أخذ العبرة من الامتحانات

أيها المسلمون:

غداً توفى النفوس ما كسبت  

     ويحصد الزارعون ما زرعوا

‏إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم  

     وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا

اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، حياة البعض منا سهو ولهو وغفلة، وفي يوم القيامة يندم المفرطون.

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا  

ندمت على التفريط في زمن البذر

غدًا سوف يبدأ امتحان الأولاد في مراحل التعليم العام من بنين وبنات وهذا الامتحان يذكرنا بالامتحان الأخروي يقول الله - تعالى -: ﴿فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، وفي هذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أن المعلمَ والأبَ لهما دور كبير في نجاح الولد، وتفوقه وصلاحه واستقامته، فما أعظم أثرهما! وما أجلّ عطاءهما.

فأما المعلم: فالأبناء بين يديه يتربون. وسلوكهُ وكلماتهُ مصابيح تنير لهم الطريق، والجميع يدينون له بالفضل كيف لا!! وهو يحمل رسالة كريمة، وأمانة عظيمة. فيا معلمَ الأبناءِ الخير إليك بشارةَ نبيّ الهدی ﷺ حيث يقول: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتی النملة في جحرها وحتى الحوتَ ليصلّون على معلمي الناس الخير) رواه الترمذي.

المعلم المخلص يبني عقولَ طلابه، ويأخذ بأيديهم إلى شواطئ الأمان، ومرافئ السلامةَ، وسواحل النجاة.

فهنيئًا للمعلم المخلص هذا الإنجاز وذلك العطاء، فعلى يديه يتربي الأجيال، ويتخرج الرجال، وتنهض المجتمعات.

وأما الآباء فدُورهم يعرف ولا ينكر، وجهدُهم يذكر فيشكر، فما أحسن وما أجمل أن يحرصوا على القرب من أبنائهم قربًا حسيًّا ومعنويًا؛ لينالوا بذلك رفعة الدرجات، وتكفير السيئات!!

فأما القربُ الحسي فيكون في الجلوس معهم، وعدم الغياب عنهم، ومتابعة أمورهم وإشعارهم بقيمتهم وإدخال السرور عليهم، ويتجلى القرب المعنوي في أن يكون الأب لأبنائه شفيقًا رحيمًا، ودودًا رفيقًا عطوفًا يسمح ويعفو، ويعذر ويغفر، ويتجاوز ويصفح.

إن من أخطر ما يواجه الأبناء، الفجوة بينهم وبين آبائهم، فهي عاملٌ قوي تجعل الابن يمتنع عن إظهار مکنون صدره لوالده، فيبوح بما في سريرته إلى غير والده ممن لا يحمل له المودة والشفقة، وقد يوقعه في مهاوي الردى، ومسالك الرذيلة، وأوحال الجريمة.

 

 

إن قرب الأب من أبنائه والتبسطَ معهم في الحديث ومبادلة الرأي، من غير إخلال باحترام الوالدين سلامة للأبناء، وطمأنينة للآباء وقاعدة في تأسيس بر الوالدين وفي تقوية الصلة مع الأقربين

أيها الآباء:

إن امتحانات الأبناء على الأبواب فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فلن تضيع جهودكم سدی، ولن تذهب أعمالكم هباء كلا! فهذا التعبُ معهم، والتواصل مخلوف -بإذن الله تعالى- في دنيا الأبناء وفي أخراهم، فأما في الدنيا فتفوقهم، وصلاحهم، وحُسنُ أخلاقهم بتوفيق الله، وأما في الآخرة فرضا رب العالمين، وتأهلهم لجنة نعيمها لا ينفد، وسرورها لا ينقطع، وسعادتها لا تزول.

لقد أحسنتم معشر الآباء حيث قمتم بمسؤوليتكم تجاه أولادكم، وحملتم أمانة ربكم، وتابعتم أبناءكم بالتربية والنصح والتوجيه.

