أخطاؤنا مع الاختبارات

إبراهيم بن صالح العجلان
1433/07/03 - 2012/05/24 13:27PM
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين :
في هذه الأيامِ نعيشُ حالةَ اهتمامٍ واسْتِنْفارٍ، تَظافرتْ فيها الجهود, واسْتُفْرِغَتْ الطَّاقات ، صُدِّرتْ التعليمات , وكَثُرتْ التَّوجِيهات , وتـعدَّدَت الإرشادات .
قُدِّمت للمُجِدِّين الحوافزُ والتَّشْجعيات ،ولوِّحت للمتهاونينَ الملامةُ والتوبيخات.
إنها ...... أيامُ الامتحانات ، نعيشُها بما فيها من حلوٍ ومُرٍ ، وفَرحةٍ وحُزْنٍ ، مَشاعرُ مُختلفةٌ , ومواقفُ متباينةٌ , وكلُّ يَجني ما زَرَع , ويَحصدُ ما بَذَر .
بَقْدرِ الكَدِّ تُعْطَى ما تَرُوم ومَنْ طَلَبَ العُلا ليلاً يقوم
نعم أيامُ الامتحاناتِ أيامٌ قلائِل، لكنَّها مع قلَّتها معبَّأةٌّ بكثيرٍ من التَّغيُّرات ، مِنَ المُمكنِ أنْ نستثمرَها تربويَّا في توجيه أبنائِنا وشبابِنا،وتصحيحِ مسارِهم ، وتقويمِ رؤيتِهم ، فمِنْ أهمِ وأنفعِ التَّربيةِ : التَّربيةُ بالحَدَثِ .
فيا كلَّ والدٍ وأبٍ ، يا كلَّ مُرْشِدٍ ومُرَبٍ ، أَرْعِ لنا السَّمْعَ، واستجْمِع معنا القلبَ إلى حديث الأخْطاء - وكلّنا ذلك الخطَّاء - إلى "لاآتٍ" سبع ، نتعرَّفُها ونتَّقِيها ، فمعرفةُ الخطأِ سبيلٌ للوصولِ إلى الصواب .
_ اللاءُ الأُولى : لا للكَسَلِ .
نَرى في أيامِ الامتحاناتِ اشْتَعالَ العَزَائِمِ , وتَوَقُّدَ الهِّمَمَ , يَطيرُ النَّومُ عنِ الأَجْفَانِ ، ويَحُلُّ التَّحفزُّ والاهتِمامُ ، نفوسٌ كبيرةٌ ، وهِمَمٌ عَالية , تَنْشُدُ الذُّرى المَجيدة ، والمعاليَ الرَّفيعة .
في مثلِ هذه الأيامِ يُقْتلُ التَّسويفُ بسكينِ الجِّد , تُبْعدُ المُلْهِيات , وتُهْجَرُ الصَّوارفُ والمُشْغِلات ، حتى لا تكادُ تَرى لها ذِكْراً في قاموسِ الطُّلاب والطالبات .
الامتحاناتُ نَقْلةٌ نَوعيةٌ في حياةِ النَّاس ، وبرنامَجِهم اليومي ، ترى تنظيمَ الوقتِ واستغلالَه واقعاً ملموساً لدى كثيرٍ من الشباب .
فحريٌّ بنا أنْ نربيَ ونتربى على هذه الجِّدية , وتلك المثابرةِ , وأنْ نَجْعلَها جزءاً من شخصيتِنا في هذه الحياة ، إذ أنَّ عالمَ اليومِ , لا مكانَ فيه للكُسالى , وإنَّما هو لأولئِك الرِّجال , الذين يَسْري الجِّدُّ في أعماقِهم وأرواحِهم , من أجلِ تحقيقِ أهدافِهم.
وإذا كان الجدُّ عُنْوانَ شَخصيةِ المرءِ , ارتقى صاحبُه في سُلَّمِ الرِّيادة , وتبوّأَ موقِعَه في المجتمعِ ، وسَطـَّر اسمَه في سجلِ أبناءِ المستقبل .
وكتابُ ربـِّنا يُوضِّح لنا الأخذَ بمبدأِ الجدِّ والمثابرةِ أتمَّ الإيضاحٍ ، قال تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }
_ اللاءُ الثانية : لا للتفريطِ في جنب الله
في مثلِ هذه الأيامِ نَرى الإقبالَ على الخيرِ، تُعْمَرُ المساجدُ بالمصلين , وتَكْثُرَ الدعواتُ والابتهالاتُ , مع الإقلاعِ عن المعاصي , وتركِ المنكرات ، وهذه أمورٌ تُثْلِجُ الصدور , وتدلُّ على أنَّ في النُّفوسِ الغافلةِ بقايا من الخيرية .
فما أجملَ أنْ نجعلَ أيَّام الامتحاناتِ موسماً للطاعة, والمصافاةِ مع الله عز وجل .
لنُذَكِّرَ أولئك العائدينَ والمتغيِّرين , بأنَّهم قد أصابوا الطريق ، وساروا في المسارِ الصحيح ، ليسمعوا منا عباراتِ الثناء , وكلماتِ التشجيع .
لنُذَكِّرَهم بِسَعَةِ رحمة الله , وتوفيقِه لمن طلبَه ورجاه , وأنَّ الطاعة سهلةٌ ميسورة ، وأنَّ كلَّ خيرٍ وصلاحٍ وتوفيقٍ في هذه الدنيا ، مُرْتَهنٌ بطاعةِ الله , وأنَّ طاعةَ الله تعالى فوزٌ للعبدِ في دنياه قبل أُخراه {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
