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد، وسلَّم التسليمَ الكثيرَ المزيد، أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فتقوى الله عليها المُعوَّل، وعليكم بما كان عليه السلفُ الصالحُ والصدرُ الأول، سارِعوا إلى مغفرة ربِّكم ومرضاته، وأجيبُوا داعِي ربِّكم إلى دار كرامتِه وجنَّاته.
عباد الله:
لقد حدد الشيطان هدفه، ووضح غايته في الإنسان، وأعلن العداوة الصريحة، بعبارات واضحة لا تقبل التأويل، {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}. (أي: موحدين طائعين مظهرين الشكر). [تفسير القرطبي].
فالشكر أيها المسلمون عبادة عظيمة، التزمها أنبياء الله عليهم السلام، وأمروا بها أقوامهم، من نوح عليه السلام الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، إلى خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه الذي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ويقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟"
ولا يعبد الله حق عبادته إلا الشاكرون، قال عز شأنه: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
بل الشكر هو العبادة الحقيقية، فقد قال تبارك اسمه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
أيها المسلمون:
إن شكر الله تعالى على نعمه له طرق كثيرة، هذا هود عليه السلام، يقول لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وصالح عليه السلام يذكر قومه بنعم الله عليهم ويدلهم على طريق شكرها، فيقول لهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يصلي حتى تتفطر قدماه شكرًا لله تعالى.
ونفهم من هذا أن الصلاة وذكر الله تعالى، والتحدث بنعمه جل جلاله، وترك الفساد في الأرض، من وسائل الشكر، ومن ابتعد عن هذه الوسائل نقص من شكره بقدر ابتعاده.
أيها المسلمون:
ليس من الشكر أنْ لا يعرف الإنسان ربَّه إلا في رمضان، وليس من الشكر أن يعود بعد الصيام والقيام إلى اللهو والآثام، وليس من الشكر أن يهجر القرآن بعد أن قضى معه الساعات والأيام.
فطالب الجنة لا ينقطع سيره إليها، وراغب الخير لا تتوقف خطاه حتى يبلغه، والمؤمن الموفق من استغل المواسم فتزود منها وقودًا لعامه، وتاجر مع ربه في سائر أوقاته وأيامه، وواظب على طاعته وابتعد عن معاصيه وآثامه.
ما عيدُك الفخمُ إلا يومَ يغفرُ لكْ
لا أن تَجُرَّ بهِ مُسْتَكبرًا حُلَلَكْ

كمْ مِن جديدِ ثيابٍ دِينه خَلِقٌ
تكاد تلعنُه الأقطارُ حيثُ سَلَكْ

وكمْ مُرَقَّعِ أَطْمارٍ جديدِ تُقىً
بكتْ عليه السما والأرض حين هلَكْ
أيها المسلمون:
بعد مرور أيام يسيرة من رمضان، أدركنا أن صلاة الليل لا تأخذ وقتًا طويلاً، وأن تحديد ورد من القرآن لقراءته كل يوم أمر بالغ اليسر والسهولة، وأنا قادرون على الإنفاق في سبيل الله، ونفع إخواننا الفقراء والمساكين، وتعجبنا من قدرتنا على الاستيقاظ لتناول السحور قبل صلاة الفجر، وقدرتنا على ضبط غضب أنفسنا، والابتعاد عما يسخط الله تعالى من الأقوال والأفعال المحرمة، وتقليل كميات الطعام التي نتناولها، وترك البذخ والإسراف، وأمور خير كثيرة كان الشيطان يخيل لنا أنها من المستحيلات، ولكن الله بمنه وكرمه سهلها علينا، ورب رمضان، هو رب الشهور كلها، فليس من اللائق بنا هجر الطاعات بعد رمضان، بل الشكر يقتضي الاستمرار، وقد سئل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ». [رواه مسلم].
ورد عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لا يزيد رمضان في أعمالهم شيئًا، ولا ينقص شوال منها شيئًا، هكذا بارك الله لهم في وقتهم، فأصبحت السنة كلها عندهم رمضان.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فإن من شكر نعمة الله علينا ببلوغ شهر رمضان، وتمام صيامه وقيامه، أن نسأل الله القبول، ونستمر في إقبالنا على الخيرات، وفرارنا من الشرور والسيئات، كما كنا في ذلك الشهر.
وإن مما شرع لنا في شهر شوال، صيام ستة أيام منه، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». [رواه مسلم].
أيها المسلمون:
أحسِنوا جوارَ نعم الله؛ فإنها قلَّ ما نفَرَت عن أهل بيتٍ فكادَت أن ترجِع إليهم.
قابِلوا إحسانَ ربِّكم بالإحسان، واحفَظوا النِّعَم بالطاعة والعِرفان؛ ففضلُ الله عظيم، وإنعامُه جسيم، وخيرُه عميم، وكل شكرٍ وإن قلَّ ثمنٌ لكل نوالٍ وإن جلَّ. ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقعٌ أوشكَ ألا يشكُر الكثير.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على سيد الأولين والآخرين، وصاحب الشفاعة في يوم الدين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
[/align]
المرفقات

أدومه وإن قل.pdf

أدومه وإن قل.pdf

المشاهدات 838 | التعليقات 0