فهنيئًا لكم صلاح الأبناء، ورضا رب الأرض والسماء.

أيها الآباء:

أوصيكم بالاهتمام بأبنائكم على قدر إمكانكم، ولاسيما في موسم الامتحانات.

إنّ بعضًا من الآباء قد لا يهتمون بالأبناء أيام الامتحانات مع أنهم أهل للإرشاد والتوجيه والتعليم فلا إرشاد ولا توجيه ولا دعاء ولا تنبیه، ولكن كم يفرح الولد ويسعد حينما يسمع الدعاءَ من والدهِ له بالتوفيق والنجاح، والفوز والفلاح، في الدنيا والآخرة؟!

فهلا أكثرت أيها الوالد الكريم من الدعاء لابنك، على مسمع منه وبظهر الغيب، وهلّا أسمعته أنك مهتم به. إنه يُسر ويفرح بذلك، فهو يشعر أن أحدًا يقف بجانبه في تعبه وعنائه.

إن رعاية الأبناء والعناية بهم دائمًا، وفي هذه الأيام بخاصة، والسؤال عن حالهم وامتحاناتهم، إن ذلك من أكبر المؤثرات على نتائج الأبناء، ونجاحهم، وفرحهم وسعادتهم. ومما ينبغي أن يتنبه له الآباء: أن يشجعوا أبناءهم ويحثوهم على المحافظة على الصلاة وأدائها في أوقاتها مع الجماعة، وبخاصة صلاة الفجر والعصر حيث يسيطر النوم على البعض، ولاسيما مع السهر في فصل الصيف.

فالأجدر بالآباء أن يشفقوا على أنفسهم وعلى حبات قلوبهم وأكبادهم من النار. يقول الله - تعالى -: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾ [التحريم: ٦]

وعلى الآباء أيضًا أن يعرفوا جلساء الأبناء وأصدقاءهم الذين يذاكرون دروسهم معهم، وذلك من خلال استضافتهم في المنزل أو الذهاب إلى مكان لقاءاتهم، والتعرف على ما يزاولونه، فتأثير الجليس على جليسه كبير جدًا، قد يفوق تأثير الأسرة مجتمعة وتأثير المدرسة مجتمعة، يقول رسول الله ﷺ: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه أبو داود والترمذي.

إن من الخطأ البيّن أن يظن بعض الآباء أن الحل الأمثل والصحيح في كل ما يهدد الأبناء من فتن الشبهات والشهوات يكمن في إبعاد الأبناء عن الأصدقاء والزملاء، وما يزاوله الطالب من مذاكرة أو أنشطة.

إن ذلك الاجتهادَ قد ينفع في مرحلة عمرية، ولكنه لا ينفع في مراحل أخرى بل قد تكون له مضاعفاتٌ خطيرة، ونتائج عكسية، وردود فعل شديدة، قد يدفع الابن إلى الغلوّ في الأفكار، والانحراف في المفاهيم، وقد يقوده إلى الانحراف الخلقي والفساد السلوكي، فالحل الأمثل يكمن في تربية الأبناء على الخوف من الله عز وجل، ورجاء ما عنده، والتربية على التمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والجليس الصالح وجلساء السوء، وليس هناك ما يمنع من أن يستعين الأب على التربية على الخير واختيار الجلساء الصالحين بالعلماء أو طلاب العلم أو الدعاة أو المربين، مع ضرورة التضرع الدائم إلى الله تعالى أن يصلح الأبناء ويهديهم ويحفظ دينهم وأخلاقهم.

