أدركوا إندونيسيا يا أهل السنة!
احمد ابوبكر
1434/03/25 - 2013/02/06 15:42PM
أدركوا إندونيسيا يا أهل السنة!
بقلم د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد:
فتعد (إندونيسيا) اليوم أكبر مراكز الثقل السكاني في العالم الإسلامي؛ إذ يقطنها نحو (250000000) مائتين وخمسين مليون نسمة، ينتمون إلى (300) مجموعة عرقية، يتحدثون (483) لهجة خاصة. ويمثل المسلمون أكثر من 90٪ من السكان، وتتوزع النسبة الباقية بين النصارى، والبوذيين، والهندوس، ومن لا دين لهم.
وتعتبر إندونيسيا أكبر إرخبيل في العالم حيث تمتد على مساحة طولها (5150) كم على أكثر من (17500) جزيرة منتثرة في المحيط الهندي، بين آسيا وأستراليا، أي ما يعادل عرض القارة الأوربية بأكملها! وأكبر هذه الجزر جاوه، وسومطره، وكاليمنتان، وسولاويسي، وبابوا، ومالوكو.
وقد دخل الإسلام إندونيسيا عن طريق المهاجرين الهنود، ثم التجار العرب من الحضارمة، ولقي قبولاً وانتشاراً واسعاً وسريعاً. غير أن الإسلام الذي ورد هذه الجزائر كان على الطريقة الصوفية، المشوبة بالبدع والخرافات. فيتحدث الناس عن الأولياء التسعة الذين نشروا الإسلام في جاوه، ولا تزال قبورهم موجودة، مشهودة، مقصودة. ولما كانت عادات الجاوه وتقاليدهم متأثرة بإرث الممالك الهندوكية التي حكمتهم في الماضي السحيق، وجدوا في النسك الصوفي الأعجمي ما يوافق نزعاتهم القديمة. ومن ثم راج سوق البدعة والسحر والخرافة.
ويشير بعض المؤرخين إلى قيام مملكة إسلامية قوية في القرن السابع عشر الميلادي سومطره، في عهد السلطان اسكندر مودا ( 1607- 1636) ، الذي أسس المسجد الشهير (بيت الرحمن) في (باندا آتشيه) وصار مقصداً لطلاب العلم. وكان يعرف مؤسسها بلقب ( إمام بونجور). ثم تعرضت إندونيسيا للغزو البرتغالي الذي أدخل فيها الكاثوليكية، ثم الاستعمار الهولندي الذي امتد لأكثر من قرنين من الزمان، وأدخل فيها البروتستانتية، وقضى على مملكة سومطره الإسلامية، وقام بحرق مسجد ( بيت الرحمن) التاريخي عام 1873 م، في عهد الجنرال الهولندي ( فان لانسنيرجي). ثم تعرضت إندونيسيا للاستعمار الياباني، إبان الحرب العالمية الثانية لبضع سنوات. وأعلنت إندونيسيا استقلالها عام 1945م ، بصفة دولة مدنية، تقوم على مبادئ ( البانتشاسيلا) العلمانية، التي وضعها الرئيس سوكارنو.
ولم تعرف إندونيسيا ( الإسلام السلفي) إلا في مطلع القرن العشرين الميلادي، وتحديداً في العقد الثاني منه، بظهور علماء مجددين أسسوا جمعيات تحارب البدعة، والخرافة، والشرك. وأبرز هؤلاء العلماء:
- الشيخ أحمد دحلان، - رحمه الله -، الذي أسس ( الجمعية المحمدية) في حدود عام 1912م، إبان الاستعمار الهولندي، بصورة جمعية اجتماعية، إصلاحية، تعليمية، دعوية. وكان، - رحمه الله - متأثرا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، رحمهما الله. غير أن الجمعية مرت بأطوار يطول وصفها، وآل بها الحال إلى أن تسنم قيادتها نفر من الأكاديميين العقلانيين، من خريجي الجامعات الغربية، بلغ بهم الانحراف أن صوتوا في البرلمان الإندونيسي ضد مشروع تقدم به نواب إسلاميون للمطالبة بتطبيق الشريعة.