_ اللاء الثالثة : لا تَكُنِ الدنيا هي الغايةُ و المَقْصِد .
يا أيها الأبُ الرحيمُ الحنون , الذي أَجْهَدَ نفسَه ، وأَذْهبَ راحتَه من أجل نجاح ابنه.
أيها الأب المبارك :
حَسَنٌ منك اهتمامُك بابنِك , وبَصيرتُك بمستقبلِه ، إذ أنِّ الامتحاناتِ فيها ثمرةُ العلمِ ، ويقظةُ الوعيِّ , وخُلاصةُ التجربةِ ،,,,, ولكنْ هل سألتَ نفسَك أيها الأبُ المباركُ ، هل عَمَلتَ مع ولدِك لامتحانِ الآخرةِ ما تَعملُه الآنَ معه في امتحانِ الدنيا ؟
هل بَذلتَ الجُهْدَ المتواصلَ في تعليمِه وإفهامِه ما يُعينُه على اجتيازِ امتحانِ الآخرة ؟
قِفْ مع نفسِك بصراحةٍ وصدقٍ , وكلُّ إنسانٍ خصيمُ نفسِه :
هل أيقظتَ ابنَك لصلاةِ الفجر ,, بنفسِ الحِرصِ الذي تُوقظُه لإدراكِ الامتحان ؟
هل تعتني بتوجيهِه وإرشادِه إذا أخطأَ في أمرٍ شرعي , كما تعتني بتصحيحِ أخطائِه في مذاكرتِه ؟
تذكر يا رعاك الله : أنَّ أعظمَ مسئوليةٍ تَحَمَّلْتَها , وسَتَبْقى تَبِعاتُها لك ، أو عليك : هي ذريتُك وفلذاتُ كبدِك ، ماذا قدَّمت لهم من النُّصحِ والتَّوجيه, والتربيةِ والتأديب ما يقوِّمُ أخلاقَهم , ويُهذِّبُ سلوكَهم , ويَغْرسُ في قلوبِهم شجرةَ الإيمان , ومحبةَ اللهِ ورسوله .
وينشأُ ناشئُ الفِتيانِ منَّا *** على ما كان عوَّدَه أَبُوهُ
وما دَانَ الفَتَى بِحِجىً ولكنْ *** يُعـوِّدُهُ التـَّديُّنَ أقربوهُ
_ اللاء الرابعة : لا تَنسَ امتحانَ الآخرة :
كم نحنُ بحاجةٍ ونحنُ نرى رهبةَ الامتحاناتِ في نفوسِ الأبناءِ والشباب ، أنْ نربُطَهم بامتحانٍ عصيبٍ في يومٍ عظيم، سل نفسَك كم من المواعظ سمعها منك ابنك عن امتحان الآخرة،
ذلك الامتحان .... الذي تجثو من هولِه الركبُ , وتشيبُ له مفارقُ الصبيان
امتحانٌ فَصْل , وما هو بالهزل , لا يستوي فيه من آمن وعملَ صالحاً ، ثم اهتدى ، ممن أغفل قلبَه عن ذكرِ ربه واتَّبع هواه وكان أمره فرطا
امتحانٌ سيقف فيه جميعُ المخلوقين , صالحُهم وطالحُهم , إنسُهم وجنُّهم
بل وحتى صفوتَهم من الأنبياء والمرسلين {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ }
امتحان .. ليس في فصلٍ دراسيٍّ أو منهجٍ محدد ,, بل لجميعِ سنواتِ العمر , وأيامِ الحياة {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ }
سؤالٌ عن كلِّ كبيرٍ وصغير , وعظيمٍ وحقير , {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ }
امتحانٌ للجوارحِ والضمائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }
اختبارٌ يمتحن فيه الصادقون {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ }
وتُسأل الأممُ ماذا أجبتم المرسلين { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين }.
امتحانٌ لا ظلمَ فيه ولا تَظلُّمَ , ولا اعتراض {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }
امتحانٌ لا إعادةَ فيه ولا إكمال ، ونتيجتُه لا تستدركُ ولا رجوعَ فيها { وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
هذا الامتحان ، ليس في مكانٍ وفير , ومقاعدَ مريحة ,, بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك , وعلامِ الغيوب {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }
يقول النبيٌّ صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
هذا الامتحان أسئلتُه مكشوفة معلومة ,, قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم :
ـ ستسأل يا عبد الله ... عن عُمُرِك ماذا أفنيته فيه ؟ وعن شبابِك فيما أبليته ؟
وعن مالِك كيف كسبته ؟ ثم في أي شيء أنفقته ؟
ـ وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به ؟