أيها الآباء:

أيام الامتحانات موسم من مواسم الأشرار، الذين يبيعون السموم ويروجونها باسم المسكّنات والمسهرات والمنشطات على المذاكرة، ومع كل أسف فالاستغلال يكون على أشده، فالمتعاطون يحبون أن يقع غیرهم فيما وقعوا فيه، ولذا فهم يستغلون الطلاب ويسعون لإفساد أخلاقهم واستغلالهم، فليكن الأب على حذر وليحرص أشدّ الحرص على أبنائه؛ هل تعلمون أن الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات وفق الله القائمين عليها، قد أحبطوا خلال الأيام الماضية إدخال أربعة ملايين وأربعمائة حبة مخدرة؟

كم سيكون أثرها خطيرًا لو تمكن المفسدون - لا قدر الله - من إدخالها وترويجها بين أبنائنا؟

إن الأشرار يستغلون موسم الامتحانات، فیروجون هذه السموم بحجة القدرة على التركيز والاستيعاب والفهم، وذلك كله وهم لا رصيد له في الواقع.

ألا قاتل الله الأشرار والمفسدين، الذين يريدون أن يقضوا على عقول أبنائنا وصحتهم، ووفق الله وأعان وسدد من يكافحون المخدرات، ويبذلون جهدهم ووقتهم وأنفسهم ليحموا الأبناء منها، ويقوا المجتمع من خطرها. تحية إكبار لهم وفقهم الله وأعانهم.

أيها الناس:

اعتاد البعض من الطلاب أثناء أيام الامتحانات على ممارسات خاطئة بعيدة عن الخلق الفاضل والذوق السليم ينبغي علينا جميعًا أن نتعاون على تلافيها أو التقليل منها فمن ذلك:

كثرةُ الدوران بالسيارات من غير داع، وبخاصة حول المدارس وتجمعات الطلاب.

وقد يمارس البعض التفحيط فيؤذي غيَره ويزعجه ويضره ويضر نفسه وللجهات الأمنيّة إيجابيات تذكر فتشكر في منع مثل هذه الممارسات غير المسؤولة؛ ومسؤولياتهم أشد في أيام الامتحانات، كان الله في عونهم وسدد الله خطاهم ونفع بهم وبارك فيهم.

ومن الممارسات الخاطئة: إركاب الطلاب ولا سيما الصغار في السيارات فإن بعضهم لسذاجته قد لا يمانع من الركوب، وهنا تكمن الخطورة، فالأشرار يستغلون من يقع بأيديهم وذلك بإيقاعهم في العادات السيئة كالتدخين وغيره أو بإفساد أخلاقهم باطلاعهم على ما تحتويه الهواتف المحمولة من صور إباحية ومشاهد فاضحة، وقد يكون هذا الطالب الغض ضحية سهلة لأولئك الشياطين فيستغلونه لأعمالهم المشينة من التصوير وغيره إلى آخر القائمة الشريرة والتي منها الوقوع في الفاحشة.

ومن الممارسات الخاطئة:

تجمع الطلاب بعد الامتحان في المطاعم من أجل الإفطار الجماعي، وفي ذلك ما فيه من اكتساب العادات السيئة وسماع الألفاظ النابية، والمطعم مفتوح لكل من هبّ ودَبّ.

فاحرص أيها الأب الكريم، ثم احرص على ثمرة فؤادك وقطعة كبدك، لا تدعه سائبًا في الشوارع ساعات متواصلة.

ومن الممارسات الخاطئة:

إيذاء المارة برش المياه على السيارات بواسطة البالونات ونحوها، وفي هذا سوء أدب، وقلة ذوق، وعدمُ احترام وإيذاء متعمد للآخرين مع ما فيه من إسراف في إضاعة المياه الصالحة للشرب، وهنا يأتي دور الآباء في العناية بالأبناء والاهتمام بهم. فواجب الأب أن يحرصَ على ابنه ويهتمّ به، ويوصله إلى المدرسة، ويعيده إلى المنزل، ولا يدع فرصة لمكثه وجلوسه مع من قد يكون سببًا في انحرافه، وفساد خلقه وضياعه، فاحرص ولا تدع لأهل الشر الفرصة لإفساده، فإنهم يسيرون على خطة عدو الله الشيطان.

 

***

المرفقات

1730223948_أخذ العبرة من الامتحانات.docx

المشاهدات 407 | التعليقات 0