- الشيخ أحمد سركاتي، - رحمه الله -، الذي أسس ( جمعية الإرشاد) في حدود عام 1914م. وهو عالم سوداني، ذو نزعة سلفية، كانت قد استدعته ( جمعية الخيرات) التي تمثل الحضارمة العلويين! وقد مر بالجمعية بعد وفاة مؤسسها ما مر بسابقتها، وإن كانت أفضل من حيث الجملة.
- الشيخ محمد ناصر، - رحمه الله -، الذي أسس ( حزب ماشومي) إثر استقلال إندونيسيا عام 1945م، بهدف صيانة حقوق المسلمين السياسية أمام النفوذ التنصيري الذي اجتاحها، وكان يبث دعاته في أنحاء البلاد. وحين وقع الانقلاب في عهد سوكارنو، وحلت الأحزاب السياسية سوى ثلاثة، أسس الشيخ محمد ناصر (المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية)، ولا يزال قائماً حتى الآن. وكان الشيخ محمد، - رحمه الله -، عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
- الشيخ أحمد حسن، ويلفظ اسمه أحياناً آ. حسن، - رحمه الله - الذي أسس (جمعية الاتحاد الإسلامي) في حدود عام 1920م، لمحاربة البدع والشركيات. ويقال إنه ذو نزعة ظاهرية على طريقة ابن حزم، - رحمه الله -. ويتبع الجمعية مئات المدارس والمعاهد في جاوه، ولها مجلس فتوى يسمى ( حسبة). وفي أتباعها الآن سلفيون وإخوان مسلمون.
أما السلفية المعاصرة فقد وفدت إلى إندونيسيا منذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري عبر عدة منافذ :
أحدها: خريجوا الجامعات السعودية، وخصوصاً : الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وكثير منهم تتلمذ على كبار المشايخ كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وفضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين، رحمهما الله.
الثاني: معهد العلوم العربية والإسلامية في جاكرتا، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي ضخ في المجتمع الإندونيسي آلافاً من الخريجين الذين تتلمذوا على المتون السلفية المعتبرة.
الثالث: المؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة ودول الخليج العربي التي وجدت في إندونيسيا أرضاً خصبة لنشر الدعوة، وعمارة المساجد، وإقامة المعاهد والمدارس، وعقد الدورات الشرعية، ونشر الكتب، وتقديم المنح الدراسية.
الرابع: الأفراد العاديون الذين يقدمون من المملكة ودول الخليج، بغرض السياحة أحياناً، فيتحمسون لعمارة المساجد، ودعم المناشط الدعوية، والخيرية.
وقد ساعد على ذلك التسهيلات التي تمنحها الحكومة الإندونيسية للأجانب، والتي استفادت منها، ولعقود طويلة مضت، ولا تزال، الجمعيات التنصيرية. فانطلق الدعاة يجوبون إندونيسيا من شرقها لغربها، ويزرعون الخير حيث حلوا، واكتظت البلاد بالجمعيات والمدارس الدينية، والمؤسسات الخيرية. ولا ريب أن هذه الفعاليات المتعددة المتنوعة قد أثرت في المجتمع الإندونيسي، وأنشأت جيلاً سلفياً واعياً، متحمساً، لكنه لا يزال قطرة في محيط متلاطم من البدع الصوفية المستوطنة، والخرافات المزمنة.
غير أن الساحة الإسلامية الإندونيسية الواقعة في شرق العالم الإسلامي قد انعكست عليها صورة الخلافات الحزبية، والمناهج الدعوية التي تعصف بقلب العالم الإسلامي، وطال ذلك الاتجاه السلفي الغض، الطري، فتلون بألوان الطيف السلفي، وطفق يشتغل بالخلافات الجانبية، ويشتغل بالمتشابهات، مما حد من قوة اندفاعه، وحد من سرعة انتشاره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وفي العقد الأخير نمت شجرة الرفض الخبيثة، وامتدت أغصانها الطفيلية إلى كثير من حياض المسلمين السنة، لسببين :
أحدهما: طلائع الطلاب الإندونيسين العائدين من إيران، الذين استقطبتهم الجامعات الشيعية، بعد قيام الثورة الخمينية، وانحسار القبول لدى الجامعات السعودية، فعادوا محملين بالمال والتشيع، وأسسوا المنظمات، والجمعيات، حتى زعم أحدهم أن تعدادها بلغ عام 2011م ، مائتين وخمسين (250) مؤسسة.