ـ وستسأل يا عبد الله أولَّ ما تسأل ... عن صلاتك ؟ مدى حفاظك عليها وإقامتك لها ، فان صلحت صلاتك ، فقد أفلحت ونجحت ، وان فسدت خسرت وخبت .
وستسال أيضا ... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
وستسأل أيضاً... عن كل نعمة أسديت لك , أفي الحلال استعملتها , أم في الحرام سخرتها {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
إنها والله أسئلة عظيمة , ومواقف منتظرة مهولة , بكت من أجلها دموع الخاشعين وفرقت لهولها قلوب الصالحين .
ولو أنا إذا مُتْنا تُرِكْنا لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيٍّ
ولكنَّا إذا مُتْنا بُعِثْنا ونُسألُ بعدها عن كلِّ شيءٍ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين , أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب , فاستغفروه , انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى,والصلاة والسلام على عبده المصطفى,وعلى آله وصحبه ومن اجتبى،أما بعد فيا عباد الله:
_ واللاء الخامسة تقول: لا للنظرةِ المُفْرِطة في الامتحانات :
فبعض الآباء لا يسأل عن دراسة ابنه وتحصيله إلا إذا أظلت الامتحانات ، وبعض المعلمين , دائما ما يلوِّح لتلاميذه شبحَ الامتحانات , بين تارة وأخرى ، ومناسبة وغير مناسبة ، حتى أضحى مقياس العلم والتعليم لدى كثير من الناس مختَصراً في ذلك الاختبار ، ونُسيت الغايات النبيلة , التي قامت عليها الرسالة التعليمية , من إصلاحِ الجيل , وتربيةِ النشء , وبناءِ العقول , وتوثيقِ عرى الدين , ومكارمِ الأخلاق .
فالواجبُ التوسطُ والاعتدالُ في نظرتِنا للامتحانات , نعم نوصي الأبناءَ والتلاميذَ بالجدِّ والاجتهادِ فيها , ولكن لا تطغى قضية الامتحانات على جوانب الإصلاح والتربية .
_ اللاء السادسة : لا تكن الامتحانات هي المقياس
بعض الآباء , يجعل نجاح الولد أو إخفاقه في الامتحان , علامة على نجاح الولد في حياته , أو فشله .
فإذا نجح الولد كالَ له أبوه ألوانَ الثناء وأنواع المديح , التي ربما لا يجد الابن شطرها عندما يقوم بأداء واجبات دينية , وحقوق شرعية ،
وعلى النقيض من ذلك , لو أخفق الولد في امتحاناته , عاتبه والده وأنَّبه , ووبَّخه وبكَّته ، لا يجد الولد معشار ذلك التأنيب , حينما يقصر في أداء واجبات شرعية , أو يرتكب بعض المحرمات .
ولا شك أن هذا خلل في التربية , وتقصير في ترتيب الأولويات , وإعطاء ِكلِّ ذي حق حقه.
_ اللاء السابعة : لا تغفل عن المتابعة أيام الاختبارات .
وبالأخص في ساعات الصباح بعد الخروج من قاعات الامتحانات , فتتلقاهم أيادي الخبث , وقرناء السوء إلى مهاوي الردى .
وقلِّبْ نَظَرَكَ في المقاهي , أو محلات الإنترنت , أو في المتَسكِّعين في الشوارع لترى حجم أولئك الشباب , الذي ما عَرفَ بعضُهم هذه الأماكن , إلا في أيام الامتحانات , فكانت تلك الأيام شرارةَ الانحراف في حياة بعض الشباب , وتغيُّرِ كثيرٍ من أخلاقياتهم ، والسبب : غفلة الآباء عن أبنائهم .
فاتقوا الله أيها المسلمون في أمانة الأبناء , واحرصوا على متابعتهم وتربيتهم وحفظهم , وصلاحهم وإصلاحهم , فهم قرة عين لكم في الحياة , وذخر لكم بعد الوفاة . ... هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية .
المشاهدات 3137 | التعليقات 2

وفقكم الله شيخنا الفاضل وزادكم علما وتقى .. خطبة أكثر من رائعة


من فضلك شيخنا أحببت السؤال عن حساب في تويتر بنفس أسمكم فهل هو لكم أم تشابه أسماء ؟


أهلا بالشيخ عبد الله العصيمي ، تقبَّل الله دعاءك وجعلنا وإياك مباركين أينما كنا

بالنسبة لتويتر .. فأنا مسجل باسمي الثلاثي ،

سددك الله يا شيخ عبد الله