أدعُ بما معك من العلم

د عبدالعزيز التويجري
1443/05/12 - 2021/12/16 08:44AM
الخطبة الأولى: أدعُ بما معك من العلم                       13/ 5/ 1443ه
الحمدُ لله يهدي ويُضل، ويعزُّ ويُذل، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريك له، أنَّهُ هُو البرُّ الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليه وسلم- وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن سارَ على دربهِ إلى يومِ الدين .. أمَّا بعدُ: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ).
أخرج البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ إلى النَّبِيِّ r فقَالُوا: مُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ. فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ» وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ والنَّقِيرِ» قَالَ: «احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ».
بوب عليه الإمام البخاري فقال: بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ r وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ، وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ .
هذا واجب على كل من يسمع الإيمان والحق . أن يحفظه ويخبر به غيره، ويعلمه أقرب الناس إليه أهل بيته وعشيرته..  قال مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ t: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ r وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ r رَحِيمًا رَقِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ » متفق عليه.
هذا واجب كل مسلم إذا تعلم علما ولو يسيرا أن يكون داعية إلى ماتعلم ..
لايلزم أن تكون داعية ومعلما وموجها ان تنال الشهادات العالية او تحفظ المتون والأسانيد ، بل كن كما كان ضمام بن ثعلبه حفظ اركان الإسلام بمبانيها ومعانيها فكان داعية إليها في قومه واهل بيته قال « آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ».
لا يشترط للدعوة وتبليغ دين الله والتعليم أن تعلو منبرا أو تتصدر مجلسا أو تلقي محاضرةً، أوتخرج في قناة، بل الأمر ابسط من ذلك تُعلم في البيت وفي السيارة ومن لقيت في الطريق والعمل .. أرْدَفَ النبيُ r مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» متفق عليه.
وأردفَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ له: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ. قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أثري مجالسك بماتعلم ، وليكن أصحابك في رحلاتك لهم نصيب مما عندك.. قال رَجُلٌ مَنْ بَنِي حَنْظَلَةَ : صَحِبْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ r يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا سَلِيمًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ.أخرجه الترمذي.
أهل بيتك أولى من تنصحهم وتطهر بيتك من المنكرات.. قالت عَائِشَةَ :رضي الله عنها، قالت اشتريتُ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ r قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» فقلتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ»"فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ r. متفق عليه.
لا تترك النصح للمسلمين والامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى وأنت مشغول أو مذهول..  دخل شَابٌّ على عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وهو مطعون يصارع الموت، فأثنى عليه، فقَالَ عمر: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ عمر: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلاَمَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ. أخرجه البخاري.
ما حالنا ونحن نرى المسبلين بجوارنا في الصلاة والعمل ثم لا نُقدم كلمتين ينجيهِ الله بها من النار «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»
كن داعيةً وأنت تتسوق .. مَرَّ النبيُ r عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه مسلم.
هذه شذرات نبوية ومواقف ايجابية تعلمنا وتربينا كيف نكون دعاةً إلى الله وكيف نغار على دين الله بما معنا من الإيمان والعلم في الطريق والبيت وفي السوق والعمل وفي المسجد والسفر«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْآيَةً»«والْمُؤْمِنُونَ نَصَحَةٌ».
.. إن عليك إلا البلاغ ،لا تنظر هل يُقبل منك أم لا ، فإن النبي يأتي يوم القيامه ومعه الرجل والرجلان ، ويأتي النبي وليس معه أحد .. الدعوة كلمة طيبه ، ورسالة هادفة .. ونصيحة عابرة .. الدعوة تربية على القرآن وتنشئة أجيال وإصلاح بيوت ، وأمر بمعروف ونهي عن منكر ..
       لينطَلِقْ كُلُّ فَردٍ حَسْبَ طَاقَتِهِ       يَدعُو إلَى اللهِ إخفَاءً وَإعلاناً
     ولْنَترُك الَّلومَ لا نَجعلْهُ عُدَّتَنَا      وَلْنَجعَل الفِعلَ بَعدَ اليَوم مِيزَانَا
      أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات أن ربنا غفور شكور
الخطبة الثانية .. الحمدلله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا .. أما بعد
إن سفينة الأمة تتقاذفها الأمواج ، ويخرق فيها المفسدون كل يوم خرقاً؛ فإن لم تجد من يصلح تلك الخروق، تغرق ولاشك..
أرى خلل الرماد وميض جمر     وأخشى أن يكون لها ضرام
حق وواجب أن نكون مشاعل خير وشموع ضياء في بيوتنا ومجتمعنا وأسرنا..
أقم برنامجا خفيفا ..قصة هادفه، وتذكيراً مفيد، وكلمةً خفيفةً عبر جلسة، أو من نافذة برامج التواصل تحمي به أسرتك وأقربائك من طوفان الشهوات وشرار الشبهات .. لا أحد أحسن منك إن فعلت ذلك: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
كم من الأجور تصب في ميزان حسانتك في هذا الطريق {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا} {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النِّعم}
أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه -سبحانه- من تمسك بشريعته ودعا إلى دينه ، وإذا رضي الله على عبده أرضاه وسدده ووفقه ، وختم له بالحسنى .
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
فَمَا العُمرُ إلا صَفحةٌ سَوفَ تَنطوِي     ومَا المَرءُ إلا زَهرةٌ سَوفَ تَذبلُ
اللهم اجعلنا من أنصار دينك وشرعك ، اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة ..
المرفقات

1639644233_أدعُ بما معك من العلم.pdf

1639644238_أدعُ بما معك من العلم.docx

المشاهدات 1051 | التعليقات 0