الثاني: التحالف الخبيث بين الرافضة والصوفية لمواجهة المد السلفي الذي ينبزونه بالوهابية، ويعدونه أشد خطراً على إندونيسيا من التنصير. وقد أجاد الرافضة إدارة الدفة في بعض المواقع، وأثاروا الدهماء ضد الدعاة السلفيين، وجمعياتهم.
وفي التقرير المنشور في هذا الموقع بعنوان ( الشيعة في إندونيسيا) ما يوقظ النائم، وينبه الغافل إلى السرطان الرافضي الذي يستشري في الجسد الإندونيسي.
وختاما، فهذه جملة من التوصيات في هذا المقام :
أولاً : يتعين على الدعاة السلفيين، لزاماً، أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويكفوا عن الشغب، والاشتغال بالمتشابهات، وإيغار الصدور، وتصنيف الناس على أسس ظنية، وأن يجتمعوا مع بعضهم بعضاً على كلمة سواء، ويتعاذروا، ويتغافروا، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويدركوا خطورة التفرق والاختلاف.
ثانياً: على الحكومات الإسلامية، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي أن يستنقذوا الاقتصاد الإندونيسي من الارتهان الإيراني المتنامي، فإندونيسيا دولة صاعدة واعدة، ذات قوة بشرية، واقتصادية، وزراعية، وسياسية. فينبغي أن توجه رؤوس الأموال والاستثمارات لها، لتوثيق الصلة مع العمق السني الجامع بين الطرفين.
ثالثاً: على الجامعات الإسلامية أن تلتفت التفاتة قوية إلى الشباب الإندونيسي الصاعد، الذي لا يزال ينظر نظرة إيجابية مشرقة نحو العالم العربي، وتمتلأ نفسه شوقاً وأملاً أن يتم دراسته في جامعات المملكة العربية السعودية، أو الأزهر، فتمنحه الفرصة العلمية، وتسهل إجراءات قبوله، قبل أن يتخطفه قطاع الطرق، ليعود رسولاً إلى قومه، مملوءً ولاءً للإسلام والسنة.
والله المسؤول وحده أن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويصلح حال المسلمين. والحمد لله رب العالمين.
بقلم د. أحمد بن عبدالرحمن القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد:
فتعد (إندونيسيا) اليوم أكبر مراكز الثقل السكاني في العالم الإسلامي؛ إذ يقطنها نحو (250000000) مائتين وخمسين مليون نسمة، ينتمون إلى (300) مجموعة عرقية، يتحدثون (483) لهجة خاصة. ويمثل المسلمون أكثر من 90٪ من السكان، وتتوزع النسبة الباقية بين النصارى، والبوذيين، والهندوس، ومن لا دين لهم.
وتعتبر إندونيسيا أكبر إرخبيل في العالم حيث تمتد على مساحة طولها (5150) كم على أكثر من (17500) جزيرة منتثرة في المحيط الهندي، بين آسيا وأستراليا، أي ما يعادل عرض القارة الأوربية بأكملها! وأكبر هذه الجزر جاوه، وسومطره، وكاليمنتان، وسولاويسي، وبابوا، ومالوكو.
وقد دخل الإسلام إندونيسيا عن طريق المهاجرين الهنود، ثم التجار العرب من الحضارمة، ولقي قبولاً وانتشاراً واسعاً وسريعاً. غير أن الإسلام الذي ورد هذه الجزائر كان على الطريقة الصوفية، المشوبة بالبدع والخرافات. فيتحدث الناس عن الأولياء التسعة الذين نشروا الإسلام في جاوه، ولا تزال قبورهم موجودة، مشهودة، مقصودة. ولما كانت عادات الجاوه وتقاليدهم متأثرة بإرث الممالك الهندوكية التي حكمتهم في الماضي السحيق، وجدوا في النسك الصوفي الأعجمي ما يوافق نزعاتهم القديمة. ومن ثم راج سوق البدعة والسحر والخرافة.
ويشير بعض المؤرخين إلى قيام مملكة إسلامية قوية في القرن السابع عشر الميلادي سومطره، في عهد السلطان اسكندر مودا ( 1607- 1636) ، الذي أسس المسجد الشهير (بيت الرحمن) في (باندا آتشيه) وصار مقصداً لطلاب العلم. وكان يعرف مؤسسها بلقب ( إمام بونجور). ثم تعرضت إندونيسيا للغزو البرتغالي الذي أدخل فيها الكاثوليكية، ثم الاستعمار الهولندي الذي امتد لأكثر من قرنين من الزمان، وأدخل فيها البروتستانتية، وقضى على مملكة سومطره الإسلامية، وقام بحرق مسجد ( بيت الرحمن) التاريخي عام 1873 م، في عهد الجنرال الهولندي ( فان لانسنيرجي). ثم تعرضت إندونيسيا للاستعمار الياباني، إبان الحرب العالمية الثانية لبضع سنوات. وأعلنت إندونيسيا استقلالها عام 1945م ، بصفة دولة مدنية، تقوم على مبادئ ( البانتشاسيلا) العلمانية، التي وضعها الرئيس سوكارنو.
ولم تعرف إندونيسيا ( الإسلام السلفي) إلا في مطلع القرن العشرين الميلادي، وتحديداً في العقد الثاني منه، بظهور علماء مجددين أسسوا جمعيات تحارب البدعة، والخرافة، والشرك. وأبرز هؤلاء العلماء:
- الشيخ أحمد دحلان، - رحمه الله -، الذي أسس ( الجمعية المحمدية) في حدود عام 1912م، إبان الاستعمار الهولندي، بصورة جمعية اجتماعية، إصلاحية، تعليمية، دعوية. وكان، - رحمه الله - متأثرا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، رحمهما الله. غير أن الجمعية مرت بأطوار يطول وصفها، وآل بها الحال إلى أن تسنم قيادتها نفر من الأكاديميين العقلانيين، من خريجي الجامعات الغربية، بلغ بهم الانحراف أن صوتوا في البرلمان الإندونيسي ضد مشروع تقدم به نواب إسلاميون للمطالبة بتطبيق الشريعة.
- الشيخ أحمد سركاتي، - رحمه الله -، الذي أسس ( جمعية الإرشاد) في حدود عام 1914م. وهو عالم سوداني، ذو نزعة سلفية، كانت قد استدعته ( جمعية الخيرات) التي تمثل الحضارمة العلويين! وقد مر بالجمعية بعد وفاة مؤسسها ما مر بسابقتها، وإن كانت أفضل من حيث الجملة.
- الشيخ محمد ناصر، - رحمه الله -، الذي أسس ( حزب ماشومي) إثر استقلال إندونيسيا عام 1945م، بهدف صيانة حقوق المسلمين السياسية أمام النفوذ التنصيري الذي اجتاحها، وكان يبث دعاته في أنحاء البلاد. وحين وقع الانقلاب في عهد سوكارنو، وحلت الأحزاب السياسية سوى ثلاثة، أسس الشيخ محمد ناصر (المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية)، ولا يزال قائماً حتى الآن. وكان الشيخ محمد، - رحمه الله -، عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
- الشيخ أحمد حسن، ويلفظ اسمه أحياناً آ. حسن، - رحمه الله - الذي أسس (جمعية الاتحاد الإسلامي) في حدود عام 1920م، لمحاربة البدع والشركيات. ويقال إنه ذو نزعة ظاهرية على طريقة ابن حزم، - رحمه الله -. ويتبع الجمعية مئات المدارس والمعاهد في جاوه، ولها مجلس فتوى يسمى ( حسبة). وفي أتباعها الآن سلفيون وإخوان مسلمون.
أما السلفية المعاصرة فقد وفدت إلى إندونيسيا منذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري عبر عدة منافذ :
أحدها: خريجوا الجامعات السعودية، وخصوصاً : الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وكثير منهم تتلمذ على كبار المشايخ كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وفضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين، رحمهما الله.
الثاني: معهد العلوم العربية والإسلامية في جاكرتا، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي ضخ في المجتمع الإندونيسي آلافاً من الخريجين الذين تتلمذوا على المتون السلفية المعتبرة.
الثالث: المؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة ودول الخليج العربي التي وجدت في إندونيسيا أرضاً خصبة لنشر الدعوة، وعمارة المساجد، وإقامة المعاهد والمدارس، وعقد الدورات الشرعية، ونشر الكتب، وتقديم المنح الدراسية.
الرابع: الأفراد العاديون الذين يقدمون من المملكة ودول الخليج، بغرض السياحة أحياناً، فيتحمسون لعمارة المساجد، ودعم المناشط الدعوية، والخيرية.
وقد ساعد على ذلك التسهيلات التي تمنحها الحكومة الإندونيسية للأجانب، والتي استفادت منها، ولعقود طويلة مضت، ولا تزال، الجمعيات التنصيرية. فانطلق الدعاة يجوبون إندونيسيا من شرقها لغربها، ويزرعون الخير حيث حلوا، واكتظت البلاد بالجمعيات والمدارس الدينية، والمؤسسات الخيرية. ولا ريب أن هذه الفعاليات المتعددة المتنوعة قد أثرت في المجتمع الإندونيسي، وأنشأت جيلاً سلفياً واعياً، متحمساً، لكنه لا يزال قطرة في محيط متلاطم من البدع الصوفية المستوطنة، والخرافات المزمنة.
غير أن الساحة الإسلامية الإندونيسية الواقعة في شرق العالم الإسلامي قد انعكست عليها صورة الخلافات الحزبية، والمناهج الدعوية التي تعصف بقلب العالم الإسلامي، وطال ذلك الاتجاه السلفي الغض، الطري، فتلون بألوان الطيف السلفي، وطفق يشتغل بالخلافات الجانبية، ويشتغل بالمتشابهات، مما حد من قوة اندفاعه، وحد من سرعة انتشاره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وفي العقد الأخير نمت شجرة الرفض الخبيثة، وامتدت أغصانها الطفيلية إلى كثير من حياض المسلمين السنة، لسببين :
أحدهما: طلائع الطلاب الإندونيسين العائدين من إيران، الذين استقطبتهم الجامعات الشيعية، بعد قيام الثورة الخمينية، وانحسار القبول لدى الجامعات السعودية، فعادوا محملين بالمال والتشيع، وأسسوا المنظمات، والجمعيات، حتى زعم أحدهم أن تعدادها بلغ عام 2011م ، مائتين وخمسين (250) مؤسسة.
الثاني: التحالف الخبيث بين الرافضة والصوفية لمواجهة المد السلفي الذي ينبزونه بالوهابية، ويعدونه أشد خطراً على إندونيسيا من التنصير. وقد أجاد الرافضة إدارة الدفة في بعض المواقع، وأثاروا الدهماء ضد الدعاة السلفيين، وجمعياتهم.
وفي التقرير المنشور في هذا الموقع بعنوان ( الشيعة في إندونيسيا) ما يوقظ النائم، وينبه الغافل إلى السرطان الرافضي الذي يستشري في الجسد الإندونيسي.
وختاما، فهذه جملة من التوصيات في هذا المقام :
أولاً : يتعين على الدعاة السلفيين، لزاماً، أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويكفوا عن الشغب، والاشتغال بالمتشابهات، وإيغار الصدور، وتصنيف الناس على أسس ظنية، وأن يجتمعوا مع بعضهم بعضاً على كلمة سواء، ويتعاذروا، ويتغافروا، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويدركوا خطورة التفرق والاختلاف.
ثانياً: على الحكومات الإسلامية، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي أن يستنقذوا الاقتصاد الإندونيسي من الارتهان الإيراني المتنامي، فإندونيسيا دولة صاعدة واعدة، ذات قوة بشرية، واقتصادية، وزراعية، وسياسية. فينبغي أن توجه رؤوس الأموال والاستثمارات لها، لتوثيق الصلة مع العمق السني الجامع بين الطرفين.
ثالثاً: على الجامعات الإسلامية أن تلتفت التفاتة قوية إلى الشباب الإندونيسي الصاعد، الذي لا يزال ينظر نظرة إيجابية مشرقة نحو العالم العربي، وتمتلأ نفسه شوقاً وأملاً أن يتم دراسته في جامعات المملكة العربية السعودية، أو الأزهر، فتمنحه الفرصة العلمية، وتسهل إجراءات قبوله، قبل أن يتخطفه قطاع الطرق، ليعود رسولاً إلى قومه، مملوءً ولاءً للإسلام والسنة.
والله المسؤول وحده أن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويصلح حال المسلمين. والحمد لله رب العالمين.